أدعية الرسول: الاستسلام والتوكل منهج حياة المسلم لطريق السعادة
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
من أدعية النبي محمد ﷺ التي تحمل معاني عظيمة ومبادئ راسخة في الإيمان، هو الدعاء الذي ورد في الحديث الشريف: «اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» (رواه مسلم).
في بداية الدعاء، يعلن النبي ﷺ استسلامه الكامل لله بقوله: "اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ". هذا التعبير يشير إلى جوهر العقيدة الإسلامية، حيث يدرك المسلم أن التسليم لله هو الخطوة الأولى في رحلته الإيمانية. فالاستسلام يعبر عن خضوع الإنسان لقدرة الله الكاملة، والاعتراف بأنه سبحانه هو المدبر لكل أمر.
الإيمان بالله: اليقين الراسخيُكمل النبي ﷺ: "وَبِكَ آمَنْتُ"، مؤكدًا أهمية اليقين بالله والثقة بوعده وحكمته. هذا الإيمان يشكل قاعدة صلبة ترتكز عليها حياة المسلم، ويمنحه القوة لتجاوز المحن والشدائد.
التوكل: الثقة المطلقةالتوكل هو عنصر أساسي في حياة المؤمن، حيث يقول النبي ﷺ: "وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ". هذا التوكل لا يعني التواكل أو ترك الأخذ بالأسباب، بل يعني تسليم النتيجة لله بعد بذل الجهد المطلوب، ما يعزز السكينة والرضا في النفس.
الإنابة والخضوعبقوله: "وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ"، يوضح النبي ﷺ أهمية التوبة والرجوع إلى الله. فالإنابة تمثل عودة القلب إلى الله بعد كل زلة أو خطأ، وهي صفة تميز المسلم الحريص على رضى ربه.
طلب العون والاعتصام باللهفي نهاية الدعاء، يلجأ النبي ﷺ إلى الله مستعيذًا بعزته من الضلال، ويصف الله بأنه الحي الذي لا يموت، ما يبرز الفرق بين الخالق الذي لا يزول والمخلوق الفاني.
وفي الختام، هذا الدعاء ليس مجرد كلمات تردد، بل هو منهج حياة يجمع بين الإيمان، التوكل، الإنابة، وطلب العون من الله.
إنه دعوة للتأمل في علاقتنا بالله، والعمل على تعزيزها بكل إخلاص وثقة، وهذا الدعاء النبوي يدعونا للتفكر في معانيه العميقة، واستحضاره في حياتنا اليومية ليكون مرشدًا وداعمًا في كل المواقف.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدعاء أدعية النبي محمد النبي الله النبی ﷺ الله م
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الخطأ من شيم النفس البشرية وعلى المسلم أن يتوب ويتسامح مع نفسه والآخرين
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن النفس البشرية ليست معصومة من الزلل، بل الخطأ من شيمها، ويستوي في ذلك بنو آدم جميعًا، إلا من اصطفاهم الله لرسالته، فطهَّر قلوبهم من المعاصي. وفي إدراك هذا المعنى طمأنةٌ للنفس، وتسامحٌ معها، وحسنُ ظنٍّ بخالقها إذا رجعت إليه وطلبت منه الصفح والغفران.
واستشهد بما جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون» (رواه الترمذي).
وأوضح أن هذا العفو يُعين الإنسان على استدراك شؤون حياته بعد وقوعه في الذنب أو المعصية، ويمنعه من أن يتوقف عند شؤم الإحساس المفرط بالذنب فيجلد ذاته، فيتعطّل بذلك عن المسير في الحياة، ويُوقِع نفسه والناس في عنتٍ ومشقة.
وأشار إلى أن الاعتراف بالذنب والتوبة منه من أهم ما يعتمد عليه الدين في إصلاح النفس البشرية، إذ يُعيد إليها طمأنينتها وسكينتها المفقودة. ولأجل ذلك شرع الله الاستغفار من الذنوب، وحضّ عليه النبي ﷺ كوسيلة دائمة، تُساعد المرء على التسامح مع نفسه، والرضا عنها.
ولفت إلى أن السيرة النبوية تحكي العديد من القصص التي تؤكد هذا المعنى، ومثال على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه -فيما أخرجه البخاري ومسلم- أنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت!
قال: «مالك؟»
قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم.
فقال رسول الله ﷺ «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا،
فقال: «هل تجد إطعام ستين مسكينًا؟» قال: لا.
قال: «فمكث النبي ﷺ، فبينما نحن على ذلك، أتى النبي ﷺ بعرق فيها تمر . قال: «أين السائل؟» فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدق به». فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي.
فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك».
فهذا الصحابي جاء إلى النبي ﷺ وهو مرتجف، يشعر أنّه وقع في مصيبة مهلكة لا مخرج له منها.
فأخذ النبي ﷺ يُهدّئ من روعه، ويُعينه على الخلاص، فعدّد له مسالك التكفير عن الذنب واحدة تلو الأخرى، فلم يستطع أداء أيٍّ منها. حتى آل الأمر إلى أن أخذ كفارة ذنبه ليطعم بها أهله الفقراء، ممّا يُوضّح أن العقوبة أو الكفارة مقصودة لتصفية نفس المذنب، ومساعدته على العفو عن نفسه، وأنها شرعت لأجل الندم والرجوع عن الخطيئة، وقد تحقق هذان الأمران في نفس الصحابي، فضحك النبي ﷺ وأعطاه العرق وصرفه.
ويلاحظ في هذا الحديث أن مسالك التكفير عن الذنب تظهر في صورة أعمال تكافلية يعود نفعها على المجتمع كله، وأن النبي ﷺ ببساطته وسماحته، سهل على المؤمن سبيل السكينة والعفو عن ذاته، كي يُقبل على عمله وإعمار الحياة بقلبٍ منشرح، لا قلق فيه ولا توتر.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ، أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ» (البخاري).
وفي هذا الحديث تربية على التسامح مع الآخرين، والفرح بعودتهم نادمين على خطئهم. فالله رب العالمين يفرح بتوبة عبده إذا شعر بضعفه، واستشعر عظيم جرمه في حق خالقه، الذي لا يضره ذنب، ولا تنفعه طاعة، وإنما فرحه وشكره ورضاه راجع للعبد فضلا وإحسانا. وقد استخدم النبي ﷺ ضرب المثل البليغ وسيلة تربوية، وضمنه معنى التسامح مع النفس ومع الآخرين، وحث فيه المسلم على التوبة والرجوع عن الخطيئة.