لجريدة عمان:
2025-06-11@01:32:14 GMT

المسرح واللغة

تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT

«إن العداء المتسلّط على اللغة العربية متجذّر فـي الثقافة الغربية. تجلت مخالبه واستشرت مخاطره أواخر القرن التاسع عشر مع عتّو الهجمة الاستعمارية التي استندت إلى خطاب كَيدي مخاتل تحت عباءة تمدين الشعوب البدائية، وقد اعتمد الكيد خطابا ناسفا لمقومات الانتماء اللغوي، ومن أعتى مكائده أنه انبرى فـي صورة الغيور على العرب والمتحمس لنهوضهم الحضاري، ومن أجل ذلك لم يدعهُم إلى ترك لغتهم والانخراط فـي اللغة الأجنبية، وإنما دعاهم إلى ترك العربية الفصحى وتبني العاميّة بإعلائها إلى منزلة اللغة الرسمية كي تصبح حاملة لأعباء المعرفة والعلم والتقدم».

بهذه الكلمات البليغة والرسالة الهادفة الواضحة التي كتبها الدكتور عبدالسلام المسّدي -أطال الله فـي عمره- نقول بكل هدوء، مرّ اليوم العالمي المخصص للاحتفال باللغة العربية فـي الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، مرور التابعين والباحثين عن الأمل والعمل. المتأمل والفاحص فـي كلمات المسدي يجده ربط النهوض العربي باللغة العربية، فهي بهذا المعنى تعني أن وجودنا فـي العالم ينطلق من وجود اللغة التي نتكلم بها، لا يقتصر كلامنا فـي الوقت الراهن بل يمتد إلى الماضي السحيق. فإذا اللغة هي بيتنا وثقافتنا وهُويتنا ومجال تقدمنا وخطابنا إلى العالم، فلماذا هانت علينا؟

والفاحص فـي الفقرة السابقة، يلاحظ أن حرب الغرب المتقدم بأسلحته وأمواله وخططه وبرامجه، الحرب الموجهة إلينا، ظاهرها تنويرنا وتعليمنا وتحديثنا، وباطنها إبادتنا ونسفنا وتأكيد عبوديتنا وإذلالنا. وإلا كيف نفهم مجريات الأحداث الكبيرة التي عصفت بالمنطقة العربية منذ ما سُمي بالربيع العربي؟ كيف نستطيع أن نفهم أن الإطاحة برئيس دولة ما، هو نصرةٌ للغتنا وهُويتنا؟ وفـي ظل حرب الإبادة الممتدة من طوفان الأقصى إلى اليوم فـي فلسطين وغزة وأكناف بيت المقدس وما حدث بعدها فـي الوطن العربي وما يجري مناقشته فـي وسائط التواصل الافتراضي من سيناريوهات تهاجم لغتنا وثقافتنا وجغرافـيتنا، كيف نستطيع أن نستبعد مفهوم المؤامرة ضدنا؟

مرّ يوم الثامن عشر من ديسمبر مرور العربي الذي باع نخلته، وطَمَر بئره، ورَهَن سيفه لدى المغول. مَر وكل شيء من حولنا يدعو إلى افتعال النسيان لا التذّكر، الاحتفال والذبح للضيف الغريب، لا للوقوف عند التأسي والحزن والخذلان. فهذه كلمات يُخطط لحذفها من معاجم اللغة العربية وقواميسها، كما خُطط لشطب ومحو قراها وبلدانها وشوارعها من الجغرافـيا!

مرّ يوم الثامن عشر من ديسمبر والأسئلة القديمة تتجدد صاعدة من كل فجّ عميق: ماذا يعني مناسبة الاحتفال باللغة العربية؟ ما العلاقة الجدلية بين المسرح واللغة؟ أي اللغات أفضل للعرض المسرحي، اللغة العربية أم اللهجات المحلية؟ هل اللهجة الدارجة لغة أصلية أم مجرد لهجة! هل الكتابة باللهجة المحلية فـي نص أدبي مكتوب باللغة العربية الفصحى عيب أنه مصدر انتماء وقوة للنص الأدبي؟ هل يعد نقصا تقديم عرض مسرحي بلهجة غارقة فـي المحلية أمام جمهور عربي؟ لماذا يُستعان بمعقبين لغتهم الرسمية الفرنسية للتعليق على عرض محلي خليجي لغة أهله الأساسية الإنجليزية بعد اللغة العربية؟ لماذا يتحدث المسؤولون فـي اجتماعاتهم باللغة الإنجليزية أو الأوردية، فـي حين يؤكدون فـي خطاباتهم الرسمية على إيلاء اللغة العربية الاهتمام الأول؟ لماذا يصرّ بعض المتنفذين (وهم من السياسيين التابعين) على إقصاء اللغة العربية من الأقسام العلمية وجعل اللغات الأجنبية هي لغة العلم والامتحان والمقابلة والتفوق؟

عندما احتل العدو؛ -وأعرّفه هنا حصريًا بذلك الذي يعتدي على أرض وشعب يهدف إلى استعباده وفرض وصايته عليه- الشعوب التي فـي معياره هي الأقل والأضعف والأشد جهلا، بهدف تنويرها وتعليمها مبادئ الانفتاح والحريّات المَدنية، دخل عليها عن طريق خلخلة شعورها بلغتها وثقتها بنفسها، وقلة تقديرها لأعرافها وتقاليدها. عُرف هذا النوع من الاحتلال الممنهج بالغزو الثقافـي، وتجلى أظهر مظاهر الغزو فـي انسلاخ الشعوب المحتَلَة من مكونها اللغوي أو اللهجي، وهذا من خصائص الجوانب السلبية للعولمة الثقافـيّة.

فـي سياق الدراما، فإن الدراما المصرية الأكثر انتشارا وتوسعا وتمددا فـي بلادنا العربية، يشكو بعض نقادها من تغلغل بعض المفردات الدخيلة عليهم والمنتشرة بين مجموعات من الشباب، وكذلك تشهد الدراما الخليجية من تلك الظواهر التي تتعامل مع مفردات الماضي كأنها مُتحف أو سجل لحفظ الألفاظ التاريخية، دون إعمال العقل فـيما يقف وراء هذا الانسياق.

لا شك يقف وراء تراجع الشعور بقوة اللغة العربية، وعدّها لغة صالحة للاحتفال فـي المناسبات، هم أهل اللغة أنفسهم ومعاجم لغتهم وقواميسهم ومدارسهم وجامعاتهم وإعلامهم. ينطلقون من أن اللغة العربية لا تصلح إلا للمتاحف، وأنها عصية على التعلّم ومن ثم الفهم. وهذه واحدة من مشكلات التعامل مع اللغة، حينما ينظر إليها أبناؤها على أنها لغة صعبة وقاسية ومتخلفة ورجعية، وأن الآخر لغته قوية ومهيمنة ومسيطرة وبها عذوبة وغيرها من صفات المديح.

فـي سياق التخلف الحاصل اليوم لتعلّم اللغة العربية، ومخرجات المعلمين لها، وواقع إنجازهم التعليمي المعاصر، فإن عدد الناطقين بها فـي العالم يزداد بنسب مرتفعة، ويبشر ذلك لدى الغيورين بالخير على اللغة، على نحو من الأنحاء. إذ يبلغ اليوم عدد المتكلمين باللغة العربية فـي العالم نحو النصف مليار، أو يزيد متكلما. فما الذي يدفع هؤلاء إلى تعلمها؟ على سبيل الشاهد، فـي المؤتمر الدولي الأول (توظيف التراث فـي الأدب العماني) الذي أقامته جامعة الشرقية فـي ولاية إبراء بمحافظة شمال الشرقية للفترة من 8-10 أكتوبر 2024م، تحدث الباحثون المشاركون من جمهورية الهند عن شغفهم باللغة العربية وضرورة معرفتها وتعلّم قواعدها لقراءة الأدب المكتوب بها، وكذلك أشار الباحث الأذربيجاني، إلى إعجابه باللغة العربية وقراءة الشعر والروايات والمسرحيات التي ساعدته على حبّ اللغة واكتساب مهارات التواصل. فلم يقل هؤلاء عنها إنها لغة مستعصية، أو تمنع التقدم الحضاري للعرب، بل رأوا فـيها جمالا أخاذا وانفتاحًا ومنطقًا. إنّه جمال فـي اللغة؛ حيث يراه أغلب من تعرضت بلاده ولغته وموسيقاه وأغانيه إلى الاحتلال من طرف عدو يريد الاستئثار بالنعم وحده.

فهل نظل نُعيد ونكرر مع (المخربين، والمُطبعين، والمستفـيدين) أن ما يهدد لغتنا العربية إنّها ليست لغة علمية، وليس لديها فقه تكنولوجي، وأن الغرب الاستعماري الذي يصفه عبدالسلام المسّدي، بالماكر والخبيث، ترمي خططه إلى تخريب لغتنا العربية بصمت داخلي كبير غير معلن. لا شك فـي أن الأخطار التي تُهدد لغتنا العربية اليوم كبيرة وشنيعة، ظاهرة وباطنة، خارجية وداخلية. وما الاحتفال بها فـي يومها إلا شكلٌ من أشكال محاولة إنعاش الجثة قبل أن تموت.

هناك سؤال مهم أيضًا: هل تهديد اللغة العربية طريق لتهديد مسرحنا وكتابتنا؟ هل تهدف الرقمنة إلى وضع مخطط يهدم مشاعرنا الذاتية الخالصة تجاه الكلمة العربية؟ هل سينجح مصطلح ما بعد الدراما فـي القضاء على عناصر تراتبية بنية الحكاية التقليدية؟ ماذا نقول عن السيل العارم من الكتابات ذات الهذيان والضياع وجحود العلاقات الاجتماعية لدى الأسرة الواحدة؟ ماذا نقرأ وراء اللاوعي الساكن فـي مسرحيات شخصوها مريضة وممزقة فـي عوالمها الداخلية، تعاني إرهاصات متراكمة من الأمراض القاتلة، وتذهب إلى عيادة الطب النفسي، ثم لا تجد حلا إلا فـي الانتحار؟ أسئلة كثيرة تُعاد وأخرى تتجدد والاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يمضي بنا إلى نفق مظلم جدا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: باللغة العربیة اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025

استقرت أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 في جميع البنوك العاملة بـ مصر، وذلك وفقاً لآخر تحديث للأسعار في بداية التعاملات الصباحية.

أسعار العملات العربية والأجنبية

وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها معرفة كل ما يخص أسعار العملات العربية والأجنبية وذلك ضمن خدمة مستمرة تقدمها لزوارها في مختلف المجالات ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنا.

أسعار العملات العربية والأجنبية سعر الدينار الكويتي

سجل سعر الدينار الكويتي في البنك المركزي المصري نحو 161.82 جنيه للشراء، 162.31 جنيه للبيع.

بلغ سعر الدينار الكويتي في البنك الأهلي المصري نحو 161.23 جنيه للشراء، 162.09 جنيه للبيع.

وصل سعر الدينار الكويتي في بنك مصر نحو 161.23 جنيه للشراء، 162.09 جنيه للبيع.

سعر الدرهم الإماراتي

بلغ سعر الدرهم الإماراتي في البنك المركزي المصري نحو 13.50 جنيه للشراء، و13.53 جنيه للبيع.

بلغ سعر الدرهم الإماراتي في البنك الأهلي المصري نحو 13.47 جنيه للشراء، و13.51 جنيه للبيع.

وصل سعر الدرهم الإماراتي في بنك مصر نحو 13.47 جنيه للشراء، و13.51 جنيه للبيع.

سعر الريال السعودي

سعر الريال السعودي اليوم في البنك المركزي نحو 13.25 جنيه للبيع، و13.22 جنيه للشراء.

سعر الريال السعودي اليوم في البنك الأهلي نحو 13.23 جنيه للبيع، و13.16 جنيه للشراء.

سعر الريال السعودي اليوم في بنك مصر نحو 13.23 جنيه للبيع، و13.16 جنيه للشراء.

العملات في البنك المركزي سعر الدولار

بلغ سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في البنك المركزي المصري نحو 49.58 جنيه للشراء و49.68 جنيه للبيع.

سجل سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في البنك الأهلي المصري نحو 49.59 جنيه للشراء، و49.69 جنيه للبيع.

وصل سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في بنك مصر نحو 49.59 جنيه للشراء و 49.69 جنيه للبيع.

سعر اليورو

سعر اليورو في البنك المركزي المصري، بلغ نحو 56.44 جنيه للشراء، و56.56 جنيه للبيع.

سعر اليورو في البنك الأهلي المصري، سجل نحو 56.32 جنيه، و56.79 جنيه للبيع.

سعر اليورو في بنك مصر، وصل نحو 56.32 جنيه للشراء، و 56.79 جنيه للبيع.

سعر الجنيه الاسترليني

سعر الجنيه الاسترليني في البنك المركزي المصري نحو 67.03 جنيه للشراء 67.18 جنيه للبيع

وبلغ سعر الجنيه الاسترليني في البنك الأهلي المصري نحو 66.96 جنيه للشراء و67.42 جنيه للبيع.

وبلغ سعر الجنيه الاسترليني ببنك مصر 66.96 جنيه للشراء و67.31 جنيه للبيع.

اقرأ أيضاًأسعار العملات العربية والأجنبية في مصر اليوم.. الثلاثاء 10-6-2025

أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الإثنين 2 يونيو 2025

أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الخميس 29 مايو 2025

مقالات مشابهة

  • الفخراني: الملك لير فرصة لتذوق العربية الفصحى وأجيال جديدة تستمتع بها
  • إليك المنتخبات العربية الآسيوية التي بلغت الملحق المؤهل لكأس العالم
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
  • أسعار صرف العملات العربية في البنك الأهلي المصري اليوم
  • أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025
  • دائرة التعليم والمعرفة بأبوظبي تلزم رياض الأطفال بـ 240 دقيقة أسبوعياً لتعليم اللغة العربية
  • أبوظبي تُلزم رياض الأطفال بتخصيص 240 دقيقة لتعليم اللغة العربية
  • إلزام رياض الأطفال بـ240 دقيقة أسبوعياً لتعليم اللغة العربية
  • الدويري: المقاومة بغزة تقود حرب استنزاف تختلف عن تلك التي قادتها الجيوش العربية
  • في ذكرى وفاته.. نجيب الريحاني "الضاحك الباكي" الذي غيّر وجه الكوميديا وبقيت بصمته خالدة