لجريدة عمان:
2025-05-09@04:51:28 GMT

في عالم الأقوياء .. من يحب الضحايا؟!

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

على عكس ما يُتوقع من الشعر انحيازه للضحايا المهزومين والمستضعفين، عُرف عن الشاعر الألماني هانز ماغنوس إنتسنسبرغر شعرُه الذي يمقت أسلوب الضحية، وينتقد نقدًا لاذعًا طبيعتها الرخوة والمتخاذلة بدلًا من التعاطف التقليدي معها. لا تروق للشاعر عقيدة المظلومية التي يتذرَّع بها الضحايا المنتهَكون من قبل الذئاب وشتى أنواع القوى المفترسة، بل ينظر إلى عقيدتهم تلك باعتبارها عقدة استحقاق سلبية، لا يستحق أصحابها إلا الشفقة في أحسن الأحوال.

يخرج الشاعر عن الصوابية الأخلاقية المعمول بها في التعامل مع الضحايا عادةً، فيتهمهم بالجبن والكسل والتخلي عن المسؤولية. في قصيدته «دفاعا عن الذئاب في مواجهة الحملان» نقرأُ هذه السطور، بترجمة سمير جريس، على سبيل الهجاء الفاضح الذي يكيله الشاعر للمهزومين الضحايا، أفرادًا كانوا أم جماعات، أولئك الذين روضوا عقليتهم على قبول دور الضحية المسكينة دون أدنى مقاومة، مكتفين بمعاتبة الذئاب وتوسلها:

«انظروا في المرآة: جبناء أنتم،

تتهربون من أعباء الحقيقة،

تنفرون من التعلم،

تلقون بمسؤولية التفكير على عاتق الذئاب،

أي حيلة تنطلي عليكم، وتقبلون...

كل عزاء رخيص، وكل ابتزاز لكم

هو أقل مما يجب».

مهما بدا متطرفًا بعض الشيء، إلا أن موقف إنتسنسبرغر النقدي الجريء من الضحايا في قصيدته يلائم حالتنا العربية الجديدة وبقوة، حيث تتفشى ثقافة الهزيمة أكثر من أي وقت مضى تمهيدًا للخروج من حقبة الهزيمة للدخول، طوعًا أو كراهية، في عصر الاستسلام المطلق، فالتنظير للاستسلام والترويج له بوصفه حلًا نهائيًّا للمأساة بات خطابًا مألوفًا ومقبولًا، وربما مُقنعًا بالنسبة لشريحة لا يستهان بها من العرب!

عفوًا، لكن المشكلة ليست في الهزيمة بحد ذاتها، فالشعوب قد تنتصر أو تُهزم في الحروب، وهذا ديدن الصراع الأزلي عبر التاريخ. المشكلة هي الاستسلام؛ أي تحويل الهزيمة العسكرية على الأرض إلى واقع سياسي، ولاحقًا ومع الوقت إلى واقع ثقافي جديد يعيد تعريف الهوية وحدود الوطن بناءً على اتفاقية استسلام يُوقعها الطرف المهزوم بانحناءٍ تحت راية الجنرال المنتصر.

لنذهب إلى مثالين متقابلين من التاريخ المعاصر (مع التحفظ على الاختلافات الجوهرية والظرفية بينهما): 1. مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى إثر قيامة هيروشيما وناجازاكي، وقَّع ممثلو الإمبراطور صك استسلام اليابان المذل على سطح سفينة حربية أمريكية كانت ترسو في خليج طوكيو.2. بينما اعترفت مصر الناصرية بهزيمتها المريعة عام 1967، رفض الشعب والجيش تحويل الهزيمة إلى استسلام (تطبيع). حشدت مصر جماهيرها في شوارع القاهرة لتعيد الرجل المهزوم إلى منصبه، الرجل الذي سيرد على الهزيمة بمقولته الشهيرة: «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة». وخلال أشهر وجيزة كانت مصر قد أعادت ترميم جيشها لتبدأ حرب استنزاف شرسة مع العدو، المجهود الحربي المتراكم الذي سيقود في عهد السادات إلى ملحمة أكتوبر عام 1973.

غير أن المفارقة التاريخية التي ينبهنا إليها المؤرخ المصري خالد فهمي هي ذهاب مصر الساداتية، بعد خمس سنوات من ذلك «الانتصار النسبي» المفترض، إلى استسلامها بحجة «السلام» في كامب ديفيد عام 1978؛ أي أن مصر لم تستسلم إلا بعد خمسة عشر عامًا من الهزيمة. المفارقة المصرية بين عهدين (عمليًّا بين رجُلين) مثال كاشف على أنْ ليس كل مهزوم ضحية بالضرورة، وهو ما يعبر عنه اليوم تعبيرًا حيًّا المجتمع المقاوم في غزة وفي جنوب لبنان. فالمهزوم ليس ضحيةً ما دام يقاوم، هذه حقيقة بديهية من الواجب تكرارها مرةً تلو المرة وسط هذا المناخ من الهزيمة العامة، حتى لو بدت قولًا متنطعًا أو مجرد مكابرة رومانسية بالنسبة لجمهور من الضحايا الانهزاميين المفتونين سرًا بقوة «الذئاب». وهنا تصبح قصيدة إنتسنسبرغر مناسَبة للتوقف أمام التساؤل المحرج حول ما إذا كانت الشخصية العربية المهزومة ظلت في العمق «تستغل» موقعها ضحيةً لتبرير هزائم الماضي والحاضر؟! الإجابة عن هذا السؤال تتطلب بحثًا نفسيًّا يفسر فداحة الآثار التي تخلفها الهزيمة في الطبقات العميقة لذاكرة الشعوب وكيف يتحول الانهزام إلى سمة وسلوك.

لكن إعجاب الضحية بنفسها لكونها ضحية علامةُ استفهام كبرى، إعجاب لا ينم في رأيي إلا عن إدمانٍ «مازوخي» جماعيّ متلذذ بهذا الدور، يغذيه الاعتقاد الواهم بأن العالم يحبنا لأننا ضحايا. وهم ثقافي وسياسي يحجب عنَّا رؤية أنفسنا من الخارج بعيون الآخرين. فمن يصدق بعد اليوم، وعلى وقع استمرار الإبادة في غزة، أن الملايين حول العالم يحبوننا لكوننا ضحايا؟ هل تصدقون بأن رافعي لافتات وقف إطلاق النار في غزة يحبوننا لأننا ضحايا؟ حتى جان جينيه الذي عاش أجمل سنواته «أسيرًا عاشقًا» بين الفدائيين الفلسطينيين الملثمين بدأ يفقد افتتانه بهم بعدما تلاشت ثورتهم وتحول الثوار إلى شعراء أطلال.

الحقيقة أن العالم الذي يعبر إنتسنسبرغر بلسانه هو عالم الأقوياء الذي لا يلمس في داخله استعدادًا حقيقيًّا للتعاطف مع ضحية اختارت، عن جبنٍ أو كسل أو غباء، أن تخضع لشروط جلاديها، وأن تبادر لتقليم أظافرها كي تبدو طيبةً إلى أبعد الحدود، ومسالمة تحت رحمة القوى المفترسة:

«أعلى النسر أن يفترس الزهور؟

أو تطلبون من ابن آوى أن يسلخ نفسه؟

أعلى الذئب أن يخلع أسنانه بنفسه؟».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عشرات الضحايا بقصف إسرائيلي على مدرسة تؤوي نازحين

غزة، القاهرة، الدوحة (الاتحاد)

أخبار ذات صلة الاتحاد الأوروبي: الوضع الإنساني في غزة لا يمكن تحمله فلسطين تطالب بتحرك دولي إزاء دعوات لقصف مخازن الغذاء بغزة

قتل 20 فلسطينياً وأصيب العشرات، أمس، في مجزرة جديدة ارتكبها الجيش الإسرائيلي باستهدافه مدرسة تؤوي نازحين في مخيم البريج وسط قطاع غزة.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» أن «22 فلسطينياً على الأقل استشهدوا وأصيب عشرات آخرون، بينهم نساء وأطفال في غارة شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على مدرسة (أبو هميسة) شرق مخيم البريج، ونقلوا إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح ومستشفى العودة في النصيرات».
وأوضحت الوكالة أن من بين الضحايا 7 أطفال، لافتة إلى أن أجساد الضحايا تطايرت فوق مباني المدرسة من شدة القصف، مشيرةً إلى أن عدداً من الضحايا والجرحى تحت الأنقاض وتحاول طواقم الإسعاف والإنقاذ انتشالهم.
وأعلنت السلطات الصحية في غزة، أمس، مقتل 48 فلسطينياً وإصابة 142 آخرين بمختلف محافظات القطاع نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر.
 وقالت السلطات، في بيان صحفي، إنه «وصل إلى مستشفيات القطاع 48 شهيداً و142 مصاباً بسبب عدوان الاحتلال المستمر على غزة خلال الـ 24 ساعة الماضية».
وأشارت إلى أنه ما زال هناك ضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم. وذكرت أنه بذلك ترتفع الحصيلة الإجمالية للضحايا منذ استئناف العدوان في 18 مارس الماضي إلى 2507 قتيلاً و6711 مصاباً.
وأضافت أن الحصيلة الإجمالية للعدوان ترتفع بذلك أيضاً منذ السابع من أكتوبر عام 2023 إلى 52615 قتيلاً و118752 إصابة. ويعتزم الجيش الإسرائيلي توسيع حربه ضد الفلسطينيين في منطقة رفح، وفق بيان صدر عنه، أمس.
 وقال الجيش: «بعد استكمال تطويق رفح قبل أسابيع عدة، لا تزال قوات الجيش تواصل نشاطها في المنطقة، ومن المتوقع أن تتوسع رقعته لتشمل عدة مواقع وأحياء إضافية».
وقال إنه «حتى الآن، تمكنت قوات مجموعة الجنود التابعة للواء 188 بقيادة الفرقة 36، من رصد وتدمير عشرات الوسائل القتالية والبنى التحتية المعادية، ومن تصفية عشرات المسلحين في رفح».
سياسياً، أعلن متحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، أمس، أن جهود الوساطة بشأن وقف إطلاق النار بقطاع غزة بين حركة حماس وإسرائيل مستمرة رغم صعوبة الموقف.
ولم يقدم الأنصاري، خلال مؤتمر صحفي، تفاصيل بشأن جهود الوساطة التي تحدث عنها، لكنه أوضح أن «وساطة قطر ومصر والولايات المتحدة تركز على إنهاء الحرب الكارثية في غزة».
ولفت إلى أن «جهود الوساطة السابقة أفضت لإطلاق سراح أعداد من الرهائن الإسرائيليين أكبر مما تم عبر العمل العسكري الذي تشنه تل أبيب على قطاع غزة».
ورقة ضغط
رفض متحدث «الخارجية» استخدام المساعدات الإنسانية في غزة ورقة ضغط أو تفاوض، مؤكداً أنه «يجب وقف سياسة إسرائيل في استخدام المساعدات لغزة سلاحاً»، داعياً إلى «ضغط دولي لإيجاد حلول لإدخال المساعدات إلى القطاع».
وقال: «جهودنا مستمرة على الرغم من صعوبة الموقف وعلى الرغم من الوضع الإنساني الكارثي المستمر في قطاع غزة، هناك صعوبة كبيرة جداً في إطار هذه المفاوضات، ولكن هناك اتصالات دائمة بين قطر والأطراف المعنية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية ومع ستيف ويتكوف تحديداً».
وأكد مسؤول في «حماس» أمس، أنه «لا معنى لأي مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا معنى للتعامل مع أي مقترحات جديدة لوقف إطلاق النار، في ظل حرب التجويع وحرب الإبادة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة».

مقالات مشابهة

  • شفيونتيك تستعرض بعد «الهزيمة المحبطة»!
  • 13 ضحية في حادث مرور خطير بولاية جيجل
  • البرلمان الأوروبي يقر تعديلات تتيح إعدام الذئاب
  • أوديجارد: على أرسنال التماسك بعد الهزيمة المؤلمة أمام باريس سان جيرمان
  • اليمن يجبر ترامب على إعلان الهزيمة .. واليمنيون على موعد مع الفتح المقدس
  • فيديو – عائلات تنتشل جثث الضحايا بعد قصف إسرائيلي على سوق في غزة
  • عشرات الضحايا بقصف إسرائيلي على مدرسة تؤوي نازحين
  • ارتفاع حصيلة الغارات الإسرائيلية على صنعاء ومصدر يكشف عدد الضحايا
  • اليمن.. الكشف عن حصيلة الضحايا جراء القصف الإسرائيلي الأخير
  • الطفل حسن عياد الذي أنشد لصمود غزة واستشهد كما غنى