علي بن سالم كفيتان

حضرتُ إحدى حفلات التخرج لجامعة حكومية كأبٍ يُشارك أحد أبناءه فرحة التخرج، وكان عدد الخريجين يناهز 700 من الجنسين، وكان الحفل بهيجًا، والتنظيم رائعًا.. شبابٌ وشابات مفعمون بالحيوية والفرحة والنشاط؛ حيث تتصاعد فلاشات التصوير لتوثيق هذه اللحظات الفارقة، من كل حدب وصوب، ابتسامات عريضة وتهانٍ لا تنتهي، لمن تعرف ومن لا تعرف، وأنت تمضي في ردهات مركز السلطان قابوس للثقافة والترفيه بصلالة.

وبين حدائقه المكسوَّة بالزهور، وممراته المُضاءة بعناية، وجلساته الجانبية، من دكك وكراسٍ خشبية غاية في الجمال، هناك بنات في سن الزهور، يحملن باقات بكل الألوان، يمشين بزهو وخيلاء الإنجاز، أمهات عظيمات ترتبن بناتهن وتحرصن على البهاء والحشمة، آباء يصطفون على الكراسي خارج القاعة لأداء صلاة المغرب قبل الولوج للداخل، مصورون مع مظلات الفلاش وبراويز حالمة يصطف أمامها الخريجون ليلتقطوا الصور التذكارية. هذا إلى جانب أبيه، وتلك بمعية أمها، وآخرون مع الأصدقاء.. كان الجو الاحتفالي في الداخل استثنائيًا بكل المقاييس، رغم هبوب الشتاء في الخارج، ومع ذلك تجد لحظات وجوم على وجوه الحاضرين عندما يأتي أحدهم ليهنئ الآخر قائلًا "عقبال الوظيفة"، فيرد قائلًا "خليها على الله".

في هكذا يوم تُولد أحلام لتذبل سريعًا، وهذا ليس حصرًا على حفل التخرج هذا؛ بل في كل حفلات التخرج الأخرى على طول البلاد وعرضها، آلاف الشباب يتدفقون بكل حيوية إلى الحياة بعد إنهائهم سنوات من الدراسة والعناء، وخلفهم آباؤهم وأمهاتهم المثقلون بهَمِّ الحياة وصراع المثابرة لبلوغ فلذات أكبادهم هذه اللحظات؛ فهناك من باع كل ما يملك، وآخرون استدانوا، والبعض اقتطع من دخله لسنوات لتبدو هذه اللحظة حالمة، وتنتهي إلى بلوغ المرام، برؤية أبنائهم يحصلون على وظائف تليق بهذه التضحيات الجسام.

آلاف الشباب يصطفون في طوابير طويلة في الجامعات الحكومية والخاصة والكليات المتخصصة، ينتظرون المناداة بأسمائهم؛ ليُثبتوا للوطن أنهم قادمون لتكملة المسيرة، وليخبروا أهاليهم أنهم لم يخذلوهم يومًا على دكك الدراسة. لفتت أنظاري امرأة طاعنة في السن تمشي على مهلٍ مُتَّكئة على عصا بين بناتها أو ربما حفيداتها الخريجات، وهُن يضحكن معها ويدُرن حولها كالنحل حول الزهرة، بدت مهابة كجنرال يعبُر بين طوابير جنوده المصطفين لتحيته، حيَّتني رافعة عصاها وهي تسأل عن مُصلَّى النساء، فأجبتها، لتختفي بين الجموع. صلَّينا في الردهة الرئيسية للمركز من كل مكونات مجتمعنا؛ فالخريجون طيف واسع يشكل عُمان من شمالها إلى جنوبها، وكان حديث الساعة هو التساؤل: ماذا بعد التخرج؟ كان هذا هو السؤال الطاغي بين أولياء الأمور تلك الليلة، وربما هو الوحيد الذي يُعكِّر صفوها.

كان حظِّي في الجلوس إلى جانب ولي أمر تعرَّفنا على بعضٍ منذ زمن طويل، كان صامتًا ولم ينبس ببنت شفة، كما تقول العرب. حاولت مناوشته، لكنه تمنَّع، فقلت في نفسي ما عسى يشغل بال هذا الرجل، وما كل هذا الوجوم على وجهه في ليلة كهذه، يفرح فيها الجميع. ودون سابق إنذار، قال: اسمعني كل هذه الطاقات المتقدة في عُمان لا يجب إطفاؤها. واسترسل قائلًا: "لدي ابن وحفيدة يتخرجون الليلة صرفت عليهم كل ما استطيع، ويأخذون معونة 90 ريالًا من وزارة التعليم العالي طوال سنوات الدراسة، وبعد التخرج تُقطَع المعونة، ويجلس أبنائي وأحفادي إلى جانبي في المنزل، مهما حاولت إقناعهم بضرورات المرحلة، فلن يقتنعوا، وإن ظلوا ساكتين احترامًا لكِبَر سني وهواني على أن أجد لهم فرصة عمل، مثلما وعدتهم طوال حياتي، وكنتُ لهم السند والملاذ- بعد الله- فاليوم أبدو ضعيفًا يائسًا أمامهم". قلت له: "هوِّن عليك، وحاول أن ترسم ابتسامة تكون ذخيرتهم في هذه الليلة الغالية.. أرجوك لا تخذلهم"، فانصرف عني وتابع الحفل.

في الختام.. أشكرُ الدكتور أحمد بن علي الشحري مساعد رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة، وطاقمه الرائع، على الإخراج الأسطوري للحفل؛ إذ لم تكن هناك أخطاء، وكل شيء كان على خير ما يُرام. لقد رأيتُ الفرحة العارمة في عيون الفريق الأكاديمي والإداري، وكان بيان التخرُّج بصمة جديدة تلاها الدكتور الشحري، ووقف لها الخريجون، وكانت كلماته مُفعمة بالأمل، منحت أبناءه جرعات إيجابية لا تُحصى، نطقها بعباراتٍ صادقةٍ نابعةٍ من القلب. ولقد رأيتُ كل ذلك وأحسستُ به ومعي كثيرون في الحفل.. فشكرًا لكم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لوكا مودريتش يعلن رحيله عن ريال مدريد: "أرحل بقلبٍ ممتلئ بالفخر والامتنان"

أعلن النجم الكرواتي لوكا مودريتش، أحد أبرز أساطير خط الوسط في تاريخ ريال مدريد، رحيله رسميًا عن النادي بعد مسيرة استثنائية دامت أكثر من عقد من الزمن.

لوكا مودريتش يعلن رحيله عن ريال مدريد: "أرحل بقلبٍ ممتلئ بالفخر والامتنان"

ونشر مودريتش رسالة وداع عبر حساباته الرسمية، وجه فيها كلمات صادقة إلى جماهير ريال مدريد، قال فيها: "لقد حان الوقت. اللحظة التي لم أكن أرغب في أن تأتي أبدًا، لكنها سنة الحياة وكرة القدم... يوم السبت، سأخوض مباراتي الأخيرة على ملعب سانتياغو برنابيو."

وأضاف: "وصلت في عام 2012 بحلم ارتداء قميص أفضل نادٍ في العالم وطموح لتحقيق إنجازات كبيرة، لكن لم يكن بوسعي أن أتخيل ما حدث لاحقًا."

وتابع اللاعب الذي أصبح أحد رموز الفريق الأبيض: "اللعب في ريال مدريد غيّر حياتي كلاعب وكشخص. أشعر بالفخر لأنني كنت جزءًا من واحدة من أنجح الحقبات في تاريخ أعظم نادٍ في العالم."

الزمالك يُكثف استعداداته لمواجهة بتروجت في دوري نايل تعطل مفاوضات الزمالك مع عبد الله السعيد بسبب تمسك اللاعب بالحصول على 40 مليون جنيه بالموسم

ووجّه مودريتش شكره العميق للنادي، قائلًا: "أشكر النادي من أعماق قلبي، وعلى رأسه الرئيس فلورنتينو بيريز، وزملائي في الفريق، والمدربين، وكل من ساعدني خلال هذه السنوات."

واسترجع النجم الكرواتي لحظاته الذهبية قائلًا: "عشت لحظات لا تُنسى، وريمونتادات خرافية، ونهائيات وأفراح وليالٍ سحرية في البرنابيو... فزنا بكل شيء، وكنت سعيدًا جدًا. سعيدًا جدًا جدًا."

وأشار إلى أن الأهم من كل الألقاب، هو ارتباطه العاطفي بالجماهير المدريدية، قائلًا: "ما أحمله في قلبي هو محبة جماهير مدريد. لا أعرف كيف أصف العلاقة الخاصة التي تربطني بكم، ومدى شعوري بالدعم والاحترام والمحبة. لن أنسى أي تصفيق أو لفتة ود."

واختتم مودريتش رسالته بكلمات مؤثرة: "أغادر بقلبٍ ممتلئ. بالفخر، والامتنان، وذكريات لا تُنسى. ورغم أنني بعد كأس العالم للأندية لن أرتدي هذا القميص داخل الملعب، سأظل دومًا مشجعًا لريال مدريد."

مقالات مشابهة

  • الرمادي: الفوز على بتروجت خطوة لاستعادة الثقة.. والكرة الجميلة ستعود
  • أول تعليق من أيمن الرمادي بعد فوز الزمالك على بتروجت
  • شخصيات افتراضية تتحدث نيابةً عن رؤساء الشركات التقنية
  • فرص جديدة للمهندسين حديثي التخرج.. الشركة المصرية لنقل الكهرباء تعلن عن وظائف 2025
  • البخبخي: المشهد السياسي في ليبيا تحكمه توزانات قوى ترفض التغيير   
  • اكتبوا عني خبر إيجابي | منشور مثير من محمد رمضان بسبب 36 مليون جنيه
  • عراقتشي: نواجه حرب إرادات.. والتخصيب خط أحمر لا يقبل المساومة
  • كريم محمود عبد العزيز يكشف عن لقائه الوحيد بأحمد زكي: “مش مصدق إنه طلب مني كده”
  • لوكا مودريتش يعلن رحيله عن ريال مدريد: "أرحل بقلبٍ ممتلئ بالفخر والامتنان"
  • محمد عمر: زيادة عدد الفرق الموسم المقبل قرار غير صحيح.. وكان لا بد من الالتزام باللائحة