تجنيد إجباري بمناطق سيطرة الحكومة السورية لمجابهة فصائل المعارضة
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
دمشق- بعد سيطرة المعارضة السورية المسلحة على مناطق واسعة شمالي البلاد بما في ذلك كامل الحدود الإدارية لمحافظة حلب وريفها، ومناطق واسعة من ريف حماة الشمالي، وإعلانها بدء التوغل في مدينة حماة، لجأت الأجهزة الأمنية وبعض الفرق العسكرية في مناطق سيطرة الحكومة إلى التمهيد لضم الشبان المتخلفين عن الخدمة العسكرية إلى صفوف الجيش.
كما أعلنت شخصيات مقربة من الحكومة السورية تشكيل مجموعات مسلحة للدفاع عن مناطقها، يُصرَف للملتحقين بها رواتب تساوي 5 أضعاف رواتب عناصر الجيش السوري، إلى جانب إعطاء المجندين فيها صلاحيات تسهّل عملهم.
بينما تتضارب الأنباء عن حملة اعتقالات في مدن وبلدات ريف دمشق وحماة وحمص وسائر مناطق سيطرة الحكومة لمن تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاما من غير المطلوبين للخدمة، ومن أنهوا خدمتهم الإلزامية لتجنيدهم إجباريا، الأمر الذي ولّد حالة من الفزع والخوف بين أهالي هذه المناطق.
مخاوفمن جهتها، تنفي وسائل إعلام موالية للحكومة السورية حدوث اعتقالات، مؤكدة عدم صدور أي تعليمات أو توجيهات من جهات رسمية في هذا السياق.
ومع الانتشار الكثيف للحواجز المؤقتة الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة عند مداخل المدن والبلدات وفي الساحات الرئيسية في دمشق وريفها منذ الأحد الماضي، التزم شبان من المتخلفين عن الخدمة العسكرية الاحتياطية أو الإلزامية في بيوتهم خوفا من الاعتقال، ما أدى إلى تعطل مصالحهم وأعمالهم.
إعلانيقول نزيه. ف (34 عاما)، وهو صاحب محل حلاقة من أبناء مدينة دوما في ريف دمشق ومطلوب للخدمة الاحتياطية، إنه يلزم منزله منذ 3 أيام خشية اعتقاله على أحد الحواجز المؤقتة المنتشرة بكثافة في المدينة.
ويضيف للجزيرة نت: "أجبرتني هذه الأوضاع على التوقف عن العمل طيلة الأيام الماضية، والآن لا أملك وعائلتي سوى مبلغ مالي صغير لا يكفي سوى لأيام ولا أعلم كيف سنتدبر أمرنا إذا استمر الحال على ما هو عليه، فأنا لا أجرؤ على الحركة خارج الشقة، والضمانة الوحيدة هي أن أبقى في منزلي حتى تنتهي هذه الأزمة".
حملة اعتقالاتوأكدت مصادر محلية في ريف دمشق -للجزيرة نت- وجود حملة اعتقالات للشبان المتخلفين عن الخدمة العسكرية تقودها الفرقة الرابعة، التابعة لماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد، وقوات من المخابرات العسكرية بهدف تجنيدهم في أسرع وقت لتعزيز قوات الجيش في جبهات القتال مع فصائل المعارضة.
في حين أعلن وسيم الأسد، قائد "مجموعة مسلحة محلية" في محافظة اللاذقية وابن عم الرئيس السوري، في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري على صفحته الشخصية في فيسبوك، عن "تجهيز مجموعات إسناد وحماية خاصة بمحافظة اللاذقية وريفها تكون رديفة للجيش والقوات العاملة على جبهات القتال".
ولمجندي هذه المجموعات "مهمات خارجية تابعة لشعبة المخابرات العسكرية براتب شهري قدره 3 ملايين ليرة سورية (175 دولارا) للمقاتل"، واعدا المنتسبين إلى هذه المجموعات بتسوية أوضاعهم سواء كانوا من "الفارين أو المدعوين للخدمة الإلزامية" في الجيش.
ونشر وسيم الأسد، في وقت لاحق على صفحته في فيسبوك، صورا تظهره إلى جانب مجموعة من المسلحين.
رفع معنوياتفي سياق متصل، أصدر الرئيس بشار الأسد، أمس الأربعاء، المرسوم رقم 28 القاضي بإضافة نسبة 50% إلى الرواتب المقطوعة للعسكريين المشمولين بأحكام قانون الخدمة العسكرية، في ما يراه مراقبون محاولة لرفع معنويات عناصر الجيش خشية من الانشقاقات وتجهيزا للمعارك المحتدمة على جبهة الشمال.
إعلانوكانت المعارضة المسلحة قد أعلنت، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدء ما سمتها معركة "ردع العدوان"، وقال حسن عبد الغني الناطق باسم غرفة عمليات "الفتح المبين"، التي تشمل هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير وفصائل أخرى، إن الهدف منها توجيه ضربة استباقية لحشود الجيش السوري التي تهدد المواقع التي تسيطر عليها المعارضة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الخدمة العسکریة
إقرأ أيضاً:
بعد 43 سنة بسجون الأسد.. الطيار السوري الططري يتنفس هواء الحرية بدمشق
دمشق - بعد أكثر من أربعة عقود قضاها خلف القضبان في سجون نظام حافظ الأسد ثم ابنه بشار، خرج الطيار السوري السابق رغيد أحمد الططري (70 عامًا) إلى النور أخيرًا، ليعيش لحظة لم يكن يتخيلها يومًا، ألا وهي أن سوريا باتت وطنًا حرًا ينتمي إليه بحق، لا سجناً كبيرًا تحكمه قبضة أمنية.
جرى اعتقال الطيار الططري، في 1981 بتهمة "التحريض على عدم تنفيذ الأوامر العسكرية"، وهي تهمة كانت تكفي آنذاك لدفن أي إنسان في غياهب المعتقلات لعقود من الزمن.
وجرى الإفراج عنه في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، يوم سقوط النظام السوري وفرار بشار الأسد إلى خارج البلاد.
وفي ذلك اليوم بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد مدن أخرى، منهية 61 سنة من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وفي حديث للأناضول، روى الططري، بصوت مشوب بالعاطفة وذاكرة مثقلة بالقهر، ما عاشه طيلة تلك السنوات، وما شعر به حين دقت لحظة الحرية بعد 43 سنة في السجن.
وأضاف: "في ذلك الزمن، لم نكن نملك الوعي السياسي الكامل، لكن كنا نعرف الظلم ونتحدث عنه، حتى لو لم يكن لدينا أدوات التعبير. كان ما نراه من ظلمٍ صريح يدفعنا إلى رفضه علنًا، وهذا ما لم يكن مقبولًا لدى النظام".
وأضاف الططري بأسى: "قضيت أجمل سنوات عمري في الزنازين. السجون مثل تدمر وصيدنايا كانت مقابر للأحياء، ومع ذلك لم أتخلَّ عن ذاتي، ولا عن قناعاتي".
وتحدث عن مدينة حماة (وسط) بوصفها "رمزًا للقمع في ذاكرة السوريين"، مشيرًا إلى أن المأساة لم تكن حكرًا على مدينة بعينها.
وقال: "ما جرى في حماة عام 1982 لم يكن إلا جزءًا من مأساة وطن. نفس الألم سكن حلب (شمال) وإدلب (شمال غرب) و(العاصمة) دمشق وحمص (وسط)".
وتابع: "فقط ما ميز حماة أن المعركة هناك حُسمت بدموية كبيرة وأبيدت قوى المعارضة المسلحة آنذاك، ولهذا علِق اسمها في الذاكرة بوصفها كانت ساحة لمجزرة حماة".
وعن لحظة الإفراج عنه، استعاد الططري تفاصيل اليوم الذي غادر فيه سجن صيدنايا (محافظة ريف دمشق) وتوجه إلى مدينة طرطوس (شمال غرب)، ومنها إلى دمشق.
وقال: "خرجت من السجن ووجدت الناس ترفع أعلام الثورة وتغني للحرية. كانت الشوارع تعج بالفرح. وعندما وصلت إلى دمشق، شعرت بشيء لم أختبره من قبل. شعرت أنني في وطني. لأول مرة أحس أن هذه الأرض لي، وليست سجناً يُدار بعقلية الاحتلال".
الططري، الذي قبع لسنوات طويلة أيضًا في سجن تدمر (محافظة حمص) ذي السمعة السيئة، قبل أن يجري نقله لاحقًا إلى سجن صيدنايا المعروف باسم "المسلخ البشري"، أكد أن فرحته الشخصية لم تكن تضاهي فرحة الناس بانهيار النظام.
وقال: "كان الناس يحتفلون وكأنهم خرجوا من سجن جماعي. كانت نظراتهم تحمل من السعادة ما لم أره من قبل. ربما كان خروجي بعد 43 سنة أمرًا مؤثرًا، لكن حرية الوطن كانت أبلغ بكثير".
وفي حديثه عن مجريات عام 2024، قال الططري: "كان عامًا تحولت فيه الأحلام إلى واقع. نعم، مررنا بكثير من الإحباطات خلال الثورة، لكن الشعب نهض مجددًا".
وأردف: "عندما تم تحرير حلب لم نصدق في البداية. ظننا أن الأمر خدعة. ثم سقطت حماة، وفُتحت السجون، وهنا أدركنا أن المشهد يتغير فعلاً".
وعن الدرس الأهم الذي تعلمه خلال سنوات اعتقاله الطويلة، قال الطيار السوري: "ما خرجت به من تلك المحنة أن الإنسان لا يملك في الحياة شيئًا أثمن من نفسه. أنا لست نادمًا لأني لم أتنازل عن ذاتي رغم كل ما تعرضت له من تعذيب. حافظت على قراراتي وعلى جوهري. وهذا هو جوهر الحرية الحقيقية أن تكون سيد قرارك، وأن لا تنكسر".