هل نجحنا في نهج اللامركزية؟
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
يحظى نهج اللامركزية (Decentralization) باهتمام واسع على مستوى الحكومات والأفراد فهو يعمل على نقل سلطة اتخاذ القرار من كيان واحد إلى كيانات متعددة لها نفس القدر من الصلاحيات والاستقلال دون الرجوع إلى السلطة المركزية. واللامركزية يظهر تطبيقها على مستوى إدارة شؤون الدولة - كما هو الحال - فـي النظام الفـيدرالي المتمثل فـي احتفاظ السلطة المركزية بصلاحيات محددة منها الشؤون الخارجية والدفاع ومنح الجنسية والهجرة.
على الصعيد الوطني، فإن نهج اللامركزية أخذ أشكالا مختلفة. البداية كانت فـي نظام الإدارة المحلية بالولايات حيث إن لكل ولاية «واليا» يكون مسؤولا عن شؤونها العامة ويعمل حلقة وصل بينها وبين الجهات الحكومية. دور الوالي فـي الغالب تنسيقيا ويملك صلاحيات محددة فـي اتخاذ القرار، ولكن تقل تلك الصلاحيات فـي الجوانب الاقتصادية والمالية. فهو يقوم بتوصيل القرارات التي تتخذها الوزارات والوحدات الحكومية وذلك بإخطار مجتمع الولاية بفحوى تلك القرارات. ظهر نهج اللامركزية فـي نظام الإدارة المحلية فـي شكل الصلاحيات الممنوحة للجان المحلية، التي كانت تحت رئاسة الولاة حيث مارست هذه اللجان صلاحيات واسعة فـي البحث والتقصي ومتابعة شؤون المواطنين الذين لديهم ادعاءات تخص الأراضي بناء على «الصكوك أو الرسائل القديمة» التي بها تواقيع الشهود كإثبات لذلك التملك. حيث ظلت «اللجان المحلية» مدة طويلة من الزمن تمارس صلاحيات تملك الأراضي فـي النطاق الجغرافـي لكل ولاية. ولكن بعدما ظهر بأن ذلك النهج من اللامركزية فـي منح الصلاحيات، أخذت تمارس بطرق غير سليمة، وجب تدخل الدولة فتم إلغاؤها، حيث أسندت مهمة الفحص والتدقيق فـي ادعاءات التملك للأراضي والمزارع وغيرها من الممتلكات للدوائر المختصة بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني. وبالتالي، القول بأن بعضا من نهج اللامركزية قد تتم ممارستها خلافا للتطلعات المتعقلة بتحقيق الصالح العام للمواطنين وبالتالي، يكون تقييد ذلك النهج أفضل من التوسع فـيه. بعد ذلك تطورت اللامركزية إلى مستوى آخر بإنشاء «المجالس البلدية» لتغطي جميع المحافظات. تلك المجالس أيضا لم تكن تتمتع بالصلاحيات اللازمة التي تمكنها من ممارسة أعمالها فكانت غير مستقلة فـي اتخاذ قراراتها لمدة طويلة من الزمن.
إلا أن المجالس البلدية تم تطويرها، بإصدار نظام المحافظات ليعمل على تفعيل اللامركزية حيث إن هذا النهج يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية فـي الإدارة المحلية ومن المتوقع توسيع نطاق الصلاحيات التنفـيذية للمحافظات لتتمكن من إدارة مشاريعها وخططها التطويرية والاستراتيجية بسهولة ومرونة أكثر دون الحاجة للرجوع للسلطات المركزية. كما أن ذلك يساعدها فـي اكتشاف المقومات الاقتصادية والاستثمارية التي تتمتع بها كل محافظة عندما تكون لديها سلطة اتخاذ القرارات لتعمل تلك السلطة على تسهيل إجراءات الاستثمار وسهولة استقطاب المشاريع الوطنية. إصدار نظام المحافظات أعطى عددا من الصلاحيات للمحافظين لم تكن موجودة سابقا، مع الاستقلال المالي والإداري للمحافظات. بيد أن ذلك الاستقلال وإن كان يأتي ضمن اللامركزية فـي سلطة اتخاذ القرار، إلا أن الوزارات المركزية لا زالت تمارس صلاحيات الموافقة والاعتماد بما تنتهي له أعمال المجالس البلدية أو المحافظين. ولهذا فإن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - وأثناء زيارته لمحافظة مسندم أوضح بأن هناك توجها لمنح مزيد من الصلاحيات للمحافظين والمحافظات ليكون دعما إضافـيا لتكريس نهج اللامركزية فـي الجوانب المتعلقة بالمحافظات لتؤدي أعمالها بكفاءة عالية خدمة للاقتصاد الوطني.
وللمقارنة فإن نظام الأحوال المدنية الذي تديره شرطة عمان السلطانية يعتبر من النماذج المتميزة فـي تطبيق اللامركزية التدريجية فـي إنجاز المعاملات بحيث تحولت من الإدارة المركزية لتكون منتشرة فـي جميع المحافظات وأيضا الولايات ذات الكثافة السكانية العالية ولعل نهج اللامركزية فـي الخدمات التي تقدمها شرطة عمان السلطانية والنجاح الذي وصلت إليه سببه رغبة القيادات العليا بجهاز الشرطة وأيضا توفر الإمكانات المالية والبشرية الداعمة لذلك التوجه. كما أن قرار منح صلاحيات الفحص الفني لبعض أنواع السيارات لتكون فـي المؤسسات الخاصة يعتبر أعلى درجات اللامركزية فـي منح الصلاحيات من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص. وبالتالي، نهج اللامركزية الذي مارسته شرطة عمان السلطانية فـي توسيع دائرة سلطة اتخاذ القرار فـي الخدمات التي تقدم للمواطنين، قد يكون أكثر نجاحا عنه، من نهج الإدارة المحلية قبل إصدار نظام المحافظات.
أيضا، تمثل الهياكل التنظيمية للوزارات والوحدات الحكومية فـي شكلها الحالي نهج المركزية. حيث إن هناك تسلسلا فـي سلطة اتخاذ القرارات من السلطة الأعلى - وزير، وكيل، رئيس تنفـيذي - إلى المستويات التالية بحيث تأخذ تلك المستويات التنفـيذية الشكل الهرمي وفـي حال وجود خلل فـي مستوى معين فإنه يؤثر على سرعة البت فـي القرارات. هذا النمط من الهياكل الهرمية يستخدم فـي المنظمات الحكومية والمؤسسات التي بها أعداد كبيرة من الموظفـين وتكون عملياتها التشغيلية واسعة، وبالتالي، اتباع الهيكل الهرمي يكون أكثر قدرة على الرقابة على العمليات كما يفتح فرصا أكبر للتعيين والترقي الوظيفـي لأن السلم الوظيفـي متعدد المستويات. إلا أن الهيكل الهرمي فـي الغالب يُعاب عليه كثرة البيروقراطية فـي اتخاذ القرارات وبالتالي، فـي حال وجود عرقلة فـي مسار تنفـيذ المشاريع فـي مستوى معين فإنه يؤثر على سير العمليات؛ لأن سلطة اتخاذ القرارات تنتقل من المستوى الأعلى إلى المستوى الأدنى. كما يغلب على الهيكل الهرمي مقاومة التغيير مع ضعف التطوير المستمر، وبالتالي، قابلته لتطبيق نهج اللامركزية ممكنة ولكنها ليست سهلة.
فـي الجانب الآخر فإن هناك الهيكل التنظيمي - المسطح - والذي تقل فـيه المستويات التنظيمية وبالتالي، تكون العلاقة بين سلطة اتخاذ القرار والمستويات التنفـيذية قريبة وتشاركية. حيث يغلب تطبيق هذا النوع فـي المؤسسات الصغيرة التي بها عدد قليل من الموظفـين وبالتالي، الهيكل التنظيمي المسطح تسهل فـيه عملية تطبيق اللامركزية فـي العمليات والصلاحيات التنفـيذية حيث إنه مرن ويتكيف مع الواقع بشكل أكثر رشاقة. كما يمثل التعديل الذي أجراه جهاز الضرائب على هيكله التنظيمي قريبا، بإلغاء بعض المستويات ومنها منصب - نائب الرئيس - هدفه محاولة التوجه قليلا للهيكل التنظيمي المسطح وذلك بتوسيع سلطة اتخاذ القرار من المستوى الأعلى إلى المستويات التنفـيذية وهي المديريات العامة، الأمر الذي يؤدي إلى تفعيل قنوات التواصل ومنح تفويضا أكبر فـي الصلاحيات مع مرونة تقبل التغيير والتطوير المستمر.
يمكن القول بأن هناك تدرجا فـي تطبيق نهج اللامركزية على الصعيد الوطني يحاول التكيف مع مستجدات التغيير التي تتسم بالسرعة والديناميكية والتي تتطلب أن يكون للامركزية تأثيرا واضحا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وهذه مشاهد فـي النقلة النوعية الناجحة التي أحدثها تجربة اللامركزية بعد إصدار نظام المحافظات، والقادم قد يفضي إلى مزيد من التطور والتحديث فـي نهج اللامركزية - بإذن الله تعالى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإدارة المحلیة اتخاذ القرارات اللامرکزیة فـی نظام المحافظات
إقرأ أيضاً:
شرطة دبي.. تجربة رائدة في توظيف البيانات لتعزيز الجاهزية
دبي: «الخليج»
شاركت القيادة العامة لشرطة دبي في قمة ابتكار البيانات 2025، التي انطلقت أعمالها في العاصمة السويدية استوكهولم، الأربعاء الماضي، وأكد اللواء خالد ناصر الرزوقي، مدير الإدارة العامة للذكاء الاصطناعي، أن هذه المشاركة تمثل امتداداً لنهج ترسيخ الريادة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
أشار خالد الرزوقي إلى أن ما تم تقديمه في القمة يعكس مستوى النضج المؤسسي الذي وصلت إليه القيادة العامة لشرطة دبي في توظيف البيانات لتعزيز صناعة القرار، ورفع الكفاءة التشغيلية، وتعزيز الجاهزية الأمنية.
وأوضح أن المشاركة في محافل عالمية مثل قمة الابتكار في البيانات، ترسيخ مكانتنا كمنظومة أمنية رائدة عالمياً في تبني الحلول الذكية.
وقدّم النقيب محمد صلاح نقي، رئيس قسم تحليل البيانات، عرضاً بعنوان «من البناء إلى التمكين» استعرض خلاله تجربة شرطة دبي في تطوير نموذج عمل هجين قائم على البيانات، يعزز مرونة اتخاذ القرار ويقلل التكاليف التشغيلية ويقود إلى تحول مؤسسي شامل.
وأوضح أن النموذج التحليلي الذي تتبناه شرطة دبي أسهم في تمكين الإدارات من تطوير لوحات تحكم تحليلية داخلية، ما عزز استقلاليتها في تحليل البيانات وتوظيفها في اتخاذ القرار، وقلل الاعتماد على الخدمات الخارجية، وأسهم في تحسين كفاءة الأداء المؤسسي وتحقيق وفر مالي ملحوظ.
وأشار النقيب نقي، إلى أن النموذج الجديد لم يقتصر على الجانب التقني؛ بل شمل أيضاً تعزيز الحوكمة المؤسسية الموحدة وتطبيق أفضل الممارسات في إدارة جودة المخرجات التحليلية، ما أسهم في توحيد الرؤية التشغيلية بين الإدارات المختلفة ورفع كفاءة العمليات، كما ساعد على ترسيخ ثقافة اتخاذ القرار المبني على البيانات عبر مختلف المستويات الإدارية، وأسهم في تحقيق أهداف النمو الاستراتيجي بنسبة 10% ضمن مؤشرات أداء واقعية وقابلة للقياس.
واختتم عرضه بالتأكيد على أن هذا النموذج أصبح ركيزة أساسية في دعم استراتيجية التحول الرقمي، حيث وفر للقيادات الأمنية إمكانية الوصول إلى تحليلات دقيقة وشفافة وذكية، ما عزز مستوى الجاهزية الأمنية، ورفع نضج المؤسسة في استخدام التقنيات المتقدمة، ودعم استشراف المستقبل الأمني القائم على الذكاء والبيانات.