ما حجم النفط الذي يمكن أن يضخَّه ترامب؟
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
ترامب رجلٌ لا يُعرَف عنه أنه يركِّز بَالَه كثيرا أو يتعمَّق في الأمور. فهو يحب الصيغ البسيطة. وسكوت بيسَنْت مرشحه لتولي وزارة الخزانة لديه واحدة. إنها صيغة "ثلاثة - ثلاثة -ثلاثة". بيسَنت يريد خفض العجز في الموازنة الفيدرالية للولايات المتحدة بنسبة 3% وزيادة نموها الاقتصادي السنوي بنسبة تساوي 3% من الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز انتاجها من النفط والغاز بما يكافئ 3 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2028 من 30 مليون برميل مكافئ نفط في عام 2024.
إنتاج المزيد من الغاز سيساعد أيضا على الوفاء بالطلب المتصاعد للطاقة من الذكاء الاصطناعي وفي ذات الوقت يعزز اعتماد أوروبا الاقتصادي على شريكتها في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. المشكلة هي أن رغبة ترامب في "حفر المزيد والمزيد من الآبار" ستصطدم بالحقائق الملموسة لسوق الطاقة. الرئيس المنتخب في الواقع يهيئ نفسه للفشل.
فالنفط الأمريكي، خلافا لمعظم الدول البترولية التي تهيمن فيها الشركات المملوكة للحكومة على حفر الآبار، يُضخ بواسطة شركات خاصة تتخذ قراراتها بنفسها. زادت هذه الشركات إنتاجها منذ عام 2022 عندما شرعت أوروبا في التخلي عن البراميل الروسية وذلك بكميات جعلت الولايات المتحدة أكبر بلد منتج للنفط في العالم. وفي أكتوبر سجلت إنتاجا قياسيا بلغ 13.5 مليون برميل في اليوم ارتفاعا من 11.5 مليون برميل عندما بدأت حرب أوكرانيا.
لكي تنتج شركات النفط الأمريكية المزيد منه ستحتاج الى سبب مقنع. لكنها قد لا تجد سببا واحدا يبرر لها ذلك. فالنفط الصخري الذي يشكل معظم إنتاج الولايات المتحدة كان يستخرج بواسطة آلاف الشركات الصغيرة التي لا تتحسب للأمور. وتعني موجة الاندماجات والإخفاقات وسط هذه الشركات منذ أواخر العشرية الثانية عندما تسبب فرط الإنتاج في انهيار الأسعار أن صناعة النفط تتحكم فيها شركات كبيرة وقليلة وتكره المخاطرة.
فَحَمَلة أسهمها يطالبون بتوزيع ثابت للأرباح وعائدات من رقمين (أكثر من 9%.) كما تزيد ندرة رأس المال من ارتفاع التكاليف المرتفعة أصلا. فمع ازدياد الإنتاج نضبت الآبار الأفضل إنتاجا. لذلك شركات النفط الصخري ليس لديها حافز يذكر لحفر المزيد منها ما لم تصل أسعار النفط الى 89 دولارا للبرميل، وفقا لدراسة أعدها البنك الاحتياطي الفيدرالي في مدينة كنساس سيتي. فسعر نفط غرب تكساس الوسيط وهو السعر المعياري لنفط الولايات المتحدة عند أقل من 70 دولارا للبرميل اليوم. وهو بعيد جدا عن تلك العتبة (أي 89 دولارا للبرميل.)
من المستبعد حسبما يبدو أن تتحرك سوق الطاقة في اتجاه يساعد ترامب على بلوغ هدفه. فإمدادات النفط العالمية ليست وفيرة فقط بل لدى أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) احتياطيات وفيرة أيضا. في ذات الوقت الطلب ضعيف بسبب النمو الاقتصادي العالمي الفاتر وإحلال سيارات محرك الاحتراق الداخلي بالسيارات الكهربائية. لذلك لا غرابة في أن إدارة معلومات الطاقة وهي وكالة أمريكية فيدرالية تتوقع ارتفاعا طفيفا في إنتاج النفط الأمريكي بحوالي 0.6 مليون برميل في اليوم فقط بحلول عام 2028. وفي يوم 5 ديسمبر قلصت شيفرون ثاني أكبر شركة نفط في الولايات المتحدة توقعاتها للإنفاق الرأسمالي في عام 2025.
وعلى الرغم من احتمال إلغاء ترامب الضرائب التي فرضها بايدن على شركات الطاقة كالرسوم على تسربات غاز الميثان إلا أن قيامه بذلك سيفيد في الغالب شركات استخراج النفط الصغيرة والمسؤولة عن كمية من الانبعاثات لا تتناسب مع حجم إنتاجها. وبحسب مايكل هيغ المسؤول ببنك سوسيتيه جنرال قد يزيد خفض الضرائب لشركات الطاقة الإنتاج بحوالي 200 ألف برميل في اليوم على أفضل تقدير. كما أن تقديم دعم مباشر للإنتاج سيكون ضارا بالحكومة ومناقضا لهدف آخر من أهداف بيسنت وهو خفض عجز الموازنة (بنسبة 3%.)
في الأثناء، تخطط الإدارة الأمريكية لتسريع التراخيص لخطوط الأنابيب الجديدة. ذلك قد يزيد من الجدوى الاقتصادية لاستخراج النفط من الآبار التي يصعب ربط إنتاجها بالسوق. لكن العدد الموجود من مثل هذه الآبار ليس واضحا. ومع ترجيح تولي مسؤولين جدد ليست لديهم خبرة إدارة الوحدات الحكومية التي تصدر التراخيص قد تتعثر المشروعات كما حدث في الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب عندما تخطى المسؤولون الإجراءات ما جعل التراخيص عرضة لمواجهة دعاوى قضائية.
لتحسين الجدوى الاقتصادية لمزيد من الآبار قد يحاول ترامب تعزيز أسعار النفط بفرض عقوبات على أي جهة تشتري النفط من إيران أو فنزويلا وأولئك الذين يساعدونهما. لكن من غير المؤكد كيف ستنجح هذه الخطوة. إذ من المحتمل أن يزيد أعضاء أوبك الآخرون الإنتاج لكسب حصة سوقية.
زيادة إنتاج الغاز بكمية كبيرة تبدو يسيرة على الأقل في الورق (نظريا). فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا كثرت مشروعات الغاز الطبيعي المسال التي كانت كثيرة أصلا. وتتوقع شركة ريستاد انيرجي الاستشارية أن تصل الطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة إلى 22.4 بليون قدما مكعبا في اليوم عام 2030 إذا نفذ ترامب تعهداته في الحملة الانتخابية وذلك ارتفاعا من 11.3 بليون عام 2023. هذه الزيادة تساوي 1.9 مليون برميل مكافئ نفط في اليوم (بحسب مصطلحات الطاقة هذه الكمية من الغاز المُقاسة بالأقدام المكعبة مكافئة لكمية النفط المذكورة من حيث قيمتها الحرارية- المترجم).
ما يعنيه ذلك بالنسبة للإنتاج الفعلي غير مؤكد إلى حد بعيد. تتوقع شركة ريستاد أن يرتفع بحوالي 2.1 مليون برميل مكافئ نفط في عام 2028 مع استهلاك جزء منه محليا. أما الآخرون فأقل تفاؤلا. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة حتى في السيناريو الأكثر تفاؤلا أن يرتفع الإنتاج في المتوسط بحوالي نصف مليون برميل مكافئ نفط في اليوم في ذلك العام عن مستواه في عام 2024.
لكي يزداد الإنتاج حقا يجب أن ترتفع أسعار الغاز الى أعلى من 4.24 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، حسب منتجين استطلع آراءهم البنك الاحتياطي الفدرالي بمدينة كنساس سيتي. مع ذلك يتوقع أولئك المنتجون أن ترتفع الأسعار الى 3.33 دولار لكل وحدة حرارية بريطانية فقط خلال سنتين (من حوالي 3 دولارات اليوم.)
وعلى الرغم من أن الطلب على الغاز وهو الوقود الأحفوري الأقل تلويثا سيرتفع إلا أن كميات كبيرة من الإنتاج من أستراليا وقطر وبلدان أخرى ستصل الى السوق خلال فترة ترامب الرئاسية ، وهذا سيحدّ من ارتفاع الأسعار.
كل هذا سيسبب متاعب لطموحات ترامب وبيسنت. يقول بوب مكنالي وهو مستشار سابق للرئيس جورج دبليو بوش "الكميات التي ستنتجها الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة القادمة ستعتمد أكثر على القرارات التي تُتَّخذ في فِييَنَّا (حيث تجتمع أوبك) من تلك التي تتخذها واشنطن."
بل يمكن أن تُلحِق سياسات ترامب ضررا بالإنتاج. فرسومه الجمركية قد تجعل مواد مثل الألمونيوم والصلب أغلى لشركات النفط. وقد تردُّ البلدان الأخرى بفرض رسوم جمركية على صادرات الطاقة الأمريكية. وستُضعِف الحروب التجارية النموَّ في كل مكان وتقلل الطلب على النفط والغاز. وقد يتضح أن طموح ترامب في أن يصبح "بارون نفط بلا منافس" ليس أكثر من أضغاث أحلام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة برمیل فی الیوم المزید من التی ت فی عام
إقرأ أيضاً:
تركيا تطالب العراق بآلية تضمن الاستخدام الكامل لخط أنابيب النفط
29 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: قال وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار إنه يجب أن تتضمن اتفاقية الطاقة الجديدة المقترحة بين تركيا والعراق آلية تضمن الاستخدام الكامل لخط أنابيب النفط بين البلدين. وأضاف بيرقدار وهو يعرض مطالب تركيا الأساسية أن بلاده تطلب أن تتضمن مسودة الاتفاقية “آلية لضمان الاستخدام الكامل لهذا الخط”.
وقال الوزير التركي لصحافيين، بعد اجتماع مجلس الوزراء، أمس الاثنين، إن “المذكرة التي أرسلناها تتماشى مع هذا التوجه”. وأضاف وفقاً لوكالة رويترز، أن “سعة خط الأنابيب هذا تبلغ حوالي 1.5 مليون برميل يومياً. لا يوجد تدفق حالياً. وحتى عندما كان هناك تدفق، لم يكن الخط يعمل بطاقته الكاملة”. وأوضح بيرقدار أن مقترح تركيا تضمن خيارات، مثل تمديد خط الأنابيب إلى جنوب العراق. وأضاف “ليس من الضروري ملء خط الأنابيب بالكامل بالنفط العراقي. وللوصول إلى هذه الكميات، يجب أن يصل الخط إلى الجنوب”. وذكر أن الموعد النهائي للوصول إلى اتفاقية جديدة هو يوليو/تموز 2026.
وأشارت الحكومة التركية إلى أن مبادرة طريق التنمية فرصة لتمديد خط الأنابيب جنوباً. وخصصت بغداد تمويلاً أولياً للمشروع في عام 2023. والمبادرة عبارة عن طريق سريع وخط سكة حديد يمتد من مدينة البصرة العراقية على ساحل الخليج إلى الحدود التركية ثم إلى أوروبا لاحقاً. وذكرت أنقرة الأسبوع الماضي أن الاتفاقية المستمرة منذ عقود وتغطي خط أنابيب كركوك-جيهان النفطي سينتهي أجلها في يوليو 2026.
وأبرمت الحكومة التركية هذه الاتفاقية في 1973، ودخلت حيز التنفيذ في 1975. وقال مسؤول تركي تعقيباً على إنهاء الاتفاقية، إن عدم استغلال خط أنابيب النفط بين العراق وتركيا أمر مؤسف، مضيفاً أن أنقرة ترغب في “مرحلة جديدة وحيوية” في هذا الشأن بما يعود بالنفع على الطرفين والمنطقة. وأوقفت تركيا خط الأنابيب في مارس/آذار 2023 بعد أن أمرت غرفة التجارة الدولية أنقرة بدفع 1.5 مليار دولار لبغداد تعويضاً عن صادرات غير مصرح بها بين عامي 2014 و2018.
وقال مسؤول عراقي إن تركيا اقترحت توسيع نطاق الاتفاقية، لتشمل التعاون في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات والكهرباء. وتوقف خط أنابيب كركوك-جيهان عن العمل منذ عام 2023، بعد أن قضت محكمة تحكيم بأن تدفع أنقرة تعويضات للعراق قدرها 1.5 مليار دولار عما لحق به من أضرار، جراء صادرات غير مصرح بها من 2014 إلى 2018. وتستأنف تركيا على الحكم.
وقال مسؤولان كرديان عراقيان في قطاع الطاقة لوكالة رويترز، أمس الاثنين، إن إنتاج النفط في إقليم كردستان العراق شبه المستقل بلغ نحو 120 ألف برميل يومياً، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 280 ألفاً في المتوسط بحلول منتصف أغسطس/آب. وأضاف المسؤولان أنه لم يتسن الاتفاق بعد مع وزارة النفط العراقية على جدول زمني لاستئناف صادرات الخام من شمال البلاد.
واستهدفت سلسلة من الهجمات بطائرات مسيرة حقول نفط في كردستان العراق خلال الشهر الجاري. وأعلنت وزارة الثروات الطبيعية في كردستان أن عدة حقول للنفط توقفت عن العمل بسبب أضرار جسيمة في بنيتها التحتية، مضيفة أن الهجمات استهدفت أيضاً تهديد سلامة العاملين المدنيين في قطاع الطاقة. ولم ترد أي تقارير عن وقوع خسائر بشرية، لكن إنتاج الخام في الإقليم تراجع. وقال مسؤولون في قطاع الطاقة في كردستان إن إجمالي إنتاج الإقليم وصل إلى نحو 285 ألف برميل يومياً.
وأكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الأربعاء الماضي، أهمية استئناف تصدير النفط عبر خط الأنابيب العراقي التركي. وأشار في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، إلى أن التزام حكومة إقليم كردستان بشمال العراق بتسليم النفط المنتج والإيرادات غير النفطية إلى الخزينة العامة، ساعد على حل العقبات المالية والقانونية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts