«وادى الريان» بين السحر والجمال.. انتعاش السياحة بفضل الحرف اليدوية في الفيوم
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
كنكة وفنجان بألوان مبهجة من الفخار، شنط صُنعت من الخوص وتزينت بخرز ملون تداعبه أشعة الشمس المنعكسة عليه بين الحين والآخر، سجاد يدوى بتصميمات مبهجة، «قُلة» تجمع ما بين عراقة الماضي وبريق الحاضر، وعشرات الأشكال والأنواع والأحجام المختلفة من الهدايا اليدوية، التي صُنعت بحب، وزينت معرض الحرف اليدوية بوادي الريان في محافظة الفيوم.
لا يدخل زائر أو سائح إلى شلالات وادي الريان قبل أن يمر على المعرض، فيشتري منه الشال البدوي؛ ليلتقط به صورًا مبهرة، ويتجه آخر إلى الطبلة أو الدف؛ ليصنع احتفاله الخاص داخل منطقة الشلالات الساحرة.
وكما يكون المعرض هو المقصد الأول للزوار والسياح، سواء من داخل مصر أو من مختلف دول العالم، يكون مقصدهم الأخير بعد انتهاء جولتهم داخل شلالات وادي الريان لشراء الهدايا المميزة؛ للاحتفاظ بها كتذكار لتلك الرحلة الممتعة، أو لإهدائها إلى الأصدقاء والمعارف.
بابتسامة عريضة، يقول محمد محمود، أحد الباعة في المعرض: «الحمد لله الموسم السنة دي أحسن ما يكون، والشتا جاي علينا بالخير»، موضحًا أنّه منذ بداية فصل الخريف انتعشت حركة السياحة في محمية وادي الريان بصورة كبيرة بعد ركود دام طوال الصيف، كما تزايدت أعداد الزوار لأكثر من ضعفين هذا العام، مقارنة بالأعوام الماضية في نفس التوقيت.
يتفق معه عمر أحمد، أحد باعة المعرض، ويضيف، لـ«الوطن»، أنّ السياحة الأجنبية هذا العام منتعشة جدًا، إذ إنّ متوسط السياح الأجانب كل عام كان يبلغ نحو 70 زائرًا يوميًا لمحمية وادي الريان، أما هذا العام فالمتوسط يقدر بنحو 350 زائرًا أجنبيًا يوميًا، وهو رقم لم تشهده المحمية منذ سنوات.
يوفر المعرض جميع منتجات الحرف اليدوية التى تُشتهر بها محافظة الفيوم، بحسب «عمر»، ومعظمها صُنعت بأيدي السيدات: «كل منتجات الخوص تصنع بأيدي سيدات قرية الإعلام بمركز الفيوم، والفخار يُصنع في قريتي فانوس بطامية والنزلة بيوسف الصديق، والخزف يُصنع في قرية تونس السياحية، أمّا السجاد اليدوي فيصنع في قريتى دسيا بمركز الفيوم والجمهورية بمركز طامية، وأخيراً شنط الباتش وورك تصنع بأيدي إحدى سيدات قرية قارون».
موسما الخريف والشتاء هذا العام جلبا الخير للجميع وليس لباعة المعرض فقط، فيشير «عمر» إلى انتعاش رحلات السفاري، ومعها الأكلات الريفية، وازدهر عمل المراكبية بسبب إقبال الزوار على أخذ جولة في بحيرة وادي الريان بالمركب لمشاهدة وإطعام الطيور المهاجرة، كما انتعش تأجير ألواح التزحلق على الرمال، الذي يشهد إقبالاً غير مسبوق هذا العام.
من ناحيته، أوضح محمد عبدالله، مشرف على إحدى رحلات المدارس، لـ«الوطن» أنّهم ينظمون رحلة وادي الريان فى مثل هذا التوقيت من كل عام لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، مؤكداً أنّها تعد أفضل رحلة لتلك الأعمار، حيث يفرغون طاقتهم في شىء ممتع أشبه بالمغامرة وهو التزحلق على الرمال، ويستمتعون بجولة المركب، وكذلك يحرصون على ارتداء الشال البدوي والتقاط الصور أمام الشلالات، وذلك أفضل من الملاهي بكثير بالنسبة لهم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: وادي الريان شلالات الفيوم منتجات الفخار الحرف اليدوية صناعة الخوص رحلات السفاري الحرف الیدویة وادی الریان هذا العام
إقرأ أيضاً:
د. منال إمام تكتب: الجمال الكوني والجمال الوضعي.. الأبعاد الجمالية والروحية والثقافية
وفي ظل الفوضى الجمالية المعاصرة، التي أنتجها الاستهلاك البصري السريع والانفصال عن الطبيعة والقيم، تأتي الحاجة الملحة إلى تربية الذوق الجمالي، وتنمية التقدير الواعي للجمال الكوني والفني معًا، من خلال التربية، الإعلام، والفنون الهادفة، ويُعد الجمال قيمة إنسانية عالمية، تثير الإعجاب، والتأمل، والتساؤل. ويتجلّى هذا الجمال في صورتين أساسيتين: الجمال الكوني الذي أبدعه الله، والجمال الوضعي الذي صاغه الإنسان. وبينما ينطوي الجمال الكوني على رهبة وعظمة خارقة لا يد للإنسان في صنعها، فإن الجمال الوضعي يعكس محاولات البشر لفهم الجمال والتعبير عنه. ويتجلّى الجمال الكوني في مظاهر متعددة من الطبيعة والخلق، لا تقتصر على الجانب البصري فحسب، بل تمتد إلى السمع، والإحساس، والتناسق العام في النظام الكوني. وهذا الجمال ليس ناتجًا عن تدخل بشري، بل هو تعبير مباشر عن إرادة الخالق، وتجلٍّ لقدراته المطلقة في الإبداع والإتقان.
وللجمال الكوني أثر روحي ونفسي فالجمال الكوني لا يخاطب الحواس فقط، بل يتسلل إلى عمق النفس، ويوقظ فيها معاني السكون والتأمل. وقد جعل الله الجمال في الكون وسيلة لتذكير الإنسان بعظمته وقدرته، ودعوة للتفكر والتسبيح. كما أن هذا الجمال يبعث الطمأنينة، ويقوّي الصلة بالخالق، ويعزّز الإيمان في القلوب.وتتعدد اشكال الجمال الكوني في نماذج عديدة منها:
جمال الطبيعة: الطبيعة بكل مكوناتها – من جبال، وأنهار، وبحار، وسماوات، ونجوم حيث تعكس نظامًا بالغ الدقة والجمال. فاللون، والشكل، والحركة في الطبيعة تتكامل في تناغم يجعل الإنسان يشعر بالطمأنينة والانبهار في آنٍ واحد. يقول تعالى: "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ" النمل: الآية 88، وهو تعبير قرآني عن الكمال في خلق الله. وأيضاً جمال التوازن والنظام: الكون يسير وفق قوانين دقيقة، من دوران الكواكب إلى توازن عناصر الحياة على الأرض. هذا الاتساق يُعد أحد أعظم صور الجمال الكوني، حيث لا فوضى ولا عبث. قال تعالى: "وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ" سورة الرحمن: الآيات 7–8 وهو ميزان دقيق يحكم كل شيء، بما فيه الجمال. جمال التنوع: في الكون تنوع مذهل في الألوان، والأصوات، والأشكال، والكائنات، وكل ذلك لا يُنتج تشويشًا، بل تآلفًا يعبّر عن جمال التنوع دون تضاد، قال تعالى:
"وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِين" َسورة الروم: الآية 22، جمال الصوت الطبيعي: كصوت خرير الماء، زقزقة العصافير، هدير البحر، وحفيف الأشجار، وهي أصوات تحمل نغمًا فطريًّا يريح النفس ويجذب الحواس دون تكلف.
أما الجمال الوضعي هو الجمال الذي يصنعه الإنسان، وهو نتاج خبرته، خياله، ذوقه، ووعيه الجمالي. يتمثل هذا النوع من الجمال في الفنون التشكيلية، العمارة، الأدب، التصميم، الموسيقى، وغير ذلك من الإبداعات التي تعبّر عن حاجته الفطرية إلى التنظيم، الإبداع، والتعبير عن الذات. وقد تطوّر مفهوم الجمال الوضعي عبر العصور، من محاكاة الطبيعة في العصور القديمة، إلى الابتكار والتجريد في الفنون الحديثة، ثم إلى التجريب والرقمية في العصر الراهن، ومن أشكاله العمارة والفنون مثل الفن التشكيلي والموسيقى والأدب والشعر و الزخرفة والخط العرب والفنون الرقمية والتصميم الحديث وفي عصرنا، أصبح الجمال الوضعي يعتمد على التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي، مما أتاح أشكالًا جديدة من التعبير، مثل التصميم الجرافيكي، الواقع الافتراضي، والفنون التفاعلية، ويعتمد الجمال الوضعي على الابتكار ويتأثر الجمال الوضعي بالسياق الثقافي والاجتماعي، فيختلف ذوقه من حضارة إلى أخرى ويتغير مع الزمن ويخضع لتأثيرات الإعلام والموضة والتعليم.
ويساعد الجمال الوضعي في بناء هوية ثقافية، ويُعزز من التواصل الإنساني، ويعمل كوسيلة للتعبير عن الذات.
رغم اختلاف مصدر كلٍّ من الجمال الكوني والوضعـي، إلا أن هناك قواسم مشتركة بينهما من حيث الأثر والتجربة الجمالية، ويمكن القول إن الجمال الكوني والوضعـي ليسا متعارضين، بل متكاملين في بناء الوعي الجمالي الإنساني. فبينما يربطنا الجمال الكوني بعظمة الخالق ويدعونا للتأمل والتسبيح، يمنحنا الجمال الوضعي فرصة للتعبير والخلق والمشاركة في بناء عالم أجمل. ومن هنا تبرز أهمية الموازنة بين التأمل في جمال الخلق، وتوجيه طاقاتنا الإبداعية لما يخدم الذوق والقيم في آنٍ معًا، ورغم التباين، فإن الجمال الوضعي كثيرًا ما يستلهم عناصره من الجمال الكوني، في محاولة لمحاكاته أو تقليده أو ترجمة أثره إلى عمل فني. فالفنان، مهما بلغ إبداعه، يبقى متأثرًا بما يراه في الطبيعة والكون. وفي ذلك تكاملٌ بين الأصل والتجربة الإنسانية.