الثقافة تصدر الأعمال الكاملة للمفكر سليمان العطار بهيئة الكتاب
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
تعاقدت وزارة الثقافة، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، على إصدار الأعمال الكاملة للأكاديمي البارز المترجم والناقد الأدبي الدكتور سليمان العطار، الذي يُعد من أبرز المفكرين والمثقفين المصريين الذين ساهموا بشكل ملحوظ في تطوير الفكر العربي الحديث.
تميز سليمان العطار بفكره العميق، وأسلوبه النقدي، واهتمامه الخاص بقراءة التراث وإعادة النظر فيه من خلال رؤية معاصرة تواكب التحديات الحديثة.
نشأ سليمان العطار تحت تأثير عميق من عبد العزيز الأهواني، الذي كان له الفضل في إدخال الدراسات الأندلسية إلى مصر والعالم العربي وتطويرها، ورأى العطار في الأهواني نموذجًا للمثقف الذي يكرس حياته للعلم، مشبهًا إياه بأرسطو الذي اعتبر تلاميذه كتبه الحية. هذه العلاقة مع الأهواني شكلت وعي العطار النقدي والتجديدي، ودفعته إلى دراسة التراث بمنظور جديد بعيدًا عن التقليد الأعمى.
يرى العطار أن التراث يشكل عنصرًا أساسيًا من الهوية العربية، لكنه يعارض تقديس هذا التراث دون فحص أو نقد. يجادل بأن الهوية الثقافية تحتاج إلى حيوية وديناميكية تمكنها من التفاعل مع الحاضر وتجاوز الجمود.
ويعتبر العطار أن فهم التراث بعمق وتوظيفه بذكاء يمكن أن يسهم في بناء مستقبل مزدهر، وذلك من خلال تجاوز الرؤية المحدودة للتاريخ والتراث والبحث عن طرق لدمج الماضي في سياق العصر الحديث.
يجسد سليمان العطار سلوك المثقف العضوي الذي يرى الثقافة كسلوك يومي وليس مجرد نظريات وشعارات، كان يؤمن بأن الوعي الثقافي يتجاوز حدود العقل إلى الشعور، وأن المثقف يجب أن يساهم في بناء مشاريع حضارية كبرى.
دعا العطار إلى إشاعة قيم الحوار، وقبول الآخر، ونبذ التطرف الفكري والتعصب، كان يرفض الجمود والتنميط الفكري، ويسعى إلى تجديد الفكر العربي من خلال نقد النصوص التقليدية وتحريرها من القداسة التي تحول دون تطورها.
اسهامات العطار في النقد الأدبي كانت عميقة ومتعددة، في كتابه «مقدمة في تاريخ الأدب العربي: دراسة في بنية العقل العربي» الذي أعاد تحريره الدكتور قحطان الفرج الله بعنوان «عقلان وثقافتان/ دراسة في بنية العقل عن العرب»، عالج العطار الجذور الفكرية التي ساهمت في تشويه الهوية الثقافية للعرب.
كان للخيال مكانة خاصة في فكر العطار، حيث اعتبره أداة للخلق المعرفي والابتكار، درس العطار نظرية الخيال عند ابن عربي، في كتابه «الخيال والشعر في تصوف الاندلس»، و «الخيال النظرية والمجلات عند ابن عربي» ووصفها بأنها وسيلة لتحريك منظمة الابتكار وتجاوز الجمود الفكري.
ترجم العطار أعمالًا أدبية عالمية مثل «مائة عام من العزلة» لغابرييل غارسيا ماركيز و«دون كيخوتي» لثربانتس، وصنفت من أهم ولانضج الترجمات لهذا العمل الفريد، من خلال هذه الترجمات، سعى العطار إلى تعزيز الفهم الشمولي للثقافة الإنسانية والتواصل مع التجارب الإنسانية المشتركة.
ورأى في ترجمة هذه الأعمال جسرًا يربط بين الثقافة العربية والثقافات العالمية، ويعزز من قدرة المثقف العربي على التفاعل مع العالم الحديث، كما رأى العطار أن إعادة قراءة التراث العربي أمر حيوي لتحقيق التقدم الحضاري، واعتبر أن مشاكل الهوية الثقافية العربية ترتبط بشكل كبير بتقديس التراث دون دراسة نقدية أو محاولة للتجديد.
وانتقد العطار حالة التشرذم الثقافي في العالم العربي، ودعا إلى تجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وقدم العطار رؤية تتجاوز التحليل السطحي للتاريخ، وتدعو إلى فحص العوامل التي أدت إلى التشرذم العربي، ومحاولة استعادة الوحدة الثقافية من خلال فهم أعمق وأشمل للتراث وليه العديد من الدراسات والكتابات الإبداعية في مجال الرواية (رواية سبعة أيام، ورواية عصابة سرقة الاثار) ومجموعة قصصية (النساء لن تدخل الجحيم).
د. سليمان العطار يظل مثالاً نادرًا للمثقف الذي جمع بين الرؤية النقدية العميقة والقدرة على التفاعل مع التراث بعقلانية وتجديد، وبفضل إسهاماته الفكرية والنقدية، ساهم في إحياء الحوار الثقافي في العالم العربي ودفعه نحو أفق جديد يتسم بالتعددية والابتكار، أعماله وترجماته ستظل جزءًا من التراث الثقافي والفكري العربي، تلهم الأجيال القادمة للتفكير النقدي والتفاعل الإيجابي مع التراث والثقافة العالمية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: وزارة الثقافة الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين سليمان العطار المزيد المزيد من خلال
إقرأ أيضاً:
كيف نواجه مفاهيم الجماعات المتطرفة المغلوطة عن الفقه؟ الأزهر يجيب
أكد الدكتور أحمد العطار، الباحث بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن من الضروري تقديم قرار عقيدي واضح بشأن استخدام التنظيمات المتطرفة للفكر الإسلامي، مشددًا على أن مواجهة هذا الانحراف الفكري لا تتم إلا من خلال عدة خطوات جوهرية.
الفكر الإسلامي قائم على الاجتهادوأوضح "العطار"، في تصريح له، أن الفكر الإسلامي قائم على الاجتهاد ومراعاة المصلحة، وليس على التطبيق الآلي للنصوص، مضيفًا أن هذا الفكر لم يكن يومًا قالبًا جامدًا يُفرض على كل زمان ومكان، بل هو روح حيّة تستنطق بلسان الواقع وتتفاعل بنور المقاصد.
مقاصد الشريعةوأشار إلى أن النصوص الشرعية لم تأت لتُطبق بشكل تلقائي كما يفعل المتطرفون، وإنما تُفهم في ضوء الاجتهاد ووفقًا لمقاصد الشريعة التي وصفها الإمام الشاطبي بأنها وضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل. واستشهد بموقف النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن، وكذلك بقرار عمر بن الخطاب تعطيل حد السرقة في عام المجاعة، مؤكدا أن الفقه ليس نصًّا يُسلَّط كالسيف، بل ميزان يراعي الأحوال، وضمير ينصت للناس، ومنهج يحمي النصوص من سوء التأويل.
طبيعة الفقه الإسلاميوأضاف أن الفقه الإسلامي بطبيعته تعددي، وفيه أقوال متعددة لكل مسألة، معتبرا أن انتقاء رأي واحد وفرضه على الناس نوع من الجهل بالشريعة أو قصور في الفهم. واستشهد بقول الإمام النووي: "الاختلاف في الفروع رحمة، واتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم ليس حجة على أحد دون أحد"، لافتًا إلى أن اختلاف الفقهاء كان رحمة وسعة، لا ضعفًا أو تضادًا.
الضرورات الخمسوشدد "العطار" على أن الشريعة جاءت لحفظ الضرورات الخمس: الدين، النفس، العقل، النسل، والمال، وأي فهم يُهدد هذه الضرورات هو بالتأكيد فهم منحرف عن مقاصد الشريعة، حتى وإن تستر بالنصوص. مضيفًا: "إنما الشريعة رحمة كلها، عدل كلها، مصلحة كلها، وكل مسألة خرجت عن ذلك فليست من الشريعة في شيء".
دعاء صلاة الاستخارة .. وأفضل وقت لأدائها وكيفية معرفة نتائجها
دعاء للميت يوم السبت.. بـ5 كلمات يبدأ النعيم وينتهي عذاب وظلمة القبر
وأكد أن هذه العناصر الثلاثة تمثل محاولة جادة لإعادة الفقه إلى دفء مقاصده، وأن الإسلام ليس مشروع كراهية أو صراع، بل هو مشروع بناء وتعايش، يبدأ بجهاد النفس وكف اللسان قبل حد السيف، قائلاً: "القراءات المتطرفة تُفرغ الشريعة من مرونتها وروحها الإنسانية، بينما المنهجية الصحيحة تقوم على التوازن بين النص والواقع، كما قال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا، أي أمة عدل واعتدال، لا غلو ولا تطرف".