«الأعراس الجماعية».. المستقبل بلا أعباء
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
إيهاب الرفاعي (أبوظبي)
أطلقت الإمارات العديد من المبادرات المجتمعية، بهدف ترسيخ الاستقرار الأسري والعيش الكريم، وبما يحافظ على العادات والتقاليد الأصيلة، ودعم الشباب وتمكينهم ليكونوا عناصر فعالة في بناء المستقبل.
وتأتي الأعراس الجماعية في مقدمة المبادرات التي ساهمت في تخفيض تكاليف الزواج والدفع بأزواج المستقبل لبدء حياتهم خالية من أعباء الديون والتكاليف الباهظة للأعراس، ومن ثم تأسيس أسر إماراتية سعيدة ومستقرة.
وتمثل الأعراس الجماعية في منطقة القوع بمدينة العين نموذجاً فعالاً يعكس نجاح هذه المبادرات نظراً لما حققته من نتائج إيجابية ملموسة انعكست على جميع المشاركين في تلك الأعراس منذ انطلاقتها.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور هلال سعيد الدرعي، رئيس اللجنة المنظمة للأعراس الجماعية في منطقة القوع، أن الأعراس الجماعية حققت نجاحاً كبيراً، خلال السنوات الماضية منذ انطلاقها قبل 20 عاماً، وقد ظلت متواصلة طوال تلك السنوات، ونجحت في استقطاب أكثر من 800 شاب وفتاة من أبناء الدولة للمشاركة في الأعراس الجماعية، التي يتم تنظيمها في منطقة القوع وتلقى تجاوباً كبيراً ودعماً دائماً، من القيادة الرشيدة ومختلف القطاعات المجتمعية، حيث ساهمت تلك الأعراس في توفير 314 مليون درهم، على جميع العرسان المشاركين فيها.
وأوضح الدكتور هلال الدرعي أن تكلفة العرس الواحد لكل شاب نحو 300 ألف درهم، تتكفل بها اللجنة المنظمة، التي قمت بتأسيسها في منطقة القوع، بالتعاون مع مصرف أبوظبي الإسلامي، الداعم الرئيسي لهذه الأعراس، الذي يتكفل بتكاليف الأعراس كاملة بالتعاون مع دائرة تنمية المجتمع والشركاء الداعمين.
وأضاف الدرعي: إن الأعراس الجماعية ساهمت في تقليل تكاليف الزواج على العرسان الجدد، ووفرت لهم حياة كريمة من دون قيود أو ديون وخففت عليهم الأعباء المالية، وشجعت على حضورها من جميع الأهل بالمنطقة وخارجها، كما شجعت الشباب على الزواج المبكر، وأن يبدأ هؤلاء الشباب حياتهم الأسرية الجديدة، دون معاناة مثقلة بالديون.
قيم التواصل والتكافل
وبيّن الدرعي أن عدد العرسان الشباب في الأعراس الجماعية العشرين بلغ نحو 393 شاباً، تم من خلاها توفير نحو 117.9 مليون درهم تقريباً كتكلفة مباشرة على الشباب المشاركين في هذه الأعراس، كما كان مجموع الشابات المشاركات في هذه الأعراس 393 شابة، وعليه نستطيع تقدير التكلفة غير المباشرة التي توفرها الأعراس الجماعية على النساء بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، حيث يقدر عدد حضور عرس النساء بنحو 500 امرأة في المتوسط للعرس الواحد في منطقة القوع، فيما تبلغ التكلفة المتوسطة للمرأة لحضور عرس النساء الفردي نحو 1000 درهم تقريباً، تشمل تجهيزات وملابس وخلافه، وبالتالي وفرت هذه الأعراس الجماعية العشرون تكلفة غير مباشرة بنحو 196 مليون درهم تقريباً على النساء والمجتمع.
وأشار الدرعي إلى أن الأعراس الجماعية في منطقة القوع تتميز بالتنظيم الجيد، وهو ما يمثل مناسبة جيدة للشباب المقبل على الزواج، للمشاركة في هذه الأعراس التي تشهد إقبالاً كبيراً من الأسر والعائلات، خاصة في ظل نجاح اللجنة المنظمة للعرس في القيام بالترتيبات اللازمة بشكل متميز ومثالي، مما وفر الكثير على الشباب المشاركين في العرس الجماعي، حيث تكفلت اللجنة المنظمة بكل تلك الإجراءات نيابةً عن العرسان والعرائس.
وبيّن أن هذه الأعراس ساهمت في إعادة الوجه الحقيقي للمجتمع بكل بما فيه من قيم التآلف والتواصل والتكافل الاجتماعي والفرحة الواحدة التي يشارك فيها أبناء المنطقة، وما تحظى به الأعراس الجماعية من دعم واهتمام من القيادة الرشيدة، ما يؤكد نجاحها في تحقيق الأهداف المنشودة، وتخفيف أعباء وتكاليف الزواج، وبناء أسر سعيدة، بعيداً عن الديون والقروض البنكية، كما تحولت الأعراس الجماعية في الوقت الحالي إلى مناسبات اجتماعية مهمة تميز أبناء الوطن وتظهر قوة الترابط والتلاحم المجتمعي.
فكرة ناجحة وسديدة
وأشاد عدد كبير من المشاركين في تلك الأعراس بجهود الدولة، في دعم الأعراس الجماعية والتشجيع عليها، وأشار محمد سعيد حميد الدرعي (مشارك في العرس الجماعي خلال العام الجاري)، إلى أن المبادرة لها آثار إيجابية عديدة على الشباب، خاصة أنها تساهم في توفير الكثير من النفقات التي كان من الممكن أن تثقل كواهلهم وهم في بداية حياتهم، مما يوفر عليهم الكثير من النفقات، وبالتالي تشجيع الكثير من الشباب على الزواج المبكر.
وأكد ناصر سلطان حميد (أحد المشاركين في العرس الجماعي في عام 2018) أنه سعيد بمشاركته في العرس الجماعي الذي كان يزخر بالكثير من الأصدقاء والمعارف، وهو ما ضاعف من فرحة المشاركين، نظراً لوجود أعداد كبيرة من الأصدقاء والأقارب والأحبة في هذه الأعراس، مؤكداً أن الأعراس الجماعية لها دور كبير في تشجيع الشباب على الزواج وبناء أسرة متماسكة وقوية.
ورأى علي حمدان الدرعي (مشارك في العرس الجماعي عام 2005)، أن الأعراس الجماعية فكرة ناجحة وسديدة من القيادة الرشيدة التي تبنتها ودعت إليها وساهمت في التخفيف كثيراً عن الشباب، ودعا الراغبين في الزواج إلى المشاركة في تلك الأعراس لما لها من فوائد إيجابية عديدة.
ودعا خالد حمد ساعد (أحد المشاركين في العرس الجماعي)، الشباب للمشاركة في الأعراس الجماعية، نظراً لما لها من فوائد عديدة، أهمها دعم الشباب وتشجيعهم على الزواج المبكر والتخفيف عن كواهلهم من الأعباء المادية التي يمكن أن تؤثر عليهم خلال حياتهم.
مردود إيجابي كبير
وأشاد سيف خليفة الدرعي (مشارك بالعرس الجماعي عام 2012)، بجهود الدولة والقيادة الرشيدة في دعم تلك المبادرات وتشجيع الشباب على المشاركة في الأعراس الجماعية التي تساهم في تعزيز قيم التكافل والتعاون في مجتمعنا، نظراً للمشاركة الواسعة بين الأقارب والأصدقاء فيها، كما أنها تقلل تكاليف ونفقات الزواج، وتؤدي إلى ترشيد الصرف والبعد عن المغالاة والإسراف الذي يثقل كاهل الشباب في مقتبل حياتهم الزوجية. واعتبر علي حبيب، أن الأعراس الجماعية في الدولة تشهد نجاحاً كبيراً، بعد أن تغيرت نظرة الشباب إليها، وأصبح الجميع يحرص على المشاركة فيها كونها مشاركة مجتمعية تحرص عليها القيادة الرشيدة، وتدعمها وتحث الشباب عليها، كما أن لها مردوداً إيجابياً كبيراً على الشباب والمشاركين فيها، خاصة في ظل تزايد تكاليف الزواج وارتفاع الأسعار بشكل قد يثقل كواهل الشباب الراغبين في الزواج.
الأسرة الإماراتية محور التنمية الشاملة
أكدت الدكتورة منى المنصوري، المدير التنفيذي لمبادرة مديم في دائرة تنمية المجتمع - أبوظبي، أن الأعراس الجماعية ترسّخ قيم التكافل والتعاون التي تميز مجتمعنا الإماراتي، ولها دور كبير في تخفيف الأعباء المالية عن الشباب المقبلين على الزواج، مما يساعدهم على بدء حياتهم الزوجية بثقة واستقرار.
وقالت الدكتورة منى المنصوري: «تحرص دائرة تنمية المجتمع على تبني وتطوير المبادرات التي تدعم الاستقرار الاجتماعي، وتعزز الحفاظ على الموروث الإماراتي الأصيل، تحقيقاً لتطلعات القيادة الرشيدة التي تضع الأسرة الإماراتية محور التنمية الشاملة».
وأضافت: من هذا المنطلق، أطلقت خلال العام الجاري مبادرة «مديم» والتي تعد نموذجاً متكاملاً للزواج مستمداً من هويتنا الوطنية، ويدعم تأسيس الزواج على أسس متينة، تسهم في استدامته وفي تكوين أسر مستقرة تنعم بالسعادة، وتزويد الوالدين بمجموعة من الممكنات التي تعزز دورهم التربوي تجاه للأبناء.
وتابعت المنصوري: إن مبادرة «مديم» تتضمن نموذج مديم لأعراس النساء، الذي يحث المقبلات على الزواج على تبني الممارسات التي تضمن إقامة حفل زفاف قائم على الموروث، بما في ذلك إقامة أعراس جماعية خلال فترة العصر، وقد تم تنظيم العديد من الأعراس الجماعية والفردية عبر تطبيق نموذج «مديم».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الأعراس الجماعية الإمارات القوع الشباب فی الأعراس الجماعیة الأعراس الجماعیة فی فی العرس الجماعی القیادة الرشیدة اللجنة المنظمة تکالیف الزواج المشارکین فی الشباب على على الزواج على الشباب الکثیر من ساهمت فی
إقرأ أيضاً:
انتبهوا للإبادة الجماعية القادمة بعد غزة
الإبادة الجماعية في غزة ليست أمرًا غريبًا. إنها توضح شيئًا أساسيًا عن الطبيعة البشرية، وهو نذير مرعب للمكان الذي يتجه إليه العالم. يبعد معبر رفح الحدودي إلى غزة، حوالي 200 ميل عن مكاني الحالي في القاهرة.
ترقد في الرمال القاحلة لشمال سيناء بمصر نحو 2000 شاحنة، محملة بأكياس الطحين، وخزانات المياه، والطعام المعلّب، والإمدادات الطبية، والأغطية البلاستيكية، والوقود. تقف هذه الشاحنات خاملة تحت الشمس الحارقة.
على بعد أميال قليلة في غزة، يُذبح عشرات الرجال والنساء والأطفال يوميًا بالرصاص والقنابل، والغارات الصاروخية، وقذائف الدبابات، والأمراض المعدية، وذلك السلاح الأقدم في الحصار: المجاعة. واحد من كل خمسة أشخاص يواجه خطر المجاعة بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحصار الإسرائيلي على الغذاء والمساعدات الإنسانية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أطلق هجومًا جديدًا يقتل أكثر من 100 شخص يوميًا، أعلن أن لا شيء سيعيق هذه "الضربة النهائية" التي أطلق عليها اسم "عربات جدعون". وقال إنّه "لا يوجد أي سبيل" لوقف الحرب، حتى لو أُعيد الرهائن الإسرائيليون المتبقون. وأضاف: "إسرائيل تدمر المزيد والمزيد من المنازل" في غزة. والفلسطينيون "ليس لديهم مكان يعودون إليه".
إعلانوفي اجتماع مغلق تم تسريبه مع مشرعين، قال نتنياهو: "النتيجة الحتمية الوحيدة ستكون رغبة الغزيين في الهجرة خارج قطاع غزة. لكن مشكلتنا الرئيسية تكمن في إيجاد دول تقبلهم".
لقد تحوّل الشريط الحدودي البالغ طوله تسعة أميال بين مصر وغزة إلى خط فاصل بين الجنوب العالمي والشمال العالمي، خط يقسم بين عالم عنف صناعي وحشي، وصراع يائس يخوضه من تخلّت عنهم الأمم الأغنى.
يمثل هذا الخط نهاية عالم تُحترم فيه القوانين الإنسانية، والاتفاقيات التي تحمي المدنيين، وأبسط الحقوق الأساسية. لقد دخلنا كابوس هوبزي (نسبة إلى توماس هوبز)، حيث يسحق الأقوياء الضعفاء، ولا يُستبعد فيه أي فظاعة، حتى الإبادة الجماعية، حيث تعود العرقية البيضاء في الشمال العالمي إلى وحشية استعمارية منفلتة من كل قيد، تكرس قرونًا من النهب والاستغلال.
إننا نعود زاحفين إلى أصولنا، الأصول التي لم تغادرنا قط، بل اختبأت خلف وعود جوفاء عن الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. النازيون هم كبش الفداء المريح لتراثنا الأوروبي والأميركي المشترك من المجازر الجماعية، كما لو أن الإبادات الجماعية التي نفذناها في الأميركتين وأفريقيا والهند لم تحدث قط، مجرد هوامش غير مهمة في تاريخنا الجماعي.
في الواقع، الإبادة الجماعية هي عملة الهيمنة الغربية. بين عامي 1490 و1890، كانت الاستعمارية الأوروبية، بما في ذلك أعمال الإبادة الجماعية، مسؤولة عن مقتل ما يصل إلى 100 مليون من السكان الأصليين، وفقًا للمؤرخ ديفيد إي. ستانارد. ومنذ عام 1950، وقعت قرابة عشرين إبادة جماعية، بما في ذلك في بنغلاديش، وكمبوديا، ورواندا.
الإبادة الجماعية في غزة ليست استثناء، بل هي جزء من نمط متكرر. إنها نذير لإبادات جماعية قادمة، خاصة مع انهيار المناخ واضطرار مئات الملايين إلى الهرب من الجفاف والحرائق والفيضانات، وتراجع المحاصيل، وانهيار الدول والموت الجماعي.
إعلانإنها رسالة غارقة في الدماء منّا إلى بقية العالم: لدينا كل شيء، وإذا حاولتم أخذه منا، فسوف نقتلكم. غزة تدفن كذبة التقدم البشري، وتدحض الأسطورة القائلة إننا نتطور أخلاقيًا.
وحدها الأدوات تتغير. حيث كنا نضرب الضحايا حتى الموت، أو نمزقهم بالسيوف، نحن اليوم نُسقط قنابل تزن 2000 رطل على مخيمات اللاجئين، نرشّ العائلات بالرصاص من طائرات مسيّرة عسكرية، أو نسحقهم بقذائف الدبابات والمدفعية الثقيلة والصواريخ.
الاشتراكي في القرن التاسع عشر لويس أوغست بلانكي، على عكس معظم معاصريه، رفض الفكرة المحورية لدى هيغل وماركس بأن التاريخ البشري يسير في خط تصاعدي نحو المساواة والأخلاق الأعلى.
حذّر من أن هذه "الإيجابية الساذجة" تُستخدم من قبل الظالمين لسحق المظلومين. وقال بلانكي: "جميع فظائع المنتصر، وسلسلة هجماته الطويلة، تتحوّل ببرود إلى تطور دائم وحتمي، كما لو كان تطورًا طبيعيًا. لكن تسلسل الأمور البشريّة ليس حتميًا كالعالم الطبيعي. يمكن تغييره في أي لحظة".
وحذّر من أن التقدم العلمي والتكنولوجي، بدل أن يكون دليلًا على التقدم، يمكن أن يتحوّل إلى "سلاح رهيب في يد رأس المال ضد العمل والفكر".
وكتب: "الإنسانية لا تقف في مكانها أبدًا. إما أن تتقدم أو تتراجع. إذا تقدمت، تتجه نحو المساواة. وإذا تراجعت، فإنها تمرّ بكل مراحل الامتياز حتى تصل إلى العبودية، الكلمة الأخيرة في حق الملكية".
وأضاف: "لست من أولئك الذين يزعمون أن التقدم أمر مفروغ منه، أو أن البشرية لا يمكن أن تتراجع". يُعرف التاريخ الإنساني بفترات طويلة من الجفاف الثقافي والقمع الوحشي.
سقوط الإمبراطورية الرومانية أدّى إلى بؤس وقمع في أوروبا خلال العصور المظلمة، من القرن السادس إلى القرن الثالث عشر. ضاعت المعرفة التقنية، بما في ذلك كيفية بناء وصيانة القنوات المائية. قاد الفقر الثقافي والفكري إلى فقدان جماعي للذاكرة. طُمست أفكار العلماء والفنانين القدماء.
إعلانولم تبدأ النهضة إلا في القرن الرابع عشر، وكانت إلى حد كبير بفضل ازدهار الثقافة الإسلامية التي، عبر ترجمة أرسطو للغة العربية وسواها، حفظت حكمة الماضي من الزوال. كان بلانكي يعرف ارتدادات التاريخ المأساوية.
شارك في سلسلة من الانتفاضات الفرنسية، منها محاولة تمرد مسلح في مايو/ أيار 1839، وانتفاضة 1848، وكومونة باريس – الانتفاضة الاشتراكية التي سيطرت على العاصمة الفرنسية من 18 مارس/ آذار إلى 28 مايو/ أيار 1871.
حاول العمّال في مدن مثل مارسيليا وليون تنظيم كومونات مشابهة، لكنها فشلت قبل أن تُسحق كومونة باريس عسكريًا. نحن ندخل عصرًا مظلمًا جديدًا. لكن هذا العصر المظلم يستخدم أدوات العصر الحديث من مراقبة جماعية، وتعرّف على الوجوه، وذكاء اصطناعي، وطائرات بدون طيار، وشرطة مُعسكرة، وحرمان من الإجراءات القانونية، واعتداء على الحريات المدنية، ليفرض حكمًا تعسفيًا، وحروبًا لا تتوقف- ولا أمان- وفوضى، ورعبًا، وهي السمات المشتركة للعصور المظلمة. الثقة في خرافة "التقدم الإنساني" لإنقاذنا تعني الخضوع للقوة الاستبدادية.
وحدها المقاومة – من خلال الحشد الجماهيري، وتعطيل ممارسة السلطة، خاصة في وجه الإبادة الجماعية – قادرة على إنقاذنا. تطلق حملات القتل الجماعي الصفات الوحشية الكامنة في كل البشر. فالمجتمع المنظم، بقوانينه وآدابه وشرطته وسجونه وتنظيماته، هي أدوات قسرية تحاصر هذه الوحشية الكامنة.
لكن إذا أزيلت هذه العوائق، يصبح الإنسان- كما نرى مع الإسرائيليين في غزة- حيوانًا قاتلًا مفترسًا، يفرح بنشوة الدمار، حتى لو شمل النساء والأطفال. ليت هذا مجرد افتراض. لكنه ليس كذلك. هذا ما شهدته في كل حرب غطيتها. نادرون من يكونون بمنأى عنه.
الملك البلجيكي ليوبولد، في أواخر القرن التاسع عشر، احتل الكونغو باسم "التحضر" و"مكافحة العبودية"، لكنه نهب البلاد، متسببًا بموت نحو 10 ملايين كونغولي نتيجة الأمراض والمجاعة والقتل.
إعلانجوزيف كونراد التقط هذا التناقض بين ما نحن عليه وما نزعم أننا عليه، في روايته "قلب الظلام" وقصته "موقع للتقدم". في "موقع للتقدم"، يروي قصة تاجرين أوروبيين، كايرتس وكارلييه، أُرسلا إلى الكونغو. يدّعيان أنهما في أفريقيا لنشر الحضارة الأوروبية.
لكن الملل، والروتين الخانق، والأهم غياب أي ضوابط خارجية، يحوّلهما إلى وحوش. يتاجران بالعبيد مقابل العاج ويتشاجران على الطعام والمؤن القليلة. في النهاية، يقتل كايرتس رفيقه الأعزل كارلييه. كتب كونراد عن كايرتس وكارلييه: "كانا شخصين تافهين وعاجزين تمامًا، لا تستقيم حياتهما إلا بفضل التنظيم العالي لحشود المجتمعات المتحضرة.
قليلون من يدركون أن حياتهم، وجوهر شخصيتهم، وقدراتهم وجرأتهم، ليست سوى تعبير عن إيمانهم بأمان محيطهم. الشجاعة، والاتزان، والثقة؛ المشاعر والمبادئ؛ كل فكرة كبيرة أو تافهة لا تنتمي للفرد، بل للحشد: الحشد الذي يؤمن أعمى بقوة مؤسساته وأخلاقه، بسلطة شرطته ورأيه العام. لكن التماس مع الوحشية الصافية، والطبيعة البدائية والإنسان البدائي، يزرع اضطرابًا عميقًا ومفاجئًا في القلب.
فمع شعور المرء بأنه وحيد في نوعه، ومع إدراكه وحدة أفكاره ومشاعره، ومع نفي المألوف الذي يمنحه الأمان، يبرز حضور غير المعتاد -المجهول والخطير- باقتحام يربك الخيال ويختبر أعصاب المتحضّر، أكان ساذجًا أم حكيمًا".
لقد فجّرت الإبادة الجماعية في غزة كل الأقنعة التي نخدع بها أنفسنا ونحاول بها خداع الآخرين. تسخر من كل قيمة ندّعي التمسك بها، بما في ذلك حرية التعبير. إنها شهادة على نفاقنا وقسوتنا وعنصريتنا.
لا يمكننا، بعد تقديمنا مليارات الدولارات من الأسلحة، واضطهادنا من يعترضون على الإبادة الجماعية، أن نواصل إطلاق مزاعم أخلاقية يمكن أخذها على محمل الجد.
من الآن فصاعدًا، ستكون لغتنا هي لغة العنف، ولغة الإبادة، وعواء الوحشية في هذا العصر المظلم الجديد، عصر تجوب فيه الأرض قوة مطلقة، وطمع لا حدود له، وهمجية لا رادع لها.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline