سارة البريكية
شوشرة عالية وأصوات الحافرات من أعلى تصل إلى مسامعنا، لكن لا حول لنا ولا قوة مكبلين بالأصفاد لا نملك غير الدعاء؛ فالبدعاء نصل.. هناك أمر مخيف يحدث وهل يا ترى قامت القيامة!
ما الذي يحدث في الأعلى؟ تساؤلات كثيرة ونحن المغيبين من سنوات طويلة لم يُغيبنا الموت ولا الجن ولا سحرة الإنس، وإنما أحداث البلد، ومن هو قائم عليها والجنود الذين كانوا عبدًا للمأمور؛ هكذا حال أغلب المساجين في سجن صيدنايا السوري سيئ السمعة، عالقون بين الحياة والموت يتنفسون ولكن بقدر بسيط، يأكلون بقدر بسيط، ينامون بقدر بسيط، يحلمون بقدر بسيط، ولكن مصيرهم آلة التذويب ومشنقة الإعدام، وهم يعيشون بين أسوار بلدهم العظيم، بلدهم الذي تغنى به الشعراء، وكان مقصدًا سياحيًا يتباهى به الجميع، وكان قبلة الناس ومزارات التاريخ؛ حيث الجامع الأموي الكبير ومقام السيدة زينب وحارات دمشق القديمة والشام ودرعا وإدلب وحمص والجولان وحلب وغيرها.
لا زلنا ننتظر ماذا سيحدث أو ما الذي يدور في الأعلى؛ حيث إننا لا نملك إلّا الانتظار فالوقت كالسيف إن لم تقتله قتلك والغريب أننا ننتظر موت الذي يجلس بقربنا كي نأخذ حصته من الأكل أو كي يخلو مكانه، لكي نستطيع أن نتحرك قليلًا. ويساورني الشك هل نحن في الدنيا أم هذه جهنم؟
أن تقبع في السجون أكثر من 30 عاماً هذا عمر، أو أكثر من ذلك وربما أقل، لكن سنوات عمرك تمر وأيامك تمر بلا صلاة ولا عبادة ولا مكان جيدًا، وإنما ما أنت عليه أصبحت تتمنى أن تموت على أن تعيش تلك الأيام بانتظار ساعة الفرج أو ساعة الإعدام؛ فالإعدام في صيدنايا يحدث في الأسبوع مرتين وربما تكون العدد القادم ولكن ما يختلف هنا أنَّه ليس لديك أي تهمة سوى أنك مواطن حُر.
كنت أعتقد أنَّ العالم يعيش بسلام مثلما نحن في بلدنا نعيش بسلام نحن ننام ملء العين نؤدي عباداتنا التي خلقنا الله لتأديتها بكل حب نحن هنا نسافر ونستمتع ونقضي أوقاتاً جميلة مع بعضنا البعض. وفي بلادنا نحن هنا أقصى مطالبنا وظيفة، ولكن بعد ما رأيت حال الناس صرت أقول في نفسي.. وظيفة وحزينة.. النَّاس لا يستطيعون التنفس ولا النوم..
نحن ممتنون للنعم يا الله.. ممتنون للخالق سبحانه وتعالى، الذي جعلنا من أسعد البشر الذين لا يضطرون أن يناموا على ألم وفقدٍ وأسى.. ممتنون للساعات والأيام ونحن غارقون في النعم في بلادنا الحبيبة عُمان.
إن لم يكتب لي الله أن أتوظف فلربما هو خيرـ وأنا رضيت يا ربي بخيرك، ولكنني أصبحت ممتنة أكثر وأكثر؛ فالوطن غالٍ، والأمان الذي نعيشه يحسدنا عليه الكثير، فلك الحمد والشكر والثناء يا الله على ما أنعمته علينا جميعاً.
عُمان وبلاد الخليج عمومًا هي نعمة كبيرة ويجب المحافظة على تلك النعمة فنحن جميعًا في خير وسلامة، وعلينا أن نكون ممتنين؛ كوننا نعيش بسلام وراحة.
أدام الله على حكوماتنا وشعوبنا الخير واليمن والبركات، وسهّل الله لنا أمورنا كافة ومن على إخوتنا في بلاد المسلمين بالنصر التام والعزة والكرامة والسلام، فنحن جميعًا أمة الإسلام نحزن لما أصابهم، ونفرح لفرحهم، ونتمنى لهم السلام الدائم، وأن تكون حقبة قد انتهت بخيرها وشرها وحقبة جديدة قادمة بنصر قريب بأمر الله.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأمير الذي نام طويلاً.. واستيقظت حوله الأسئلة
في عالمٍ سريعِ الخطى؛ حيث تمر القصص دون أن نمنحها وقتًًا للتأمل، هناك حكاية ظلت واقفة عند نفس المشهد لأكثر من عشرين عامًا. الأمير الراحل الوليد بن خالد بن طلال، الذي عُرف إعلاميًا بـ”الأمير النائم”، لم يكن مجرد شاب سقط في غيبوبة، بل أصبح رمزًا حيًّا للأسئلة التي لا نملك لها إجابات، كان في عمر السادسة عشرة حين وقع الحادث، حادث قد يبدو عاديًا بالنسبة للعالم، لكنه في حالته كان بداية لحياة جديدة لا تشبه الحياة ولا تشبه الموت، بقي قلبه ينبض، وعقله معلق بين عالمين، وجسده يرقد في سكون، وكأن الزمن تجمد داخله. عشرون عامًا مرت، تغير فيها العالم، تبدلت الوجوه، وسقطت دول، وولد أطفال أصبحوا شبابًا، وهو مازال هو، لم يتحرك سوى بعينٍ ترف أحيانًا، ويدٍ ترتعش عند نداء أمه، كأن في داخله شيء يسمع ويريد أن يعود، ما كانت قصته مجرد حالة طبية نادرة، بل كانت مرآة لانكساراتنا البشرية، فكم مرة شعرنا بالعجز تجاه من نحب، كم مرة تمنينا أن نوقظ من نحب بكلمة.. بلمسة.. بدعاء؟ عائلته لم تفقد الأمل يومًا، وكل يوم كانوا يوقظون فينا فكرة أن الحب أحيانًا لا يشترط ردًا، يكفي أن يعطى، رحيله ليس مجرد إعلان رسمي؛ بل هو نهاية فصل ظل مفتوحًا في الذاكرة الجماعية للعرب، لكنه أيضًا بداية لتأمل طويل. هل كنا نظنه “نائمًا” لأننا لا نعرف كيف نتعامل مع الضعف، مع من لا يستطيع الرد علينا، هل كان حضوره طوال هذه السنوات نوعًا من المقاومة الصامتة للموت، ربما لم يكتب له أن يتحدث، لكن صمته علمنا ما لم تقله الكلمات، علمنا أن الحياة ليست دائمًا ضجيجًا، وأن الجسد- وإن خذلَ صاحبه- قد يظل يعلمنا الوفاء، والثبات، والإيمان. ارتح يا أمير النور، فإنك لم تكن غائبًا عن الوعي كما ظنوا، لقد كنت فقط في بعدٍ آخر أقرب إلى الله، ابتعد عن ضجيج البشر، فإنك الآن في جنات الفردوس الأعلى- بإذن الله. اللهم ارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء، وآنس وحشته، واغفر له، واجعل صبر أهله نورًا في صحيفته وأجرًا لا ينقطع.
NevenAbbass@