مَنْ يحرج الآخر بترشيح جوزيف عون؟
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
تتقدم حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون في المعركة الرئاسية في ظل تبني قوى سياسية جديدة له، وهذا الامر يضع الاستحقاق الرئاسي امام منعطف جدي قد يؤدي الى تحويل جلسة الانتخاب المقررة في ٩ كانون الثاني الى جلسة يصل بعدها رئيس الى قصر بعبدا، اذ لن تعود هذه الجلسة شكلية وربما لن يتمكن اي طرف من تعطيل مسارها الايجابي.
تؤيد العماد جوزيف عون كتل نيابية كثيرة، ابرزها قوى المعارضة بإستثناء "القوات اللبنانية" التي لا تزال تلتف على تبني ترشيحه لغايات مختلفة، اضافة الى الحزب "التقدمي الاشتراكي"، كما لا يمانع وصوله معظم نواب التغيير على اختلاف انتماءاتهم ومواقفهم، اضافة الى عدد لا بأس به من النواب السنة، الامر الذي يعطي الرجل دفعاً قوياً وحظوظا وافرة.
مشكلة عون الاساسية انه يحتاج الى ثلثي عدد النواب لكي يتم تعديل الدستور ليصل الى الرئاسة، ومشكلته الثانية انه في حال رفض "الثنائي الشيعي" وصوله فإنه سيعاني من ازمة ميثاقية اضافة الى ازمة الثلثين، لكن هذه المشاكل يمكن حلها اذ لا يبدو ان الثنائي قد اغلق الباب كليا على القبول بعون، بل يناور من اجل تحسين شروطه الرئاسية او غير الرئاسية.
على المقلب الاخر، يحاول "الثنائي المسيحي" تجنب وصول عون الى قصر بعبدا فالتيار ورئيسه جبران باسيل لديه موقف علني وواضح وحازم من دعم عون في الوقت الذي تسعى فيه "القوات اللبنانية" الى الهروب من تجرع هذه الكأس، وعليه هل اصبحت الكرة في ملعب "حزب الله" وحركة امل؟
في حال وافق الحزب على ترشيح عون فإن موقف باسيل لن يتغير لكن القوات ستكون امام موقف بالغ الاحراج، اذ لن تتمكن من رفض عون الذي كان رئيسها سمير جعجع اول من طرح اسمه، خصوصا ان عون لديه شعبية لافتة على الساحة المسيحية. لا يزال المشهد السياسي معقدا لكن القبول بعون من اطراف كالقوات او الثنائي سيحسم وصوله الى بعبدا لان "الشيعة" لن يجدوا اي مصلحة في عرقلة الاستحقاق الرئاسي مجدداً بل قد يعقدوا تسوية جدية تدعم وصول عون في مقابل بعض الضمانات.
يقول البعض انه من مصلحة "حزب الله" ايصال عون للرئاسة، اولا لانه سيكون قادرا على الحد من الخروقات الاسرائيلية، لان نجاحه ستكون مصلحة اميركية، ولان الرغبة الدولية تكمن في وصول قائد الجيش وتعزيز قوة المؤسسة العسكرية في ظل المخاطر المستجدة في الساحة السورية وعليه ستكون الايام المقبلة حاسمة رئاسيا.
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
بقال.. يدخل (الجمهورية الحرة) ويفضح أزمة النُخبة السودانية
أحمد عثمان جبريل
“إذا كان الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب؛ ولكن السكوت عندما يغدو جريمة، فالكلام يصبح ضرورة.”
— جبران خليل جبران
1
السودان الذي مزقته الحرب، لا تكون المعارك دوماً على أطراف مدنه، بل قد تدور رحاها في قلب الهاتف الذكي، داخل غرفة محادثة صغيرة، بين نخبٍ اعتادت أن تعتبر نفسها صوت العقل في زمن الضجيج.
هكذا كان المشهد مساء أمس الأحد في قروبنا مجموعة “الجمهورية الحرة” حين ظهر اسم إبراهيم بقال سراج فجأة بين عشرات الصحفيين والسياسيين منهم قادة أحزاب ووزراء سابقين ومهنيين ومثقفين.
لم يكن ظهوره عادياً، بل كاشفًا، لا عن موقف فردي، بل عن حالة وطنية تتخبط بين الغفران والرفض، بين الذاكرة والإنكار، بين الحكاية التي نريد أن نصدقها، والواقع الذي يرفض أن يُروى بلغة واحدة.
2
مجموعة “الجمهورية الحرة” ليست مكاناً عابراً. إنها واحدة من تلك الدوائر الرقمية التي تُنظَر إليها كمرآة للوعي العام السوداني، حيث تتجاور أسماء من تيارات متناقضة: من يرفض الحرب، ومن يبررها؛ من كان في قلب القرار، ومن ظل يكتب عنه من بعيد؛ من غنّى للثورة، ومن صمت عنها.
لكن هذا التنوع، الذي يُفترض أن يكون مصدر ثراء، أصبح هشّاً عند أول اختبار حقيقي: دخول شخص يُعدّ من رموز الطرف الآخر.
تحول القروب من مساحة للنقاش إلى ساحة للاشتباك، وانكشف مرة أخرى عجز النخبة عن أن تصير في طليعة المصالحة، لا في ذيل ردود الأفعال.
3
لم يكن الجدل حول بقال في جوهره عن بقال نفسه، بل عمّا يمثله.
هل هو عائد نادم؟ أم مُطرود يبحث عن مأوى؟ هل يُمثل اختراقاً ناعماً للوعي العام؟ أم هو ببساطة سوداني يريد أن يقول شيئاً في مكانٍ ما؟.
هنا برزت المعضلة الحقيقية: ليس عن من “يأتي”، بل من “يُسمح له بأن يتكلم”..
في زمن الحرب، صار للكلام ثمن، وللصمت دلالة، وللانضمام إلى قروب واتساب معنى سياسي، وأحياناً خيانة موصوفة.
4
لم تعد ساحات القتال تُرسم على الخرائط فقط، بل تُرسم في المجموعات المغلقة، على الشاشات الصغيرة. ما يعني أن المعارك تقدمت من الخنادق إلى الحروف، ومن البنادق إلى المواقف.
وإذا كانت “الجمهورية الحرة” نموذجاً، فهي تُثبت أن الفضاء الرقمي ليس أكثر تحررًا من الواقع، بل أحيانًا أكثر ضيقًا، لأنه يحبس الآراء داخل مربعات صغيرة، ويقذفها في دوائر مغلقة من التقييم والتخوين.
لقد تحوّلت أدوات التواصل إلى أدوات قصف رمزي، لا تقل ضراوة عن الرصاص، لكنها تصيب الروح لا الجسد.
5
السودان اليوم بلا سردية جامعة.. كل فريق يملك حكايته، وشهيده، وجراحه، وخارطته الأخلاقية الخاصة.
العودة لم تعد فعلاً سياسياً فقط، بل اختبارًا أخلاقيًا معقدًا: من يمكنه أن “يعود”؟ ومن يملك مفاتيح الغفران؟ ومن يقرر شروط التوبة؟
أمام هذه الأسئلة، بدا النقاش حول بقال اختصارًا مصغرًا لما هو أكبر بكثير: وطن بكامله عاجز عن تخيّل مشهد يُفتح فيه الباب أمام المختلف دون أن يتهمه بالخيانة أو النفاق أو الانتهازية.
وإذا لم نقدر على استيعاب المختلف داخل مربع نص، فكيف سنستوعبه في شارع أو حي أو مستقبل؟
6
الديمقراطية الرقمية التي تمنح الجميع الحق في الظهور، لا تضمن بالضرورة القبول.
وعندما عُرضت قضية بقال، قفز الى ذهني في ان الموضوع لم يكن السؤال فقط: “هل نقبله في المجموعة؟”، بل: “إذا كنا نرفض عودته إلى الوطن، فهل نقبله في قروب واتساب؟”
وهذا هو بيت القصيد: هل يُفترض على مجموعة واتساب أن تكون أكثر رحابة من وطن جريح؟
هل مجرد الانضمام إلى مساحة افتراضية يُفسر كتطبيع؟ أو قبول غير مشروط؟
أم أننا أمام تمثيل رمزي لمأزق أكبر: لا توجد آلية للعودة، لا سياسية ولا وجدانية، تجعل من خرج عن “السردية الكبرى” قادرًا على العودة دون أن يظل متهماً إلى الأبد.
وفي غياب هذه الآلية، تظل “الجمهورية الحرة” مجرد نسخة رقمية من وطن مغلق، لا تقبل الغريب، ولا تسامح القريب الذي تغيّر وجهه.
7
قد تكون مجموعة واتساب مجرد شاشة صغيرة في هاتف، لكن في السودان، الشاشة تُكمل المشهد: وطن تتنازع فيه الحكايات، وتنهار فيه السرديات الواحدة لصالح مشهد رمادي لا يعرف النور ولا الظل.
في “الجمهورية الحرة”، كما في شوارع الخرطوم ونيالا وبورتسودان، لا أحد يسمع الآخر.
لا أحد يصدق الآخر. لا أحد يسامح الآخر.
المشكلة لم تعد في الحرب وحدها، بل في الخطاب، في الذاكرة، في الحق الحصري بالكلام.
وحتى يعود الوطن، يجب أن نحرر الكلمة قبل الأرض، والضمير قبل العَلم، والمجموعة الصغيرة قبل الدولة الكبيرة.. إنا لله ياخ.. الله غالب.