تحركات دبلوماسية وفتح سفارات.. ماذا يريد الغرب من سوريا الجديدة؟
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
تدخل سوريا مرحلة جديدة في تاريخها الحديث، مع تسارع التحولات السياسية والعسكرية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبعد أكثر من 14 سنة من الحرب المدمرة، والتي أودت بحياة مئات الآلاف ودمرت البنية التحتية للبلاد، أصبحت سوريا الآن على مفترق طرق حاسم.
وفي مرحلة ما بعد الأسد، بدأت الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في إعادة تقييم سياساتها تجاه دمشق، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة الأهداف الغربية في هذه المرحلة".
ومع مرور الوقت، بدأ الغرب، وبالأخص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في إعادة فتح قنوات الحوار والتواصل مع الحكومة السورية الجديدة، مما أثار العديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا التوجه الجديد.
التحولات الدبلوماسية الغربية نحو سوريا
وفي تحول كبير في السياسة الأوروبية تجاه دمشق، بدأت بعض الدول الغربية في إعادة فتح قنوات التواصل مع الحكومة السورية، كان من أبرز هذه التحولات زيارة وفد فرنسي رفيع المستوى إلى دمشق في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ 14 عشر عامًا.
وخلال الزيارة، رفع العلم الفرنسي فوق مبنى السفارة الفرنسية التي كانت مغلقة منذ عام 2012، وصرح المبعوث الفرنسي إلى سوريا، جان فرنسوا غيوم، بأن "فرنسا مستعدة للوقوف إلى جانب السوريين في المرحلة الانتقالية"، وهو ما يعكس رغبة فرنسا في بناء علاقات جديدة مع الحكومة السورية، حتى في ظل غموض مستقبل حكم الأسد.
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تواصلت مع جميع الأطراف المعنية في سوريا، وأنها لا تستبعد إرسال وفد إلى دمشق في المستقبل القريب، بينما أرسلت بريطانيا وفدًا رسميًا إلى دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة، وأعلن وزير خارجيتها ديفيد لامي، في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أن بلاده أوفدت مسؤولين رفيعي المستوى إلى دمشق للاجتماع مع السلطات السورية المؤقتة الجديدة.
وخلال اللقاء، طالب قائد هيئة العمليات العسكرية في سوريا، أحمد الشرع، بضرورة رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، لتسهيل عودة اللاجئين الذين فروا بسبب الحرب.
وأعلنت العديد من الدول الأوروبية عن نية فتح بعثات دبلوماسية في سوريا، وهو ما يعد مؤشرًا على رغبة في إعادة تفعيل علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع دمشق بعد سنوات من القطيعة.
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
أولويات الولايات المتحدة في سوريا
لطالما كانت أولويات الولايات المتحدة في سوريا مركزة على ضمان أمن حليفتها "إسرائيل"، ومنذ بداية الأزمة السورية، وواصل الغرب مراقبة تطور الأحداث في بحذر شديد، بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي للبلاد في قلب منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ما يمثله هذا النزاع من تهديد للأمن الإقليمي، خصوصًا فيما يتعلق بإيران وحزب الله.
وتظل إحدى أولويات السياسة الأمريكية تتمثل في منع تحول سوريا إلى مركز تهديدات إضافية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتسعى الولايات المتحدة، دائمًا إلى الحد من طهران في سوريا، فتواجد القوات الإيرانية، سواء بشكل مباشر أو من خلال دعمها لحزب الله اللبناني، يعد مصدر قلق كبير لدى واشنطن.
وتركز الولايات المتحدة بسبب ذلك على استراتيجيات تهدف إلى محاربة أي وجود عسكري إيراني في سوريا، مما قد يشمل زيادة الوجود العسكري الأمريكي في بعض المناطق الاستراتيجية، بما في ذلك المناطق التي تضم حقولًا نفطية في شمال شرق البلاد.
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
نزع الأسلحة السورية
ومن القضايا الأساسية التي يسعى الغرب لضمان تحقيقها في سوريا، هي مسألة الأسلحة الكيميائية، منذ أن تم توقيع اتفاقية بين سوريا والمنظمات الدولية في عام 2013 لتدمير الأسلحة الكيميائية، ظل هذا الملف أحد الملفات العالقة في علاقات دمشق مع الدول الغربية، وفي العام 2013، وقع هجوم كيميائي على الغوطة الشرقية الذي أسفر عن مئات الضحايا، وقد تسبب ذلك في توتر العلاقات بين دمشق والمجتمع الدولي.
ويعتبر الغرب أن التزام سوريا الجديدة بنزع أسلحتها الكيميائية هو شرط رئيسي للمضي قدما في تطبيع العلاقات، وقد تم إدانة الحكومة السورية السابقة مرارا وتكرارا من قبل المنظمات الدولية بسبب عدم تنفيذ بعض التزاماتها الخاصة بهذا الشأن، وهو ما ساهم في فرض المزيد من العقوبات الدولية عليها.
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
إيران وحزب الله.. تحديات مستمرة للغرب
وفي ظل الوضع الراهن، تزداد المخاوف الغربية بشأن النفوذ الإيراني في سوريا، وهو ما تعتبره الدول الغربية تحديا كبيرا لسياساتها في المنطقة، ومنذ بداية الأزمة السورية، كانت إيران داعما رئيسيا لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، حيث قدمت دعما عسكريا مباشرا عبر الميليشيات الشيعية التابعة لها، بالإضافة إلى تواجد قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وكانت تهدف إيران من خلال هذا الدعم إلى تعزيز مصالحها في المنطقة وبسط نفوذها على الأراضي السورية.
التواجد العسكري والنفوذ الاستراتيجي
ومنذ عام 2015، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا، حيث قام الجيش الأمريكي بتطوير نقاط مراقبة في شمال شرق سوريا، وهو ما أدى إلى زيادة التواجد الأمريكي في المنطقة، وفي وقت لاحق، توسعت مهمة القوات الأمريكية لتشمل حماية حقول النفط والغاز، وهي مناطق غنية بالموارد التي تشكل أهمية اقتصادية كبيرة.
والوجود العسكري الأمريكي في سوريا ليس فقط من أجل محاربة تنظيم "داعش"، بل يتعدى ذلك إلى أهداف استراتيجيّة تهدف إلى تحقيق النفوذ العسكري في منطقة الشام، ومع تطور هذا الوجود، أصبحت الولايات المتحدة في موقف قوي يسمح لها بالضغط على الدول الإقليمية الكبرى مثل إيران وروسيا، بما يضمن السيطرة على مفاصل القوة في المنطقة.
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
إعادة الإعمار.. فرص اقتصادية للغرب وتركيا
رغم التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجه سوريا بعد سنوات طويلة من النزاع، إلا أن بعض الدول الغربية ترى في عملية إعادة الإعمار فرصة اقتصادية هامة.
وتعتبر الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي إعادة بناء البنية التحتية المدمرة في سوريا فرصة للاستثمار في مشاريع ضخمة، خاصة في المناطق التي تضررت بشدة جراء الحرب.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أي تعاون اقتصادي يتطلب التزام دمشق بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية ضرورية. تركيا أيضًا، بصفة خاصة، تسعى للاستفادة من هذه الفرص الاقتصادية لتوسيع نفوذها في سوريا، عبر الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار، مما يعكس التنافس الدولي على الموارد الاقتصادية في المنطقة."
لو قامت كل 10 عائلات بكفالة عائلة في #سوريا
وأهم مافي الكفالة ( إعمار منزل ) ولو كان صغيراً
وانتشرت هذه الفكرة في العالم الإسلامي
لتخلّص الناس من معاناة عظيمة
الناس ليس لديهم (حطب) ينقذهم من الموت برداً فكيف يُعيدون إعمار منازلهم ! شاهد عادوا إلى ماذا
pic.twitter.com/9Vm0xYXs1p — عبدالوهاب الساري (@a_alsarii90) December 14, 2024
هل تحقيق التوازن
وتتزايد الضغوط على الحكومة السورية لتحقيق توازن بين مصالحها الداخلية وضغوط القوى الكبرى الغربية، فإذا تمكنت دمشق من تلبية مطالب الغرب، خاصة في ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية والإصلاحات السياسية، فإن فرص سوريا في إعادة الإعمار والاندماج في النظام الدولي قد تزداد. في المقابل، سيظل الأمن الإقليمي، خاصة في ظل التهديدات الإيرانية، محط اهتمام دائم لدى الغرب.
ويبقى التحدي الأكبر بالنسبة لسوريا هو الحفاظ على سيادتها واستقلالها في مواجهة الضغوط الخارجية المستمرة، سيظل السؤال المركزي: هل ستتمكن سوريا من تجاوز الأزمات الداخلية والضغوط الخارجية لتحقيق التوازن المطلوب؟
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سوريا الغربية الولايات المتحدة الدبلوماسية إعادة الإعمار سوريا الولايات المتحدة الغرب الدبلوماسية إعادة الإعمار المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الحکومة السوریة إعادة الإعمار الدول الغربیة فی المنطقة إلى دمشق فی إعادة فی سوریا وهو ما
إقرأ أيضاً:
هكذا تواجه روسيا الغرب المنقسم
تنشغل مراكز البحث في الولايات المتحدة الأميركية، وفي العديد من الدول الغربية في البحث عن مكامن روسيا، خاصة أن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عن ثغرات كثيرة على الضفتين؛ الروسية والغربية.
فروسيا استطاعت الصمود في وجه العقوبات الغربية بصورة لم يتوقعها الغرب نفسه، في الوقت الذي تطارد فيه روسيا الآخر في كل مكان، خاصة في أفريقيا، فهل روسيا لديها تصورات وخطط لمواجهة الهيمنة الغربية والأميركية على العالم وتهديدها للمصالح الروسيّة .
لكي ننطلق في هذا الموضوع، لا بدّ من قراءة التفكير الإستراتيجي لروسيا، فتصورها لذاتها هي أنها قوة عظمى استثنائية على الساحة الدولية، مدعومة بالأساطير الوطنية للتراث الأرثوذكسي مع عالَم روسي فريد من نوعه، فالسردية الروسية تذهب إلى أن مشاعر القوة العظمى لها جذور تعود إلى قرون سحيقة، جرحت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية كرامةَ هذه القوة، وامتد ذلك إلى المجال الحيوي الإستراتيجي لهذه القوة، وهو ما مسّ كبرياءها، فكان التماسّ مع الجغرافيا الروسية يهدد شعور هذه القوة بالأمن.
روسيا مع الحرب الأوكرانية تمهّد إلى عالم متعدد الأقطاب قادم، لذا فهي تعتمد سياسات لتقويض الهيمنة الغربية على العالم، بعض هذه السياسات آتى أُكله، والبعض الآخر أخفق، لذا ذهبت روسيا لعدد من السياسات ترتكز على ما يلي:
إعلانسعت روسيا خلال السنوات الماضية إلى الحفاظ على هيمنتها على دول الاتحاد السوفياتي السابق، فهي من وجهة نظرها مجالها الحيوي، خاصة مع وجود جاليات روسية بها تدعم النفوذ الروسي، فربطتها روسيا عبر منظمات إقليمية تربطها أمنيًا واقتصاديًا، فاستفادت روسيا من هذا في تقويض العقوبات الغربية ضدها.
فدول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي باتت الباب الخلفي لتقويض هذه العقوبات، ولذا نرى تركيزًا روسيًا على منظمة شنغهاي، ومجموعة البريكس؛ لتقويض الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي، مع إنهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي.
يرى العديد من الخبراء الروس أن تقويض الهيمنة الأميركية على العالم، يأتي من خلال أخطاء الغرب ذاته، مثلما حدث من أخطاء قاتلة في حرب الولايات المتحدة في أفغانستان وانسحابها، وحرب غزة الأخيرة، وهو ما أدّى إلى عدم استقرار الأمن العالمي، وانعدام التعاون الدولي، وهذا ما عزّز الدعوة لمأسسة نظام عالمي جديد، والتمهيد لمرحلة ما بعد الغرب.
التدخل الروسي المباشر لدعم ومساندة الموالين لها والمتوافقين معها سياسيًا، مثلما حدث في الانتخابات الرومانية الأخيرة، فضلًا عن تعزيز البعد الجيوسياسي للحملات المناهضة لتعزيز الديمقراطية والقيم الليبرالية، من هنا نرى دورًا لروسيا في دعم النخب السياسية والأحزاب المعارضة للناتو والاتحاد الأوروبي، كما تسعى روسيا إلى مفاقمة الاستقطاب السياسي والحركات الانفصالية في الدول الغربية عبر حملات التضليل.
هذا ما جعل النخب الروسية تصرّح علنًا بأنّ الولايات المتحدة في حالة تراجع كقوة مهيمنة عالميًا، وأن النظام الدولي غير مستقر، ويخضع لتحول عميق، لذا هنا نرى زاوية رؤية تعتمد على أن الغرب مجزأ، وهذا ما أثبته ترامب حين وضع مصالح الولايات المتحدة أولًا حتى ولو جاء ذلك على حساب حلفاء أوروبا التقليديين مثل أوروبا الغربية واليابان، فصارت صناعة السيّارات في ألمانيا واليابان مهددة، وعلى رغم التنسيق المفرط، وتوسيع عضوية الناتو ليضم السويد وفنلندا؛ بسبب حرب أوكرانيا، فإن الغرب ذاته منقسم حول هذه الحرب.
إعلانيذهب الروس إلى أن أجندة نشر الديمقراطية والليبرالية الأميركية لطالما كانت غطاء لتغييرات جذرية في العديد من الدول، فالثورات الملونة في جورجيا (2003)، وفي أوكرانيا (2004)، وفي قرغيزستان (2005)، قامت على يد شخصيات ذات ميول غربية تحركها يد غربية، وليست نتاجًا لسخط عام، وجاء دعمها عبر منظمات غير حكومية وجهات مانحة إقليمية، وهذا ما حدث في رأيهم في ليبيا التي أوجد التدخل الغربي بها حالة من حالات الفوضى، وعدم الاستقرار.
وكان بوتين جادل في عام 2019 بأن الأفكار الليبرالية "عفا عليها الزمن"، وأن القيم التقليدية أكثر استقرارًا وأهمية كمعيار عالمي مضاد لليبرالية، لذا فروسيا تركز في هذا الإطار على الأُسرة وليس الفرد والدين، وهذه رؤية كانت جذابة بالنسبة للحركات اليمينية والمحافظة في أوروبا.
تدعم الولايات المتحدة بعض الأنظمة الدكتاتورية أو غيرها، وهذا ما يعتبره الروس نفاقًا مفرطًا لتحسينهم صورة هذه الأنظمة، ويبرز ذلك عند استخدام الولايات المتحدة القواعد والأعراف والقوانين الدولية فقط عند اللزوم، فانتقدت روسيا الغرب وأميركا عند اعترافهما بكوسوفو كدولة مستقلة، بحجة أن هذا لن يشكّل سابقة، واعتبر الروس هذا مثالًا واضحًا على عدم التزام أميركا وحلفائها بالقانون الدولي، وهذا ما وفّر في ذات الوقت سابقة لروسيا لتبرير اعترافها باستقلال إقليمَي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا.
على الجانب الآخر كان رفض روسيا التدخل لصالح أرمينيا في حرب أذربيجان لاستعادة إقليم ناغورني قره باغ، مقوضًا لمنظمة الأمن الدفاعي الجماعي التي أنشأتها، ففقدت أرمينيا ضمانات الأمن الروسية، ونتيجة لذلك تحول الرأي العام الأرميني تجاه روسيا.
لكن على الجانب الآخر ساندت روسيا حليفها قاسم جومارت توكاييف رئيس كازاخستان في التمرّد الذي واجهه، وهو ما يجعل روسيا حليفًا يعتمد عليه في رأي عدد من دول آسيا الوسطى، لكن أيضًا شكّل فشل روسيا في تسويق لقاح سبوتنيك أثناء جائحة كورونا، مثلًا، روّجه الغرب على محدودية القدرات الروسية، بالرغم من سبقها في إنتاج لقاح لوباء كورونا، وهذا يعود لأسباب إنتاجية، ثم تسويقية، ففازت الصين ومعها الغرب على حساب روسيا.
إعلانعلى الطرف الآخر، تستخدم روسيا بمهارة فائقة حرب المعلومات لتعزيز التضليل على مستويات متعددة محليًا وإقليميًا ودوليًا، من خلال أنظمة معقدة، وهذا ما وضح بتدخلها في عددٍ من الاستحقاقات الانتخابية الغربية، لمساندة حلفائها، وهذه الوسيلة اعتبرت في روسيا أداة لتقويض القوة الناعمة الأميركية.
تقوم السياسة الروسية على التعاون مع الصين في مناهضة الولايات المتحدة، حتى إن الرئيس الصيني ذكر أن التعاون بينهما هو "شراكة بلا حدود"، فقدمت الصين الكثير لروسيا، لكن في الوقت ذاته تدرك روسيا أن الصين لن تعوضها عن السوق الغربي، خاصة في الغاز والنفط، وفي حقيقة الأمر، الفائز في الصراع الروسي الغربي هي الصين التي شُغل الغرب عنها بمواجهة روسيا، وهذا ما يدركه الرئيس الأميركي ترامب.
لكنْ هناك جانب غير مشاهد الآن في المنافسة الأميركية الروسية، وهو السيطرة على القطب الشمالي، وهذا ما يفسر اهتمام ترامب المتزايد بغرينلاند، فروسيا وضعت إستراتيجياتها للقطب الشمالي على أهمية تعزيز الاستعداد القتالي والتعبئة، فبنت قاعدة تريفل العسكرية به.
وفي جانب آخر، سعت إلى سياسات واقعية فوقّعت على اتفاقية مع النرويج في عام 2010 التي شهدت نزاعًا حدوديًا دام 40 عامًا من خلال اتفاق خط تعيين الحدود في بحر بارنتس، وهذا ما قوّض مقولات متعلقة بعدائية روسيا تجاه جيرانها، وفي ذات الوقت تسعى روسيا إلى الترويج لطريق الحرير القطبي عبر القطب الشمالي، وهو الذي سيقلل من تكلفة نقل السلع الصينية إلى أوروبا وغيرها.
يقرع القطب الشمالي آذان الروس ليس بالثروة المتعددة فحسب- فهو على سبيل المثال به 30 % من احتياطات الغاز غير المكتشفة في العالم- بل أيضًا بوصفه امتدادًا لحدود الإمبراطورية الروسية، حيث إن روسيا جسديًا لديها نصف ساحل القطب الشمالي، ومن هنا فإن الولايات المتحدة التي لديها ألاسكا في القطب الشمالي، ترى أن لها استحقاقات في هذا القطب، من هنا فإن غرينلاند هي نقطة تماسّ بينهما.
إعلانإن كلّ ما سبق يلخّص كيف تقوّض روسيا الهيمنة الأميركية، ومعها الغرب الأوروبي، على العالم، فروسيا تسعى لتعزيز عمقها الإستراتيجي من أجل البقاء الوطني، وبالتالي تسعى لتحجيم دور الناتو، وخلخلة الغرب من الداخل، وتقويض نفوذ الغرب في أفريقيا عبر طرد فرنسا من مناطق نفوذها التقليدية، وبناء تحالف راسخ مع الصين، وبناء سردية قائمة على منظومة القيم التقليدية في مواجهة تصاعد الفردانية والحرية المطلقة للفرد في الغرب، وتأكيد أن مجالها الحيوي غير قابل للاختراق، وملء الفراغ، مثل دورها مع الصين في أفغانستان، أو لعب دور في ليبيا، وظهورها كمورد لاغنى عنه في منظومة الغذاء العالمي (القمح).
ثم في النهاية التأكيد على عالم متعدد الأقطاب تقوده عبر تحالفات ومنظمات تقوض المنظومة الغربية، وفي المحصلة لن تكون روسيا هي الفائزة في كل ما سبق ولا أميركا ومعها أوروبا الغربية، بل الصين هي الفائز الأكبر الذي استفاد من هذا الصراع، وتوسّع في مساحات من التحالف والتعاون عبر آسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية ببرامج متعددة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline