لجريدة عمان:
2025-06-04@18:08:03 GMT

دورُ إيران الإقليمي على المحك

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

ليس يُـعْـلَم، على وجـه الدّقّـة والوضوح، لماذا حصلت تلك الانـكـفاءةُ السّياسيّـة والعسكريّـة الإيرانيّـة في سوريـة خلال الأسبوع الأوّل من ديسمـبر 2024؛ وهي التي أفضت إلى انسحاب الجيش من مواجهة هجـوم الفصائـل المسلّحـة وسقوطِ نظام بشّـار الأسد من تلقـاء نفسـه. قد يكون صحيحاً ما ساقـته مصادر إيرانـيّـة من تبريرٍ لإحجام طهران عن ذلك مفادُه أنّ إيـران لا تملك أن تقاتـل في سورية فيما جيشُ الأخيرة مستـنـكـفٌ عن القـتال؛ وقد يكون صحيحاً ما قاله وزيـر خارجيّـة إيران في شأن عـدم تجاوُب الرّئيس السّـوريّ مع «نصائـح» طهران بضرورة الحـوار مع تركيا وحلفائها لإنتاج حـلٍّ سياسيّ للأزمـة، وأثـرِ ذلك في دفع إيران إلى سحب قـوّاتها ومستشاريها من سورية، لكنّ التّبـريـريْن معاً يبـدوان وكأنّهما تبريران متفاهَـمٌ عليهما، بشكلٍ غيـرِ معلَـن، بين إيـران وروسيا - التي ردّدتهما هي الأخرى - وذلك لتعزيز الرّواية عن دواعي تَـخلّي الدّولـتين عن حليفهـما السّـوريّ.

ولـقد يمـرّ وقـتٌ طـويلٌ - ربّـما - قـبل أن يجيب القادمُ من الزّمـن عن استـفـهـاماتٍ عـدّة رسمتها أحـداثُ الأحد عشر يوماً قـبل سقوط دمشق ومواقـفُ حليـفيْ سورية المُـنكـفـئـيْـن عن ساحتها، على حيـن غِـرّة، خاصّـةً إيـران.

للسّؤال عن مـوقـف إيـران، بالـذّات، ما يبـرِّره ويفْـرض العنايةَ به: لا فـقط من باب تـفسير ما جرى قبل أسابيع في واحـدةٍ من أهـمّ ساحات نفوذ إيران السّياسيّ والعسكريّ، بـل من زاويـة مُتَـرَتَّـباتـه وعـقـابيله على مستـقـبل أدوار إيران في الإقـليم والهوامشِ الشّحيحـة التي تَـبَقّـت لتلك الأدوار ولِما كان لها من النّـفوذ. ولا مِـرْية في أنّ أهـمّ ما يبـرِّر السّـؤال عن انسحاب إيران من عمليّـة دعـم النّظام السّـوريّ، في الهـزيع الأخير من حكمـه، أنّـها وحدها من دون سائـر القـوى الفاعلة في المسرح السّـوريّ - منـذ ابتـداء الأزمـة في العام 2011 - من خَـرج من الحرب خاويَ الـوِفاض وعاد من سورية بـخُـفّـيْ حُنـيْـن من غيـر أن تستحـصل شيئاً ممّـا أنـفـقـتْـهُ في البـلاد منذ عشرة أعـوام معطوفاً على ما فـقـدتْـهُ من آلاف الجنود والمستـشارين العسكريّـيـن، عـدا عن هـيبـتها كـدولةٍ إقـليميّـة ذات شـأن.

أخذ كـلُّ طرفٍ من الأطراف السّـتّة الآخرين حصّـةً من سورية بعد أن سقطت بين أيـدي خمسةٍ منهم ظافـرين. أخذ الأتراك قسماً من شمال سورية كانوا قـد احتـلّوه سلفاً بالقـوّة العسكريّـة، وهم يتـطلّعون إلى ابتـلاع حلب وربّما غيرها من مـدن الشّمال والوسط، فضـلاً عن كونهم ضمِنوا قيام سلطةٍ جديدة تابعة لهم وربّما مؤتمِـرة بأوامرهم لهم على قواها (الفصائـل المسلّـحة) اليد البيضاء. وما من شـكٍّ في أنّ المأخوذَ هـذا (من الأرض أو من السّلطان السّياسيّ) سيكون له كـبيرُ أثـرٍ في تعظيم النّـفوذ الإقـليميّ لتركيا الذي أُصيب بخيبة من مآلات «الرّبيع العربيّ» الذي كانت تركيا من أهـمّ رُعاته الإقـليميّـين. وأَخَـذ الأمريـكيّـون حصّتهم الغـنيّـة من شمال البلاد وآبـار النّـفط فيها، ومن النّـفوذ في سورية بعد رحيل نظامها المعادي لواشنطن ورحيل روسيا وإيران - الخصـمين اللّدوديْـن- منه. وأخذ جيش الكيان الصّـهيونيّ أجزاء من أراضيها في مثـلّث ممتـدّ من محافظة درعا إلى جبل الشّيخ مروراً بالقـنيطرة وقسمٍ كـبـير من الامتداد الجغرافيّ بينها وجنوب دمشق. وأخذ الرّوس ضمانات بالحفاظ لهم على القاعدة البحريّـة في طرطوس والقاعدة الجويّـة في حـميمـيـم ثـمناً لهم على رفع اليـد عن نظام الأسـد. وحصلتِ الفصائـل المسلّحة على سلطةٍ أَتَـتْـها على طبقٍ من ذهب ومن دون قـتـال. ثمّ حصل كُـرْد سورية على جيب جغرافيّ - مَحْـمِيٍّ أمريكـيّـاً - اتّسـع نطـاقاً في شرق الفرات مستـقـلاًّ عن «السّلطة المركزيّـة» ويُـغـري بتـكرار نسخة كردستان العـراق!

وحدها إيران لم تَـظْـفـر بشيء في سورية. وليست مشكلتها في عـدم الحصول على شيء فحسب، بـل في تغـيُّـرٍ ستـشـهد عليه طبيـعةُ أدوارها بعـد رحيل نظام الأسـد سيكون له الأثـرُ الكبير في توازنـات الإقـليم الذي كانت إيـران قـد أوشكت، في الماضي القريب، على أن تكون أحد أكـبر مفاتـيحه والفاعلين فـيه. من المعلوم أنّ إيران نجحت في اغـتـنام غـزو العراق واحتلاله وسقوط النّظام الوطنيّ فيه (2003) للصّـيرورة دولـةً ذاتَ نفـوذٍ إقـليميّ مبسوط على العراق وسورية وبعضِ لبنان. وهـو نفـوذ ما لبث أن تَعَـزّز أكـثر مع انـدلاع أحداث الاشتـباكات في سورية، بعد العام 2011، بما سمح لها بالإمساك بالكـثير من مفاصل القرار السّياسيّ والعسكريّ في المنطقة؛ على ما بـيّـنتْ ذلك الأحداثُ التي نشأت في سياق عمليّـة طوفان الأقصى. أمّا اليـوم؛ حيث تجلو قـوّاتُها من سورية منـكـفـئةً إلى حدودها، فـقـد شرعت إيران في الانتـقال من دولة إقـليميّـة كبرى إلى دولةٍ قوميّـة فحسب، لها نفوذ في بيـئة حلفائـها من غـير أن يكـون لها تأثيـرٌ مباشر في مصائرهم نتيجة قطع الرّوابـط الجغرافيّـة الاستراتيـجيّـة بـهـم.

من البيّـن أنّ الأمـر، في هذا الانتقال الدّراماتيـكيّ في طبيعة الدّور، يتعلّق بتراجـعٍ استراتيجيّ في مكانة إيـران الإقـليميّـة قد يضـغط عليها، مستـقـبلاً، أو يُـسَـرِّع من وتائـر حصارها داخل حدودها (إذا نجحت سياسةُ أمريكا احتواءَ العـراق وفـكَّ ارتباطه بطهران). غير أنّ الخسارة الاستراتيجيّـة ليست إيرانيّـة، حصـراً، بـل تطال محوراً إقليـميّـاً كاملاً عُـرِف طويلاً باسـم «محور المقاومة». بعد أن وقعت الواقعة في سورية (القـلب الذّهـبيّ لذلك المحور) لن يكون الأخير ما كانَـهُ قبل 8 ديسمبر؛ ومع أنّ الضّربات التي تلـقّاها منذ 7 أكتـوبر 2023 حتّى ديسمبر 2024 كانت شـديدةَ الإيجاع والتّـدميـر بحيث أخذت منه كـثـيـرَهُ وقـليلَـه، إلاّ أنّ ضربة الثّـامن من ديسمبر أتـتْ أشـدَّ إيـذاءً للمقاومة من أربعة عشر شهـراً من الموت المعـمَّـم، ولعلّـها قـد تـمـتـحن قـدرتَـها على حِـفْـظِ بقائـها متماسـكـةً فاعلـة في قادم الزّمـن.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الس ـوری الس یاسی فی سوریة من سوریة

إقرأ أيضاً:

تفاهمات سورية قطرية شاملة تعزز التعاون بمجالات الطاقة والاقتصاد والصحة والسياحة

أكّد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أن زيارة الوفد السوري إلى قطر أسفرت عن مجموعة من التفاهمات المهمة التي تمثل دفعة قوية لدعم سوريا في مجالات متعددة، خصوصاً الطاقة والاقتصاد والصحة والسياحة، بما يعزز التعاون الثنائي ويرسخ مسار إعادة الإعمار والاستقرار.

وقال الشيباني لدى عودته إلى دمشق إن المحادثات مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري، كانت معمقة وشاملة، تناولت العلاقات السياسية والاقتصادية والتنموية والإنسانية بين البلدين، وأكد أن قطر أبدت استعداداً جاداً لدعم استقرار سوريا والمساهمة الفاعلة في إعادة إعمارها.

وعلى صعيد الطاقة، تم الاتفاق على متابعة توريد الغاز القطري إلى سوريا عبر الأردن، وتعزيز التعاون في قطاعي النفط والغاز، مع عقد اجتماعات تقنية مع شركات عالمية لتطوير هذه الشراكات.

وفي المجال الاقتصادي، تم إعادة تفعيل الشركة القطرية السورية القابضة كمظلة استثمارية، مع تنظيم زيارة مرتقبة لوفد اقتصادي قطري إلى دمشق لبحث مشاريع ذات أولوية. كما تم التوافق على تقديم دعم فني للإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتنظيم دورات تدريبية للكوادر الحكومية في مؤسسات قطرية متخصصة، وفق وكالة سانا.

أما في القطاع المالي، فتم التنسيق لربط البنوك السورية بالنظام المالي العالمي من خلال خدمات مراسلة بالريال القطري تقدمها البنوك القطرية، إلى جانب خطوات لمعالجة ديون سوريا تجاه المؤسسات المالية الدولية.

وفي إطار تعزيز الشراكة بين القطاعين الخاصين السوري والقطري، تم الاتفاق على تنظيم ملتقى استثماري مشترك. وشدّد الشيباني على أهمية المنح المقدمة من قطر والسعودية لدعم الرواتب في سوريا.

قطاع التكنولوجيا والاتصالات لم يغِب عن التفاهمات، حيث تشمل شراكات في خدمات التجوال، والألياف الضوئية، والاتصالات الفضائية، بالإضافة إلى دعم بيئة الابتكار وريادة الأعمال عبر حاضنات ومسرعات وصناديق استثمارية سيتم إطلاقها قريباً.

وفي السياحة، تم الاتفاق على تبادل الخبرات، وتسهيل إصدار التأشيرات الإلكترونية، وإدارة فنادق حكومية بشراكة قطرية، مع تنسيق مع الخطوط الجوية القطرية لترويج المقاصد السياحية السورية.

وعلى صعيد الصحة، تشمل الاتفاقات ترميم وتجهيز ثلاثة مستشفيات رئيسية، وتقديم دعم طبي واسع يشمل سيارات إسعاف وأجهزة طبية، إلى جانب بناء مستشفى حديث بدعم قطري، إضافة إلى مساهمات من مؤسسات قطر الخيرية.

سياسياً، أكد الشيباني تمسك سوريا بثوابتها الوطنية، وعلى رأسها احترام السيادة ورفض التدخل الخارجي ومحاولات التقسيم، مشيداً بالتزام قطر بدعم وحدة وسيادة سوريا واستقرارها.

واختتم وزير الخارجية السوري تصريحاته بالتأكيد على أن هذه التفاهمات تمثل خطوة عملية لتعزيز العمل العربي المشترك على أسس الحوار والاحترام والمصالح المتبادلة، واصفاً قطر بـ”الشريك الصادق والحليف الكفؤ” في مسيرة تعافي سوريا واستقرارها.

الخطوط الجوية السورية تعلن استئناف رحلاتها إلى إسطنبول ابتداءً من 10 يونيو

أعلنت الخطوط الجوية السورية استئناف رحلاتها إلى مدينة إسطنبول التركية بدءًا من العاشر من يونيو الجاري. وأكدت الشركة في بيان نشرته عبر منصة “إكس” جاهزيتها لتشغيل الرحلات، مشيرة إلى فتح باب الحجز من جميع مكاتبها داخل سوريا ومن إسطنبول عبر المكاتب المعتمدة.

وجاء إعلان الخطوط السورية بعد تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد خلالها أن رحلات الخطوط الجوية السورية إلى تركيا ستستأنف قريبًا، كما أعلن عن بدء شركة الطيران التركية “AJet” تشغيل رحلات منتظمة إلى سوريا.

وأعرب أردوغان عن دعمه الكامل للشعب السوري، مشيرًا إلى أن استقرار سوريا وسلامتها سينعكس إيجابًا على جيرانها والدول المجاورة في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • تفاهمات سورية قطرية شاملة تعزز التعاون بمجالات الطاقة والاقتصاد والصحة والسياحة
  • مباحثات سورية باكستانية لتعزيز التعاون المشترك وتنشيط القطاع ‏السياحي
  • نشرة أخبار العالم | إيران تكشف موقفها من الاتحاد الإقليمي للتخصيب.. وزلزال يضرب كريت.. ومباحثات بين روسيا وكوريا الشمالية.. وإحاطة أوكرانية أمام الشيوخ الأمريكي بشأن الحرب.. وعدوان إسرائيلي على سوريا
  • حاجة سورية في الـ90 تحقق حلم العمر بالحج
  • وزير الطوارئ والكوارث رائد الصالح: عدد المفقودين في سورية 140 ألفاً حسب المنظمات الحقوقية
  • مصادر سورية : الرئيس الشرع يزور المغرب الشهر المقبل
  • بعد إعادة فتح معبر العريضة.. مغادرة كثيفة لعائلات سورية إلى الأراضي السورية
  • محامي نوال الدجوي: مصالحة العائلة على المحك بسبب تصعيد إعلامي
  • مباحثات سورية أردنية لتعزيز التعاون في مجالات تكنولوجيا المعلومات وتوفير مسارات بديلة لشبكات الاتصالات
  • مباحثات سورية قطرية للتعاون في مجالات الاستجابة للطوارئ وبناء القدرات الفنية والبشرية