موقع النيلين:
2025-06-19@14:14:49 GMT

من سيملأ الفراغ السياسي في سوريا؟

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

الدولة في سوريا ستستمر فقوة المجتمع والحضارة والمدنية العميقة ووجود كادر بيروقراطي متعلم، كل ذلك سيمنح الدولة قابلية للاستمرار في ظل النظام الجديد، لكن من سيملأ الفراغ السياسي ويحدد وجهة النظام؟

سوريا ستتحول بكليتها نحو اعتماد صيغ غربية في الحل، وسيطل القرار ٢٢٥٤ من الأمم المتحدة بصيغة جديدة محسنة النظام البعثي خارجها تماما، دعوات التسامح اليوم لن تصمد طويلا مع الزمن لأنها تطرح كيوتوبيا معلقة بالسماء.

لا يمكن نفي وكالة الذين أسقطوا نظام بشار عن أنفسهم وعن قضيتهم، ولكن في أي سياق عام تبرز القضية وتحت أي مظلة تتحرك؟ الغرب موجود والكيان المحتل موجود وتركيا كذلك، ولا يمكن نفي حقيقة أن النظام القديم دافع عن بقائه من خلال الدعم الخارجي أيضا، ومع تغير ظروف إيران وروسيا وفي توقيت مضطرب يسقط النظام.

الغرب ووكلاؤه هم من سيملؤون الفراغ، سيشكلون نظام جديد لسوريا منقسمة على نفسها بقيادة نخبة سورية جديدة عاشت زمنا طويلا في الخارج، سيعملون من أجل تحويل سوريا لنموذج جديد، يشجع بعض السوريين على العودة فتحل مشاكل كثيرة لدى تركيا والغرب، لكن هل هي حقيقية واستراتيجية ومستمرة؟ من سيكسب؟ ومن سيخسر؟

الرابح الفعلي هو الغرب والكيان المحتل، لن يتجرأ أحد ويقول أن الشعب السوري هو الخاسر اليوم فستقدم صفقة من قبيل: استقرار هش برعاية القوى المهيمنة مع العمل المستمر لتغيير سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية مقابل الخضوع للقوى المهيمنة. هذه الصفقة لا يوجد في المدى القريب ما يمنع استمرارها ولكن طبيعة القوى المهيمنة غير منسجمة، ووكالة بعض الثوار عن أنفسهم وعن قضيتهم قد تطل مستقبلا وتدفعهم للمقاومة، وسيقمع من يرغب في مشروع خارج ما تسمح به الدول المهيمنة. أما حين تتعارض المصالح الخارجية هنا وهناك ستكون حلبة الصراع المباشر هي الداخل السوري نفسه، وبالوكالة وقتها وبالتالي لا استقرار.

ما أخشاه ويخشاه كثير من المتحفظين هو فرص وجود المشروع الوطني السوري المستقل ولو خارج خيال البعثيين ونظامهم القديم، التحفظ بروح متشائمة لا يعني غياب الأمل فالتاريخ يتحرك وتموت الأنظمة ووتخثر لكن القضايا الحقيقية لن تموت، وسيعرف التاريخ كيف يعيد بعثها من جديد، كما يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فتلك سنن الله في الكون.

نحن السودانيون لن نستطيع منح السوريين الحكمة، وبشكل أكثر تواضعا وصدقا يجب أن نتعلم من تجربتهم، وخلاصتها هو أن الحفاظ على الدولة القائمة أمر مهم، وأن تقليل التدخل الخارجي على بلادنا أمر استراتيجي ومن كافة الأطراف، أن نجعل مدافعتنا دوما أخلاقية وذكية، وأن نحارب النخبة المستقوية بالخارج من عملاء الغرب ونواجه الظروف التي تصنعهم. وأن ننتبه لألاعيب الخارج ووسائل إعلامه، تأمل كيف نظر للثوار هناك في وقت من الأوقات كإرهابيين متشددين، ثم نظر لهم في سياق آخر كمعارضة وطنية. كذلك اليوم عندنا في السودان يتحدثون عن إسلاميين بتضخيم يطرحهم كمشكلة، والهدف عداء الدولة وجيشها الوطني وإعادة صياغتها بطريقتهم. الدرس هو أن نحافظ على ما نملك وأن نمد الجسور ونقلل حدة الصراع ولا نستثني أحدا إلا الخونة.

هشام الشواني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

العراق بين مشرط الإنقاذ وساعة الانفجار

18 يونيو، 2025

بغداد/المسلة: ليث شبر

خلال جلساتنا العلمية المطولة ضمن الفريق الوطني الذي يعمل على صياغة مشروع التحول الوطني للعراق، انشغلنا طويلاً بمناقشة كتاب بنية الثورات العلمية للفيلسوف توماس كون، والذي كان موضوع نقاش خاص مع زميلي الدكتور عبد السلام المياحي، العالم العراقي البارز في مجالات إدارة التغيير ونظم الاستدامة وصاحب الابتكارات الثورية حيث كنا نستعرض آليات تطور الفكر العلمي، وانتقال الأنظمة الفكرية والسياسية من مرحلة “العلم العادي” إلى “الثورة الفكرية”، وما يصاحبها من أزمات متراكمة قبل لحظة التحول الجذري.

في هذه الأجواء العلمية جاءت الإشارة الدقيقة لوصف ما يمر به العراق في هذه المرحلة الحساسة:

“نحن نعيش مرحلة التعفن السياسي.”

لم تكن الكلمة مجازاً أدبياً، بل كانت تشخيصاً حقيقياً يستند إلى قراءة فلسفية وعلمية لمسار الدولة العراقية منذ 2003 حتى اليوم.
إن العراق اليوم لا يمر بأزمة عابرة، بل وصل إلى مرحلة تحلل تدريجي في بنيته السياسية والاجتماعية والمؤسساتية، حيث تتراكم الأزمات دون قدرة على المعالجة الذاتية، ويقترب النظام من نقطة الانفجار إن لم يُبادر إلى عملية إنقاذ جذرية منظمة.

أولاً: التحديات المتراكمة منذ 2003 حتى 2025

منذ لحظة سقوط النظام السابق عام 2003، دخل العراق مرحلة انتقالية معقدة ظن البعض أنها ستكون مرحلة بناء دولة ديمقراطية حديثة، لكنها تحولت بفعل تراكمات عديدة إلى نظام مأزوم بنيوياً، من أبرز معالم أزمته:

تفكيك مؤسسات الدولة المركزية دون إعادة بنائها على أسس وطنية.

تكريس نظام المحاصصة الطائفية والقومية في توزيع السلطة والثروة.

إخضاع القرار السياسي العراقي لصراعات المحاور الإقليمية والدولية.

تفشي ظاهرة الفساد كمنظومة إدارية معقدة تخترق جميع مستويات السلطة.

تزايد الاعتماد المفرط على الريع النفطي دون بناء اقتصاد إنتاجي مستدام.

انقسام القوى الأمنية بين مؤسسات رسمية وفصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة.

انهيار المنظومات الخدمية الأساسية في الصحة والتعليم والكهرباء والبنى التحتية.

هذه التحديات، التي بدأت كاختلالات قابلة للإصلاح، تحولت مع مرور الزمن إلى أعراض مرضية مزمنة تدفع النظام إلى حالة شلل تدريجي.

ثانياً: مظاهر التعفن السياسي العميق

لم يعد العراق يعاني من أزمة سياسية فحسب، بل من حالة تعفن شاملة مست كل مفاصل الدولة والمجتمع، يمكن رصدها في كل المجالات والمحاور وهذه بعضها:

1️⃣ تعفن المؤسساتية:

غياب الدولة المؤسسية الفاعلة وتحول الوزارات والهيئات إلى كيانات مشلولة تديرها التوازنات الحزبية والطائفية.

ضعف الأداء الإداري وغياب معايير الكفاءة في التعيينات العليا.

انهيار منظومات التخطيط الاستراتيجي واستبدالها بإدارة يومية للأزمات المؤقتة.

2️⃣ تعفن القيم الأخلاقية:

ضعف الالتزام بالقيم الوطنية والمهنية في العمل العام.

شيوع ثقافة الولاء الشخصي والجهوي فوق مبادئ الصالح العام.

تطبيع الفساد واعتباره وسيلة طبيعية للترقي والنجاح داخل النظام السياسي والاقتصادي.

3️⃣ تعفن العدالة الاجتماعية:

اتساع الفجوة الطبقية بين قلة حاكمة متخمة بالثروات وأغلبية فقيرة تعاني البطالة والتهميش.

غياب تكافؤ الفرص في التعيين والترقي والتعليم.

تآكل قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بعدالة وكرامة.

4️⃣ تعفن الفكر والوعي السياسي:

انعدام المشروع الوطني الجامع كمرجعية فكرية للدولة والمجتمع.

اختزال العمل السياسي إلى صراع نفوذ بين كتل مغلقة بلا رؤى وطنية.

تسطيح النقاش العام وتدمير المنظومة الثقافية والإعلامية لحساب خطاب التخندق والانقسام.

ثالثاً: مؤشرات اقتراب الانفجار

تحت هذا المشهد المعقد يواصل التعفن السياسي دفع العراق نحو حافة الانفجار التاريخي، مع تصاعد:

غضب الأجيال الشبابية التي فقدت الإيمان بجدوى النظام السياسي القائم.

تصاعد البطالة بشكل غير مسبوق، خاصة بين خريجي الجامعات.

تعطل مؤسسات القضاء والرقابة وتآكل نزاهتها تحت ضغوط الولاءات السياسية.

صراع مستمر على النفوذ بين المكونات المسلحة داخل الدولة وخارجها.

انهيار ثقة المجتمع كلياً بكل أدوات الحكم القائمة.

رابعاً: الفرصة الأخيرة لإنقاذ العراق

رغم عمق الأزمة، لا يزال أمام العراق فرصة ضيقة للتصحيح قبل الانهيار الكامل.
هذه الفرصة لا تتحقق إلا عبر ثورة فكرية وعملية منظمة قادرة على:

إعادة تأسيس الدولة وفق مفهوم المواطنة الشاملة فوق كل الهويات الفرعية.

تقويض منظومة المحاصصة بكل أبعادها وتفكيك شبكات الفساد البنيوي.

بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي يوفر فرص العمل والثروة المستدامة.

دمج القوى المسلحة ضمن مؤسسات الدولة تحت سلطة القانون.

تحرير القرار العراقي من تدخلات الخارج ليعود سيداً على أرضه.

صناعة قيادة وطنية علمية تحمل مشروع التحول الجذري بعيداً عن الحسابات الحزبية الضيقة.

خامساً: بين مشرط الجراحة وساعة الانفجار

إن كل تأخير في إطلاق مشروع الإنقاذ الجذري سيقرب العراق أكثر من لحظة الانفجار الكارثي.
وكما في الجسد المتعفن، فإن الجراحة المبكرة المؤلمة أكثر رحمة وأملاً من الانهيار الكامل الذي لا رجعة فيه.

إن التاريخ لا ينتظر طويلاً، وهو الآن يضع العراق أمام لحظة مصيرية:
إما مشروع وطني شجاع يعيد بناء الدولة من الجذور،
وإما انفجار مدمر سيدخل العراق في دورة فوضى مفتوحة على المجهول لعقود قادمة.

الفرص التاريخية لا تمنح مرتين… والعراق 2025 يواجه لحظة الحقيقة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • مصرف سوريا المركزي ينفذ أول تحويل دولي مباشر عبر نظام سويفت
  • نيفين مسعد: النظام السياسي الإيراني فريد والمرشد يملك صلاحيات تفوق الرئيس
  • سوريا تعلن القبض على رئيس فرع أمن الدولة السابق بدير الزور
  • إقرار نظام الاستثمار بالمدن الصناعية في سوريا
  • الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، معتصم أحمد صالح: أطراف السلام وقّعوا ليكونوا شركاء في بناء الدولة لا ضيوفًا على موائدها
  • العراق بين مشرط الإنقاذ وساعة الانفجار
  • أحمد موسى: الغرب يسعى لإسقاط النظام الإيراني.. والضغط يتزايد على طهران
  • الكوني واللافي يبحثان مع سفراء أوروبيين دعم المسار السياسي وتوسيع الشراكة
  • سوريا.. تجارة وصناعة الكبتاغون مستمرة رغم سقوط النظام
  • أكراد وعرب وبلوش ينتظرون الفرصة.. كيف يفكر «الغرب الأمريكي- الأوروبي» في خريطة إيران؟