أبواق التيار العسكركيزاني والمعنى الباطني للسيادة الوطنية
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
أبواق التيار العسكركيزاني والمعنى الباطني للسيادة الوطنية
رشا عوض
تبرر أبواق معسكر الحرب معارضتها لأي قرار دولي يهدف لحماية وإغاثة المدنيين بأسطوانة السيادة الوطنية وأن القرار سيأتي بجنود أجانب إلى السودان.
هذه مجرد “سواقة بالخلا” للأسباب التالية:
أولاً: السودان الآن يوجد فيه آلاف الجنود الأجانب في مهمة لحفظ السلام في أبيي وافقت سلطة الأمر الواقع في بورسودان أثناء هذه الحرب على تجديد فترة بقائهم.
ثانياً: عندما يدعي معسكر الحرب المعارض للسلام والناشط في الاستنفار وخطاب الكراهية أنه حريص على السيادة الوطنية فهذا استحمار واستغفال للشعب السوداني! هناك علاقة عكسية بين اتساع الحرب الأهلية في الدولة وسيادتها الوطنية! الحرب تخصم من سيادة الدولة على مدار الساعة! والحريص على السيادة يجب أن يحرص على إيقاف الحرب وفق مشروع سياسي وطني يكفل للسودانيين العيش المشترك بكرامة ويزيل أسباب الاحتراب! أما إدعاء أبواق الحرب تمثيل السيادة فهو هراء لا قيمة له على الإطلاق!
إذ لا سيادة وشعبك جائع يطعمه الأجانب!
ولا سيادة وشعبك مشرد وحكومتك عاجزة عن إيوائه فيضطر للجوء إلى دول أخرى ليجد المأوى لدى الأجانب!
ولا سيادة وموارد البلاد في باطن الأرض وظاهرها مرهونة للأجانب مقابل الحصول على سلاح لا يقتل سوى السودانيين!
ولا سيادة وقرار إيقاف الحرب أو استمراها رهين لمآلات صراع العواصم الإقليمية حول مصالحها في السودان الذي حولته هذه الحرب إلى غنيمة يسيل لها لعاب الطامعين في محيطه الإقليمي!
التحدي الذي يواجه السودان في أرض الواقع هو استرداد سيادته المفقودة! وليس الحفاظ على سيادة موجودة بالفعل!
ثالثاً: مشكلتنا مع خطاب الكيزان والعسكر هي أنهم يستخدمون مصطلحات سياسية وحقوقية لها دلالات ومعانٍ متعارف عليها بين البشر في عالمنا المعاصر مثل السيادة الوطنية وإدانة الإنتهاكات وحرب الكرامة، ولكنهم عندما يسرفون في استخدام هذه العبارات لا يقصدون معانيها المعروفة! بل أن لهذه العبارات معانٍ “باطنية” تخص التيار العسكركيزاني وحده!
فالسيادة الوطنية التي يقصدونها فعلاً تعني استعباد العصابة العسكركيزانية للوطن أرضاً وشعباً وموارد، ولو استعصت عليهم السيادة على كامل السودان تتم التضحية بالجزء المستعصي مثلما حدث مع جنوب السودان ومثلما هو مخطط له في هذه الحرب من التضحية بدارفور وكردفان، حدود السيادة حسب المعنى الباطني هي حدود قدرة هذه العصابة على السيطرة وفرض السلطة الاستبدادية الفاسدة.
أما إدانة الإنتهاكات فهي لا تعني لدى هذه العصابة ما يفهمه البشر الطبيعيون وهو الانحياز للضحايا بل هي “عدة شغل سياسي” يجب الحرص على استمرارها بل يجب المساهة في زيادتها كماً ونوعاً لاستغلالها سياسياً!
وعندما تتقدم القوى المدنية الديمقراطية بمقترحات عملية لحماية المدنيين وإنقاذهم من وطأة الانتهاكات عبر تدابير وآليات دولية، تتصدى أبواق التيار العسكركيزاني تصدياً شرساً لذلك وتنسى مزايداتها الفاجرة حول الإنتهاكات وعدم إدانتها! وهنا نتساءل هل الذي ينفع المواطن المنكوب هو تدبيج بيانات الإدانة؟ أم أن المواطن بحاجة لتوفير مناطق آمنة تحميه ومساعدات إنسانية تعينه؟ هذا يفضح المعنى الباطني لقضية الانتهاكات عندما تتناولها أبواق التيار العسكركيزاني.
أما “حرب الكرامة” فهي أكبر خدعة، فهذه الحرب أصلاً صراع سلطة ولا شيء غير ذلك، وسوف تنتهي إما بصفقة لتقاسم السلطة بين الطرفين أو بصفقة لتقسيم الوطن نفسه، وفي الحالتين لا نصيب للمواطن سوى المذلة والقتل والتشريد وسلب الكرامة في حدودها الدنيا! فالكرامة المقصودة في المعنى الباطني ليست كرامة الشعب السوداني بل هي رد الاعتبار للكيزان وجبر خاطرهم الذي كسرته ثورة ديسمبر! الثورة التي ظنوا أن في مقدورهم الالتفاف عليها واستئناف مشروعهم الاستبدادي الفاسد بعد التخلص من البشير الذي تحول في أواخر عهده إلى عبء على الكيزان أنفسهم! ولكنهم نسوا أو تناسوا أن جموع الشعب السوداني التي خرجت إلى الشوارع وانفجرت ثائرة ضد أسوأ نظام في تاريخ السودان لا يمكن إعادتها إلى بيت الطاعة! وعندما يئسوا من العودة إلى السلطة عبر الانقلاب على الثورة بواسطة عسكرهم أشعلوا الحرب للانتقام من الثورة وتدمير الوطن الذي استعصى على حكمهم وتقزيمه بانقسام جديد!
الكيزان بدلاً من تكبير عقولهم ونفوسهم وأخلاقهم ليصبحوا مواطنين صالحين في وطن كبير وعزيز اختاروا تصغير الوطن إلى مقاسهم الصغير فكراً وخلقاً وسياسةً!.
الوسومأبيي الأجانب التيار العسكركيزاني الحرب السودان السيادة الوطنية القوات الدولية القوى المدنية الديمقراطية جنوب السودان دارفور رشا عوض كردفانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أبيي الأجانب الحرب السودان السيادة الوطنية القوات الدولية القوى المدنية الديمقراطية جنوب السودان دارفور رشا عوض كردفان السیادة الوطنیة هذه الحرب لا سیادة
إقرأ أيضاً:
حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»
حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»
بكري الجاك
الحقيقة الموضوعية التى لايمكن مقارعتها بالغلاط و الهتاف ان السودان ظل فى حالة احتراب داخلي منذ ماقبل الاستقلال (أغسطس ١٩٥٥ حركة الأنانية ون) حينها كانت منطقة الخليج تحت الانتداب البريطاني و لم يكن هنالك دول مثل الامارات و قطر و لاغيرها و التى كانت موجودة كانت لا تملك قوت عامها.
و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن محوها انه كان هناك نظام يسمي الانقاذ أتى بانقلاب عسكري فى عام ١٩٨٩ و قام بتأجيج الحرب الأهلية باسم الجهاد و استثمر فى خلق الصراعات القبلية و تكوين المليشيات و تقنين الفساد و تطبيعه حتى ظن الناس الاستقامة هى ضرب من ضروب الخيال.
و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن تغييرها بالاكاذيب ان الشعوب السودانية قامت بثورة عظيمة فى ديسمبر ٢٠١٨ شاركت فيها كل فئات المجتمع السوداني و ان القيادة المدنية التى قادت مشروع الثورة اتخذت تقديرات سياسية اتضح لاحقا ان بعضها كان غير صحيح و لكن لم تفشل الفترة الانتقالية، و كما لا يمكن ان نساوي بين ٢٦ شهر للحكم الانتقالي و ثلاثين عاما من التخريب الممنهج و النهب المشاع للانقاذ، و لم تفشل المرحلة الانتقالية و لكن انقلب عليها من يتحاربون الآن، كما عمل على افشالها تحالف المال و السلطة الذي عماده الاسلاميين و ربائبهم بالتامر و التخريب اولا و الانقلاب ثانيا و اخيرا الحرب.
و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن نفيها بإعادة كتابة التاريخ ان حرب السودان بدأت بين السودانيين و لها عدة اسباب مباشرة و غير مباشرة من بينها الخلل البنيوي فى بنية الدولة حتى قبل اعلان استقلالها.
عليه اي محاولة لتصوير حرب السودان كحرب خارجية او غزو اجنبي او كلها محض عدوان خارجي هو ذهول عن رؤية قرص الشمس او رفض حقيقة ان الشمس تشرق من الشرق و هذا لا يعني انه ليس هناك عوامل خارجية ( شبكة مصالح و دول) اصبحت ذات تأثير عالي فى استمرار حرب ١٥ أبريل و هذه العوامل سيكون لها دور فى الطريقة التى ستنتهي بها الحرب.
و جوهر القول انه بدلا من ترديد ان الحرب غزو اجنبي كشكل من أشكال الهروب الي الا مام علينا ان نتسائل عن ما هو دورنا نحن كسودانيين لايقافها بدلا من لعن الظلام و الخارج؟ اية محاولة للوم الخارج فقط و كفي هو ليس فقط نوع من الكسل الذهني بل هو التخلي عن ال agency اي قدرتنا على الفعل.
قليل من الموضوعية لا يضر و مهما كانت المواقف من الحرب و الرؤي فى تفسيرها لا يوجد ما يجب ان يقدم على ايقافها باي صيغة كانت و الا فما قيمة ان يكون الفرد منا علي صواب فى التشخيص و لكن المريض قد أصبح جثة هامدة؟ فلنعمل جميعنا على إسكات البنادق و لنواصل اختلافنا و جدلنا عن ما حدث حينما نجد الامان فللحقيقة اوجه عدة.
بكري الجاك
١٨ مايو ٢٠٢٥