بريق الغلاف لا يعكس دائماً كنز المضمون
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
“كم من بديعِ المظهرِ قبيحِ الجوهر، وكم من بسيطِ الهيئةِ عظيمِ القيمة.” بهذه الحكمة يُمكن أن نختصر تجربتنا الإنسانية مع البشر الذين يُشبهون الكتب في تفاوت أغلفتها ومحتواها. فالإنسان، مثل الكتاب، يحمل أسرارًا عميقةً لا تُقرأ إلا حين تُقلب صفحاته، وقد تكون تلك الصفحات أثمن مما يوحي به الغلاف.
الغلاف خدعة البصر، والمحتوى محك البصيرة
في عصرٍ أصبح فيه الشكل أهم معيار للحكم، بات الكثيرون يُشبهون السطح المذهب الذي يخفي فراغًا داخليًا. تظهر هذه الظاهرة في الدراسات النفسية والاجتماعية التي تناولت تأثير “الهالة” أو ما يُعرف بـHalo Effect، وهو ميل الإنسان لتعميم الانطباع الأول بناءً على المظهر الخارجي أو الصفات الظاهرة. في هذا السياق، أظهرت دراسة أجراها عالم النفس “إدوارد ثورندايك” أن الأفراد يميلون إلى ربط الجاذبية الشكلية بالكفاءة والصدق، حتى وإن كانت هذه الصلة وهمية.
لكن الحقيقة أن المظهر ليس أكثر من خدعة بصرية قد تخفي خلفها إما جوهرًا نقيًا أو خواءً مطبقًا. وكم من مرة وقفنا أمام كتابٍ زينت أغلفته الرفوف، لكنه ما إن فُتح حتى كشف عن فقره، بينما وجدنا العكس في كتابٍ متواضع الهيئة أثار فينا دهشةً لا تُنسى.
القيمة في التجربة لا في القشرة
تجارب الحياة تعلمنا أن الجمال الحقيقي ليس مرئيًا. يمكن استدعاء قول الإمام علي (عليه السلام): المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ طَيَّاتِ لِسَانِهِ.”
بمعنى أن قيمة الإنسان تظهر في فكره وأفعاله، لا في ملبسه أو مظهره. ولعل هذا يفسر النجاح الباهر لشخصيات تاريخية وعلمية تركت أثرًا خالدًا دون أن تلتفت يومًا إلى قشور المظاهر، مثل ماري كوري التي لم تُعرف بالأزياء أو الجمال، لكنها أدهشت العالم بعلمها وإنسانيتها.
في دراسة أخرى أجرتها جامعة “هارفارد”، وُجد أن الأفراد الذين يُظهرون قيمًا مثل التعاطف، النزاهة، والإبداع يُحققون تواصلًا أعمق مع محيطهم مقارنة بأولئك الذين يركزون على المظهر أو الإنجازات السطحية. هذه القيم هي التي تجعل الإنسان جذابًا في أعين الآخرين، وتؤسس لعلاقات متينة ومستدامة.
الأدب أيضًا يعزز هذا المفهوم. ألم يدهشنا بطل “البؤساء” جان فالجان، الذي كان يُنظر إليه كمجرمٍ في الظاهر، بينما حمل في داخله روحًا نبيلة ملأتها التضحية والرحمة؟ الأدب يُعيد تشكيل نظرتنا إلى البشر، ويعلمنا أن العبرة دائمًا بما يكمن في العمق.
أفكار مبتكرة لتغيير المفهوم السائد
ثقافة المحتوى الداخلي: لماذا لا نُعيد صياغة مفهوم الجمال في مناهجنا التعليمية؟ يمكن تصميم برامج تركز على الأخلاق، الإبداع، والقيم الإنسانية كمعايير حقيقية للجمال، بدلاً من التركيز على الهيئات الخارجية. تجربة اجتماعية مُلهمة: تخيل مبادرةً تسلط الضوء على قصص أشخاص ناجحين وملهمين لا يتطابق مظهرهم مع الصورة النمطية للجاذبية. مشاركة هذه القصص عبر منصات التواصل الاجتماعي قد تُلهم الأجيال الجديدة ليروا الجمال في أبعاده الحقيقية. أدب السيرة الذاتية: شجع كتابة السير الذاتية من منظور داخلي، بحيث يُبرز الأفراد ما صنعوه من خير وما حققوه من عمق إنساني، بعيدًا عن الإنجازات الشكلية.يُقال إن الزمن يكشف الجوهر ويُهلك الزيف. وهكذا، فإن ما يبقى من الإنسان ليس شكله ولا مظهره، بل أثره في قلوب الآخرين. وكما قال الشاعر:
“وما الحسنُ في وجه الفتى شرفًا له
إذا لم يكن في فعله والخلائقِ”
لنجعل من هذا القول قاعدةً حياتية، ولنُدرك أن الجمال الحقيقي هو ذلك الذي يُضيء العقول، يُطهر القلوب، ويُعمر الأرواح. فالحياة قصيرة، وما يخلد منها هو المحتوى، لا الغلاف.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
أم الجمال تحتفي بعيد الأضحى بفعاليات متنوعة تنظمها وزارة السياحة
صراحة نيوز ـ أُقيم مساء أمس السبت، فعالية فنية في منطقة أم الجمال بمحافظة المفرق، وذلك ضمن سلسلة الفعاليات التي تنظمها وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع هيئة تنشيط السياحة ودائرة الآثار العامة، في عدد من المواقع السياحية والأثرية بمختلف محافظات المملكة بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
وبحسب بيان للوزارة، تضمنت الفعالية عرضاً فلكلورياً قدمته فرقة “البادية الشمالية”، تلاها فقرات غنائية أحياها الفنان بشار السرحان والفنان أحمد القرم، وذلك في أجواء تفاعلية تحتفي بالموروث المحلي وتدعم الحركة السياحية الداخلية في واحدة من أبرز المواقع الأثرية في شمال المملكة.
ويقع موقع أم الجمال الأثري في محافظة المفرق على بعد 90 كم تقريباً شمال شرق العاصمة عمان، ويعتبر أكبر مستوطنة ريفية قديمة في جنوب منطقة حوران التي تمتد جغرافياً ما بين جنوب سوريا وشمال الأردن.
وتم إدراج موقع أم الجمال الأثري على قائمة التراث العالمي عام 2024، وتكمن القيمة العالمية الاستثنائية للموقع في كونه نموذجاً متكاملاً لمستوطنة ريفية حورانية تطورت بشكل طبيعي فوق بقايا مستوطنة رومانية سابقة خلال القرن الخامس الميلادي، واستمرت فيها حتى نهاية القرن الثامن الميلادي، حيث يعكس تخطيط الموقع ذو الطابع السكني والديني وعمارته البازلتية المتميزة الأسلوب المعماري المحلي في منطقة حوران.
وأُقيمت سلسلة من الفعاليات، تتضمن أمسيات فنية وثقافية وحفلات غنائية امس السبت في المدرج الروماني بالعاصمة عمان، كما ستقام فعاليات اليوم الأحد في ساحة قلعة الكرك، وفي ساحة المطل بقرية أم قيس بمحافظة إربد، وحفل بساحة عقبة بن نافع بمدينة السلط