التطورات السورية الحاسمة وأثرها على مستقبل الحرب في اليمن
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
التطورات المتسارعة والحاسمة في سوريا لا تمثلُ انتصارا عسكريا مستحقا للشعب السوري على النظام الطائفي المجرم الذي تحكم به وأذاقه الويلات لمدة 54 عاما فحسب؛ ولكنها تؤشر إلى تحول كبير في الواقع الجيوسياسي للمنطقة، رُفع معهُ الغطاء الأمريكي عن محور المقاومة فتهاوت سطوته وتحطمت إمكانياته وبلغ عجزه المستوى الذي لا تُخطئه العين.
ثمة حليف إقليمي قوي هو تركيا، يقف خلف النجاحات العظيمة التي حققتها قوات المعارضة السورية، يبدو ذلك جليا في التغطية السياسية، وفي الجهود والاستعدادات والدعم اللوجستي، على النحو الذي بدد الصورة السلبية القاتمة التي تشكلت حول الدور التركي طيلة السنوات الماضية، خصوصا بعد سقوط حلب في حرب العام 2019 ومعها مناطق خفض التصعيد المتفق عليها، أمام الضربات الروسية والإيرانية، وهي ضربات كانت محروسة بعناية من الجانب الأمريكي.
في اليمن هناك ما يشبه الأزمة السورية من زوايا عدة، فهناك ملايين من الشعب تعرضوا للقتل والتشرد والنزوح، وفقدوا حقهم في الحياة الكريمة وصودرت أملاكم ومقدراتهم وتتعرض حياتهم للخطر في كل وقت في وطنهم، بسبب طغيان المليشيات التي تمكنت من رقابهم بفعل التواطؤ الإقليمي والدعم والتغطية السياسية التي قدمها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
في اليمن هناك ما يشبه الأزمة السورية من زوايا عدة، فهناك ملايين من الشعب تعرضوا للقتل والتشرد والنزوح، وفقدوا حقهم في الحياة الكريمة وصودرت أملاكم ومقدراتهم وتتعرض حياتهم للخطر في كل وقت في وطنهم، بسبب طغيان المليشيات التي تمكنت من رقابهم بفعل التواطؤ الإقليمي والدعم والتغطية السياسية التي قدمها الغرب
وهناك مشروع انفصالي، واستفحال لدور الكتائب السلفية التي تخدم أجندات أجنبية، وهناك مكون طائفي يمثله الحوثيون يهيمن على العاصمة صنعاء ويدور حول المحور الطائفي الإقليمي بقيادة إيران، وهناك تركيبة معقدة من المليشيات متعددة الولاءات، وسطوة إقليمية ودولية على الجغرافية اليمنية وجرأة في التعبير عن الأطماع في هذه الجغرافيا عبر الدعم الوقح للمشاريع الانفصالية والطائفية.
الجميع يتطلع باهتمام إلى الخطوة التي ستُقدم عليها المملكة العربية السعودية ومعها الإمارات اللتان تتحكمان باليمن سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وعما إذا كنا سنرى تحولا طال انتظاره في موقفهما يشبه ذلك التحول الذي رأيناه في سوريا، مدفوعا بالدور الأخلاقي لتركيا وعزمها على إعادة السلام الذي يحفظ لسوريا وحدتها ويضمن عودة ملايين السوريين إلى وطنهم منتصرين، بعد أن رسخت عقيدة سياسية لدى معظم الطيف السياسي التركي تقضي بتسليم اللاجئين إلى السفاح بشار الأسد ضمن تسوية سياسية كرعايا مقهورين ومهزومين وفاقدي الكرامة.
اليمنيون مثلهم مثل السوريين، لن يقبلوا بالهزيمة التي تدفعهم إليها التسوية السياسية ذات الصبغة الثنائية؛ أحد أطرافها دولة كبيرة مثل السعودية، وطرفها الآخر جماعة الحوثي الطائفية، وهدفها شرعنة الانقلاب، ودفن الشرعية، في وقت تتوفر فيه كل الإمكانيات التي تتيح للشعب اليمني الانتصار على الجماعة الانقلابية وغيرها من التشكيلات المسلحة الأخرى المستفزة للمشاعر الوطنية.
وهنا يحسن التذكير بأن حرب الهاشتاجات التي تديرها السعودية، عبر مئات الناشطين والذباب الإلكتروني، لا تكفي؛ قد تضغط معنويا على الحوثيين لكنها لن تزحزحهم عن أماكنهم قيد أنملة. والسيناريو الأمثل لإنهاء أزمة اليمن وطي صفحة الحرب وفرض السلام، يتمثل في إطلاق عملية عسكرية ضاغطة، تجبر الحوثيين على الذهاب إلى طاولة الحوار بما يضمن تسوية عادلة وتتكئ على المرجعيات المتفق عليها.
في ظل هذه السيولة المدهشة في أحداث المنطقة، يزور المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام وبسرية تامة الرياض، وما من تفسير لزيارته سوى أنها تريد إحياء مسار المحادثات الثنائية بين جماعته والسعودية، رغم أنه يأتي هذه المرة مثقلا بالخيبات وآملا تجنب تداعيات الخسارة الاستراتيجية التي مُني بها محور المقاومة بقيادة إيران في لبنان وسوريا.
الزيارة ما من شك أنها تأتي ثمرة التواصل عالي المستوى الذي جرى مؤخرا بين الرياض وطهران عبر الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين، في إطار حرص إيران على الدفع بالتسوية الثنائية بين المملكة والحوثيين إلى نهايتها، بعد الشوط الذي تم قطعه على هذه الصعيد خلال العام الماضي، بوساطة عمانية وضغط واضح من الإدارة الأمريكية.
ثمة مؤشرات على أن مستقبل الحوثيين يكتنفه خطر المواجهة العسكرية الشاملة، والسعودية ربما ترجح الذهاب إلى هذا الخيار، لكنها تحرص على وجود ضمانات أمريكية
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يمكن لجهود التسوية الثنائية السعودية- الحوثية أن تتواصل؟ حتى بعد أن خففت واشنطن قبضتها الضاغطة على خناق المملكة، وبعد أن وجهت لحلف المقاومة ضربة عسكرية مؤلمة أخرجته عن الجاهزية وبدا عاجزا عن التعامل مع التحديات الوجودية الناشئة في سورية، بعد التقدم العسكري القوي والمفاجئ لقوات المعارضة السورية ووصولها إلى دمشق.
تبرز تحديات حقيقية أمام الحوثيين الذين يحاولون الإمساك بما أتاحته اللقاءات المتقدمة مع الجانب السعودي في كل من الرياض وصنعاء، ومن أهم هذه التحديات، أن المملكة العربية السعودية، تبدو الآن متحررة بالكامل من الضغوط الأمريكية بشأن حرب اليمن، وتساوم بأريحية كبيرة خصوصا أن واشنطن حريصة على دور سعودي رئيس في مرحلة ما بعد حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة.
ثمة مؤشرات على أن مستقبل الحوثيين يكتنفه خطر المواجهة العسكرية الشاملة، والسعودية ربما ترجح الذهاب إلى هذا الخيار، لكنها تحرص على وجود ضمانات أمريكية، بدأت تتسرب معلومات بشأنها ومنها التزام الولايات المتحدة الأمريكية بنشر بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود الجنوبية للمملكة، خصوصا أن ترامب هو الذي سحب الباتريوت من المملكة إثر تعرض أكبر منشآتها النفطية في منطقتي بحيص وبقيق لهجمات بصواريخ ومسيرات إيرانية في 14 أيلول/ سبتمبر 2019.
x.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا اليمن الأسد الحوثيين سوريا الأسد اليمن الحوثيين مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
صباح غالب فقدت ولديها على جبهتي الحرب في اليمن
تركت العشرية السوداء للحرب الطاحنة التي اندلعت في اليمن في مارس/ آذار 2015 قصصاً وندوباً داخل كل بيت، بعدما طاولت نارها كل تفاصيل الحياة. وتكاد تكون قصة الستينية صباح غالب خلاصة الجرح، إذ فقدت ولديها على جبهتين مختلفتين من الحرب، علماً أن الفقد هو عنوان هذه القصة التي تتلخص بكون صباح من بين أكبر الخاسرين في حرب لا تعرف سببها، ولا أطرافها.
تعيش غالب في قرية ذي عنقب، بجبل صبر، التابع لمحافظة تعز، جنوب غربي اليمن، وعملت في الفلاحة بمساعدة زوجها الذي كان بائعاً للقات، إلى جانب كونه مزارعاً. وعاشا حياتهما في كفاح دائم من أجل توفير لقمة عيش كريمة.
عام 2012 فُجعت صباح وزوجها بوفاة ابنهما الشاب ماهر الذي كان يوشك أن يحتفل بزواجه، ما خلق جرحاً كبيراً في حياتهما.
في مارس 2015 اندلعت الحرب في اليمن، وتضررت أسرة صباح مثل بقية الأسر اليمنية، خاصة أن الاشتباكات المسلحة وصلت إلى مدينة تعز التي تبعد أقل من 10 كيلومترات فقط عن القرية التي تقيم فيها مع زوجها وأبنائها. تقول لـ"العربي الجديد": "نحن فلاحون لم نقرأ ولم نتعلم، ولا نجيد سوى عمل الزراعة في حقول القات وبيعه. عشنا من هذه المهنة، ولا علاقة لنا بأحزاب سياسية ولا بصراعات حول الحكم والسلطة".
ورغم أن عائلة غالب لا علاقة لها بالشأن السياسي، فقد استقطب قياديون من جماعة أنصار الله (الحوثيين) أحد أبنائها، ويدعى طلال الذي قاتل في صفوفها. وحصل ذلك عبر أشخاص من قرية مجاورة انتموا إلى الجماعة، وعُرفوا باسم "متحوثين". وأغرى هؤلاء طلال بضمه جندياً في صفوف الجيش الموالي للحوثيين، ومنحه راتباً شهرياً في وقت كان فيه وضعه المالي متردياً كونه بلا وظيفة.
قاتل طلال، من دون أن يعرف كثيرون من أقاربه ورفاقه، في صفوف الحوثيين ضد أبناء مدينته الذين قاوموا زحف الحوثيين، مع عناصر من الجيش الموالي للرئيس السابق علي عبد الله صالح، ضمن تحالف تشكّل بين الطرفين، قبل أن ينفض في ديسمبر/ كانون الأول 2017.
وفي 27 مايو/ أيار 2015 اندلعت اشتباكات عنيفة شارك فيها طلال مع مجموعة تابعة للمقاومة الشعبية بتعز، وقتِل مع عدد من الحوثيين. تقول غالب: "لم أعرف أن طلال كان يقاتل في صفوف الحوثيين. اعتقدت بأنه يعمل سائق دراجة نارية في المدينة، وهي المهنة التي مارسها قبل الحرب. كنا نسمع عن اندلاع اشتباكات مسلحة داخل المدينة بين الحوثيين والمقاومة، ووصلني فجأة خبر مقتل طلال خلال قتاله مع الحوثيين". تضيف: "شعرت بصدمة كبيرة حين سمعت الخبر. كنت أتمنى أن يكون الأمر مجرد حلم، لكن الخبر تأكد، وشعرت بأن قطعة من قلبي قد انتُزعت".
وباعتبار أن جميع أبناء قرية غالب وقفوا في صف المقاومة الشعبية ضد مليشيا الحوثي وقوات صالح، أحست الأم بحمل مضاعف نتيجة قتال ابنها في صفوف الحوثيين.
وفي 15 يوليو/ تموز من العام نفسه وصلت الحرب إلى القرية، وشارك كل أبناء القرية في مواجهة الزحف الحوثي، وانضم كل من يقدر على حمل السلاح إلى صفوف المقاومة الشعبية التي خاضت الحرب بإمكانيات بسيطة، وكان بكر، الابن الأصغر لصباح ضمن صفوف الشباب الذين انضموا إلى المقاومة.
تقول غالب: "كرهت الحرب لأنها أخذت مني ابني، وكرهت كل دعاتها. أملت أن تنتهي الحرب ويعود الأمن والأمان إلى البلاد، لكن الأوضاع زادت سوءاً، ووصلت الحرب إلى القرية، وخرج الناس للمقاومة، ومن بينهم ابني بكر الذي أردت أن أمنعه لأنني خفت أن أخسره بعد أخيه".
استمرت الحرب في المنطقة شهراً كاملاً، وحسمتها المقاومة الشعبية لصالحها. وعام 2016 صدر قرار جمهوري بدمج أفراد المقاومة الشعبية في صفوف الجيش الوطني، وكان أحدهم بكر الذي مُنح رقماً عسكرياً.
وبعدما كانت سنوات الحرب صعبة على صباح غالب وزوجها، فقدت عام 2020 شريك حياتها الذي لم تفارقه يوماً، وفيما استمر بكر في التنقل بين جبهات مختلفة في مدينة تعز، قتِل داخل ثكنة عسكرية، في جبل هان، غرب تعز، في 5 مايو 2025، بعدما استهدفه مسلحو جماعة الحوثي.
تتحدث غالب عن تلقيها خبر مقتل بكر، ولدها الثاني: "قتلت الحرب ولديّ واحداً بعد الآخر. من جاء بهذه الحرب، ولماذا يتقاتل الناس؟ أولادنا ضحايا حرب لا نعرف سببها، يتقاتل الناس على الحكم وندفع نحن الضريبة. فقدت ولديّ وأصبحت وحيدة أنتظر الموت، أردت أن أفرح بزواجهما وألعب مع أحفادي".