لا بد من دراسة الفلسفة، ليس من أجل الحصول على أجوبة محددة على الأسئلة التي تطرحها، ما دام من غير الممكن التيقنُ عمومًا من صحة أي أجوبة محددة، بل لا بد من دراستها من أجل الأسئلة نفسها؛ لأن هذه الأسئلة توسِّع مداركنا لكل ما هو ممكن، وتثري قدرتنا على التخيل الفكري، وتقلل من اليقين الجازم الذي يغلق العقل أمام التفكّر؛ بل والأهم من ذلك، لأن العقل يصير عظيمًا نظرًا لعظمة الكون الذي تتفكّر فيه الفلسفة.

..
أقام الكاتب والفوتوغرافي البحريني حسين المحروس معرضًا فوتوغرافيًا في سلطنة عُمان، بعنوان «نزهة القناص.. تحية لزهران القاسمي»، الذي جاء بتنظيم من «النادي الثقافي» في السلطنة، احتفاءً بالكاتب والروائي زهران الذي ظفر مؤخرًا بـ«الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)» عن روايته «تغريبة القافر»، ليجيء هذا المعرض مكملًا لمشهدية ثقافية، يعيد فيها المحروس سرد حكاية العلاقة بين الإنسان ومكانه، وانعكاسات هذا المكان على سيكولوجية وطبيعة الإنسان ذاته، ليتمثل هذه التبادلية من خلال هذا المعرض الذي افتتح في الـ7 من أغسطس 2023، ليستمر حتى الـ30 من ذات الشهر، في «صالة رواق الفنون».
هذا الاحتفاء من النادي، بالتعاون مع المحروس، تأكيدٌ على «إبداع الكاتب الذي أسهم من خلال أعماله الأدبية المتنوعة منذ بداية مسيرته في تأريخ المكان في عُمان وكشف ثرائه واستنطاق روحه، مقدّمًا دورًا حيًّا للأمكنة ذات الخصوصية العُمانية، بصياغة حديثة في نصوص إبداعية وصلت لآلاف القرّاء من داخل عُمان وخارجها»، كما جاء في كلمة النادي.

فالروائي زهران استطاع بكتاباته أن يأخذ القارئ إلى «قرى، وجبال، ووديان، ودروب، وأفلاج، وعيون، وأشجار.. لم تكن لتتشكل في هذه الصورة المتحركة، ولا أن تتخذ لها منفذا ثقافيا حضاريًا لولا حضورها في رواياته»، الأمر الذي جعله مستحقًا لهذا الاحتفاء، ليكون شكلًا من أشكال «تخليد الحكايات في صور تقدم سجلًا بصريًّا لأرض عُمان، وتكوينها الطبيعي الأخّاذ، وحضور الإنسان وقصصه فيها»، والذي عكسته عدسة المحروس، الذي تعود صداقته بزهران لعقد، إذ يقول في تصريحه لصحيفة عُمان: «أنا صديق زهران منذ 9 سنوات، ودائما ما كنت آتي إلى (دما والطائيين)، ولأن الكاميرا رفيقتي الدائمة، كنت أتنقل في مختلف الأماكن وأدوّن أسماءها، وألتقط الصور، أمتلك أرشيفًا ضخمًا لزهران القاسمي، ولعُمان أيضًا».
مضيفًا في شرح علاقة المعرض بالرواية الفائزة بـ(البوكر): «كنّا نمشي في أماكن روايات زهران ونصوصه. الأماكن الجغرافية قبل أن تدخل في مختبر الكاتب، تنفرد، تنفصل، تدب فيها حياة جديدة، يصبح مكانها لا يشبهه مكان؛ فتستحيل صورة أخرى»، شارحًا فكرة المعرض الذي جاء بغرض «أن نضع المكان الروائي إلى جوار المكان الجغرافي، في صور فوتوغرافية، ونترك للقارئ المجال لرؤية الأماكن التي قرأها في الروايات، هل هي ذاتها التي قام بتخيلها؟ وقمنا بإضافة الأسماء لمزيد من التعريف، وأضفنا نصوصًا أخرى إلى جوار اللوحات».
إلى جانب علاقة الصداقة، وإعادة تمثيل المكان فوتوغرافيا، فإن للمحروس اتصالًا مسبقًا مع الرواية، ذلك أنه مصمم ومصور غلافها، والذي يخبء حكايةٌ أخرى، تمتزج فيها روح البحرين بروح عُمان، إذ استوحى المحروس فكرة غلاف «تغريبة القافر»، من هذا المشهد الذي يصور فيه زهران ربط بطلة الرواية بين المغزل وعدتها: «عاد أهلها بعد حين ووجدوها على حالها، فاتحوها ثانية بأمر الزواج لكنّها تعذّرت بأنّ غزلها لم ينته بعد، أسمعوها كلامًا كثيرًا، لكنّها تجاهلت كلّ ما قالوه، وأشارت إلى مغزلها المعلّق أمامها وقد أخذ كثيرًا من ضوء بصرها من كثرة ما تنظر إليه: (من يقول ليّ المغزل خلصت، تكون عدتي خلصت وأكون أنا جاهزة».
قدح هذا المشهد فكرة لغلاف الرواية في ذهن المحروس، يقول: «طلبت من أبي النجار أن يصنع لي اثنين (مغزلين)، بعد أن اتفقت معه على شكلهما. بعد أيام كانت المغازل جاهزة، علقهما أبي على حبل في حديقة البيت، قلت: إذن يجب أن يكونا بهذا الشكل في الغلاف».
وبالعودة للمعرض، فإن عنوانه، ومضمونه، تمثيل للمكان وعلاقة زهران به، يقول المحروس في توصيف المكان: «قرية (مسّ) تتنفّس الصباح. خرجنا من باب لا يغلق. صرنا عند أوّل الجبال. هنا، تقاس المسافات الطويلة بعبارة (ما واجد)! بصوت التقليل والاستقواء على عبورها. في هذا المكان الوحيد بالذات، ليس عليك أن تحسن التصوير، لكن عليك أن تحسن المشي! الجبال لا تأبه بسقوطك! باهتزاز صورك، لكن بثبات نيّتك في قدميك! الجبال مشغولة برسوّها، بصمتها، بحوارات قممها، بسيرة عيون الوعول ساعة قنصها، وبأسرارها أيضًا».
ويتابع المحروس الحديث عن تلك اللحظات التي ولدت صور المعرض: «نزلت بكامرتي في (الجابية الطويلة) وظلال الجبال فيها، سكون الماء ورقته، سمك الصد، ونخلة وحيدة في جهة المصبّ تحرس الماء. أيّ مشهد هذا؟ تمثّلت أسيا بنت محمد في رواية (تغريبة القافر) متعبةً، تحمل طفل مريم (سالم)، تجلس به، تستريح (على رملة ناعمة بالقرب من حوض تتراقص في قعره أسماك الصد الصغيرة)، تغسل وجهها وتقلل من قلقها عمّا يقال عنه: (الصغار يسمعوا بو نعجز عن سمعه)، (أهل الأرض يكلموه)، (يكلموه أهل تحت). يفلت القافر الصغير من قبضتها، يضع أذنه على الأرض ويصرخ: (ماي.. ماي)، (باه، أسمع ماي في الأرض)»، هذه الاقتباسات التي طرأت على المحروس وهو يجوب المكان الذي صيره زهران نصًا، قدحت بسؤال العلاقة بين الأدب والفوتوغرافيا: «ماذا لو وضعت المكان في روايات زهران على المكان الجغرافيّ في صور؟ أخشى أن نتورط في تجاوز سؤال: لماذا نكتب الأدب؟ إلى سؤال لماذا نشاهد الأدب المصوّر؟ وهو في الأصل لماذا نصوّر، الذي يعني ببساطة وطأة الفراغ في نظرتنا إلى بطن التجارب نفسها».

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا تغریبة القافر

إقرأ أيضاً:

السياسة قبل الرواية والشعر في الدورة الـ66 لمعرض بيروت للكتاب

لاحظ عدد من الناشرين المشاركين في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، الذي افتُتِحت دورته الـ66، أنّ للمؤلفات السياسية حضورا بارزا في هذه النسخة من الحدث الثقافي اللبناني، وأن اهتمام القراء بات يميل أكثر إلى هذا النوع بعدما كان الطلب ينصبّ على الرواية والشعر.

ويواصِل عدد دور النشر المُشاركة في المعرض هذه السنة الارتفاع، مقارنة بالأعوام الأخيرة منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان وجائحة كورونا، على ما أفاد المنظمون.

وأكدت رئيسة النادي الثقافي العربي، الذي يُنظم المعرض منذ العام 1956، سلوى السنيورة بعاصيري أن من بين دور النشر الـ134 المُشاركة في هذه الدورة التي تمتد إلى 25 مايو/أيار الجاري، جهات عربية عدة، من قطر والإمارات ومصر والأردن وسوريا، ومعهد العالم العربي في باريس، إلى جانب الحضور المحلي.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يزور معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الـ66 (الفرنسية)

وأوضحت بعاصيري -في تصريحها لوكالة الصحافة الفرنسية- أن إحجام دور النشر العربية عن المشاركة في الدورات الأخيرة كان "لأسباب أمنية، إذ إن الظروف في لبنان كانت حتى القريب غير مواتية لهذا الحضور"، لكنّ "الجميع يشعر الآن أن ثمة مناخا مختلفا".

وقال المدير العام لدار "الشروق" المصرية أحمد بدير "انقطعنا (عن المشاركة) لأعوام لكنّ تأليف الحكومة الجديدة شكّل لنا دافعا للعودة بقوة".

وتوقعت بعاصيري "أن يزيد الحضور العربي في الدورة المقبلة" وأن يكون "كثيفا".

إعلان "بيروت لن تتخلى عن الثقافة"

وشدّد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، في افتتاح الدورة الـ66 الأربعاء، على أن "بيروت لم ولن تتعب من حمل راية الثقافة رغم كل الجراح".

نواف سلام خلال جولته في معرض بيروت الدولي للكتاب ( الفرنسية)

وذكّر سلام المعروف بشغفه بالمطالعة وقال عنه عريف الحفل الإعلامي زافين قيومجيان إن "منزله معرض كتاب"، بأن المعرض "تقليد راسخ يعكس نبض بيروت الثقافي وتراثها الفكري ودورها التاريخي كعاصمة عريقة للمعرفة والإبداع".

وفي جناح دار "النهار" التي عرضت مؤلفاتها الجديدة، ومن أبرزها كُتب عن العلاقات بين بيروت وطهران وعن الشأن السياسي اللبناني، قالت المديرة الإدارية للدار العريقة كارلا قرقفي زيادة "نحن نحب المعارض، لأنّ فيها تفاعلا مع القارئ، لا يهمنا ما سنجنيه من أرباح، لكن نحب أن نحافظ على هذا التفاعل".

سيدة تتفقد الكتب المعروضة في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب (الفرنسية)

ولاحظت المسؤولة عن "دار رياض الريس" فاطمة الريس أن "القارئ كان يهتم لسنوات بالرواية والشعر، لكنه اليوم بات يميل إلى الكتب التي تطرح مواضيع فكرية وسياسية".

وتشكّل المؤلفات السياسية 80% من إصدارات دار "سائر المشرق" التي كانت تشهد مثلا في يوم الافتتاح توقيع كتاب للباحث محمد عبد الجليل غزيّل، يتناول "دور رئيس مجلس الوزراء في بناء الهوية الوطنية وقيادة الإصلاحات السياسية والاقتصادية"، على ما أوضح.

زوار لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الـ66 (الفرنسية)

ومن الإصدارات في المعرض كتاب عن مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر، الذي كان قبل اختفائه عام 1978 أحد أبرز الشخصيات الشيعية في لبنان، وقالت شقيقته ورئيس المؤسسة التي تحمل اسمه رباب الصدر إن الكتاب يتناول موضوع الاعتصام الذي أقامه الإمام الصدر في أحد المساجد عام 1975 للدعوة إلى وقف الحرب الأهلية.

إعلان

ورأت أستاذة القانون والكاتبة ندى شاوول أن "معرض الكتاب العربي يتأثر أكثر من سواه بالمسائل السياسية والسوسيولوجية ويتفاعل أكثر مع الأحداث".

وتشارك شاوول في إدارة نقاش عن مؤسسة "الندوة اللبنانية" التي أدت ما بين 1946 و1984 "دورا تثقيفيا في حقبة من تاريخ لبنان المضيء"، حسب بعاصيري، وهي واحدة من نحو 60 نشاطا مماثلا خلال المعرض.

مشهد من فعاليات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الـ66 ( الفرنسية)

وأشارت بعاصيري إلى أن من أبرز الندوات الأخرى، واحدة عن المسرح، وأخرى عن الكاتب الراحل إلياس خوري، وسواهما مثلا عن مئوية الأديب للبناني سليمان البستاني المعروف بترجمته "الإلياذة"، وعن الأديب والمؤرخ والرحّالة أمين الريحاني في الذكرى المئوية لكتابه "ملوك العرب"، إضافة إلى واحدة عن المطربة أم كلثوم.

مساحة مفتوحة لفنون الكتاب

وتتمحور إحدى الندوات على إمام بيروت وسائر الشّام عبد الرحمن الأوزاعي في الذكرى الـ1250 لوفاته، "لِما عُرف عنه من تسامح ديني ونهج إصلاحي".

(الفرنسية)

وهذه الندوات تندرج ضمن توجه المعرض، حسب بعاصيري، إلى "ألا يقتصر على كونه منصة للكتاب، بل أيضا مساحة مفتوحة لفنون الكتاب وما يدور في فلكه"، على ما شرحت في كلمتها الافتتاحية.

وأشارت في تصريحها إلى أن ما يميّز هذه النسخة "التركيز على المعارض الفنية المختصة" التي يصل عددها إلى ستة، يلقي أحدها الضوء على "دور مدينة طرابلس الثقافي والمعرفي"، ويتناول آخر تطور السينما في لبنان من خلال الملصقات، ويستعيد ثالث محطات المعرض نفسه منذ نشأته، إضافة إلى آخر عن رسوم كاريكاتورية متعلقة بغزة.

ولأن "الثقافة متعددة الأوجه، وهي فن وموسيقى وكتابة وتأليف وشعر"، على قول بعاصيري، طعّم المعرض برنامجه بعدد من الحفلات الموسيقية، يُحيي إحداها عازف البيانو الفرنسي اللبناني عبد الرحمن الباشا في مناسبة مرور مئة عام على ولادة والده المؤلف الموسيقي توفيق الباشا.

إعلان

مقالات مشابهة

  • التوعية بمناسك الحج في معرض بصلالة
  • “كرة القدم”.. معرض فوتوغرافي في أسبوع القاهرة للصورة يحتفي بجوهر اللعبة
  • معرض "نسك هدايا الحاج" يسجل حضورًا لافتًا من الزوار في مكة المكرمة
  • ختام ناجح لمشاركة عُمان في معرض "سعودي فود شو"
  • «الزراعة» تمدد فعاليات معرض زهور الربيع حتى نهاية شهر مايو الجاري
  • استجابة للإقبال الجماهيري.. عروض متميزة على الزهور والنباتات النادرة
  • أسامة أبونار يوثق الطراز المعماري للكوربة في معرض أسبوع مصر الجديدة
  • افتتاح معرض الإمارات الرابع للإطارات وقطع غيار السيارات الصيني
  • السياسة قبل الرواية والشعر في الدورة الـ66 لمعرض بيروت للكتاب
  • أيادي تصنع الخلود.. معرض أثري بالمتحف القومي للحضارة