40 بالمئة منهم أطفال ونساء.. قصص مؤلمة عن ضحايا ألغام حرب اليمن
تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT
في صباحه الأخير، خرج علي جديب من منزله كعادته، يحمل عصا الرعي وأمل العودة بغنمه إلى أسرته، غير مدرك أن الأرض التي ألفها ترابا أمينا منذ طفولته كانت تخبئ تحت أديمها موتا صامتا يتربص به، لغم خفي أنهى حياته في لحظة خاطفة، ليُضاف اسمه إلى قائمة ضحايا الألغام في اليمن.
جديب، شاب في العشرينات من عمره، من أبناء إحدى القرى الريفية في محافظة لحج جنوبي البلاد، كان يمضي أيامه في رعي الأغنام ومساعدة عائلته بعيدا عن صخب الصراع، قبل أن تقوده قدماه قبل أسبوعين إلى حقل موت زرعته الحرب في قلب الطريق الريفي.
يقول أحد سكان قريته -لم يكشف عن هويته- للجزيرة نت إن اللغم الذي انفجر تحت قدميه جرفته السيول من الجبال المجاورة إلى الوادي الذي اعتاد ارتياده، ويضيف "لم تمهل شظايا الانفجار جسده النحيل فرصة للنجاة، ففارق الحياة على الفور، تاركا أسرته وأهالي قريته في صدمة مروعة".
أرقام مفزعة
قصة جديب ليست سوى حلقة في سلسلة مآسٍ لا تنتهي، فبعد أيام فقط من مقتله، شهدت محافظة البيضاء حادثة مأساوية أخرى، إذ انفجر لغم من مخلفات الحرب بإمرأة سبعينية تُدعى نظرة الحبجي أثناء عملها في حقلها، لتتعرض لبتر أحد أطرافها بعد رحلة علاج مرهقة.
وتعد الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة من أبرز الإشكاليات التي خلفتها الحرب في اليمن، إذ لا تزال هذه القنابل الصامتة تفتك بالمدنيين رغم توقف المعارك بين القوات الحكومية والحوثيين منذ 3 سنوات، عقب هدنة رعتها الأمم المتحدة، ويُصنف اليمن اليوم بين أكثر دول العالم تلوثا بالألغام.
وتشير إحصاءات وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إلى أن الألغام والذخائر غير المنفجرة تسببت بين عامي 2014 و2024 في مقتل 4501 مدني وإصابة 5083 آخرين.
كما أكدت منظمة "إنقاذ الطفولة" الدولية في تقرير حديث أن النصف الأول من عام 2025 وحده شهد مقتل وإصابة 107 مدنيين، معظمهم من الأطفال، بينهم خمسة لقوا حتفهم أثناء لعب كرة القدم في أحد الملاعب الترابية بمحافظة تعز جنوب غربي البلاد.
في مركز الأطراف الصناعية بعدن، أحد أربعة مراكز رئيسية بدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة في عدن ومأرب وسيئون وتعز، تتجسد هذه الأرقام في ملامح بشرية تنطق بالألم. وجوه أنهكتها المعاناة، وخطوات متعثرة تتعلم المشي من جديد على أطراف صناعية، وأصوات تروي فصولا من الوجع.
من بين تلك الوجوه، يوسف مقبل، خمسيني من محافظة أبين، فقد ساقيه إثر انفجار لغم أرضي، يقول للجزيرة نت وهو يحاول التوازن على ساقين صناعيتين "من يوم الإصابة وأنا على كرسي متحرك، فقدت عملي في الحياكة، وما عدت قادرا على إعالة أطفالي.. صرت عبئا على أسرتي".
كارثة ممتدة
وفي زاوية أخرى تجلس كاتبة محمد، ستينية من محافظة الضالع، تتعلم السير بساقها الصناعية بعد أن فقدت الأخرى في انفجار سيارة كانت تقلها وعددا من أقاربها، تقول بنبرة يغلب عليها الحزن للجزيرة نت "كنت رايحة أزور بنتي، انفجر اللغم في لحظة.. 3 ماتوا وأنا نجيت بساق مقطوعة".
قصة يوسف وكاتبة مجرد عينة من مأساة أكبر، حيث يؤكد أحمد محمد المدير الفني للمركز أنهم يستقبلون يوميا ما بين مئة إلى 120 مستفيدا، مشيرا إلى أن نسبة الشباب المصابين بالألغام تصل إلى 60%، بينما يشكل الأطفال والنساء نحو 40% من الضحايا.
وتُتهم أطراف النزاع، وعلى رأسها جماعة الحوثي، بزراعة كميات هائلة من الألغام الأرضية والعبوات الناسفة في مختلف المناطق اليمنية، دون استخدام خرائط توثيق، ما يصعّب جهود نزعها لاحقا، وتشير تقارير أممية إلى أن مئات الآلاف منها زُرعت في الطرقات والمزارع ومحيط القرى، مسببة كارثة إنسانية ممتدة.
ويرى الخبير في نزع الألغام جمال السالمي أن الألغام في اليمن تحولت من أداة عسكرية إلى "سلاح ضد المدنيين"، ويقول للجزيرة نت "المشكلة الأكبر أن كثيرا منها زُرع دون خرائط، ما يجعل عمليات الإزالة أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش".
ويعد السالمي نفسه أحد ضحايا الألغام، إذ كان يشغل منصب قائد الفريق العاشر في مشروع "مسام" لنزع الألغام في مناطق الساحل الغربي في اليمن، قبل أن ينفجر به لغم مضاد للأفراد أثناء مهمة تطهير، ما أدى إلى بتر ساقه اليمنى واقتلاع إحدى عينيه.
تحديات مستمرة
ورغم الجهود المستمرة لنزع الألغام، بما في ذلك مشروع "مسام" التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، فإن حجم التحدي لا يزال يفوق الإمكانيات المتاحة، خصوصا أن بعض المناطق التي جرى تطهيرها أُعيدت زراعتها بها مجددا مع توقف المعارك.
وقال مدير المشروع أسامة القصيبي إن "توسّع مليشيا الحوثي في زراعة الألغام، لا سيما خلال فترات الهدنة، فاقم حجم الكارثة الإنسانية في البلاد"، لافتا إلى أن هناك تقارير تشير إلى "وجود أكثر من مليوني لغم زُرعت في الأراضي اليمنية، تسببت حتى الآن في مقتل وإصابة أكثر من 9500 مدني، معظمهم من النساء والأطفال".
وأكد في حديث مع الجزيرة نت أن الفرق الميدانية تمكنت، منذ انطلاق المشروع في منتصف عام 2018 وحتى نهاية سبتمبر/أيلول 2025، من نزع أكثر من نصف مليون لغم ومخلفات حرب غير منفجرة وعبوة ناسفة، فيما بلغ إجمالي المساحات المطهرة 71,164,694 مترا مربعا.
لكن خطر الألغام لا يقتصر على القتل أو التشويه، بل يمتد، وفقا للقصيبي، ليضرب الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي، خاصة أن اليمن بلد يعتمد اقتصاده في معظم المحافظات على الزراعة والرعي، فقد حوّلت الألغام مساحات واسعة من الأراضي إلى حقول موت، وأجبرت مئات الأسر على النزوح من قراهم بحثا عن مناطق أكثر أمانا.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: للجزیرة نت فی الیمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
علماء للجزيرة نت: العاصفة الشمسية غانون سحقت غلاف الأرض البلازمي
في مايو 2024، أتاحت عاصفة شمسية هائلة للعلماء فرصة غير مسبوقة لفهم كيفية انهيار طبقة البلازما الواقية للأرض في ظل ظروف جوية فضائية قاسية.
وبفضل وجود القمر الصناعي الياباني "أراس" في موقع رصد مثالي، شاهد الباحثون انكماش طبقة البلازما إلى جزء بسيط من حجمها المعتاد، واستغرقت عملية إعادة بنائها أيامًا.
وقد كشف هذا الحدث عن "عاصفة سلبية" نادرة في طبقة الأيونوسفير، أبطأت بشكل كبير قدرة الغلاف الجوي على التعافي. طبقة الأيونوسفير هي جزء من الغلاف الجوي (تقريبًا من 60 حتى 1000 كيلومتر) والتي تتأين بفعل أشعة الشمس، وتؤثر على انتشار موجات الراديو، ويظهر فيها الشفق القطبي.
وكانت البيانات التي تم الحصول عليها بواسطة القمر الاصطناعي أراس ضمن مشروع بحثي بقيادة الدكتور أتسوكي شينبوري من معهد أبحاث البيئة الفضائية-الأرضية بجامعة ناغويا في اليابان، قد قدمت رؤى قيّمة في كيفية تعطيل النشاط الشمسي الشديد للأقمار الصناعية وإشارات نظام تحديد المواقع العالمي، وأنظمة الاتصالات.
كما قدمت تلك الأرصاد أيضا أول رؤية تفصيلية لكيفية تأثير هذا الحدث على الغلاف البلازمي للأرض (وهي المنطقة الواقية للأرض من الجسيمات المشحونة المحيطة بالكوكب).
ومن ناحية أخرى تُظهر نتائج الدراسة التي نشرها شينبوري ورفاقه في دورية "إيرث بلانتيت آند سبيس"، كيفية استجابة كلٍّ من الغلاف البلازمي والغلاف الأيوني أثناء الاضطرابات الشمسية الشديدة.
وتساعد هذه الملاحظات البحثية في تحسين التنبؤات بانقطاعات الأقمار الصناعية، ومشاكل نظام تحديد المواقع العالمي، ومشاكل الاتصالات الناجمة عن طقس الفضاء المتطرف.
العاصفة الشمسية هي اضطراب في سطح الشمس ينتج عنه انبعاث كميات هائلة من الطاقة والجسيمات المشحونة نحو الفضاء.
إعلانوتحدث هذه العواصف بسبب التغيرات في المجال المغناطيسي للشمس، وتتكون من توهجات شمسية وانبعاثات كتلية إكليلية، وعندما تصل هذه المواد إلى الأرض، يمكن أن تتسبب في ظواهر مثل الشفق القطبي وتؤثر على الاتصالات وأنظمة الطاقة.
وبحسب البيان الرسمي الصادر من جامعة ناغويا، فإن العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية الفائقة التي ضربت الأرض في الفترة من 10 إلى 11 مايو 2024 والمعروفة باسم "غانون"، هي أقوى حدث من هذا النوع منذ أكثر من عقدين، وهي أحد أشد أشكال الطقس الفضائي تطرفًا، والتي تنشأ عندما ترسل الشمس دفعات هائلة من الطاقة والجسيمات المشحونة نحو الأرض، وهي عادةً ما تظهر مرة واحدة كل 20-25 عامًا.
ويقول شينبوري في تصريحات خاصة للجزيرة نت: "خلال العاصفة الجيومغناطيسية التي حدثت، تقلص الغلاف البلازمي للأرض من 44 ألف كيلومتر إلى 9 آلاف و600 كيلومتر خلال 9 ساعات".
ويضيف: "بعد ذلك، استعاد الغلاف البلازمي تدريجيًا مستوى الهدوء، وقد استغرقت هذه الفترة أكثر من 4 أيام، أي أطول بكثير من 77 عاصفة جيومغناطيسية معتادة خلال الفترة من 2017 إلى 2024".
رصد تغيرات الغلاف البلازمي للأرضفي عام 2016 أطلقت وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (جاكسا) قمر أراس الصناعي، ليجتاز الغلاف البلازمي للأرض ويقيس موجات البلازما والمجالات المغناطيسية.
وخلال هذه العاصفة العاتية، كان القمر الصناعي في موقع مثالي لتسجيل الانضغاط الشديد للغلاف البلازمي والتعافي البطيء والطويل الذي تلاه، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها العلماء على بيانات مستمرة ومباشرة تُظهر انكماش الغلاف البلازمي خلال عاصفة عاتية.
وفي هذا الصدد يقول شينيوري: "لقد تتبعنا التغيرات في الغلاف البلازمي باستخدام قمر أراس الصناعي، واستخدمنا أجهزة استقبال أرضية لمراقبة الغلاف الأيوني، مصدر الجسيمات المشحونة التي تُعيد ملئ الغلاف البلازمي للأرض، وقد أظهرت لنا مراقبة الطبقتين مدى انكماش الغلاف البلازمي بشكل كبير، ولماذا استغرق تعافيه كل هذا الوقت".
ويوضح شينبوري تفاصيل هذه العملية قائلا: "اجتاز القمر الصناعي أراس طبقة الأيونوسفير والغلاف البلازمي والغلاف المغناطيسي الداخلي بفترة مدارية مدتها 10 ساعات عند حدوث العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية الفائقة، حيث تمكّن من قياس كثافة الإلكترونات في الغلاف البلازمي بدقة"
ويضيف: "من ناحية أخرى، وباستخدام بيانات نظام تقنية "جنس تيك" العالمية، وهو نظام لقياس طبقة الايونوسفور، تم تجميع البيانات من 9000 محطة حول العالم، كما راقبنا كثافة الإلكترونات في الغلاف الأيونوسفير أثناء العاصفة الجيومغناطيسية، وبمقارنة كلا البيانات، تمكنا من رؤية التغير في الغلاف الأيوني والغلاف البلازمي للأرض".
بعد نحو ساعة من وصول العاصفة الشمسية العاتية، اندفعت الجسيمات المشحونة عبر الغلاف الجوي العلوي للأرض عند خطوط العرض العليا، وتدفقت نحو الغطاء القطبي.
ومع ضعف العاصفة، بدأت طبقة البلازما تتجدد بالجسيمات التي تزودها طبقة الأيونوسفير، وعادةً ما تستغرق عملية إعادة التعبئة هذه يومًا أو يومين فقط، ولكن في هذه الحالة، امتدت عملية التعافي إلى أربعة أيام بسبب ظاهرة تُعرف بالعاصفة السلبية.
إعلانفي هذه العاصفة، تنخفض مستويات الجسيمات في طبقة الأيونوسفير انخفاضا حادا على مساحات واسعة عندما يُغير التسخين الشديد التركيب الكيميائي للغلاف الجوي، وهو ما يؤدي هذا إلى انخفاض أيونات الأكسجين التي تُساعد في تكوين جزيئات الهيدروجين اللازمة لاستعادة طبقة البلازماسفير، كما ان العواصف السلبية غير مرئية ولا يُمكن رصدها إلا باستخدام الأقمار الصناعية.
وفي ها الصدد قال شينبوري، في تصريحاته للجزيرة نت: "تتميز العاصفة السلبية باستنزاف كثافة الإلكترونات في طبقة الأيونوسفير لفترة طويلة من خلال عملية الفقد المرتبطة بتفاعل كيميائي بين الجسيمات المشحونة والجسيمات المحايدة على ارتفاعات الأيونوسفير، وتسبب استنزاف كثافة الإلكترونات في طبقة الأيونوسفير في انخفاض إمداد طبقة البلازماسفير بالجسيمات المشحونة، مما أدى إلى بطء تعافي طبقة البلازماسفير.
طقس الفضاءتُقدم هذه النتائج فهما أوضح لكيفية تغير الغلاف البلازمي خلال عاصفة شمسية شديدة، وكيفية انتقال الطاقة عبر هذه المنطقة من الفضاء، حيث واجهت العديد من الأقمار الصناعية أعطالًا كهربائية أو توقفت عن إرسال البيانات خلال هذه العاصفة، وانخفضت دقة إشارات نظام تحديد المواقع العالمي، وانقطعت الاتصالات اللاسلكية.
وبحسب الدراسة، فإن معرفة المدة التي تستغرقها طبقة البلازما الأرضية للتعافي من هذه الاضطرابات أمرٌ أساسي للتنبؤ بطقس الفضاء في المستقبل، ولحماية التكنولوجيا التي تعتمد على ظروف مستقرة في الفضاء القريب من الأرض
ويقول شينبوري، في تصريحاته للجزيرة نت: "نظرا للتغيرات الحادة في طبقة الأيونوسفير خلال العاصفة الجيومغناطيسية الفائقة، تزداد أخطاء تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية بشكل ملحوظ"
ويضيف: "لذلك، من المهم التنبؤ بمثل هذه الظواهر خلال العواصف الجيومغناطيسية الفائقة. علاوة على ذلك، فإن معدل حدوث العواصف الجيومغناطيسية الفائقة منخفض جدًا (نحو 4%)، مقارنةً بأحداث العواصف الأخرى. في المستقبل، ينبغي لنا مواصلة إجراء تحليل متكامل للبيانات من المراقبة الأرضية والفضائية أثناء العواصف الجيومغناطيسية الفائقة لفهم العملية الفيزيائية للحقول وبيئات البلازما في طبقة الأيونوسفير".