- ضرورة إدراج مناهج في التفكير النقدي والوعي الاجتماعي

- على الأسرة أن تحفّز الحوار المفتوح والنقاش حول القضايا المعاصرة

- قلة مؤسسات الدعم النفسي والاجتماعي للشباب يجعلهم عرضة للتأثر بالأفكار السلبية

تشكّل القيم والهوية العمانية البوصلة التي تحدد مسيرة المجتمع العماني مستقبلًا، والركيزة الأساسية لبناء مجتمع قوي ومتماسك، ولكن في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، أصبحت هناك تحديات جديدة تواجه النشء، تتطلب منهم التمسك بالقيم والهوية.

"عُمان" استعرضت أهمية دور الأسرة في حماية أبنائها من التأثيرات السلبية التي قد يتعرضون لها، وضرورة تزويدهم بالأدوات اللازمة لمواجهة تحديات العصر، وسلّطت الضوء، من خلال استطلاع مع مواطنين، على الإستراتيجيات الوقائية للتصدي لبعض الأفكار المضللة وكيف يمكن للأسرة أن تبني جيلًا واعيًا، معتزًا بقيمه وتاريخه، قادرًا على الإسهام في بناء مستقبل زاهر لوطنه.

وقال ماجد بن محمد الوهيبي: إن هناك تحديات تواجه الأسر تتمثل في "دس السم في العسل" عبر نشر الأفكار السلبية وتصويرها من خلال شخصيات كرتونية يحبها ويتابعها الأطفال، وعلى رب الأسرة أن يبني علاقة مبنية على الثقة بينه وبين طفله، ليتمكن الابن من التحدث بكل أريحية، حيث إن أسلوب التعامل مع الطفل له دور كبير؛ فكلما أصغيت إليه، ومنحته وقتك، واقتربت منه كثيرًا، كسبت ثقته وفتح لك قلبه.

وأضاف: إنه يجب على رب الأسرة الاستماع لرأي الطفل بتمعن واهتمام بالغ، ثم محاولة توضيح الصواب له عبر مقارنات تتناسب مع مستوى تفكيره، بأدلة مبسطة تبين له الحق من الباطل، وأكّد على أن دور المؤسسات التعليمية مهم في هذا الجانب، حيث إنها تكمل دور الأسرة في المنزل بالمتابعة.

وحول أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل، أشار إلى الأخلاق والصدق والأمانة، وضرورة غرس حب الوطن من خلال رموزه وتاريخه العريق، كما أكّد على أهمية تصوير هذه الشخصيات بشكل مبسط للنشء، مثل العلماء والأئمة والسلاطين وتاريخهم المشرف في الدفاع عن الوطن.

القدوة الحسنة

وأفادت فاطمة الحارثية أن الأسرة تعد المدرسة الأولى التي يستقي منها الطفل قيم الحياة، ومنبع تكوينه، لذا يجب على الأسرة أن تعي دورها في غرس القيم والمبادئ العمانية التي نشأنا عليها، وعدم التهاون فيها، ولكن بدون إكراه بل بأسلوب ممتع يجذب الابن، مشيرة إلى أن غرس القيم عملية تحتاج إلى صبر ومثابرة، وتعليم الأبناء يتم بالمشاهدة أكثر من السمع.

وأكّدت على ضرورة أن يكون الأب والأم قدوة حسنة في تطبيق القيم العمانية في حياتهم اليومية، مثال على ذلك ربط قيمة الكرم من خلال ضيافة الضيوف، وربط قيمة الاحترام بكبار السن، كما أنه على الوالدين أن يعلموا أبناءهم ضرورة احترام الرأي الآخر، حتى وإن اختلف مع رأيهم.

وأوضحت أنه يمكن للوالدين أن يقصوا على أبنائهم قصصًا عن الأجداد والتاريخ العماني وأبرز العلماء القدامى، ويسردوا بعض القصص المعاصرة التي تتناول قيمًا إيجابية.

المشاركة في المناسبات الوطنية

وأوضحت إسراء بنت محمد الرحبية أن تعزيز الهوية الوطنية لدى النشء هو استثمار في مستقبل الوطن، فهو يزرع في نفوسهم حب الوطن والانتماء إليه، ويغرس القيم والمبادئ التي تبني المجتمعات القوية، ومن أجل ذلك ينبغي على الأسرة أن تصطحب أبناءها لزيارة بعض المتاحف والمعالم العمانية، كمتحف عُمان عبر الزمان، لتعريفهم بتاريخ سلطنة عُمان وتراثه الأصيل، وإشراك الأبناء في احتفالات العيد الوطني.

وأضافت الرحبية: على الأسرة أن تحفز الحوار المفتوح والنقاش حول القضايا المعاصرة، ومساعدة الأبناء على التعبير عن آرائهم ومناقشة أفكارهم بكل أريحية.

وأشارت الدكتورة نصراء بنت مسلم الغافرية، مساعدة رئيس مركز شؤون الطلبة بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بعبري، إلى أن أبرز التحديات التي تواجه المجتمع العماني في مجال الحصانة من الأفكار المضللة هي التأثيرات الخارجية، حيث إن تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يتيح انتشار تلك الأفكار بشكل أسرع وأوسع، إذ يمكن للأفراد الانخراط في مجتمعات رقمية تتبنى أفكارًا متطرفة، مما يؤثر سلبًا على الشباب والمراهقين، كما أن بعض المنظمات تستهدف الشباب من خلال الترويج لأيديولوجياتها، وقد تستفيد من الأزمات أو المشاكل الاجتماعية لجذب الأفراد.

وأوضحت الغافرية أن بعض المؤسسات التعليمية قد تفتقر إلى برامج فعّالة للتوعية حول مخاطر هذه الأفكار، مما يترك الشباب عرضة للتأثر بها دون التوجيه الصحيح، وتعتبر البطالة وانعدام الفرص الاقتصادية من العوامل التي تسهم في جذب الشباب نحو تلك الأفكار، حيث يمكن أن يشعروا بالإحباط والعزلة، كما أن التوترات الاجتماعية، مثل النزاعات الأسرية أو المشاكل الاجتماعية، قد تؤدي إلى تفشيها بين الشباب.

وأضافت: من ضمن التحديات قلة المؤسسات التي تقدم الدعم النفسي والاجتماعي للشباب، مما يجعلهم عرضة للتأثر بالأفكار السلبية دون وجود مرشدين أو داعمين، بالإضافة إلى الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالبحث عن الدعم النفسي، حيث يمكن أن تؤدي إلى عزوف الشباب عن التحدث عن مشاعرهم أو الصعوبات التي يواجهونها.

وأكّدت الغافرية أن مواجهة هذه التحديات يتطلب جهودًا متعددة الأطراف تشمل الحكومة، والمؤسسات التعليمية، والأسر، والمجتمع بشكل عام، لضمان تعزيز ثقافة الحصانة من خلال تعزيز الوعي والتثقيف، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي.

الإستراتيجيات الوقائية

وحول الإستراتيجيات الوقائية الفعّالة التي يمكن للمؤسسات المختلفة والمجتمع العماني اعتمادها للحد من انتشار الأفكار الدخيلة بين أبنائه، وأفادت الغافرية أن تعزيز التعليم القائم على التفكير النقدي والوعي الاجتماعي يُعدّ من الأولويات، من خلال إدراج مناهج تعنى بهذا المجال، لتنمية قدرة الشباب منذ الصغر على التمييز بين الأفكار الجيدة والسيئة وكيفية التعامل معها.

كما أكّدت على ضرورة تعليم الأبناء التفكير النقدي عن طريق تحليل الأفكار والمعلومات التي يتعرضون لها بدلًا من قبولها بشكل أعمى، وهذه المهارة تحميهم من التأثر بمثل هذه الأفكار، وتشجعهم على طرح الأسئلة والبحث عن الأدلة والمصادر الموثوقة قبل تبني أي فكرة، والمشاركة في مناقشات نقدية حول القضايا المختلفة.

وأشارت إلى أن للمؤسسات الدينية دورًا مهمًا من خلال تفعيل المرشد الديني في المدارس والجامعات، وذلك بتوظيف أخصائي إرشاد ديني وتخصيص جدول زمني لتفعيل المناسبات الدينية، ونشر الوعي بها، وإشراك الطلبة في تفعيلها، أما المؤسسات التعليمية، فيكمن دورها في تنمية التفكير النقدي في التعليم، وتعليم قيم التعايش والتسامح من خلال تفعيل مبادرات وفعاليات في هذا المجال، ومراجعة المناهج الدراسية وإعادة صياغتها بما يتناسب مع متطلبات العصر الحالي، وتدريب المعلمين وتثقيفهم على كيفية التعامل مع مثل هذه الأفكار في حال ظهورها بين الطلبة.

وأضافت الغافرية: إن منظمات المجتمع المدني لديها القدرة على الوصول إلى شريحة واسعة من المجتمع، ويمكنها أن تكون شريكًا قويًا في تنفيذ برامج التوعية والتوجيه، من خلال تنظيم جماعات شبابية جماعية لتنفيذ حملات التوعية ضد الأفكار المضللة، مع دعم حكومي لبرامج تهدف إلى حماية الشباب من التأثر بها.

القيم

وأفادت الغافرية أن الصدق والنزاهة، تعد من أهم السلوكيات والقيم التي يجب أن يتحلى بها الوالدين ليكونوا قدوة حسنة لأبنائهم، حيث يمكن للآباء توضيح المواقف الحياتية اليومية التي تحتاج إلى الصدق وتشجيع الأبناء على التمسك بالحقيقة حتى في المواقف الصعبة.

كما أكّدت على ضرورة أن يُعلم الوالدين أبناءهم التواضع واحترام الآخرين بغض النظر عن خلفياتهم، مما يعزز احترام الذات، ويُظهر للأبناء أهمية معاملة الآخرين بلطف ودون تحيز، من خلال إظهار الاحترام لأفراد الأسرة، والجيران، والزملاء، ويمكن للأهل تقديم أمثلة عن التعاون والتعاطف في المواقف اليومية.

وأضافت: إن غرس قيم المسؤولية والانضباط يعزز لدى الأبناء احترام الوقت والالتزام بالتزاماتهم الدراسية والعائلية والمجتمعية، ويمكن للأهل تقديم نموذج عملي من خلال احترام مواعيدهم، والوفاء بالتزاماتهم، وتشجيع الأبناء على تحمل مسؤولياتهم في المنزل والمدرسة.

وأشارت إلى أهمية الاهتمام بالجانب الروحي والقيمي من خلال تقوية القيم الروحية والدينية بطريقة معتدلة ومتسامحة، تساعد الأبناء على بناء أسس متينة تمكنهم من مقاومة هذه الأفكار، موضحة أن تنظيم جلسات عائلية لمناقشة القيم الأخلاقية والدينية بطريقة تفاعلية تشجع النقاش المفتوح، مع تقديم تفسير وسطي ومعتدل للأمور، هو نهج فعّال يعزز هذا الجانب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات التعلیمیة التفکیر النقدی على الأسرة أن الدعم النفسی هذه الأفکار الأبناء على من خلال

إقرأ أيضاً:

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأُمَّ مؤسسة تربوية عظيمة

عطاء الأم نهر جارٍ، لا ينضب، بل، لا يتأثر بمتقلبات، ومتغيرات، وتحديات، وصعوبات الحياة؛ فلديها وجدان صافٍ، ومحبة تغمر محيطيها، وتفانٍ من أجل الغير، وثبات على مبادئ، وقيم نبيلة، تستلهم منها مقدرتها على الوصال، وتتجاوز بها شتى العقبات، وتذهب بها إلى نهاية المسار؛ فتكون قد أدت رسالتها، وتركت الأثر الباقي، وحفرت في الأذهان، والوجدان معان عميقة، يتبادلها جيل تلو الآخر؛ فرغم أن غريزة الأمومة تفيض حنانًا؛ إلا أنها محاطة بسياج من معايير التربية، التي تستهدف تعديل السلوك في الاتجاه المرغوب فيه.

عظمة التربية التي تقوم بها الأم، تتمثل في خلق نشء، يمتلك البنيان، الذي يعينه على أداء مهامه، التي توكل له، في خضم حياة مفعمة بالحيوية، وغرس معان لمفاهيم، من شأنها أن تبني فكرًا إيجابيًا، يساعد فلذات الأكباد على تخطيط مستقبلهم القريب، والبعيد على السواء، كما يهيئهم للتكيف مع صور الأحداث الجارية منها والمستقبلية، ناهيك عن تقويم مستدام، لا يصيبه الملل، أو الكلل، أو الفتور، بل، يمتد طيلة مسيرة الحياة، التي يكتبها الله – تعالى – للأم عظيمة القدر، والمقدار.
مؤسسة الأم التربوية، تمد الأبناء بطاقات متجددة، وتنمي الوعي بكل أنماطه لديهم؛ كي يصبحوا قادرين على تحقيق ماهية الاستخلاف؛ فيتفهمون أدوارهم، وينغمسون في مهام، قد تبدو من قبيل التكليف، أو التشريف، وهنا نرى ملامح البناء، والإعمار، والإضافة؛ فتتعالى الهمة، والإرادة، تجاه رقي، وازدهار، مستل من ثقافة، تم غرس مفرداتها في الوجدان؛ فصارت العمل على تسخير موارد الحياة؛ من أجل رفاهية الإنسان من الأولويات، وقد أضحى الخلاف، والنزاع، والتناحر، والصراع، بعيدًا عن فكر، يستهدف غايات تحمل الخير في خضم مجالات الحياة المختلفة.
المؤسسة التربوية العظيمة خاصة الأم، تؤكد على فلسفة التضحية، التي يرصدها، ويعيش مفرداتها الأبناء؛ فدومًا ما نتعلم منها ماهية الإيثار؛ حيث إن بنك عطاء الأمومة، يحوي في داخله مقومات سعة الصدر، وقوة للتحمل، وصبر من نفس مطمئنة، تدرك أن التربية تعتمد على استراتيجيات طويلة المدى؛ ومن ثم ترى طريقها بوضوح، وتعمل بكل جد، واجتهاد؛ كونها قدوة لفلذات الأكباد على الدوام.
تربية الأبناء على التحمل في مؤسسة الأمومة تجعل النفوس تتحمل، والأبدان تقوى، فما يتلقاه الأبناء من رعاية مكسوة برأفة، وحب، وقضاء للحوائج وتحمل للضغوط، ولين في التعامل، وروية في تناول القضايا الخاصة بالأبناء، وهدوء في النقاش، كل ذلك يجعل فلذات الأكباد يتقبلون النصح، والإرشاد، ويقدرون الجهود التي تبذل من أجل تعزيزهم نحو مسيرة الكفاح؛ بغية الوصول إلى النجاح؛ فقد بدت المكافأة في رضا الأم غاية لا نظير لها.
تحمل ذكرياتنا مقدرة أمهاتنا على صقل أذهاننا بمتلون الثقافة النقية الخالية من تضمينات لا تتسق مع قيمنا النبيلة، بل، المعرفية التي تحتويها صحيحة، تهذب وجدانياتنا رغم كونها بسيطة في تراكيبها، وبارعة في تعبيراتها، وتؤدي بواسطة مشاعر راقية، بكلمات رقراقة؛ فنحن بصدق نحب تاريخ تربيتنا، وتأمل أن يدرك فلذات الأكباد أن أصولنا لها جذور راسخة، تستمد قوتها من حفاظ مؤسسة الأمومة على قيم، تعضد حب الوطن، وتعلى من قدره، وتبجل رموزه.

التربية في مدرسة الأمومة متكاملة؛ حيث تشمل ترقية الوجدان، وتنمية المعارف، وصقل المهارات، خاصة الحياتية منها، والاجتماعية؛ ومن ثم يصبح الإنسان منا متحملًا لمسئولية محددة، تكمن في بذل أقصى ما في الجهد من أجل أن يحقق النجاح الذي يتمناه في مجاله، وهذا يجعل الجميع في حالة تأهب؛ كي يستكمل مسيرته، ولا يتقبل في طريقه مسميات الفشل، أو التراجع؛ فالإنجاز تلو الآخر يعد شعار كل مرحلة من مراحل عمرنا.
مدرسة الأمومة تبذل أقصى ما في الجهد، بل، تتحمل ما لا يطيقه الجبال، ونهمس في آذان الأبناء، ونقول لهم برفق، إن الأمومة نعمة منح الله - عزوجل-البشرية إياها، وبدونها لا تستطيع البقاء، فندعو لأمهاتنا الذين هم على قيد الحياة بالصحة، والعافية، والعمر المديد، وبالرحمة والمغفرة، وجنات النعيم لمن رحل إلى دار البقاء، ونأمل أن نكون لهن واصلين، بارين ما حيينا.. ودي ومحبتي للجميع.

طباعة شارك عطاء الأم معايير التربية تعديل السلوك مدرسة الأمومة

مقالات مشابهة

  • المفوضية ترصد الشائعات والمعلومات المضللة في تقريرها لشهر مايو 2025
  • وزير التعليم العالي: هجرة الكفاءات حق وليست نزيفا ولا يمكن منع الشباب من الهجرة
  • مصر تمثل إفريقيا والعالم العربي في ورشة دولية بالأمم المتحدة حول دور الأسرة في تعزيز حقوق الإنسان
  • «إكس» و«تيك توك» البيئة الأكثر خصوبة للأخبار المضللة
  • وزارة الأوقاف تصدر بيان بمناسبة اليوم العالمي للوالِدَيْنِ
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأُمَّ مؤسسة تربوية عظيمة
  • بعد توقيع مذكرة التفاهم بمجال الطاقة… مواطنون يبدون تفاؤلاً كبيراً بتحسن الواقع الكهربائي بدمشق وريفها
  • مدير الأمن العام: العمل الأمني يتطلب تنظيما دقيقا مع ارتفاع أعداد الحجاج
  • التغذية والنوم بين الحقيقة والمعلومات المغلوطة: دعونا نصحح الأفكار المسبقة
  • محافظ أسيوط يستقبل وفداً طلابياً عائداً من «وكالة الفضاء» ويؤكد: الاستثمار في العقول هو طريق التنمية