غداً هي أول جمعة من شهر رجب الأصب، وهذه الجمعة المباركة الميمونة خلدها أبناء شعبنا منذ القدم، لا لشيء إلا لأنها كانت المحطة الأولى التي دخلوا فيها إلى الإسلام، والقصة كما نعرف مشهورة، وهي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى اليمن الصحابي خالد بن الوليد فظل ستة شهور يتنقل في عدة مناطق ولم يتوصل إلى شيء، ما اضطر الرسول الأعظم أن يوفد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي ما إن وصل إلى صنعاء حتى دعا كل أقيال ووجهاء اليمن للاجتماع في الحلقة بصنعاء وهو السوق الذي سُمي بهذا الاسم حتى اليوم، وبمجرد أن ألقى عليهم رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ارتفعت الأصوات تُشهر الدخول في الإسلام، ولذلك خلد اليمنيين هذا اليوم وأعطاه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام طقوساً خاصة بأن جعله محطة إيمانية اجتماعية للتآلف بين الأُسر وبث المحبة بين اليمنيون، ولإسلام اليمنيون مكانة خاصة عند الكثيرين كونها كانت النقلة النوعية التي ارتقت بالإسلام إلى مرحلة جديدة تهلل معها وجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالبُشر .
وقد تطرق إلى هذه المحطة الكثيرون ومنهم العلامة الأستاذ المرحوم عبدالرحمن الشرقاوي صاحب كتاب (علي إمام المتقين)، جاء ذلك في مقال له نشره في مجلة روز اليوسف المصرية التي رأس تحريرها مدة من الزمن، فأكد أن الواقعة تستند إلى أدلة ثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومنها قوله تعالى ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) صدق الله العظيم، وقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (جاء المدد جاءكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة )، أو كما قال، إضافة إلى آيات وأحاديث أخرى جعلت الرسول صلى الله عليه وآله سلم يخر ساجداً شكراً لله وقرأ سورة “النصر”.
ويضيف الأستاذ الشرقاوي “لذلك يعظم أهل اليمن هذا الحدث في المكان والزمان فالمكان صنعاء أعرق وأقدم المدن في الجزيرة العربية على الإطلاق، والزمان أول جمعة من شهر رجب الأصب الذي أصبح من الأيام المقدسة يحتفي به اليمنيون من باب التعظيم والثناء والشكر للخالق سبحانه وتعالى وإجلال صاحب الرسالة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومن حمل رسالته وجمع أقيال ووجهاء اليمن في صعيد واحد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام”.
أكتفي بما أوردت من مقال الأستاذ الشرقاوي، وأعتقد أنه يُمثل إجابة واضحة على الذين يتقولون بأحاديث غير منطقية وهدفها الكيد فقط، كأن يقولوا إن الحوثي ابتدع عيداً جديداً بحسب وصفهم، والمشكلة أن كثيراً منهم عاشوا المناسبة في العقود الماضية حيث ظل اليمنيون يحتفلون بهذه الجمعة حتى بعد الثورة بسنوات إلى أن جاء المد الوهابي عن طريق الإخوان المسلمين أولاً وبعد ذلك تبناه النظام وحاول أن يُلغي كل شيء جميل في حياتنا يتعلق بالدين أو الهوية اليمنية ويبدله بخزعبلات وأشياء لا تفيد الإسلام ولا اليمنيين، وهذه هي المعضلة التي حاول أتباع الوهابية أن يسيئوا إلى الدين وإلى معالمه الحقيقية بإشاعة مبدأ التكفير والتفسيق والابتداع، فكل شيء لديهم لا يوافق أفكارهم بدعة وضلالة، كما قال أحد العلماء رحمه الله إنهم هم البدعة وهم الضلالة وهم من جعلوا الآخرين يستهدفون الدين بأدواته ومن خلال أبنائه، إذ لا تزال آثار مشاكلهم قائمة حتى اليوم في عدد من الدول الإسلامية، وبات الإسلام في الغرب بالذات موضع تهوين ورفض، وهذه هي الجرائم الكبيرة التي ارتكبها محمد بن عبدالوهاب وسار على نهجه الحُكام من آل سعود حتى اليوم .
أما نحن في اليمن فسنظل نحتفي بهذا اليوم ونرفع قدره لأننا بذلك نرفع قدر الإسلام ونُعلي مكانته، كما أشار إلى ذلك العلامة الشرقاوي، أهنئ كل أبناء شعبنا وقيادة المسيرة بهذه المناسبة العظيمة، ومن نصر إلى نصر إن شاء الله، والله من وراء القصد ..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
هل الصلاة على النبي لتذكر الشيء المنسي بدعة؟.. الإفتاء توضح
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: اعتدتُ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند نسيان شيءٍ ما، رجاء أن يفتح الله عليَّ لتذكُّرِه، ثمَّ رماني أحدهم بالابتداع لصنيعي هذا؛ فما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند نسيان شيءٍ ما؟
وأجابت دار الإفتاء المصرية عن السؤال قائلة: إن الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مندوبة مطلوبة عند نسيان شيءٍ، وكذا في كلِّ الأحيان وفي جميع الأزمان وهذا ما نص عليه العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ فَنَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلَاتَهُ عَلَيَّ خَلَفًا مِنْ حَدِيثِهِ، وَعَسَى أَنْ يَذْكُرَهُ».
فضل الصلاة على النبي عليه السلام وبيان معناها
وأوضحت أن الصلاة في اللغة: معناها الدعاء والاستغفار، والجمع صلوات. ينظر: "لسان العرب" للعلامة ابن منظور (14/ 464، ط. دار صادر).
ومعنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته، وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود. ينظر: "فتح الباري" للإمام ابن حجر العسقلاني (11/ 156، ط. دار المعرفة).
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجلِّ الطاعات التي يتقرَّب بها الْخَلْقُ إلى الْخَالِقِ؛ لذلك حثَّنا الله تعالى عليها بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
قال الإمام البيضاوي في "تفسيره" (7/ 184، ط. الأميرية): [﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ اعتنوا أنتم أيضًا؛ فإنَّكم أولى بذلك] اهـ.
جاءت السُّنَّة المطهرة بالحضِّ عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".
حكم الصلاة على النبي لتذكر الشيء المنسي والأدلة على ذلك
نصَّ العلماء على أنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتأكَّد استحبابها في بعض المواطن منها: عند نسيان شيءٍ.
قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 518، ط. دار الفكر) في مطلب نص العلماء على استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع: [(قوله ومستحبة في كل أوقات الإمكان) أي: حيث لا مانع. ونصَّ العلماء على استحبابها في مواضع.. وزيد يوم السبت والأحد والخميس.. وعند نسيان الشيء] اهـ.
وقال الإمام ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 169، ط. دار المعرفة) عند عدِّه المواطن التي يتأكَّد الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها: [ومما يتأكد ووردت فيه أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جيدة عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء.. وعند نسيان الشيء] اهـ.
وقال العلامة القسطلاني في "المواهب اللدنية" (2/ 668-672، ط. المكتبة التوفيقية): [المواطن التي تشرع فيها الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.. ومنها: عند نسيان الشيء] اهـ.
وقال ابن القيم في "جلاء الأفهام" (1/ 429، ط. دار العروبة): [فصل: الموطن الثاني والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: إذا نسي الشيء، أو أراد ذكره] اهـ.
وقال الحسين اللاعي المغربي في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (10/ 394-409، ط. دار هجر): [تشرع الصَّلاة عليه صَلَّى الله عليه وسلم في أمور مخصوصة، وهي ستة وأربعون.. -ومنها:- عند تذكر منسيٍّ أو خوف نسيان] اهـ.
وممَّا يدلُّ على ذلك: ما روي عن عثمان بن أبي حرب الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ فَنَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلَاتَهُ عَلَيَّ خَلَفًا مِنْ حَدِيثِهِ، وَعَسَى أَنْ يَذْكُرَهُ» أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة".
كما يستدل على ذلك بعموم حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ» قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» أخرجه الإمام الترمذي في "جامعه".
فالحديث يدل على أنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب كفاية الهم، فيدخل فيه كفاية كل أسبابه، من نحو النسيان؛ قال المُلَّا عَلِي القَارِي في "مرقاة المفاتيح" (2/ 746، ط. دار الفكر): [والهمُّ ما يقصده الإنسان من أمر الدنيا والآخرة، يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ كفيت ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، أي: أعطيت مرام الدنيا والآخرة، فاشتغال الرجل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكفي في قضاء حوائجه ومهماته] اهـ.
وأكدت بناءً على ذلك: أن الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مندوبة مطلوبة عند نسيان شيءٍ، وكذا في كلِّ الأحيان وفي جميع الأزمان.