هل تكثف روسيا تواجدها العسكري في ليبيا بعد خسارتها سوريا برحيل الأسد؟
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
تطورت الأحداث في سوريا سريعا وبشكل ملفت جدا بسيطرة المعارضة السورية المسلحة هناك على المدن الاستراتيجية والهامة في البلاد حتى دخلت العاصمة دمشق وسقط جيش ونظام الرئيس السوري السابق، بشار الأسد.
هذا التسارع أربك الجميع ومنهم القوى الدولية والإقليمية التي راهنت على بقاء الأسد ومساندته من حلفائه الدوليين والعرب حتى يصمد سنوات أكثر، وحتى بشار نفسه ظن ذلك لذا رفض كل الاتفاقات والعروض التي وصلته من تركيا وغيرها.
وكانت روسيا في قلب هذه الأحداث حونها الحليف الدولي الوحيد الذي دخل بقواته ومعداته العسكرية إلى قلب سوريا منذ 2014 وكان له اليد الطولى في مساندة وإنقاذ نظام الأسد طيلة هذه السنوات، لكن وحلتها في أوكرانيا ومعاقبتها دوليا وأوروبيا أضعف هذا الدور حتى انهار في نهاية المطاف واكتفت فقط بتبييض وجهها بتوفير سكن ولجوء لبشار وأسرته الصغيرة على أمل أن يكون ورقة يمكنها التلاعب بها دوليا حال كان لها قيمة.
روسيا ترى في سوريا عمقا استراتيجيا لتواجد قواتها العسكرية على الموانيء الدافئة وانطلاقها إلى البحر المتوسط من ناحية وإلى إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط من ناحية أخرى، لكن مع هذا العمق والتواجد وبناء قواعد عسكرية فعلية في طرطوس واللاذقية بسوريا، كانت الخطط الروسية تعمل بقوة في مكان آخر يحمل بعدا استراتيجيا وعمقا إفريقيا وبوابة آمنة للانطلاق إلى دول الساحل والصحراء وهي ليبيا.
التواجد الروسي في ليبيا لم يكن وليد اللحظة لكنه تطور من مجرد تواجد عسكري وعلاقات استراتيجية مع نظام القذافي إلى مجرد تواجد سياسي باهت بعد الثورة الليبية، لكن مع توسع طموحات قائد القيادة العامة في شرق ليبيا، المشير، خليفة حفتر وجدت روسيا ضالتها في الجنرال الليبي الطامح للرئاسة والنفوذ، ومن هنا تحول التواجد السياسي الباهت إلى تواجد عسكري بقوات ومعدات وخبراء عسكريين فعلي في شرق ووسط ليبيا بعد إرسال الكرملين لقوات شركة “فاغنر” الروسية لمساندة قوات الجيش بقيادة حفتر في مشروع الأخير بالاستيلاء على العاصمة الليبية.
وظهرت قوات فاغنر بشكل واضح وملفت منذ أحداث 2019 ومحاولة دخول حفتر للعاصمة طرابلس، وكان لهذه القوات دور كبير في حماية ظهر حفتر والدفع به حتى تخوم العاصمة، لكن دخول القوات التركية للمعركة وظهور الطيران التركي فوق الفاغنر وحفتر أفشل المشروع برمته وهنا عادت القوات الرسوية للتمركز في قواعد جوية في وسط ليبيا وشرقها، في قاعدتي الجفرة وبراك الشاطيء.
“فاغنر” اتفقت مع القيادة العامة على رواتب ضخمة بالعملة الأجنبية، وبعد فشل مشروع السيطرة على طرابلس ظلت هذه القوات متواجدة في شرق البلاد لعمل حالة توازن بعدما دفعت تركيا بقوات سورية وتركية إلى غرب البلاد دعما للحكومة هناك وقتها، فأبقى حفتر على الفاغنر لضمان استمرار هذا التوازن.
لكن مع زيادة نفوذ قوات الفاغنر الروس وكذا أعدادهم ورواتبهم أصبحوا يشكلون خطرا على حفتر وقواته هناك كونهم لا يأتمرون بأوامر القيادة العامة ويسيطرون بالفعل على قواعد جوية هامة يتطلب حفتر نفسه طلب الإذن للهبوط فيها، وفقما كشفته صحيفة التليغراف البريطانية عبر صور بالأقمار الصناعية.
هنا ظلت القوات الروسية موجودة في شرق ووسط ليبيا تقابلها قوات تركية وسورية بتجنيد تركي في غرب ليبيا، وظل ملف القوات الأجنبية والمرتزقة يؤرق الدولة الليبية واستقرارها ولا زال.
بعد أحداث سوريا وخسارة روسيا لأكبر نفوذ لها في المنطقة وتهديد قواعدها العسكرية وقواتها في المناطق التي اقتطعتها من نظام بشار الأسد، توجهت أنظار موسكو إلى ليبيا كبديل استراتيجي وتعويض قواعدي ومكاني عن خسارتها لحليفها المتواطيء معها دوما بشار الأسد.
لذا الدور الروسي سيقوى جدا الفترة القادمة في ليبيا لاستكمال المشروع الأكبر التي أطلقته موسكو بداية العام الجاري وهو مشروع “الفيلق الإفريقي الروسي” الذي يعد بمثابة القوة الروسية الفاعلة في المنطقة التي ستسيطر به موسكو على عد دول في الساحل والصحراء بعدما أسست فروعا له في بوركينافاسو والنيجر وتشاد.
الخسارة الروسية في سوريا ستعوضها تكثيف التواجد العسكري والسياسي والتسليحي في شرق ليبيا مستغلة حالة الجمود السياسي الذي تمر به الدولة الليبية وكذلك وجود قوات روسية مسيطرة بالفعل على قواعد جوية استراتيجية في ليبيا لتنقل موسكو بعد ذلك قواتها البحرية من طرطوس السورية إلى بنغازي الليبية وجنودها بالآلاف من اللاذقية السورية إلى سرت الليبية، وسيتحقق للكرملين هنا توفير بديل لتواجدها على موانيء دافئة وكذلك آبار نفط ليبية ضخمة يمكنها، حال السيطرة عليها، خنق أوروبا وأميركا عبر منع تصدير النفط لهم.
أما شكل التواجد الروسي في ليبيا فيتمثل في زيادة الجنود في القواعد التي تسيطر عليه قوات “فاغنر” شبه الرسمية، وزيادة المعدات والأسلحة في الموانيء التي ستعقد اتفاقات سريعة وسرية مع معسكر الشرق الليبي لنقل قواتها من طرطوس إلى بنغازي حال استهدفتها المعارضة السورية المسلحة هناك بعد استقرار سوريا الجديدة، تكثيف الدور المخابراتي الروسي في ليبيا لمنع استهداف قواتها هناك أو وجود منافسين لها في منطقة الشرق والوسط الليبي.
لكن يظل الرهان على موقف ليبي قوي يستغل هذا الضعف الذي تمر به روسيا وتتحرك الأطراف الليبية السياسية والتشريعية والعسكرية للتخلص من كابوس القوات الروسية هناك، وإن كانت الخطوة صعبة عمليا لكن يمكن الاستقواء بدول منافسة لروسيا خاصة الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا لضرب القوات الروسية في مقتل وضمان خروجها في أقرب وقت وعودتها إلى بلاده أو نقلها حتى لدول إفريقية أخى، طبعا هذا سيناريو تفاؤلي حال توفرت الإرادة الليبية الغائبة وإن كنت لا أعتقد وجودها لتداخل المصالح المناطقية والقبلية التي تجعل المصلحة الوطنية والأمن القومي الليبي آخر ما يفكر فيه أطراف الصراع الليبي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
كاتب مصري: أمن ليبيا جزء لا يتجزأ من أمن مصر
قال الكاتب الصحفي المصري محمد فايز فرحات، إن مصر لا تدخر جهداً فى سبيل تعزيز فرص الوصول إلى تسوية للأزمة فى ليبيا، يمكن من خلالها الحفاظ على مقدرات الشعب الليبي، وتحقيق الاستقرار على المستويين السياسي والأمني، بعد مرحلة تخللتها صراعات مسلحة وتدخلات قوى خارجية تتبنى أجندات مختلفة، كان من شأنها انتشار الفوضى وانعدام الأمن. ومن دون شك، فإن ذلك ينطلق من مبدأ أساسي هو أن «أمن ليبيا جزء لا يتجزأ من أمن مصر».
أضاف في مقال بصحيفة الأهرام المصرية، “من هنا، اكتسب مؤتمر آلية دول الجوار الثلاث (مصر وتونس والجزائر) الذي عقد بالقاهرة فى 31 مايو الماضى، أهميته. إذ إنه جاء فى لحظة مصيرية بالنسبة لليبيا، التي تصاعدت حدة المواجهات المسلحة فيها، خاصة فى العاصمة طرابلس، خلال الفترة الأخيرة”.
وتابع قائلاً “في ضوء إدراك الدول الثلاث أنها معنية أكثر من غيرها بتحقيق الاستقرار في ليبيا، فقد أكدت فى البيان الختامي للمؤتمر ضرورة مواصلة دعم الجهود التي تبذلها اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» لتثبيت وقف إطلاق النار، وخروج كل القوات الأجنبية الموجودة على الأرض الليبية، باعتبار أن هذه القوات كانت أحد الأسباب التي أدت إلى اضطراب الأوضاع الأمنية، وتصاعد حدة الصراع العسكري بين الأطراف المختلفة المنخرطة في الأزمة”.
واختتم بقوله “من دون شك، فإن توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية يحظى باهتمام خاص من جانب الدول الثلاث، باعتبار أنه يمثل أحد الأركان الأساسية التى لا غنى عنها فى سبيل الحفاظ على وحدة الدولة واستقرارها، وإنهاء الفوضى التى تسبب فيها اتساع نطاق الأدوار التى تقوم بها المؤسسات الموازية، والتى كان لها دور رئيسى فى عرقلة كل الجهود التى بذلت من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.