المتحف المصري بالتحرير، عظمة التاريخ وثراء الحضارة المصرية وفخامة إرث لا مثيل له، فأنت بين يدي ما يقرب من 120 ألف قطعة أثرية موجودة بالفعل في العرض، أما ما تحتجزه المخازن فيزيد قليلًا على هذا العدد الضخم، وهو أكبر عدد لقطع أثرية مصرية يضمها متحف واحد على مستوى العالم!

منذ النظرة الأولى وأنت في مواجهة المبنى من الخارج ستقف مشدودًا لروعة البناء ورائحة الزمن التي تنثر الجمال على ميدان التحرير بأكمله وكأن ذراعَي التاريخ تمتدان إليك تجذبانك للدخول، فالمبنى الأثري نفسه قطعة من الفن الكلاسيكي الحديث عابرة للزمن، فقد مرَّ على هذا الصرح 122 عامًا منذ افتتاحه للجمهور في 15 نوفمبر 1902، وهو أول متاحف إفريقيا والشرق الأوسط، وقد بدأت فكرة إنشائه عام 1895، حين فاز المعماري الفرنسي مارسيل دورنيو بالمسابقة الدولية التي أقيمت لتصميمه.

ويتضاعف تقدير جمال هذا المبنى الوردي العريق برحلة لن تُنسى بين أروقته، حيث تستقبلك في البهو تماثيل ضخمة لملوك مصر الفرعونية، وتضم الفتارين القطع الفريدة، المكتملة والناقصة، ومشغولات الحُلي الذهبية الفاخرة، وأوراق البردي، وكل قطع الآثار المصرية التي يمتد تاريخها من فترة ما قبل الأسرات حتى العصرين اليوناني والروماني، والتي من بين روائعها لوحة الملك نعرمر «نارمر» التي تُخلد توحيد مصر العليا والسفلى تحت حكم ملك واحد، ومجموعة من التماثيل والقطع الأثرية لملوك عصر بناة الأهرامات، والمجموعة الجنائزية ليويا وتويا الملك جَدَّي الملك إخناتون، وكنوز تانيس. والآن لم يَعُد هذا الجمال بعيدًا عن ثورة العالم الافتراضي المسماة بالذكاء الاصطناعي، فهنا ومن خلال مشروع «بروچيكت ريڤايڤال» يتشكل من جديد ما تسببت في نقصه عوامل الزمن، فهذه التماثيل تم اكتشافُها فاقدةً لبعض أجزائها، وإذا بهذا الذكاء يقف خادمًا مخلصًا للتاريخ والإبداع ويعيد الصورة إلى حيز الكمال الباهر.

حوارنا مع الدكتور على عبد الحليم -مدير المتحف المصري بالتحرير- جاء على هامش حفل تدشين وزير السياحة والآثار الدكتور شريف فتحي بحضور الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوچيا المعلومات والدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة وكبار المسؤولين بمنطقة الشرق الأوسط لشركة ميتا العالمية.

وبينما تنسكب على المعروضات أضواءُ العرض الليلي الأخاذ، ووسط السكينة التي ينشرها العزف الحي على آلة الهارب المصرية القديمة، قال «عبد الحليم»: إن المقترح الذي تقدمت به شركة ميتا كان إجراءَ تجربة الواقع الافتراضي على تماثيل بها أجزاء مفقودة باستخدام الهواتف الذكية، حيث يمكن للزائر مسح الكود التعريفي المتاح فوق كل قطعة من القطع التي شملها العرض، وقد تم اختيار 5 تماثيل فقط يتوفر بها الشرطان اللازمان لتطبيق المشروع وهما: القيمة العالية، ووجود جزء مفقود من التمثال. وكانت هذه القطع قد تم اكتشافُها ناقصة. ولم يتم تنفيذ هذا الاكتمال من خيال المنفذين، وإنما بالرجوع إلى «نقطة مرجعية» وهي تمثال مكتمل آخر أو رسم واقعي لنفس الملك يكون قد تم العثورُ عليه بالفعل. ويتم تنفيذ الشكل الكامل للتمثال الناقص بتقنية الواقع المعزز أو الافتراضي، فيظهر التمثال في صورة ثلاثية الأبعاد.

كما يتضمن التطبيق ترجمةً للمكتوب على التمثال باللغة الهيروغليفية وترجمة باللغة الإنجليزية لكل المعلومات عن التمثال.. مضيفًا أن القطع التي تم تنفيذُ هذا التطبيق عليها هي قطع ملكية تمثل عصورًا مختلفة وهي: تمثال الملك خع سخمواي، الملك سنوسرت الأول، رأس الملكة حتشبسوت، الملك توت عنخ آمون وزوجته موت، والملك سيتي الأول.

وأضاف «عبد الحليم» أن التجربة نفسها ستُقدَّم في متحف الحضارة على 8 قطع أثرية.. مؤكدًا أنه إذا كان الذكاء الاصطناعي لا يعمل الآن إلا للزائر داخل المتحف فإنه يتم العمل حاليًّا على برنامج للزيارة الافتراضية من خارجه ستكون مدفوعة وببروتوكولات محددة.

وأوضح «عبد الحليم» أن عدد زوار المتحف المصري بالتحرير لم يتأثر حتى الآن بالافتتاح التجريبي للمتحف الكبير، وأن الوزارة تضع هدفًا لها أن يصل عدد الزوار عام 2030 إلى 30 مليون زائر، وهو ما لا يمكن أن يتحمله المتحف المصري بمفرده، وستتحمله معه باقي المتاحف ومنها المتحف الكبير.. مشيرًا إلى أن المتحف المصري بالتحرير هو المتحف الأم ومازالت له خصوصيته التي تجذب الزائرين، وقد حرصنا على أن يكون هناك توازن في المعروضات بين كل المتاحف.

وأشار إلى أن لجان سيناريو العرض المتحفي حرصت على ألا تخرج من المتحف المصري أي قطعة غير مكررة أو فريدة، رغم خروج مجموعة توت عنخ آمون لتُعرض في المتحف الكبير وهي 5300 قطعة أثرية تمثل حالةً خاصة، فهو بطل العرض هناك، ومازالت 220 قطعة منها هنا في متحف التحرير بينها القناع الذهبي، وسيتم نقل هذه القطع مباشرة قبل الافتتاح الرسمي للمتحف الكبير.

وحول نقص الدعاية للمتحف المصري أكد مديره أن الآثار المصرية ليست بحاجة إلى أي دعاية، وأن المتحف يقدم على صفحته على الفيس بوك معلومات هامة باللغتين العربية والإنجليزية، وحرصًا على تحقيق التواصل بين الشباب وحضارتهم فإن المتحف يستقبل الرحلات المدرسية مجانًا ويوفر لها مَن يقوم بالشرح أيضًا دون مقابل.

وأكد الدكتور علي عبد الحليم أن عمليات الترميم والتطوير مستمرة حاليًّا في أكثر من مكان بالمتحف المصري بالتحرير الآن، ومنها المنطقة الخارجية وقاعات العرض وسيناريو العرض المتحفي وأسلوب العرض وتجديد المبنى بإعادة ألوانه إلى ما كانت عليه.

وكان وزير السياحة والآثار الدكتور شريف فتحي قد أشار في كلمته بمناسبة تدشين هذا المشروع إلى استمرار عمليات الترميم والتطوير ولكن ببطء نظرًا لضرورة استمرار المتحف مفتوحًا للجمهور.

وأشار الوزير إلى استراتيچية الوزارة الحالية التي تهدف إلى أن يكون لدينا أكبر تنوع من المنتجات السياحية في العالم.. مؤكدًا أنه سيتم التركيز على الأنماط والمنتجات السياحية وجعلها جزءًا من رحلة السائحين حيث سيتم العمل على تطوير كل نمط على حدة بما يساهم في تقديم المنتج السياحي بشكل أكثر تنوعًا وثراءً وبأفضل استخدام لمقومات مصر السياحية والطبيعية.

وكان مشروع تطوير وتأهيل المتحف المصري بالتحرير قد بدأ في 2019 بمنحة مقدمة من الاتحاد الأوروبي قدرها 3.1 مليون يورو، تمهيدًا لإعداد ملف لوضعه على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وافتُتحتِ المرحلة الأولى من التطوير في فبراير 2023.

اقرأ أيضاًعلى هامش « cairo ict 2024».. «هواوي» تشارك في جلسة حول «قوة الذكاء الاصطناعي في تطوير التكنولوجيا»

لمحبي الذكاء الاصطناعي.. OpenAI تتيح تطبيق ChatGPT مجانا

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي المتحف المصري الذكاء الاصطناعي آثار المتحف المصري بالتحرير المتحف المصری بالتحریر الذکاء الاصطناعی عبد الحلیم

إقرأ أيضاً:

زوكربيرغ: الذكاء الاصطناعي الخارق أصبح وشيكًا

وضع مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، خطته لمستقبل الذكاء الاصطناعي، وتتمحور حول منح المستخدمين "ذكاءً خارقًا شخصيًا".
في رسالة، رسم رئيس "ميتا" صورةً لما هو آتٍ، ويعتقد أنه أقرب مما نعتقد. ويقول إن فرق عمله تشهد بالفعل بوادر تقدم مبكرة.
كتب زوكربيرغ "خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأنا نلمس لمحاتٍ من أنظمة الذكاء الاصطناعي لدينا تُحسّن نفسها. التحسن بطيءٌ حاليًا، ولكن لا يمكن إنكاره. تطوير الذكاء الخارق أصبح وشيكًا".
فما الذي يريد تحقيقه بهذا الذكاء الاصطناعي الخارق ؟
دعك من الذكاء الاصطناعي الذي يُؤتمت العمل المكتبي الممل فحسب، فرؤية زوكربيرغ وشركته "ميتا" للذكاء الخارق الشخصي أكثر عمقًا. إنه يتخيل مستقبلًا تخدم فيه التكنولوجيا نمونا الفردي، وليس إنتاجيتنا فحسب.
على حد تعبيره، ستكون الثورة الحقيقية أن "يتمتع كل شخص بذكاء خارق شخصي يساعد على تحقيق أهدافه، وخلق ما يرغب برؤيته في العالم، وخوض أي مغامرة، وأن يكون صديقًا أفضل لمن يحب، وأن ينمو ليصبح الشخص الذي يطمح إليه".
وصرح روكربيرغ "هذا يختلف عن غيره في هذا المجال ممن يعتقدون أن الذكاء الخارق يجب أن يُوجَّه بشكل مركزي نحو أتمتة جميع الأعمال القيّمة، ومن ثم ستعيش البشرية على نصيبها من إنتاجه".
اقرأ أيضا... مايكروسوفت تتيح مشاركة سطح المكتب مع مساعد ذكاء اصطناعي
ويقول زوكربيرغ إن "ميتا" تراهن على الفرد عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي الخارق، حيث تؤمن الشركة بأن التقدم كان دائمًا نتيجة سعي الناس وراء أحلامهم، وليس نتيجة العيش على فتات آلة خارقة الكفاءة.
إذا كان محقًا، فسنقضي وقتًا أقل في التعامل مع البرامج، ووقتًا أطول في الإبداع والتواصل. سيعيش هذا الذكاء الاصطناعي الشخصي في أجهزة مثل النظارات الذكية، ليفهم عالمنا لأنه يستطيع "رؤية ما نراه، وسماع ما نسمعه".
بالطبع، هو يعلم أن هذا أمر قوي، بل وخطير. يُقر زوكربيرغ بأن الذكاء الخارق سيُثير مخاوف جديدة تتعلق بالسلامة، وأنه سيتعين على "ميتا" توخي الحذر بشأن ما تُطلقه للعالم. ومع ذلك، يُجادل بأن الهدف يجب أن يكون تمكين الناس قدر الإمكان.
يعتقد زوكربيرغ أننا نقف الآن عند مفترق طرق. فالخيارات التي نتخذها في السنوات القليلة القادمة ستحدد كل شيء.
وحذر قائلاً: "يبدو أن ما تبقى من هذا العقد سيكون على الأرجح الفترة الحاسمة لتحديد المسار الذي ستسلكه هذه التكنولوجيا"، واصفًا إياها بالاختيار بين "التمكين الشخصي أو قوة تُركز على استبدال قطاعات واسعة من المجتمع".
لقد اتخذ زوكربيرغ قراره. وهو يُركز موارد "ميتا" الهائلة على بناء مستقبل الذكاء الخارق الشخصي هذا.
مصطفى أوفى (أبوظبي)

أخبار ذات صلة قيمة مايكروسوفت السوقية تتجاوز 4 تريليونات دولار للمرة الأولى مراكز الثورة الصناعية الرابعة بالإمارات وماليزيا ورواندا تعزز حوكمة الذكاء الاصطناعي المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • زوكربيرغ: الذكاء الاصطناعي الخارق أصبح وشيكًا
  • انفينيكس تطلق سلسلة هواتف note 50S 5G من المتحف المصري الكبير
  • هل تم تحديد موعد افتتاح المتحف المصري الكبير؟ وزير السياحة يجيب
  • ألباسيتي يطلب ضم نجم التعاون الشاب عبد الملك المرواني
  • احتيال شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتوقف
  • من هو أبو شباب؟ .. تحقيق يُعرّي الميليشيا التي تحكم بالمساعدات التي تنهبها وتُهدد مستقبل غزة
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • قبل 6 سنوات من استحقاقه.. 1,2 مليون متطوع يحققون أحد مستهدفات رؤية 2030
  • الزمالك يجدد مفاوضاته مع المصري لتدعيم الجبهة اليمنى