أكد حمد بن يعقوب الجهوري أمين سر اللجنة العمانية للألعاب والرياضات الإلكترونية، أن مستقبل الرياضة الإلكترونية العمانية مليء بالفرص المهنية والعلمية والاحترافية، فالمجال لا يقتصر على اللاعبين فحسب، فهناك فرص كبيرة للاستثمار فيها كصنّاع المحتوى، والمحللين والحكام والمعلقين والمنظمين والمصورين وغيرها من الفرص، والمتابع للمتغيرات التي شهدتها الرياضة خلال السنوات الماضية يجد أنها جميعها مؤشرات أداء يمكن قياس مدى تطورها محليا وانعكاسها عالميا من خلال زيادة عدد اللاعبين والمتابعين والمهتمين، بالإضافة إلى تكثيف البطولات الملحية، والمشاركة في مختلف البطولات الدولية، مما أتاح توسيع شريحة منتخباتنا الوطنية مما كان له -بكل تأكيد- الدور الكبير في كسب الخبرات والاحتكاك بأعلى المستويات العالمية لمختلف الألعاب ونقل تلك الخبرات وتجويدها في النطاق المحلي لإيجاد أبطال عمانيين مبدعين عالميا.

جزء من الاقتصاد الرقمي

وتابع في حديثه لـ «عمان»: منذ إشهار اللجنة بتاريخ 17 مايو 2021 وذلك تماشيا مع «رؤية عمان 2040»، مندرجا تحت محور مجتمع إنسان مبدع معتز بهويته ومنافس عالميا، ومتزامنا مع محور اقتصاد متنوع ومستدام من خلال تطوير قطاع الألعاب كجزء من الاقتصاد الرقمي، فقد مثل هذا القطاع صناعة متنامية عالميًا، وفرصة حقيقية لتمكينه مصدرا جديدا للدخل الوطني عبر صناعات الألعاب الإلكترونية بهوية عمانية وتنظيم بطولات عالمية واستقطاب استثمارات خارجية، ونحن نؤمن أن هذه الرياضة صناعة حقيقية وهذا قد تم البدء فيه مؤخرا بوجود فرق تقنية متخصصة في صناعة ألعاب إلكترونية بهوية عمانية منافسة، وهذا ما نعول عليه بأن تكون هذه الرياضة قناتنا المتصلة بالعالم الرقمي.

مجتمع داعم ومثقف

وقال الجهوري: دور العائلة شريك أساسي ومحوري في تنظيم إطار هذه الرياضة، بداية من شراء أي لعبة تحتوي على التصنيف المناسب لكل فئة عمرية، ومن خلال تعاملنا مع أولياء الأمور خلال السنوات السابقة نستطيع القول: إننا نحظى بمجتمع داعم ومثقف ومطلع لما يدور في عالم الرياضات الإلكترونية وذلك من خلال الدعم الذي يتم تقديمه لأبنائهم في مختلف المشاركات المحلية والدولية، وعلى اللاعبين أنفسهم معرفة أساليب ممارسة هذه الرياضة بشكل إيجابي وأن العبرة في الكفاءة والتطوير في أوقات مناسبة ومعتدلة أجدى من ممارسة ساعات طويلة سلبية، ويبقى دور العائلة ركيزة في توجيه ممارستها بشكل صحيح ومفيد إيجابا للاعب والمجتمع.

تعزيز الرياضة محليا وعالميا

وأشار حمد الجهوري إلى أن ظروف جائحة كورونا كانت سببا رئيسيا في زيادة عدد اللاعبين وممارستهم لمختلف الألعاب الإلكترونية عن بعد، والفترة التي ولدت فيها اللجنة العمانية للألعاب والرياضات الإلكترونية التي أتت لتنظم هذا المجال وتحقيق طموحات اللاعبين العمانيين في هذه الرياضة، والتغيير هو زيادة قنوات التواصل بين اللاعبين مما أدى إلى وجود أنماط لعب مختلفة، فردية وزوجية وفرق ومنتخبات، وهو ما ساهم بشكل مباشر في تعزيزها محليا وعالميا كرياضية حقيقية.

وحول تأثير الألعاب الإلكترونية على العلاقات الاجتماعية، قال: الممارسات الإيجابية للألعاب والرياضات الإلكترونية هو أكبر مساند لزيادة التواصل الاجتماعي، مع العائلة والأصدقاء والعالم الافتراضي، وذلك بديهيا من خلال الألعاب والمنصات التي يتواصل اللاعبون فيها، خصوصا أن معظم الألعاب أصبحت تلعب بشكل جماعي، وحتى إذا تحدثنا عن العائلة، فالحاضر تغير جدا وأصبحت العائلة جزءا من اللعبة، حيث أصبح الكل يجتمع لممارسة الألعاب والرياضات الإلكترونية وهو ما شهدناه مؤخرا في آخر بطولة نظمتها اللجنة التي شهدت مشاركة أب وأبنائه الثلاثة، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على دور الألعاب والرياضات الإلكترونية في تعزيز العلاقات الاجتماعية.

دور المرأة

وقال أمين سر اللجنة العمانية للألعاب والرياضات الإلكترونية: المرأة العمانية شريكة في نجاح مختلف المجالات، وإذا تحدثنا عن الرياضة العالمية التي تحظى بمتابعة الملايين! بالطبع وجود العنصر النسائي داعم لنا لنجاح هذه المنظومة، والأعداد متزايدة بشكل متواصل ويمكننا أن نستشعر دور المرأة العمانية من خلال وجودها واحترافها في أندية خارجية، وتجدر الإشارة عن وجود صالات خاصة بالعنصر النسائي لممارسات الرياضات الإلكترونية بكل أريحية ومرونة ومواصلة تطوير مستوياتهن الفنية، وهذه كلها مؤشرات على مدى شغف المرأة العمانية وطموحها المستمر والمنافسة الدائمة في جميع المحافل الرياضية المحلية والعالمية، وشاركنا بمنتخبات نسائية دوليا في بطولات مختلفة، مثل البطولة العربية للرياضات الإلكترونية، وبطولة غرب آسيا لكرة القدم الإلكترونية، وبطولة كأس العالم للاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية، والتي أثبتت حقا جدارتها بتحقيق الأرقام والإنجازات المميزة.

ألعاب تعليمية وتثقيفية

واسترسل الجهوري في حديثه بالقول: إيمانا من اللجنة العمانية بضرورة أن تكون هذه الألعاب مشوقة وممتعة وإيجابية وتعليمية، حرصنا أن نطور هذا الجانب بشكل أكاديمي وفق أعلى المعايير الدولية، وهو يتلخص في اعتماد محدثكم في برنامج الزمالة الدولية التابع للاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية، البرنامج الذي يُعنى بالتعليم من خلال الرياضات الإلكترونية، ونوجز هذا المفهوم في توضيح أن الألعاب التعليمية أو التثقيفية هي تلك التي تجمع بين الترفيه والتعليم، حيث تُستخدم كأداة لتطوير مهارات معينة لدى اللاعبين سواء كانت معرفية، اجتماعية، أو حتى حركية. هناك عدة أنواع من الألعاب التعليمية، وكل نوع يساهم في تطوير مهارات محددة.

وتابع: هناك أمثلة على بعض الألعاب وتأثيرها، مثل ألعاب التفكير وحل الألغاز وهي لعبة «Portal» وتعتمد على التفكير النقدي وحل المشكلات من خلال الفيزياء والمفاهيم الهندسية، ولعبة «The Witness» تُعزز مهارات التحليل وحل الألغاز المنطقية، وكذلك ألعاب بناء وإدارة الموارد مثل لعبة «Minecraft» وهي تعلم اللاعبين كيفية التخطيط والتفكير المبدع، بالإضافة إلى تطوير المهارات الهندسية عبر بناء الهياكل المختلفة، وأيضا لعبة «SimCity» أو «Cities: Skylines» وهدفها تطوير مهارات إدارة الموارد والتخطيط العمراني والبيئي.

أيضا هناك ألعاب تعلم البرمجة والمنطق، ومنها لعبة «Human Resource Machine» وهي تعزز مهارات البرمجة الأساسية وحل المشكلات، وأيضا لعبة TIS-100 وهي تعلم اللاعبين كيفية البرمجة باستخدام مفاهيم العمليات الحسابية والتحليل المنطقي.

وهناك كذلك ألعاب تعلم اللغات، مثل لعبة «Duolingo» وعلى الرغم من أنها ليست لعبة تقليدية ولكنها تستخدم أسلوب الألعاب، وتساعد على تعلم لغات جديدة من خلال تحديات ومراحل تعليمية، أيضا هناك ألعاب التاريخ والاستراتيجيات، مثل لعبة «Civilization» التي تقدم للاعبين تجربة استكشاف التاريخ والثقافات المختلفة وتطوير استراتيجيات قيادة الحضارات، وأيضا لعبة «Assassin's Creed Discovery Tours» التي توفر جولات تاريخية تفاعلية في الحضارات القديمة، مما يساعد اللاعبين على فهم الجوانب التاريخية والجغرافية، أيضا لدينا ألعاب تعليم العلوم والرياضيات، مثل لعبة «Kerbal Space Program» وهي لتعلم مفاهيم الفيزياء والميكانيكا المدارية من خلال بناء الصواريخ والقيام بمهام فضائية، ولعبة «Prodigy» وهي لعبة تعليمية في الرياضيات مصممة للأطفال، تقدم تحديات رياضية في بيئة ممتعة.

وقال حمد الجهوري: هناك العديد من فوائد التعليم من خلال الرياضات الإلكترونية، مثل تنمية مهارات حل المشكلات مثل الألعاب التي تعتمد على الألغاز والتفكير الاستراتيجي، وكذلك تعزيز القدرة على التعلم الذاتي حيث يتعلم اللاعبون من أخطائهم ويبحثون عن حلول جديدة، أيضا تنمية التفكير الإبداعي من خلال الألعاب التي تتطلب بناء وإنشاء هياكل أو إدارة عوالم افتراضية، وأيضا تطوير مهارات التواصل والعمل الجماعي، خاصة في الألعاب التعاونية أو متعددة اللاعبين التي تتطلب تواصلا فعالا وتنسيقا.

تمثيل الثقافة والتراث العماني

كما أكد الجهوري أن جميع خطط وبرامج اللجنة متواكبة مع «رؤية عمان 2040»، وقال: نتحدث عن مجتمع معتز بهويته ومواطنته وثقافته، يعمل على المحافظة على تراثه وتوثيقه، ونشره عالميا، وما يميز الألعاب الإلكترونية مرونتها وسهولة ربطها بمختلف الغايات الثقافية، والتاريخية، والتراثية، ونحن على ثقة بأن الألعاب الإلكترونية إحدى الوسائل الداعمة لنشر الهوية العمانية وتراثها الأصيل، من خلال تصميم ألعاب إلكترونية تمثل بعض الألعاب الشعبية وإيجاد شخصيات إلكترونية تحاكي اللبس العماني وإضافة بعض النغمات التقليدية التي ستضيف نكهة تقليدية ممزوجة بجانب إلكتروني ترفيهي تعليمي، وإضافة إلى إيجاد ألعاب تحتوي على مناطق السلطنة وأشهر معالمها التاريخية والحديثة كجانب إرشادي ترفيهي ثقافي بطابع عصري ممتع وجاذب.

تحديات تواجه اللاعبين

وحول التحديات التي تواجه محبي الألعاب الإلكترونية في سلطنة عمان، مثل قضايا الإنترنت السريع أو توفر المنصات المناسبة، قال: نتحدث عن أكثر الرياضات والألعاب شعبية، فلا يوجد أي منزل لا يحتوي على جهاز بلايستيشن أو جهاز حاسوب أو جهاز لوحي أو هاتف أو غيرها من الأجهزة التي تتم ممارسة الرياضة الإلكترونية عن طريقها، التحديات بطبيعة الحال موجودة في مختلف المجالات، وإذا تحدثنا عن الرياضات الإلكترونية العمانية فأبرز التحديات هي تفرغ اللاعبين الكلي ودعمهم بمختلف المتطلبات اللازمة لممارسة هذه الألعاب بشكل احترافي بالإضافة إلى وجود رعاة مخصصين لدعم وتطوير المستويات الفنية للاعبين، ومن ناحية تغطية الإنترنت فجميعنا نرى أن معظم المناطق في السلطنة أصبح لديها سرعة إنترنت مناسبة للعب والمنافسة وهو ما ينعكس على الأعداد الكبيرة المشاركة في مختلف البطولات، علاوة على ذلك اللجنة تعمل على إيجاد مساحة خاصة للمنافسات الدولية بسرعات عالية مما يتيح سهولة اللعب بشكل مهيأ ومناسب للاعبين، وأعتقد أن المرحلة القادمة ستفرض أن تتوسع دائرة أعمال ومهام اللجنة وصولا لطموحات اللاعبين وتجاوز التحديات.

موهبة بالفطرة

وأشار أمين سر اللجنة العمانية للألعاب والرياضات الإلكترونية، إلى أن الخامة العمانية موهبة بالفطرة وهذا ما ينعكس على مختلف الرياضات وتحديدا على مستوى الرياضات الإلكترونية، فالمتابع يلتمس الحراك الحاصل على مستوى منافسات الرياضة الإلكترونية العمانية من خلال وجود نخبة من اللاعبين في صدارة مختلف الألعاب وتحقيق أفضل المراكز في المشاركات الخارجية، وأنه لفخر عظيم أن يرفرف علم السلطنة في مختلف المحافل وميادين التنافس، وهو مؤشر قوي على وجود فرص كبيرة للاعبين واحترافهم هذا المجال بشكل مستقل والبدء في رحلة الإنجاز والإبداع والعمل بشغف ومتعة، ولا نتحدث عن لاعبين فحسب، فهذا المجال يحتضن شريحة واسعة ويفتح آفاقا رحبة للاعبين وصنّاع المحتوى ومديري الفرق والمدربين والحكام والمنظمين والمصممين وغيرهم من المهتمين ذوي الصلة تجمعهم يد التحكم تحت سقف الرياضة الإلكترونية.

مستقبل اللعبة

وختم حمد بن يعقوب الجهوري أمين سر اللجنة العمانية للألعاب والرياضات الإلكترونية، حديثه لـ «عمان» بالقول: نحن على يقين بأن المستقبل هو الرياضات الإلكترونية كما يُستشعر ذلك من حاضرها المتسارع، وأساس كل الألعاب وتطويرها وبرمجتها، الفرص عظيمة في هذا المجال، ونصيحتي لكل المبرمجين هو الإلمام بأحدث لغات البرمجة المختصة الحديثة والمناسبة لكل لعبة، والاطلاع على تجربة اللاعبين وتحقيق طموحات اللاعبين التي على أساسها تكتمل الحلقة، وأنصح المبرمجين بضرورة الخوض في غمار المنافسات المتعلقة ببرمجة الألعاب الإلكترونية كنوع من تبادل الخبرات والاطلاع على مختلف الأفكار والتفاصيل المتعلقة بالبرمجة الإلكترونية، ونسألهم عدم التردد في التواصل لتقديم مقترحاتهم التي تلامس تطلعاتهم أو رغبتهم في استشارات أو استفسارات متعلقة ببرمجيات الألعاب الإلكترونية، ونحن هنا كلجنة داعمين وبشغف لإمكانياتهم وإبداعاتهم واحتضان مختلف المواهب المرتبطة بالرياضات الإلكترونية العمانية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الریاضات الإلکترونیة الإلکترونیة العمانیة الریاضة الإلکترونیة الألعاب الإلکترونیة تطویر مهارات هذه الریاضة هذا المجال فی مختلف مثل لعبة من خلال

إقرأ أيضاً:

التحولات الديموغرافية في سلطنة عمان .. فرصة للنمو أم تحدٍّ اقتصادي؟

يُعد التحول الديموغرافي من أبرز التحولات السكانية التي تؤثر في مسار التنمية الاقتصادية، إذ يشير إلى انتقال المجتمعات من معدلات مواليد ووفيات مرتفعة إلى معدلات منخفضة، مما يؤدي إلى تغيّر في التركيبة العمرية للسكان. وخلال هذه المرحلة، تزداد نسبة السكان في سنّ العمل (15 - 64 سنة) مقارنةً بالفئات المُعالة من الأطفال وكبار السن، وهو ما يُعرف بـ«الفرصة الديموغرافية» أو «العائد الديموغرافي» أو «النافذة الديموغرافية».

وتُعد سلطنة عمان اليوم في المرحلة الثالثة من هذا التحول، حيث تشهد تراجعًا ملحوظًا في معدلات المواليد واستقرارًا في معدلات الوفيات، الأمر الذي يؤدي إلى تباطؤ النمو السكاني وارتفاع نسبة السكان في سنّ العمل. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هذه المرحلة ستستمر حتى منتصف القرن الحادي والعشرين، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة تتسم بارتفاع أعداد كبار السن وتحديات الشيخوخة السكانية، مما يستدعي إعداد سياسات فعّالة تستثمر العائد الديموغرافي قبل تحوّله إلى عبء اقتصادي.

محركات التحول الديموغرافي.. التغيرات في معدلات الخصوبة والوفيات

لعب تراجع معدل الخصوبة دورًا حاسمًا في تسريع وتيرة التحول الديموغرافي الذي تشهده سلطنة عمان، ووفقًا لنتائج المسح الوطني للصحة الإنجابية لعام 2008؛ انخفض معدل الخصوبة من 8.6 مولود لكل امرأة في عام 1988 إلى 3.3 مولود لكل امرأة في عام 2008، ما يعكس تراجعًا غير مسبوق بنحو 5.3 مولود لكل امرأة، أي بنسبة انخفاض تقارب 62% خلال عشرين عامًا فقط!

إلا أنه -بحسب البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات- يتضح أن الخصوبة استعادت بعضًا من نموها ابتداءً من عام 2010؛ حيث ارتفعت إلى 3.7 مولود لكل امرأة. وقد يُعزى ذلك بسبب تحسّن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التوظيف والأجور، واستمر هذا الارتفاع حتى عام 2017، قبل أن يعاود الانخفاض في السنوات التالية ليصل إلى 2.9 مولود لكل امرأة بحلول عام 2023. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة؛ من المتوقع أن تصل سلطنة عمان إلى مستوى الإحلال في الخصوبة، أي 2.1 مولود لكل امرأة بحلول عام 2030.

تعكس التغيرات في معدلات الخصوبة تأثير التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع العُماني خلال العقود الأخيرة. فقد سُجِّل أعلى معدل للخصوبة في عام 2010 بين النساء في الفئة العمرية (25 - 29 سنة)، بينما أصبح في عام 2023 بين النساء في الفئة العمرية (30 - 34 سنة)، ما يؤدي إلى تقليص سنوات الإنجاب لدى المرأة (من 15 إلى 49 سنة). ويُعزى هذا التغير إلى ارتفاع سن الزواج الأول، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وارتفاع معدلات التحاقها بالتعليم، ما أسهم في تأخير تكوين الأسرة.

وكما هو الحال في دول الخليج؛ شهدت سلطنة عمان تحولًا ديموغرافيًا سريعًا تمثّل في انخفاض معدلات الوفيات. ففي عام 2023 انخفض معدل الوفيات الخام إلى 2.5 حالة وفاة لكل 1000 من السكان، بعد أن كان 3.3 حالة وفاة لكل 1000 من السكان في عام 2010.

كذلك انخفض معدل وفيات الأطفال الرضّع في عام 2023 إلى نحو 8.8 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حيّة مقارنة ب9.3 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حيّة في عام 2010. كما تراجع معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى 11.1 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حيّة في عام 2023 بعدما كان 11.3 حالة وفاة لكل 1000 مولود حي في عام 2010.

ونتيجة لانخفاض معدل الوفيات؛ ارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة إلى 77 عامًا في عام 2023 مقارنة بـ76 عامًا في عام 2010. تشير نتائج التوقعات المستقبلية للأمم المتحدة إلى زيادة مستمرة في متوسط العمر المتوقع، ليصل إلى أكثر من 80 عامًا في عام 2030، ثم إلى 86 عاما في عام 2065.

التركيبة العمرية للعمانيين

تشهد سلطنة عُمان تحوُّلًا ديموغرافيًا ملحوظًا في تركيبتها السكانية، يتجلى في تغير الفئات العمرية العريضة خلال الفترة من عام 2010 حتى التوقعات المستقبلية لعام 2040. ووفقًا للإسقاطات السكانية 2025 - 2040 الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات؛ يُتوقع أن ترتفع نسبة السكان في سن العمل (15–64 سنة) إلى 66% من إجمالي السكان العمانيين بحلول عام 2040، مقارنة مع 61% في عام 2010، ما يعكس توسعًا مستمرًا في القوى العاملة الوطنية. وفي المقابل ستتراجع نسبة الأطفال (0–14 سنة) إلى 29% في عام 2040، مقارنة بـ35% في عام 2010. بينما سترتفع نسبة كبار السن (65 سنة فأكثر) إلى 6% في عام 2040 مقارنة بـ4% في عام 2010، ما يعكس بداية واضحة لمظاهر الشيخوخة السكانية، ويدعو إلى وضع سياسات استباقية لمواكبة هذا التحول.

وقد انعكس هذا التحول العمري على معدلات الإعالة الديموغرافية؛ حيث من المتوقع أن تنخفض معدل الإعالة الكلية من 63% عام 2010 إلى 53% في عام 2040. ويُعزى هذا الانخفاض إلى تراجع معدل إعالة صغار السن من 58% إلى 44% خلال نفس الفترة، في حين يُتوقع ارتفاع معدل إعالة كبار السن من 6% إلى 9%، ما يُنذر بتزايد العبء الاقتصادي والاجتماعي المتوقع لرعاية هذه الفئة مستقبلاً، لاسيما في الجوانب الصحية والتقاعدية.

التحولات بين الفرصة والتحدي

شهدت سلطنة عمان خلال العقود الأخيرة تحولات ديموغرافية كبيرة أثّرت في التركيبة العمرية للسكان، ما يضع الدولة أمام مفترق طرق بين فرصة تنموية واعدة وتحدٍ اقتصادي واجتماعي محتمل. ووفقًا لمجلة «Middle East Fertility Society»؛ فقد مرت سلطنة عمان بفترتين رئيسيتين من الانفتاح على العائد الديموغرافي: الأولى بين عامي 1985 و2000، والثانية بدأت في عام 2010. ومن المتوقع أن تبلغ ذروتها خلال عقد العشرينيات الحالي، وتستمر حتى عام 2040.

وتُعدّ هذه المرحلة فرصة ذهبية للتنمية الاقتصادية؛ نظرًا لتزايد نسبة السكان في سن العمل، ما يفتح آفاقاً واسعة للنمو الاقتصادي؛ حيث تبرز إمكانية توسيع القاعدة الإنتاجية، وما يرافقها من ارتفاع مستويات الدخل والادخار والاستثمار. كما ينعكس إيجابًا على الناتج المحلي الإجمالي.

ومع ذلك؛ فإن هذه الفرصة لا تتحقق بشكل تلقائي، بل تتطلب تبنّي سياسات متكاملة تركّز على الاستثمار في رأس المال البشري، من خلال مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، والارتقاء بمهارات الشباب عبر التوسُّع في التعليم المهني والتقني.

وفي هذا الإطار، تبرز أهمية إعادة النظر في النظام التعليمي التقليدي، من خلال تقليص سنوات التعليم النظري المطوّل، والتركيز على تنمية المهارات العلمية والتطبيقية. غير أن هذا التوجه يجب أن يقترن بتوسيع الفرص المتاحة في سوق العمل، واستيعاب الطاقات الشبابية بشكل فعّال. إذ إن عدم دمج هذه الفئة في الاقتصاد الوطني بالشكل بالأمثل قد يُحوّل العائد الديموغرافي من فرصة إلى عبء؛ نتيجةً لتفاقم معدلات البطالة وما يترتّب عليها من آثار اجتماعية واقتصادية وسياسية.

ويُضاف إلى ذلك التحدي المتمثل في العدد الكبير من الخريجين سنويًا؛ إذ تشير بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعام 2023 إلى تخرج نحو 30 ألف طالب وطالبة سنويًا من مؤسسات التعليم العالي، مما يفرض على الجهات المعنية توفير فرص عمل سنوية متوازنة قادرة على استيعاب هذا النمو المتزايد في العرض.

ولتحقيق أقصى استفادة من النافذة الديموغرافية، يمكن استلهام التجربة السويسرية الرائدة في التعليم المهني، والتي تُعد من أنجح النماذج عالميًا، يتجه نحو ثلثي الطلبة بعد التعليم الإلزامي إلى مسار التعليم والتدريب المهني، ضمن نظام «التعلم المزدوج»، الذي يجمع بين التدريب العملي في مواقع العمل ثلاثة إلى أربعة أيام أسبوعيًا، والتعليم النظري في المدارس المهنية. يبدأ الطلبة هذا المسار من عمر 15 عامًا، ويستكملونه عادة في سن 18 أو 19 عامًا، ويتقاضون خلال فترة التدريب راتبًا شهريًا من جهة العمل. وتتنوع البرامج المهنية في سويسرا لتشمل نحو 250 مهنة معترف بها رسميًا، مما يعزز من اندماج الطلبة المبكر في سوق العمل، ويزيد من فرص توظيفهم بعد التخرج. لذلك يعد التدريب المهني أحد عوامل النجاح الاقتصادي في سويسرا، إذ يسهم في إعداد قوة عاملة عالية الكفاءة، وقد انعكس ذلك في انخفاض معدل البطالة، الذي بلغ نحو 2.5% في عام 2021.

وعلى المستوى الوطني، تسعى سلطنة عمان من خلال «رؤية عمان 2040» إلى تعزيز المهارات العملية لدى الطلبة وربط التعليم بسوق العمل، من خلال برنامج «المسارات التعليمية»، الذي يتيح لطلبة ما بعد التعليم الأساسي اختيار المسار الأكاديمي أو المهني وفقًا لقدراتهم وميولهم. وقد التحق 187 طالبًا وطالبة بالتعليم المهني والتقني في المدارس خلال العام الدراسي 2023/2024، مع تطبيق مشروع BTEC في تخصصي إدارة الأعمال وتقنية المعلومات في أربع مدارس. وتتضمن الخطة المستقبلية للعام الدراسي 2024/2025 التوسع في البرنامج واستهداف 600 طالب وطالبة. أما على مستوى التعليم العالي، فلا يزال التعليم المهني يمثل نسبة محدودة من إجمالي الملتحقين، إذ بلغ عدد المقيدين في الكليات المهنية نحو 8 آلاف طالب وطالبة في عام 2023، أي ما يعادل 7% فقط من إجمالي الطلبة المقيدين في مؤسسات التعليم العالي. وتُظهر هذه النسبة الحاجة إلى تعزيز هذا النوع من التعليم وتوسيع نطاقه، بما يسهم في سد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، خاصة في ظل التوجه الوطني نحو تنمية القطاعات الإنتاجية والصناعية وتحقيق التنويع الاقتصادي.

تُعدّ النافذة الديموغرافية فرصة محدودة زمنيًا، تبدأ بزيادة أعداد الفئات العمرية الصغيرة في المرحلة الثانية، ثم بدخولها سوق العمل في المرحلة الثالثة، وتنتهي بوصول هذه الفئة إلى سن التقاعد (المرحلة الرابعة). وعند هذه المرحلة، يبدأ المجتمع بالتحوّل إلى مجتمع مُسن، ترتفع فيه نسبة كبار السن، مما يفرض تحديات اقتصادية واجتماعية تتطلب استعدادًا مبكرًا.

ووفقًا للإسقاطات السكانية 2025 - 2040 الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، من المتوقع أن ترتفع نسبة كبار السن (60 سنة فأكثر) إلى نحو 10% بحلول عام 2040، وهو ما يستدعي توسيع نطاق الخدمات الصحية والاجتماعية الموجهة لهم، وزيادة الإنفاق في منظومة الحماية الاجتماعية. ووفقًا للبيانات الصادرة عن صندوق الحماية الاجتماعية، بلغ عدد كبار السن المنتفعين من هذه المنظومة حتى أبريل 2025 نحو 173 ألف منتفع. ومن المتوقع أن يشهد حجم الإنفاق المخصص لهم ارتفاعًا مستمرًا خلال السنوات القادمة مع تزايد أعدادهم، الأمر الذي يسلّط الضوء على أهمية تعزيز التخطيط المالي لضمان استدامة هذه المنظومة في ظل التحولات الديموغرافية المتوقعة.

ومع تزايد أعداد كبار السن، سيرتفع عدد المتقاعدين؛ مما يشكّل ضغطًا متزايدًا على صندوق الحماية الاجتماعية. وتؤثر التحولات الديموغرافية بشكل مباشر على الاستدامة المالية لصناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية؛ إذ إن انخفاض معدلات الخصوبة والوفيات، وارتفاع متوسط العمر المتوقع، يؤدي إلى بروز ظاهرة الشيخوخة، أو ما يعرف بـ«الأزمة الديموغرافية»، والتي تتجلى في ارتفاع نسبة السكان ممن تجاوزت أعمارهم 60 عامًا مقابل انخفاض في عدد السكان في سنّ العمل؛ ويترتب على ذلك تراجع عدد المشتركين والمساهمين في الصندوق، مما يُهدد استدامة تمويل المعاشات مستقبلًا.

وفي هذا السياق، جاء قانون الحماية الاجتماعية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (2023/52) ليُرفع سنوات التقاعد إلى 30 سنة. كما أتاح القانون للوافدين الاشتراك اختياريًا في نظام التأمينات الاجتماعية، ولكن ينبغي النظر في جعله إلزاميًا لضمان مشاركتهم في تمويل الصندوق، لا سيما وأنهم من الفئات العمرية الشابة والنشطة، وإنفاقهم محدود نسبيًا، كما أن اشتراكهم الكامل قد يسهم في استقدام عائلاتهم، مما يزيد من الإنفاق المحلي ويقلل من التحويلات المالية إلى الخارج، ويعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. وهذا يستدعي مراجعة سياسات الاستقدام وقوانين العمل.

ورغم التحديات المرتبطة بالشيخوخة السكانية، لا ينبغي النظر إلى كبار السن فقط باعتبارهم اقتصاديًا فقط، بل هو فرصة استثمارية كامنة. فقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة Harvard Business Review أن متوسط عمر مؤسسي الشركات الناجحة يبلغ 45 عامًا، وأن رواد الأعمال في الخمسينيات من أعمارهم أكثر احتمالًا للنجاح، وذلك بفضل الخبرة المتراكمة والمهارات العميقة التي يمتلكونها. لذلك، من المهم تشجيع المتقاعدين على خوض مجال الأعمال من خلال برامج تدريبية وتمويلية متخصصة، لتحويلهم من متلقي المنافع إلى فاعلين ومساهمين في الاقتصاد الوطني.

وعليه، فإن استثمار العائد الديموغرافي لا يتحقق تلقائيًا، بل يتطلب تبني سياسات شاملة تُدمج التحولات السكانية في جوهر السياسات الاقتصادية والاجتماعية. فقد أكد ديفيد بلوم، أستاذ الاقتصاد والديموغرافيا بجامعة هارفارد في تقريره الصادر عن مؤسسة RAND بعنوان «العائد الديموغرافي: منظور جديد للعواقب الاقتصادية للتغير السكاني»، أن النافذة الديموغرافية لا تُفتح تلقائيًا، ولا تبقى مفتوحة إلى الأبد، بل تحتاج إلى سياسات ذكية لاستثمارها، وإلا فإنها ستُغلق تاركة خلفها فرصة ضائعة. وتشمل هذه السياسات: تحسين جودة التعليم وربطه بمتطلبات سوق العمل، تعزيز النظام الصحي وخصوصًا خدمات الأمومة والطفولة، تمكين المرأة وزيادة مشاركتها الاقتصادية، خلق بيئة عمل مرنة تُحفز الابتكار وريادة الأعمال، دعم الاستقرار الاقتصادي الكلي، وتطوير نظم الحوكمة ومحاربة الفساد. ومن خلال تنفيذ هذه السياسات بفعالية، يمكن تحويل هذه النافذة المؤقتة إلى قوة دافعة للنمو الاقتصادي المستدام، قبل أن تنغلق وتتحول إلى تحدٍ طويل الأمد.

مقالات مشابهة

  • لاعبو ورؤساء اتحادات الألعاب الرياضية في ضيافة منى الشاذلي الليلة
  • بدء العد التنازلي لانطلاق كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 من الرياض
  • بدء العد التنازلي لانطلاق كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 من الرياض.. الحدث الأضخم والأكثر تأثيرًا في عالم الألعاب الإلكترونية
  • انطلاق كأس العالم للرياضات الإلكترونية في الرياض.. 7 يوليو
  • التحولات الديموغرافية في سلطنة عمان .. فرصة للنمو أم تحدٍّ اقتصادي؟
  • Resident Evil Requiem.. ميزة جديدة تنتظر اللاعبين
  • «اقتصادية الشورى» تتدارس جاذبية بيئة الأعمال في سلطنة عمان
  • الصين تُقرّ قيوداً جديدة لمحاربة إدمان الألعاب الإلكترونية: ساعتان يومياً فقط للمراهقين
  • تحديث لعبة دريم ليج سوكر 2025.. تعليق عربي وانجليزي بآخر إصدار
  • "حرب العروش تعود بشكل جديد".. لعبة فيديو ملحمية من Game of Thrones تمنح اللاعبين زمام السيطرة على ويستروس