لجريدة عمان:
2025-05-14@05:49:58 GMT

سوريا إلى أين؟!!

تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT

حينما نفقد الرجال فإننا نفقد أعز ما نملك، وحينما نفقد الأوطان فقد فقدنا كل شيء، هي مقولة سبق وأن قرأتها منذ فترة مبكرة من حياتي، عشنا طوال الأسبوعين الماضيين قصة وطن كبير راح ضحية أبنائه والمتآمرين عليه، وربما لم تنته المؤامرة بعد، فقد أصبحت بلادنا يتنافس عليها كل أراذل العالم ممن لا يمتلكون تاريخًا حضاريًّا وقد استقووا بكبيرهم الذي علمهم السحر.

. ولعل ما حدث في سوريا يعد نموذجًا لما آلت إليه أوطاننا، فلم نشهد موقفًا عربيًا حينما اكتفى العرب بمجرد مشاهدة سوريا وهي تسقط في أيدي كارهيها، بل وكارهو العروبة من كل الدول التي لديها ثأر مع العرب، لقد تركنا مستقبل سوريا لكي يحدده الأغيار، ورحنا نشاهد سوريا وهي تسقط مدينة بعد أخرى في مشهد درامي لا مثيل له في التاريخ المعاصر وهو ما يدعونا إلى طرح سؤال مهم: أين الجيش السوري؟ وأين القوى الاجتماعية والسياسية؟ لعل المستقبل القريب يكشف عن حجم المؤامرة التي ربما اشترك فيها كثير من القوى الإقليمية والعالمية، المؤثرة في الشأن السوري، من الذي باع؟ ومن الذي اشترى؟ ومن هم السماسرة الذين لعبوا دور الوسيط في قضية البيع والشراء؟

يصعب فهم سر انسحاب الجيش السوري بهذه السرعة الغريبة إلا وفق مؤامرة داخلية وخارجية، وقد تناسى كثير من المؤثرين في الشأن السوري تاريخ ما يسمى بهيئة تحرير الشام ابتداءً من ارتباطها بجماعة تنظيمي القاعدة وداعش ثم تغيير مسماها إلى جماعة النصرة، وانتهاءً باسمها الجديد (هيئة تحرير الشام)، والجميع يعرف أهدافها وثقافتها وأيديولوجيتها بعد أن اندمجت مع أكثر من خمس وعشرين جماعة وفصيل جميعهم حددوا أهدافهم في إسقاط النظام وغيروا خطابهم باعتبارهم جماعة وطنية تحترم القانون والدستور وحقوق الإنسان وليس لهم هدف إلا إقامة دولة سوريا الجديدة لكي ينعم أهلها في مجتمع مدني قائم على احترام حقوق الإنسان والحفاظ على مؤسسات الدولة وهو خطاب لا أعتقد أن العقلاء قد اقتنعوا به لكنهم تباروا جميعًا بالترحيب به ولم يتنبهوا إلى أن مثل هذه الجماعات تنهج سياسة ما يسمى بالتقية الدينية، حيث يظهرون خلاف ما يبطنون. الأمر اللافت للنظر عدة أمور، أولها: لقد لعب الإعلام العربي وخصوصًا تلك القنوات الأكثر مشاهدة دورًا ترويجيًّا للأحداث حينما راحوا ينقلون على الهواء مباشرة تقدم القوات الزاحفة من الشمال صوب العاصمة دمشق في مشهد دعائي ترويجي يدعو إلى الإحباط، وبث مشاعر اليأس وفقدان الأمل في مقدرة المدافعين عن سوريا، وهو ما أصاب الجيش والمجتمع المدني بقدر كبير من الخوف وبث روح اليأس وتصوير الأمر على أنه لا أمل إلا الاستسلام وفتح أبواب المدن على مصاريعها نحو ما أسموه بالفتح الكبير. لعل ذلك كله كان له أكبر الأثر في فقدان الروح الوطنية والمعنوية في ظل تغطية إعلامية راح يشاهدها العالم كله، ولعل دخول قناة «السي إن إن» وإجرائها حوارًا هو الأول مع أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) قائد هيئة تحرير الشام هو بمثابة رسالة لها دلالاتها التي لا تخفى على أحد.

ثانيًا: لم تتنبه الدول التي اكتوت بنيران تلك الجماعات سواء إقليمية أو عالمية إلى مخاطر سقوط دمشق ولم يخرج علينا إعلامها ولا منظرو سياساتها إلى الحديث عن مخاطر هذا الزحف، بل كان شريكًا أساسيًا للترويج لما يسمى بهيئة تحرير الشام، لدرجة أن البعض قد خرج علينا متحدثًا عن مشروعية تلك الجماعات وحقها في إسقاط النظام، والترويج لفكرة أنها تغيرت وأنها استفادت من تجاربها، وأنها تحولت إلى جماعة معتدلة تنشد الخير والنماء والتسامح، وهنا يكون كمن يدس رأسه وعقله في الرمال بعيدًا عن الواقع.

ثالثًا: المشهد الأكثر دلالة هو موقف القوى الوطنية السورية في الداخل والخارج التي انحازت بسرعة عجيبة إلى جبهة تحرير الشام وتابعيها، وقد شاهدنا خروج الناس وهم يهللون ويرحبون لمقدم أبو محمد الجولاني زعيم تلك الجماعات ولم يلتفت هؤلاء إلى أنه مهما كانت قسوة النظام السابق وفشله في إدارة الدولة لكن الجميع لم يتنبه إلى أن القادم محفوف بالمخاطر، حتى لو حاول القادمون الجدد تغيير خطابهم لأسباب سياسية لكي يتمكنوا من الإمساك بمقاليد الدولة بهدف إقامة مشروعهم الجديد، حيث يسعون لإقامة ما يسمى بالدولة الإسلامية التي لا تستهدف سوريا فقط وإنما تسعى إلى إقامة الخلافة الإسلامية التي لا تعترف بالحدود الجغرافية، ولا بالقوانين المدنية.

رابعًا: لقد فاجأني كثير من مثقفينا وفنانينا سواء من السوريين أو العرب وهم يروجون بفتح صفحة جديدة مع ما يسمى بهيئة تحرير الشام التي يقولون أنها تغيرت وتحولت إلى جماعة سياسية لا تنشد إلا الخير والنماء للسوريين خصوصًا وقد كانت تلك الجماعة على وعي بدهاليز السياسة الإقليمية والعالمية حينما قبلت ببقاء الحكومة السابقة لكي تستمر في أداء عملها حتى تشكيل حكومة جديدة تدير شؤون البلاد.

السؤال الذي يستوجب الإجابة عليه: ماذا بعد أن سقط النظام؟ هل ستبقى الجماعات المتحالفة على وفاق في إدارة شؤون الدولة على ما بينهم جميعًا من خلافات آيديولوجية ومذهبية وهو ما شاهدناه في معظم الدول التي انتشرت فيها هذه الجماعات وقد تحول الوفاق إلى صراعات وقتال محتدم أودى بحياة الملايين، حدث ذلك في معظم الدول التي استلبها المتشددون وفي جميع الصراعات لم يكن الاختلاف مجرد رأي سياسي أو اقتصادي بل كان عقيدة ودينًا لا يقبل الجدل. السؤال الآخر: هل سيقبل أبو محمد الجولاني وجماعته التراجع عن شهوة الحكم وترك شؤون الدولة للمجتمع القادر على إدارة شؤون البلاد والانخراط في سياق الحياة كجماعة سياسية تقبل بإعمال القانون والدستور وتبادل السلطة؟ خصوصًا وأن إدارة الدولة في القضايا السياسية والاقتصادية والتعليم وإدارة المحليات جميعها قضايا فنية يقوم بها الخبراء الشرفاء ممن يملكون مقدرة على إدارة المؤسسات في سبيل أن تتعافى سوريا وفق قواعد قانونية واجتماعية وثقافية تكون فيها المصلحة العليا للدولة هي الهدف الأول.

لعل ما حدث بمجرد سقوط النظام ودخول إسرائيل على المشهد بعد أن احتلت الشريط الحدودي بما في ذلك جبل القلمون ومنعت خروج الناس من قراهم ومنازلهم واستنفرت قواها على الحدود السورية وهو ما يعد بداية لفهم المستقبل البائس في ظل دعم أمريكي غير محدود وخصوصًا وأن نتنياهو ومن خلفه الرئيس الأمريكي بايدن قد أعلنا بكل وقاحة بأن ما حدث في سوريا هو نتيجة للضربات الإسرائيلية والأوكرانية على المطارات والمواقع العسكرية ومخازن الأسلحة السورية وهو ما سهل من مهمة أبي محمد الجولاني وجماعته، والسؤال: ماذا سيفعل النظام الجديد مع تركيا التي احتلت شمال سوريا وهي تسعى جاهدة لتوسيع احتلالها لأسباب تتعلق بالأكراد الذين يحظون بدعم أمريكي، وماذا سيفعل النظام الجديد مع الأقليات الدينية والعرقية الأخرى؟ وماذا عن بقاء روسيا بمطاراتها وقواعدها العسكرية؟ وماذا وقد أصبحت سوريا شأنًا دوليًا تتنافس عليه الدول شرقًا وغربًا؟ ما هو موقف دولنا العربية وجامعتنا العربية؟ وهم يشاهدون ما يحدث في هذه الدولة القديمة العريقة، التي كانت بمثابة الحاضنة الكبرى للعروبة، أعتقد أن كل ما حدث هو نتاج فشل كبير لكل السياسات العربية حينما أهملنا قضايانا الكبرى وقبلنا أن نكون رهن سياسات دول كبرى عابرة للحدود، وسيبقى السؤال معلقًا ربما لوقت طويل، سوريا إلى أين؟

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محمد الجولانی تحریر الشام الدول التی ما یسمى ما حدث وهو ما

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني لـ سانا: نرحب بتصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة بشأن رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا رداً على جرائم الحرب البشعة التي ارتكبها نظام الأسد.

تصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة بشأن رفع العقوبات وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني 2025-05-13malekسابق رئيس الحكومة اللبنانية يرحب بقرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا انظر ايضاً خلال لقائه الوزير الشيباني… مندوب ليبيا يجدد دعم بلاده الكامل لسوريا في الحفاظ على سيادتها

نيويورك-سانا أكد مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر السني دعم بلاده الكامل لسوريا وشعبها …

آخر الأخبار 2025-05-13وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني لـ سانا: نرحب بتصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة بشأن رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا رداً على جرائم الحرب البشعة التي ارتكبها نظام الأسد. 2025-05-13رئيس الحكومة اللبنانية يرحب بقرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا 2025-05-13اجتماع موسع لمناقشة إجراءات مواجهة خطاب الكراهية والتجييش والفتنة ‏داخل المؤسسات التعليمية 2025-05-13وزارة الاتصالات تعتزم إطلاق مشروع “سيلك لينك” لتطوير الألياف ‏الضوئية في سوريا ‏ 2025-05-13ترامب: قررت رفع العقوبات عن سوريا 2025-05-13وزير الاقتصاد والصناعة يبحث مع محافظ السويداء سبل الارتقاء بالواقع الاقتصادي في المحافظة 2025-05-13المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: نرحب بقرار الرئيس ترامب رفع العقوبات عن سوريا. 2025-05-13الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: قررت رفع العقوبات عن سوريا بعد مناقشة هذا الأمر مع ولي العهد السعودي والرئيس التركي، إدارتي اتخذت الخطوة الأولى لتطبيع العلاقات مع سوريا، وسيلتقي وزير خارجيتنا نظيره السوري في تركيا. 2025-05-13وزارة الاقتصاد والصناعة توقف تصدير خردة وسبائك المعادن بكل أنواعها 2025-05-13خط كهرباء معفى من التقنين لتغذية محطة السن في بانياس

صور من سورية منوعات اكتشاف آلية غير متوقعة وراء تلف القلب بعد النوبات 2025-05-09 تطبيق موبايل يوصل صوت الصم للحصول على خدمات الإسعاف 2025-04-27فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • احتفالات شعبية في ساحة الأمويين بدمشق بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا زمن النظام البائد
  • أحمد موسى: رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا يساعد نظامها
  • وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني لـ سانا: نرحب بتصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة بشأن رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا رداً على جرائم الحرب البشعة التي ارتكبها نظام الأسد.
  • شحادة اطلع الرئيس عون على خطة وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والمشاريع التي تعمل عليها
  • ترامب يخطط لرفع العقوبات عن سوريا لمنحها بداية جديدة
  • إسرائيل واستراتيجيتها المحفوفة بالمخاطر في سوريا
  • الشيباني: العقوبات على سوريا فُرضت على النظام البائد، ولا بدّ من رفعها لأنها تعيق الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار
  • وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: ناقشنا الأوضاع في سوريا والأعمال التي تقوم بها الحكومة السورية لتعزيز الاستقرار، كما تطرقنا إلى الأوضاع في المنطقة
  • استعادة رفات جندي إسرائيلي من سوريا.. هل تمت بعلم النظام؟
  • مهجرون سوريون يعودون إلى وطنهم عبر معبر باب الهوى بعد تحرير سوريا من النظام البائد