هند عصام تكتب: مقبرة إنتي وشيدو
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
مازال العالم يقف أمام عبقرية وجمال كل قطعة أثرية حائر مذهولا مع كل اكتشاف عبر التاريخ ، فالقدماء المصريين حضارة لا تستثنى أى شيىء من دون تدوين حضارتها من خلال جدران المقابر والمعابد فضلاً عن البارديات والاثار و التماثيل وبعض الأشياء الثمينة ، وقد أهتم المصريين القدماء برعاية موتاهم للحفاظ على أسرار تاريخهم و جثمانهم من التلف من خلال إنشاء العديد من المقابر، والتى كانت ليس مجرد مكان للدفن، لكنها كانت قصور أبدية ينعم فيها الميت بحياة جيدة عندما تعود له الروح مرة أخرى فى العالم الآخر.
ولذلك نجد أن وراء كل قطعة أثرية تاريخ مُحيّر للعلماء والمؤرخين،في الكشف عن هويتها وتاريخها ولذلك يكرِّس العلماء سنوات من حياتهم في محاولة إلقاء الضوء على أصول الاكتشافات الأثرية، ليؤكدو لنا وللعالم بلا شك أن الحضارة المصرية القديمة ما زالت تبوح بأسرارها لنا عبر التاريخ وتؤكد أنه لا تزال هناك كنوز قديمة، تحتفظ بالكثير من أسرار التاريخ ، وأن أرض مصر لا تزال عامرة بأسرار التاريخ و بالآثار والكنوز الثمينة المندثرة تحت الرمال ومن بين هذه المناطق الأثرية منطقة آثار دشاشة بمركز سمسطا والتي تحوي مقبرتي "أنتي وشدو".
والتي يعود تاريخ اكتشافهما إلى عام 1898 وذلك بعدما زار العالم الإنجليزي فلنلدر بتري المنطقة وقام بعمل حفائر بالموقع، وقام بنشر تلك المقابر، بمساعدة شخص مصري يدعى "عمران خليل"، ثم جاءت البعثة الأسترالية في بداية التسعينات من القرن الماضي بالعمل بالمنطقة، وإعادة نشر تلك المقابر، وذلك بإشراف عالم الآثار المصري نجيب قنواتي، وفى عام 2005 قام فريق الترميم بمنطقة آثار بني سويف بإعادة عملية ترميم المقبرة، على أسس علمية حديثة وبمواد ترميم مناسبة، لتظهر في شكلها الحالي.
ويقال أن مقبرتي إنتي وشيدو واللتان تعودان للأسرة الخامسة، وتقعان أعلى الجبل الغربي بمركز سمسطا على ارتفاع 40 متراً من سطح الأرض بمنطقة آثار دشاشة، من أهم المقابر الموجودة بالموقع، لاحتوائها على مناظر هامة تمثل الحياة اليومية، ومناظر عسكرية خاصة بالمصري القديم، ومن أشهر الشخصيات التي دُفنت بالمنطقة المدعو "أنتي" الذي كان يشغل وظيفة المشرف على مهمات إقليم "نعرت" أي إقليم الشجرة، وشغل أيضا وظيفة المشرف على كل الحصون الملكية، وشغل وظيفة حاكم المقاطعة وأخذ لقب المعروف لدى الملك" وهو لقب شرفي ساد في تلك الفترة، كما يعتبر المدعو "شدو" من الشخصيات الهامة التي دُفنت بالمنطقة، حيث تقلد وظائف هامة في نهاية عصر الدولة الحديثة منها: حاجب القصر الملكي، والمشرف على الحقول، ولقب بالسمير الوحيد للملك.
أما عن التخطيط المعماري لمقبرة «إنتي» فهي تبدو كأنها نفق أو كهف، لكونها منقورة في الصخر، وتتكون من صالة عرضية بها 3 أعمدة مربعة وأخرى طولية، بالإضافة إلى حجرة الدفن، مع إضافة مبان من الحجر في واجهة المقبرة ما يشبه المصطبة، وأشهر المناظر والنقوش المسجلة عليها، المنظر الوارد على مقصورة المقبرة الذي يمثل منظر اقتحام الجيش المصري لأحد الحصون الأجنبية الأسيوية، والتى تبدأ بحشد رماة السهام المصريين الذين لعبوا دورًا مهمًا، حيث يظهر أحد الرماة وهو يصوب قوسه على أحد الرجال فوق قمة المدينة، كما يُظهر مشهد آخر لجنود المشاة ومعهم فؤوس حربية طويلة، وهم يهاجمون أعداءهم الذين أصيبوا بالأسهم التى لم تكن كافية للإجهاز عليهم.وأشار إلى أنه ورد على الحائط الشرقي جنوب المدخل منظر يمثل زوجة صاحب المقبرة، وعلى الحائط الجنوبي تم تمثيل صاحب المقبرة مع زوجته، وعلي الحائط الغربي تم تسجيل منظر إحضار الماشية بواسطة رجلين، ومنظر آخر لصاحب المقبرة مع زوجته وابنته، ثم منظر لصاحب المقبرة في منظر إبحار على قارب، وبالنسبة للمناظر الواردة على الجدار الشمالي فيوجد منظر صيد ثم منظر جمع نبات البردي وصناعة قارب، ثم منظر عجل صغير يرضع من أمه، ومنظر آخر لصيد الأسماك بواسطة مجموعتين من الرجال، وقد ورد على مقصورة المقبرة منظر لصاحب المقبرة وزوجته يستقبلان أفراد العائلة والقرابين المختلفة.
و "أما لمقبرة شيدو فهي أصغر نسبيا من مقبرة أنتي، وتتكون من صالة عرضية صغيرة ثم رواق به 4 درجات سلم، ومنه إلى الصالة الأخرى التي يحمل سقفها ثلاثة أعمدة على حوائطها كتابات، ونقوش هيروغليفية، يظهر بها صاحب المقبرة مرتدياً الشارات الرسمية والصولجان، ثم منظر صيد الأسماك بواسطة صاحب المقبرة، وجرى تسجيل منظر لإعداد الطعام على الحائط الغربي، فضلا عن قيام صاحب المقبرة بالصيد في الأحراش على الحائط الجنوبي، وفي النهاية نجد بئر الدفن
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سمسطا هند عصام المزيد المزيد على الحائط
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: قراءة الذات
تشكل قراءة الذات ضرورة لاستقرار النفس، كونها أحد الروافد التي تساعد في تغذية الوجدان؛ ليصبح الفرد قادرًا على استيعاب كافة المتغيرات المحيطة به؛ فترى الإنسان منا يتذوق، ويستمتع بمفردات الحياة، ويعيش أحداثها بصورة هادئة؛ حيث تتكشف أمامه بواطن الأمور، ويخرج من بوتقة الصراع الداخلي، الناتج عن تحليل اعتمد في أساسه على ظاهر قد يشوبه النقصان.
ماهية قراءة الذات تجعلنا نفارق كل ما يسبب لنا إحباطًا، أو يشكك فيما نمتلك من قدرات، أو يرغب في أن نحيد عن مسار محمود نحن فيه، أو يعظم من سلبيات الحياة وأحداثها، أو يقلل من جهد يشار إليه بالبنان؛ ومن ثم نستطيع أن نستمر في طريق مفعم بحيوية الأداء والممارسة؛ فنعمل دومًا على تحسينهما، ونركض بصفة مستدامة نحو أهدافٍ واضحة المكنون والمكون، ولا ننساق وراء أهواهم رسمها خيال افتقر لحكمة التفكر.
تحصين النفس عبر مناعة مكتسبة يكمن في قراءة صحيحة للذات؛ حيث يدرك الإنسان منا صورة التعقيدات الحياتية وما تحمله من تهديدات وتحديات؛ كي يصنع لنفسه سياجًا يقيه الوقوع في بوتقة الهموم، ويبعده عن مسار التحاقد والتحاسد، ويجعله دومًا في مصاف التطلع، ويصنع في وجدانه أملًا متجددًا رغم قساوة المتغيرات؛ ومن ثم يخرج سريعًا من حالات السلبية إلى واحة الصفاء، وبناءً عليه يحقق فلسفة الاستقرار الحياتي في جوانبه المتباينة.
الاتزان الانفعالي يصعب أن نصل له بعيدًا عن مقدرة في الغوص بذواتنا؛ كي نتعرف على ما بها، وما أصابها، وما يحيط بها، وما يجب عليها أن تقوم به، إلى غير ذلك من الممارسات التي تكسبنا الطمأنينة واستعادة التوزان رغم توالي الظروف والمواقف التي نصفها بأنها ضاغطة؛ لذا تمكننا قراءة الذات من أن نفعل لغة المنطق المرن في تناول أمورنا بكل صورها؛ ومن ثم نهجر دوائر الفشل ونبحر في ساحات مفعمة بطاقات متجددة تمكننا من بلوغ غايات قويمة.
إذا ما رغبنا في الوصول لمرحلة الأمن النفسي، توجب علينا أن نحسن ونتقن قراءة دواخلنا؛ كي نتعرف على ما لدينا من ملكات وتفردات منحنا إيها، كما ندرك الآليات الصحيحة التي بواسطتها نستطيع أن نعزز شعورنا الإيجابي نحو أنفسنا؛ لتصبح نفوسنا قوية، ووجداننا راق، ونعضد ما لدينا من متنوع الحب الكامن بين خلجات قلوبنا تجاه كل ما يحيط بنا من بشر وشجر وحجر؛ فنستمتع بكل تأكيد بالطبيعة الخلابة من حولنا.
من يرغب في السير قدمًا نحو اكتساب مزيد من المعرفة والعمق المفاهيمي الكامن بها، عليه أن يستبطن ذاته؛ فيخرج من عزلته، ويبعد عن مخاطر السقوط في براثن الاكتئاب أو الإحباط المسبب منه وغير المسبب؛ ومن ثم يبرم تعاونات وشراكات مشروعة يتبادل عبر بوابتها منافع وخبرات في كافة المجالات التي يميل إليها أو يرى فيها الفائدة التي بتوافرها لديه تزيل غموض وشكوك، وتصحح مفاهيمًا لا حصر لها في عالم يموج بفيض المغالطات في شتى المجالات والمسارات.
اعتقد أن قراءة الذات بالصورة الصحيحة تخلق لدينا دومًا الرغبة المستمرة في إبرام مزيد من التفاعلات الاجتماعية السوية سواءً أكانت في مجالاتنا النوعية أم في الحياة بمطلق عموميتها؛ ومن ثم تزداد رغبنا في عقد نقاشات وحوارات مثمرة تفتح الآفاق نحو استلهام أفكار إيجابية بناءة، بل، قد تتسبب في إحداث إنجازات ونجاحات لم تكن بالحسبان.
أجد في مقدرتنا على قراءة الذات مناخًا داعمًا يخلق البيئة الآمنة التي تطلبها مشاعرنا الإيجابية في تلك الحياة المليئة بالأحداث الجيدة منها وغير الجيدة، وهذا دون مواربة يحقق لدينا ماهية النضج، وهنا نتوقع مزيدًا من الأمل والطموح، وفيض من الدفء والحنان والأمان، وتركيز نحو غايات نبيلة تحقق احتياجاتنا وطموحاتنا الآنية منها والمستقبلية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.