«شباب عمان».. أيقونة عالمية ترفع أشرعة السلام والمحبة
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
العمل الجاد والحقيقي والمبني على رؤية تقدمية عميقة يؤتي ثماره ولو بعد حين، ويتحول من عمل ذي صبغة محلية إلى عمل ذي صبغة إنسانية. هذا الأمر ينطبق تماما على مشروع سفينة شباب عُمان التي أدرجت نهاية الأسبوع الماضي ضمن قائمة أفضل الممارسات لصون التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونسكو.
كانت سفينة شباب عُمان منذ رحلتها الأولى رمزا استثنائيا يعكس العمق الحضاري الذي تتمتع به عُمان وارتباطها التاريخي بالبحر، حيث استطاعت أن تمزج بين أمجاد الماضي العريق وآفاق الحاضر الواعد.
وفي النجاح الذي حققته سفينة شباب عُمان سواء في إدراجها العالمي الجديد أو عبر الوعي الذي تشكل عالميا من هدفها إثبات جديد أن الوصول للعالمية ينطلق من الجذور ومن التمسك بالمبادئ الثقافية، ومن التجربة المحلية مهما كانت خصوصيتها؛ لأنها تمثل تجربة إنسانية فريدة لها مميزاتها ولها مبادئها ولها إثارتها التي تتشكل في أذهان الآخرين.. وفي موضوع سفينة شباب عُمان تمثل التجربة الثقافية للعمانيين ولتاريخهم العريق ولدورهم في بناء جسور حضارية مع الآخر بما يعبر عن رسالتهم الإنسانية العميقة إثباتا على أن قوة التجارب تنبثق من إنسانيتها بغض النظر عن موقعها الجغرافي ومن قدرتها على الولاء لقيمها متى ما كانت صادقة ومعبّرة عن تجارب مجتمعية.
استطاعت سفينة شباب عُمان أن تحول حكايات التاريخ البحري في عُمان إلى قصة هُوية متجذرة، واستطاعت السفينة عبر رحلاتها الحديثة أن تعيد روايتها من جديد في سياق حديث، أما أشرعتها التي تعانق السماء والتي تقاوم صراع الريح والموج فقد تحولت إلى صفحات تُفتح على العالم لتكتب فيها حكاية السلام، وقصة شعب حمل ثقافته معه حيثما ارتحل. من خلال الفنون الشعبية المبهرة، والصناعات الحرفية التي تعبق برائحة التراث، وفنون الإبحار التقليدية التي تستنطق السماء والنجوم، تُقدّم السفينة للعالم صورة عُمان الأصيلة، تلك التي تفخر بماضيها وتؤمن بالحوار الحضاري وسيلة لتعزيز قيم التفاهم والتعايش.
وإذا كانت سفينة شباب عمان تحافظ على التراث البحري بوصفه إرثا عمانيا أصيلا، فإنها تضطلع بدور أعمق في سياق القوة الناعمة التي تسعى الدول في مختلف قارات العالم إلى تعزيزها والاستفادة منها في لحظات عالمية شديدة الصعوبة والالتباس. ومن خلال زياراتها المتعددة إلى موانئ تمتد عبر قارات العالم، قدمت السفينة رسالة تُجسد عُمان الدولة التي تصون هُويتها بينما تنفتح على الآخر، حيث تتحول كل رحلة إلى مهرجان ثقافي متنقل، يعكس روح التسامح العماني وينقل إلى العالم صورة مشرقة عن الشرق العربي. وأضاف حضور المرأة العمانية في رحلات السفينة إضافة إلى الشباب العماني بُعدا حداثيا وإنسانيا استطاع أن يقترب من الآخر في مختلف القارات ويؤمن أن الأجيال الحديثة قادرة على التشبع بروح الأصالة متى ما كانت الوسيلة متاحة والغاية واضحة.
لكن المتأمل لرحلات سفينة شباب عمان عبر عدة عقود يستطيع أن يصل إلى حقيقة مفادها أن دور السفينة ليس مجرد التعريف بالماضي بل كانت على الدوام نافذة على المستقبل؛ حيث قدمت السفينة نموذجا للتواصل الإنساني المستدام، وأن التراث ليس مجرد ذكريات بل أداة حية تُساهم في التنمية وتدعم الحوار الحضاري بين الأمم. إن الحفاظ على الملاحة التقليدية كعلم وفن، وتقديمه في سياقات دولية كوسيلة للتبادل الثقافي، يبرز قدرة عُمان على المزج بين إرثها العريق وقيمها الحديثة، ما يجعل من السفينة سفيرا عُمانيا يجوب الموانئ العالمية بأشرعة السلام.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
سفينة مادلين تبحر لكسر حصار غزة.. رسالة إنسانية تواجه الصمت
أطلق "تحالف أسطول الحرية" سفينة "مادلين" من ميناء كاتانيا الإيطالي الأحد، وهي سفينة مدنية تحمل مساعدات إنسانية ومتطوعين دوليين، في محاولة جديدة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا.
وتُبحر السفينة حاليًا باتجاه القطاع، في تحد مباشر لما وصفه التحالف بـ"الحصار غير القانوني والإبادة الجماعية المتواصلة".
A Month after #Conscience Attack: #FreedomFlotilla Ship #Madleen Sets Sail for #Gaza.
"We cannot be silent bystanders. Every single one of us has a moral obligation to do everything we can to fight for a free #Palestine.” @GretaThunberg https://t.co/NY93Os5NpH #AllEyesOnDeck — Freedom Flotilla Coalition (@GazaFFlotilla) June 1, 2025
وسُميت السفينة باسم "مادلين" تكريمًا لأول صيادة سمك في غزة، والتي واجهت بعزيمتها ظروف الحصار عام 2014. ويُعد هذا الاسم رمزًا لصمود الشعب الفلسطيني، كما يعكس تصاعد التضامن العالمي مع ضحايا الحصار وسياسات العقاب الجماعي.
تأتي هذه الخطوة بعد مرور شهر فقط على قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي المسير لسفينة "كونشايس" التابعة لأسطول الحرية أثناء إبحارها في المياه الدولية قبالة سواحل مالطا، ما يُبرز حجم المخاطر التي تواجهها هذه المهمة الإنسانية.
وتحمل "مادلين" على متنها إمدادات حيوية وعاجلة لسكان القطاع، تشمل حليب الأطفال، والدقيق، والأرز، والحفاضات، والفوط الصحية، ومعدات تحلية المياه، وأدوية ومستلزمات طبية، بالإضافة إلى عكازات وأطراف صناعية مخصصة للأطفال.
كما يرافق السفينة متطوعون من جنسيات مختلفة، من بينهم عضوة البرلمان الأوروبي ريما حسن، والناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ.
استمرار لإرث "مافي مرمرة"
تُعد مهمة "مادلين" امتدادًا مباشرًا لمهمة سفينة "مافي مرمرة"، التي تعرّضت لهجوم إسرائيلي دامٍ في عام 2010، أسفر عن استشهاد عشرة متطوعين أثناء محاولتهم إيصال مساعدات إنسانية إلى غزة.
ويرى منظمو الحملة أن هذه المهمة تمثل استمرارًا لذلك الإرث الإنساني، ورفضًا للصمت الدولي والخضوع للابتزاز السياسي.
وأكد ائتلاف أسطول الحرية أن الإبحار بسفينة "مادلين" هو فعل سلمي مقاوم، ينطلق من إيمان راسخ بأن المدنيين الفلسطينيين يستحقون الحرية والكرامة وحقوق الإنسان الكاملة.
وأضاف أن جميع المتطوعين على متن السفينة مدربون على اللاعنف، ولا يحملون أي سلاح.
ودعا التحالف الحكومات إلى ضمان المرور الآمن للسفينة وسائر السفن الإنسانية، كما طالب وسائل الإعلام بتغطية الحدث بمهنية وشفافية، وناشد أصحاب الضمائر الحية حول العالم بالتحرك الفوري لإنهاء معاناة غزة وكسر الحصار المفروض عليها.
أطول عقوبة جماعية في العصر الحديث
منذ عام 2007، يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا مشددًا على قطاع غزة، عقب بعد فوز حركة حماس في الانتخابات البلدية، ما حول القطاع إلى أكبر سجن مفتوح في العالم.
ويُعتبر هذا الحصار أحد أطول وأقسى أنظمة العقوبات الجماعية في العصر الحديث، وامتدادًا لسياسات عزل ممنهجة استهدفت القطاع سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
وقد شمل الحصار جميع جوانب الحياة اليومية، من إغلاق المعابر البرية والبحرية والجوية، إلى منع دخول المواد الأساسية، وتقييد حركة الأفراد والبضائع، وفرض قيود صارمة على الوقود والكهرباء والمعدات الطبية ومواد البناء.
وتشير تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية إلى أن هذا الحصار يُصنف كـ"عقوبة جماعية غير قانونية" تطال أكثر من مليوني نسمة، نصفهم من الأطفال.
ومع كل عدوان إسرائيلي جديد، تتفاقم المأساة الإنسانية في غزة، ويتحول الحصار من إجراء عسكري إلى أداة خنق ممنهجة للحياة المدنية، تُستخدم لفرض شروط سياسية على حساب الحقوق الأساسية للسكان، فيما تُقيّد إمكانية إعادة الإعمار أو التعافي الإنساني.
صمت دولي وتواطؤ إقليمي
رغم الإدانات الدولية المتكررة والدعوات المستمرة لإنهاء الحصار، لا يزال المجتمع الدولي عاجزًا عن اتخاذ خطوات عملية لرفع القيود، في ظل صمت عالمي وتواطؤ من بعض القوى الإقليمية والدولية، وهو ما يساهم في إبقاء الكارثة الإنسانية قائمة منذ أكثر من 17 عامًا.
وبينما يُطالب الفلسطينيون في غزة بحقوقهم الأساسية في الحياة الكريمة، والدواء، والغذاء، والتنقل، والتعليم، يستمر الاحتلال الإسرائيلي في فرض الحصار كأداة ابتزاز سياسي، تحوّلت مع مرور الزمن إلى جريمة متكاملة الأركان ضد الإنسانية، تشكّل وصمة عار في جبين النظام الدولي الحديث.