المجتمع الدّولي.. وَهْم الحُضور
تاريخ النشر: 31st, October 2024 GMT
يبدو القول بالمجتمع الدولي ضرباً من الوهم،
ما كان للبشرية، في عصرنا الحالي، أن تنْحت من تجاربها الطويلة في "التعارف، والتدافع، والحروب"، مصطلح" المجتمع الدولي" لولا أنّها حملت بعضاً من اليقين في أن الصراع بين أممها وشعوبها ينتهي في الغالب ـ الانتصار أو الهزيمة ــ إلى عودة لأصل التجمّع البشري والعمران والمدنيَّة.
. وفي النهاية الحضارة، وتلك حالة لا ينفيها أو يُنهيها إلا الخروج من "الاجتماعي" ببُعده الإنساني إلى حيث السياسي، وما فيه من وراثة التوحش والهمجية.
غير أن تلك العودة إلى "الاجتماعي" والانبعاث منه، أو حتى تذكره باستنهاض المشاعر الإنسانية الجامعة أو تثويرها، لم يشكل في عالم "السياسي" اتفاقاً جامعاً حول معنى المصطلح، رغم وضوح القواعد القانونية والاتفاقات، الأمر الذي كشف عن عجز واضح في تحقيق الهدف منه.
لقد أفسح غياب الاجماع حول التفسير، وما تبع ذلك على المستوى العملي، لمسألة " المجتمع الدولي"، المجال أمام سيادة العلاقات الدولية اعتمادا على"القوة والضعف"، فبالنسبة للدول القوية يعني السيطرة على الدول الضعيفة، في حين تسعى هذه الأخيرة لأجل الحصول على حقوقها، ولو على الحد الأدنى منها، في محاولة منها للخرج من الظلم والقهر والسيطرة.
إن الاعتراف، ثم الإقرار، بمصطلح المجتمع الدولي من منطلق البحث عن حماية للدُّول، حتى لو كانت نظريَّة، كشف عن حاجة عامة لإبقاء بعدنا الإنساني على مستوى العلاقات الدولية، غير أن تلك الحاجة لم تتحقق إلا في حالات نادرة لا تكاد تذكر، ورغم تعميق البعد النظري لجهة القول بالمجتمع الدولي، كما هو ظاهر في القرارات الدولية، خاصة الصادرة عن مجلس الأمن، نحن نتجه اليوم إلى التخلي عنها في ميل واضح لكفة القوة على حساب الانتماء للمجتمع الإنساني، ويرجّح أن يكون بيننا وبينها أمد بعيد في المستقبل المنظور، استناداً لما هو واقع اليوم في أوكرانيا وفي فلسطين ولبنان.
وعلى الرغم من افراغ مصطلح "المجتمع الدولي" من محتواه المجتمعي والإنساني، إلا أنه يشق طريقه حضوراً عبر ثلاثة مسارات، أولها: المسار السياسي، وثانيها: الدبلوماسي، وثالثها: الإعلامي، وهذه المسارات الثلاثة، جعلته خطاباً سائداً في المحافل الدولية، لكنه عديم الصلة من حيث حاجات الدول والشعوب والمجتمعات إليه، وفي هذا السياق يمكن طرْح السؤال الآتي: ما الذي يقدمه المجتمع الدولي على صعيد الحروب والضحايا والمصابين، الذين انتظروا ـ ربما لعقود ـ انقاذهم مما كانوا فيه؟
وإذا كان مصطلح المجتمع الدولي، على مستوى الخطاب اليومي لقادة الدول وكذلك الشعوب المستضعفة، قد ارتبط بظهور الأزمات والحروب في محاولة لإيجاد حلول لها، ومثَّل أملاً منتظراً، فإنه على المستوى العملي يأتي ـ دائماً ـ مُحمَّلاً بوصف لدول العالم وحكوماتها عندما تتفق على أمر ما، وليس بالضرورة يتم تنفيذه.
والمقصود في الغالب هنا جميع الدول ذات النفوذ الدولي التي تختار المشاركة في المناقشات العالمية، وصاحبة القرار السياسي النهائي في معظم القضايا، ومنها خصوصاً السلم والحرب بعيداُ عن الجانب الاجتماعي، أو ما يعرف بالمجتمعات، بما فيها تلك التي تعدّ خطراً على البشرية بما تنتجه من أضرار، وتصدِّرُه لدول العالم الضعيفة.
ويبقى أن مصطلح "المجتمع الدولي"، في ظاهره معروف حين يتعلق الأمر بالتدخل المباشر للدفاع عن مصالح الدول القوية، لكنه يبدو مجهول الهوية والكينونة عندما يتناول قضايا الدول الضعيفة، الأمر الذي يجعل منه عملة ذات وجهين مختلفين، الوجه الأول يمثل "حقيقة الحضور" للأقوياء، والوجه الثاني يخص "وهم الحضور" عندما يركز على الدول الضعيفة.
ومن صرخات هذه الأخيرة وأوجاعها وآلامها التي لا تنتهي، يبدو القول بالمجتمع الدولي ضرباً من الوهم، بحيث لم يعد محل للظّن أو الشّك، أما بالنسبة لليقين، فإنه لن يعرف له طريقاً إلا في حال تحوّل العالم إلى قطبية متعددة، قد تُسْهم في تحقيق بعض من التعايش بين دول العالم جميعها، لكن عليها ألاَّ تظل تطارد شبح التعايش السلمي، لأن الصراع هو الحقيقة الماثلة اليوم، وربما غدا أيضا.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة إسرائيل وحزب الله إيران وإسرائيل السنوار غزة وإسرائيل المجتمع الدولی
إقرأ أيضاً:
اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص.. منصة لدعم جهود المجتمع الدولي لإنجاح دور المنظمات الحقوقية
يُصادف اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، الـ 30 يوليو من كل عام، الذي أقرّ لأول مرة في عام 2013م من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ليكون مرجعًا سنويًا يُسلّط الضوء على جريمة الاتجار بالأشخاص، ويُركّز جهود المجتمع الدولي نحو مكافحتها، ودعم جهوده لإنجاح دور المنظمات الحقوقية والمبادرات الإنسانية في هذا المجال.
وتُشارك المملكة العربية السعودية منظومة دول العالم، في الاحتفاء بهذا اليوم الذي يهدف لرفع الوعي بشأن جريمة الاتجار بالبشر، وحماية حقوق الضحايا، وتعزيز التعاون على المستويات الدولية لمكافحة الشبكات الإجرامية التي تستغل البشر بوسائل متعددة، مع تحفيز المجتمعات، على العمل المشترك لمنع الجريمة ومعاقبة مرتكبيها، إضافة إلى دعم تقديم الخدمات الطبية والنفسية والقانونية للضحايا.
ويدخل في الاتجار بالأشخاص نقل، أو تجنيد، أو إيواء، أو استقبال الأشخاص، عن طريق التهديد، أو القوة، أو الخداع، لأغراض الاستغلال الجنسي، أو العمل القسري، والاستعباد، والتسول، والاتجار بالأعضاء، مما يُعدّ جريمة من أسرع أنواع الجرائم نموًا في العالم، تدُر المليارات سنويًا على الشبكات الإجرامية، وبطرق غير مشروعة.
وتلعب المملكة دورًا مهمًا في مكافحة الاتجار بالأشخاص، على مختلف الأصعدة لمواجهة هذه الجريمة الخطيرة التي تمس الكرامة الإنسانية، كإصدار نظام مكافحة الإتجار بالأشخاص، وتحديث الأنظمة ذات الصلة، كنظام العمل، ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية لضمان انسجامها مع المعايير الدولية لمكافحة الاتجار، إضافة لارتباطها باتفاقيات دولية مع المنظمات لتبادل الخبرات والمعلومات، مما أحرز لها تقدمًا ملحوظًا في معالجة هذه الظاهرة.
وتوّجت المملكة نجاحاتها في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص، بمنظومة من البرامج والأنشطة التي ترفع من منسوب الثقافة التوعوية للتصدي للجريمة، وتبني الأنظمة الصارمة لحماية حقوق العاملين، ومكافحة الاستغلال، وعقد الندوات، وورش العمل للتعريف بهذه الظاهرة وأبعادها.