حدثت قبل 900 ألف عام.. اكتشاف أدوات حجرية تُثبت وجود «اختراقات تكنولوجية» قديمة
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
الاختراق التكنولوجي بمفهومه الجديد لم يُعرف سوى بعد التطورات الحديثة في التكنولوجيا والأقمار الصناعية والهواتف المحمولة، ولكن نظرية غريبة تقول إن مصدر الاختراق كان قبل آلاف السنين أدوات حجرية قديمة تتمثل في قطع كبيرة ذات وجهين مصنوعة من رقائق حجرية ونوى، وفق ما أوضحه الاكتشاف الجديد الذي أذهل علماء أسبانيا.
قبل 900 ألف سنة، كان الاختراق التكنولوجي عبارة عن أدوات حجرية أو كما أطلق عليه «تقنية الحجر»، التي صُنعت بطريقة النحت وشُكلت عن طريق ضربه بحجر آخر، وحفر الأرقام أو الحروف في تسلسلًا مشتركًا، مما يشير إلى أن البشر القدماء كانوا يتبعون قالبًا لتحقيق نتائج مسبقة، خاصة أن تلك الفترة جمعت بين الإنسان البدائي والحديث، وفق ما نشرته صحيفة «ديلي ميل» البريطانية.
بعد اكتشاف القطع المتسلسلة في شمال شرق إسبانيا، اعتبره علماء الأثار قفزة كبيرة في التطور القديم الذي تم وصفه بالتطور التكنولوجي حديثًا، خاصة أنها حركة تطورية بين الإنسان الحديث والبدائي، الذي يشبه «الاختراق» حاليا.
وعلى الرغم من مرور السنوات، واختلاف طريقة التطفل أو الاختراق، إلا أن الهدف ذاته من التسلسل الحجري، «إن السلوك التكنولوجي الذي تم رصده في إسبانيا يوضح تقدمًا تكنولوجيًا كبيرًا وسلوكًا باقيًا حتى الآن»، وفق عالم الأنثروبولوجيا بجامعة سانتياجو دي كومبوستيلا، دييجو لومباو وزملائه.
تعود القطع الأثرية التي تشبه الاختراق التكنولوجي حاليا، إلى العصر البلستوسيني الأوسط المبكر، وأن البشر في ذلك العصر اتبعوا طرق متطورة عند صنع أدواتهم الحجرية: «يعتبر موقع بارانك دي لا بويلا شهادة فريدة من نوعها على التغيير التكنولوجي للإنسان البدائي في أوروبا في وقت لم تكن فيه الأدوات ذات فائدة فحسب، بل كانت تنطوي أيضًا على تخطيط متطور واستخدام أكثر كفاءة للموارد».
«هذا الموقع الأثري يظهر لنا أن الابتكار التكنولوجي على مر العصور لم يكن خطيًا أو قفزة مفاجئة تمامًا، بل كان نتيجة لموجات متعددة من السكان والوصول التدريجي لسلوكيات تكنولوجية جديدة من إفريقيا إلى أوروبا» وفق عالم الأنثروبولوجيا، مشيرًا إلى أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأساليب المتقدمة قد تم تطويرها بالفعل، إذ تشير بعض الأدلة إلى أنها جلبت إلى هناك بعد ظهورها في أماكن أخرى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: اختراق تكنولوجي اختراق العصور القديمة الأحجار
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: أمن المعلومات واستعادة البيانات
يكتنف المشهد السوداني الراهن تحديات معقدة وأزمات بنيوية ملتبسة، تمسّ سيادة الدولة واستقلال قرارها الوطني. خلال هذه الظروف، تمرّ أحيانًا بعض الأخبار المهمة دون أن تحظى بما تستحقه من اهتمام وتأمل.
من ذلك ما تداولته الوسائط الإعلامية مؤخرًا حول استعادة وتشغيل المركز القومي للبيانات بالخرطوم، وهو خبر يعكس تحوّلًا كبيراً في بنية الدولة السودانية، وربما لحظة سيادية فارقة في مسارها المعقد نحو استعادة تماسكها الأمني .
إن إعلان وزير التحول الرقمي والاتصالات، المهندس أحمد الدرديري، عن إعادة تشغيل المركز القومي بعد اكتمال تأهيله الفني والتقني، على مساحة تُقدّر بـ1300 متر مربع، وتجهيزه بأنظمة الحوسبة السحابية وأمن البيانات والذكاء الاصطناعي، لا يمكن اعتباره مجرد إنجاز إداري، بل هو إشارة إلى تحوّل في الذهنية الرسمية للدولة، التي بدأت – على ما يبدو – في إعادة التفكير في أدوات السيطرة، ومفاتيح القرار، ومنطلقات إعادة البناء للمرحلة المقبلة.
فالمركز القومي للبيانات لا يمثل مجرد بنية تحتية رقمية، بل يُعدّ عصبًا حيويًا في جسد الدولة الحديثة، وأداة حاكمة في إعادة تنظيم المجال العام وضبط العمليات المؤسسية والإجرائية واستعادة الهيبة المركزية. وهنا يبرز سؤال جوهري: ما معنى أن تمتلك الدولة قدرتها على إدارة بياناتها؟
في الحالة السودانية يتجاوز الجواب الجانب الفني التقني إلى جوهر السياسة والسيادة والحاكمية، وينتقل من حقل البرمجيات إلى ميدان السلطة.
امتلاك البيانات يعني امتلاك أدوات الحكم والتحكم في الموارد، والتخطيط للتنمية، وحماية القرار الوطني من الارتهان، خصوصًا في بيئة تتنازعها الأطماع وصراعات النفوذ عبر بوابة أمن المعلومات.
ورغم ظروف الحرب وتحديات إعادة البنية التحتية، نجحت الوزارة المعنية في خوض معركة من نوع آخر: صامتة، وغير عسكرية، لكنها حاسمة. إنها معركة الحق في الوجود الرقمي، التي أعادت من خلالها الدولة نبضها المؤسسي، وبعثت رسالة وطنية تقول إن السودان، وإن بدأ محاصرًا بالضغوط، لا يزال حاضرًا في بنيته السيادية الأساسية، وأن التعافي ليس حلمًا نظريًا، بل مسارا واقعيا يبدأ من استعادة أدوات الإدارة.
فعودة مركز البيانات لا تعني فقط تشغيل أنظمة الأرشفة والمعاملات، بل إحياء نبض الدولة ذاته، ومنحها فرصة لترتيب أولوياتها من الداخل، بعيدًا عن فوضى الحرب.
فالإدارة الرقمية اليوم ليست رفاهية، بل شرط وجودي لاستمرار الدول وتماسكها، خصوصًا في لحظات التفكك البيروقراطي وتراجع السلطة التنظيمية الجامعة للخدمات وتأمين المعلومات.
لقد غدت البيانات في هذا العصر مكونًا أصيلًا من مكونات الأمن القومي، لا تقل أهمية عن الحدود أو السلاح أو الاقتصاد. والدولة التي تفقد مفاتيحها الرقمية تصبح عرضة للاختراق أو الهيمنة.
ومن ثم فإن استعادة المركز القومي للبيانات تعني أن السودان استعاد واحدة من أهم أدوات السيادة والحوكمة والقدرة على التنظيم والإدارة.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، باتت البنى الرقمية ساحة تنافس صامتة بين القوى الكبرى؛ منافسة أقل ضجيجًا من المدافع، وأكثر تأثيرًا من الدبلوماسية. وبما أن السودان يتموضع في قلب الجغرافيا الإقليمية الملا بالأطماع والتحديات ، فإن امتلاكه لبنيته الرقمية يوفّر له تحصينًا سياسيًا وأمنيًا، يضعه في موقع الندّية في التعامل مع الفاعلين الدوليين، فضلًا عن تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار والشراكات التنموية.
ويكتسب هذا التحوّل أهمية إضافية لكونه شرطًا أساسيًا في أي عملية سياسية مقبلة؛ إذ لا يمكن تصور انتخابات نزيهة أو تحول ديمقراطي موثوق دون قواعد بيانات محمية ومنظومات رقمية شفافة. فغياب البنية المعلوماتية الصلبة يعني إعادة إنتاج العشوائية والفوضى ، وتفريغ العملية السياسية من مضمونها.
إن استعادة المركز القومي للبيانات ليست عملًا إداريًا فحسب، بل فعلًا سياديًا يعكس وعيًا جديدًا بالعلاقة بين السلطة والمعرفة، وبين الدولة والبيانات. إنها خطوة للحد من الهشاشة المعلوماتية التي تمثل أحد أخطر مظاهر الانهيار. فالدولة التي تفقد سيطرتها على بياناتها تفقد تدريجيًا قدرتها على حماية مواطنيها ومؤسساتها وكيانها القانوني.
لذلك، فإن هذا الحدث، مهما بدأ بسيطًا في نظر البعض، هو لحظة تأسيسية يمكن البناء عليها. فهو يعكس إرادة داخلية تحاول النهوض من تحت الطوق والخذلان، وإعادة تأسيس المشروع الوطني الجاد انطلاقًا من أدوات العصر ومقتضيات الحداثة الإدارية.
وبحسب وجه الحقيقة، فإن الخرطوم، حين تستعيد مركز بياناتها، فهي تستعيد وعيها السيادي ونبضها الرقمي، وتعلن أن الفوضى ليست قدرًا مفروضًا، بل حالة يمكن تجاوزها بالإرادة والتنظيم. وربما تكون هذه الإجراءات الرقمية هي الإشارة الأولى لمسار تعافٍ طويل ، يعيد النقاش حول مستقبل الدولة من مدخل المعرفة والتنظيم والسيادة الرقمية، لا من مدخل السلاح و الابتزاز الاقليمي والدولي.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
14 أكتوبر 2025م Shglawi55@gmail.com