لجريدة عمان:
2025-06-01@09:39:21 GMT

دبلوماسية الدولار التي نحتاج إليها

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

في خضم الدوامة الأخيرة من الأخبار السياسية، حدث تطور مهم لمستقبل الأموال العامة المدعومة تكنولوجيا. أثناء قمة مجموعة البريكس في قازان، روسيا، كشف بنك التسويات الدولية عن انسحابه من مشروع مبادرة الأصول الرقمية والمدفوعات.

بدأ تصور هذه المبادرة في عام 2022 كدار مقاصة للعملات الرقمية للبنوك المركزية، وقد عملت على ترسيخ عمل بنك التسويات الدولية نحو نظام تسوية عالمي بين البنوك لربط عملات البنوك المركزية الرقمية خارج سيطرة أي حكومة منفردة.

بالاستفادة من مكاسب الكفاءة التي حققتها تكنولوجيا سلاسل الكتل قدمت مبادرة mBridge إجابة لكل من يشعرون بخيبة الأمل إزاء المدفوعات البطيئة وغير الميسورة التكلفة عبر الحدود. وفي شهر يونيو، ضاعف بنك التسويات الدولية جهوده في تفعيل هذه المبادرة، بإضافة المملكة العربية السعودية إلى قائمة البنوك المركزية المؤسِّـسة ودفعها إلى خارج المرحلة التجريبية. لا شك أن المدير العام لبنك التسويات الدولية أجوستين كارستينز، مدفوعا بالرياح الجيوسياسية المعاكسة التي تهب من قازان، صَـرَّحَ في اجتماع مجموعة الثلاثين في أواخر أكتوبر قائلا: «لا نستطيع أن ندعم بشكل مباشر أي مشروع لمجموعة البريكس لأننا لا نستطيع العمل مع دول خاضعة لعقوبات». تعكس تعليقات كارستينز التوتر المتنامي في العواصم الغربية. ففي حين يدعم كثيرون الجهود الرامية إلى استخدام التكنولوجيا الجديدة لجعل النظام المالي أكثر كفاءة ومساواة، فإنهم لا يريدون التبشير بنظام عالمي لم يعد قائما على القانون والمعايير الغربية.

سلطت وكالات الاستخبارات الأمريكية الضوء لفترة طويلة على هذه المقايضة عندما حذرت من دول مارقة تبني آليات تسوية بديلة مقاوِمة للعقوبات أو تستخدم أصولا افتراضية لتسهيل التجارة الثنائية (بين روسيا والصين على سبيل المثال). في قازان، لم يُـخـف زعماء مجموعة البريكس جهودهم الرامية إلى إنشاء نظام مالي جديد والتخلص من الدولار، على نحو يردد صدى دعوات روسية قديمة لإنشاء عملة موحدة لمجموعة البريكس تعتمد على تقنية سلاسل الكتل لتحصين التجارة ضد العقوبات الغربية.

السؤال غير المريح الذي يواجه صناع السياسات الغربيين هو ما إذا كانت رؤيتهم لاقتصاد رقمي لا تحده حدود ويكرس القيم الغربية ربما تُـخدَم بشكل أفضل حقا من خلال نموذج تقوده الدولة حيث تحتل البنوك المركزية مركز الصدارة وتنظم التجارة على المستوى فوق الوطني. برغم كل شيء، كان النظام الذي يقوده القطاع الخاص ويتولى القطاع العام تحكيمه هو القاعدة على مدار السنوات الثمانين الأخيرة. كانت الأموال الخاصة الوسيطة هي التي تُـصَـدِّر القواعد والأعراف الغربية، وأدى ذلك إلى إنشاء حصن مالي يتجاوز حدود أعضاء حلف شمال الأطلسي وترسيخ العقوبات الأمريكية وتدابير مكافحة غسل الأموال في العمل المصرفي الدولي والتجارة العالمية. حملت البنوك والشركات المتعددة الجنسيات الدولارات إلى كل ركن من أركان الكوكب تقريبا، وعملت في الوقت ذاته كمبعوثين للعملة الأمريكية والنظام المالي الأمريكي. لعقود من الزمن، أحبط هذا النظام غاسلي الأموال، والدول الراعية للإرهاب، وتجار المخدرات، وغيرهم من المجرمين، ودفعهم إلى إيجاد أساليب أكثر إبداعا للتهرب.

لكن التبني السريع من جانب القوى المارقة لأشكال غير منظمة من الأموال الرقمية أدى إلى تنشيط المناقشات ــ بين كل من دول البريكس والزعماء الغربيين ــ حول إصلاح البنية المالية العالمية القائمة. وليس من المستغرب أن تكون دول البريكس في طليعة مشاريع مثل mBridge، نظرا لقدرتها على قلب نظام بريتون وودز القائم. ولكن بدلا من التهرب من mBridge والمشاريع التجريبية الناجحة لخطوط التجارة العالمية والمدفوعات الجديدة، ينبغي للقادة الغربيين أن يفكروا في كيفية تحقيق أقصى استفادة منها.

وكما خدمت خطوط التمويل الدولية القديمة أهداف السياسة الغربية، فإن الخطوط الرقمية الجديدة قادرة على تحقيق ذات الأهداف. فمع إثبات mBridge بالفعل أن تكنولوجيا سلاسل الكتل قادرة على ربط الاقتصاد العالمي من خلال معاملات بسرعة الإنترنت، فإن السؤال الوحيد الآن هو كيفية إيجاد التوازن الصحيح بين المشاركة العامة والخاصة.

قد تكون الإجابة بسيطة بشكل مخادع: البديل الأكثر وعدا لرؤية البريكس هو الحفاظ على البنية القائمة ولكن تحديث الخطوط التي توزع الدولار واليورو والجنيه الإسترليني. في الوقت الحالي، لا يزال نحو 90% من تدفقات النقد الأجنبي بالدولار، لكن أحدث تقييم صادر عن مجلس الاستقرار المالي للمدفوعات عبر الحدود يؤكد أن نظام العملة الورقية القديم الهش والبطيء والمكلف يحتاج إلى ترقية. ومع ارتفاع تكاليف مدفوعات المستهلكين عبر الحدود، يتلخص سلاح أمريكا غير السري لمعالجة أوجه القصور في النظام ومواجهة طموحات خصومها ببساطة في تبني الدولارات الرقمية المنظمة والسماح للقطاع الخاص بمواصلة ما كان يفعله. ولكن هل يستطيع صناع السياسات الغربيون مضاهاة حماس قادة مجموعة البريكس للتحول الرقمي واتخاذ خطوات لتنظيم الدولارات الرقمية؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن إحدى أولى خطواتهم ينبغي أن تكون إنشاء هيكل تنظيمي للأموال الرقمية الخاصة في هيئة عملة مستقرة بالدولار، والتي تحظى بالفعل بالدعم من الحزبين في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب.

إن تدوين معيار أمريكي للاستخدام الآمن والسليم والمنظم للدولارات الرقمية ــ سواء كانت صادرة عن مصادر عامة أو خاصة ــ من شأنه أن يشكل استجابة رسمية جديرة بالثقة في نظر أولئك الذين يريدون تسليط الضوء على المقايضة بين استخدام الدولار والمشاركة في الاقتصاد الرقمي. على النقيض من ذلك، قد يُـفضي تجاهل العواقب التكنولوجية المترتبة على mBridge والترميز إلى خسارة استراتيجية كبرى. فالدولار يتجه ببطء نحو تمثيل أكثرية فقط، وليس أغلبية، من التسويات العالمية. وأستعير هنا كلمات كارستينز الثاقبة في عام 2022: «دعونا نضمن أن نظامنا المالي يَـبني على سبل حوكمة المال القائمة، ويخدم المصلحة العامة، ويعمل بالتعاون مع القطاع الخاص».

أندرو جالوتشي مسؤول سابق في مجال التمويل غير المشروع والاقتصاد الكلي في وزارة الخزانة الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية، وهو مدير الإستراتيجية التنظيمية في شركة سيركل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التسویات الدولیة مجموعة البریکس

إقرأ أيضاً:

الوكيل يكتب : نحتاج ثورة بيضاء يقودها سمو ولي العهد

صراحة نيوز ـ كتب : الدكتور احمد الوكيل

تمرّ المجتمعات في تاريخها بمنعطفات حاسمة، تستدعي تحولات جذرية وإعادة تشكيل الأولويات، لا عبر الانقلابات أو الصراعات، بل من خلال ما يُعرف بـ “الثورة البيضاء”؛ وهي ثورة يقودها العقل والتخطيط والرؤية، وتُبنى على الإصلاح المؤسسي، وتجديد العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.

واليوم، في الأردن، لا نبالغ حين نقول إننا في أمسّ الحاجة إلى ثورة بيضاء يقودها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، شابٌ ينتمي إلى جيل المستقبل، ويملك من الكاريزما والطموح والانفتاح ما يؤهله لقيادة مشروع وطني شامل يعيد الثقة، ويجدد الأمل، ويزرع بذور التغيير الهادئ، لكن العميق.

إن الحراك الذي يشهده الأردن من حيث التحولات الاقتصادية، وملف التحديث السياسي، وإعادة هيكلة القطاع العام، يشكل أرضية خصبة لإطلاق مشروع وطني يقوده سمو ولي العهد، تتلاقى فيه إرادة الإصلاح مع هموم الناس وتطلعات الشباب.

ثورة بيضاء لا تقوم على هدم المؤسسات، بل على إعادة بنائها وفق معايير الشفافية والكفاءة والعدالة. ثورة لا تعني الصدام، بل تعني مراجعة السياسات، ومحاسبة المقصّرين، وتمكين الكفاءات، وتفكيك البيروقراطية المعطلة، ومكافحة الفساد بكل أشكاله، خاصة ذاك الذي يرتدي عباءة الوجاهة والنفوذ.

إن الشباب الأردني – الذين يشكلون النسبة الأكبر من المجتمع – بحاجة لمن يثق بهم ويمنحهم الأدوات والفرص، لا من يكتفي بالخطاب التحفيزي. هنا يأتي دور ولي العهد، الذي طالما أكد في خطابه ومبادراته أن الشباب ليسوا مجرد جمهور في مدرج الوطن، بل هم اللاعبون الأساسيون في ميدان البناء والنهضة.

نحتاج إلى سياسات جريئة في التشغيل والتعليم والتدريب، تحوّل الجامعات إلى منصات إنتاج، وتربط التخصصات بسوق العمل، وتستثمر في العقول الأردنية داخل وخارج البلاد.

الثورة البيضاء التي ننشدها لا يمكن أن تتم دون إعادة ترميم العلاقة بين المواطن والدولة، وهي علاقة اهتزت بفعل تراكمات الإحباط، وضعف الثقة، والشعور بالتهميش. يجب أن تكون دولة القانون هي المرجعية، وأن يكون المسؤول خادمًا لا سيدًا، والموقع العام تكليفًا لا امتيازًا.

وليس ثمة قائد أنسب لقيادة هذه المرحلة من سمو ولي العهد، لما يتمتع به من حضور شعبي، وتفاعل حي مع القضايا الوطنية، واطلاع واسع على تحديات الدولة، واستعداده الدائم للتواصل المباشر مع الناس.

إن الثورة البيضاء ليست مشروع شخص، بل مشروع دولة؛ لكنها بحاجة إلى راية يحملها صاحب رؤية، يُحسن الإصغاء ويملك الشجاعة للتغيير. هذه المواصفات تتجسد بوضوح في سمو الأمير الحسين، الذي قدّم في مناسبات عدّة تصورًا لشكل الأردن الذي نحلم به: دولة حديثة، عادلة، منتجة، ذات مؤسسات فعالة ومجتمع متماسك.

نعم، نحتاج إلى ثورة بيضاء يقودها ولي العهد، ثورة تعيد الأردن إلى موقعه الطبيعي كأنموذج عربي في الاستقرار والتنمية والعدالة، وتضعه على مسار جديد من الثقة والنهضة.

فالتاريخ لا يرحم الفرص الضائعة، ونحن اليوم أمام فرصة لا يجب أن نفوّتها.

مقالات مشابهة

  • رسميا الآن.. أسعار الدولار مقابل الجنيه في البنوك
  • آخر تحديث لـ سعر الدولار اليوم السبت 31 مايو في البنوك والصرافة
  • آخر تحديث.. سعر الدولار الآن داخل البنوك
  • سعر الدولار مقابل الليرة السورية اليوم في البنوك
  • الروبل الروسي بين العملات الثلاث الأولى التي ارتفعت مقابل الدولار في مايو
  • الوكيل يكتب : نحتاج ثورة بيضاء يقودها سمو ولي العهد
  • سعر الدولار اليوم الخميس 29 مايو 2025 أمام الجنيه المصري في البنوك
  • سعر صرف الدولار اليوم أمام الجنيه المصري في البنوك
  • منتخب الإمارات يشارك في بطولة «البريكس» للرياضات الإلكترونية بروسيا
  • الدولار مقابل الجنيه المصري في البنوك اليوم الخميس 29-5-2025