لجريدة عمان:
2025-07-02@01:20:06 GMT

خريطة طريق للعمل الاجتماعي «1/3»

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ الأول من يناير 2025، والذي ترأسه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أيده الله -، نصت إحدى إشارات بيان الاجتماع إلى ضرورة قيام مجلس الوزراء بإجراء الدراسات اللازمة (للظواهر الاجتماعية)، وما تواجهه (التركيبة السكانية) من تحديات وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ووضع (برامج وسياسات محددة)، لإيجاد الحلول المناسبة لكل التحديات في هذا الشأن.

وفي تقديرنا فإن هذه الإشارة مهمة في سياقها، ومحددة في ضروراتها؛ ذلك أن ثمة تحولات مجتمعية يمر بها المجتمع في عُمان تستوجب وضع منظومة متكاملة للرصد الاجتماعي، عبر إجراء التحليلات والدراسات المنتظمة والدورية والمستمرة، التي من شأنها تتبع حركة المجتمع، وما ينشأ عن تلك الحركة من (قضايا اجتماعية) تعنى ببعض الفئات الاجتماعية أو المناطقية، أو (ظواهر اجتماعية) وهي الحالات الاجتماعية التي تنشأ خارجة عن طبيعة المجتمع في استقراره وتكوينه ونظمه ولا يعلم ما ستؤول إليه مساراتها وتأثيراتها، أو (المشكلات الاجتماعية) وهي مجمل الحالات التي تنشأ وتؤثر بالضرورة على النسيج الاجتماعي والأنساق الاجتماعية وتعطل بعض تلك الأنساق من أداء وظائفها، وقد تكون هي في ذاتها ناشئة عن قصور في أداء المؤسسات الاجتماعية أو الأنساق الاجتماعية ككل وظائفها وأدوارها المعتبرة.

الأمر الآخر في أهمية التوجيه هو أنه طالب بـ (برامج وسياسات محددة)؛ وهذا يرتبط بطبيعة منظومات الرصد الاجتماعي، فإلى الضرورة المهمة لمراكمة نتاج بحثي دقيق ومعتبر، هناك ضرورة لأن تكون مخرجات هذا النتاج في شكل (برامج وسياسات محددة) وليست مجرد توصيات أكاديمية أو نظرية لا ترتبط بصورة مباشرة ببرنامج العمل الاجتماعي بالنسبة للدولة. وفي الواقع فإن المجتمع في عُمان يمر بمرحلة ديناميكية متغيرة، حيث يتفاعل مع جملة من السياسات الاقتصادية (في مرحلة التحول الاقتصادي بالنسبة للدولة)، ويتشكل نسيجه للتكيف مع آثار وتداعيات تلك السياسات، في الوقت الذي تتزايد فيه طبقة المتعلمين في مستويات التعليم المتعددة، وما تحمله تلك الطبقة من تصورات وتوقعات وقيم للواقع المعاش، ومع الضرورات التي يفرضها الانفتاح الاقتصادي ينتج عن التفاعل مع طبقة واسعة من الوافدين والعاملين في قطاعات الاقتصاد واندماجهم في صورة المجتمع الكلية جملة من القيم الثقافية والظواهر الناشئة، إضافة إلى الضغوطات الناشئة على الخدمات العامة بفعل تزايد أعداد السكان من العُمانيين وغير العُمانيين من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعل هذا الضغط معادلة التحول من كفاية الخدمات إلى جودة الخدمات مسألة ذات جدلية كبرى بالنسبة للحكومات والمؤسسات العاملة في تقديم الخدمات العامة. في الوقت ذاته ينشأ عن حالة التفاعل الثقافي للمجتمع ضمن حركته العالمية صراع بين البنى التقليدية للتفكير والبنى الحديثة ، هذا الصراع تجسده أوساط واسعة من الشباب والناشئة، ويفرض ضرورات على إعادة تقييم الأدوار التربوية في حفاظها على القيم ومسؤوليات الضبط الاجتماعية. هذه هي الحالة العامة للمجتمع في عُمان في تقديرنا والتي يستوجب فهمها لمعرفة وتصور حركة المجتمع في سياقه العالمي.

وفيما يرتبط بالتركيبة السكانية بوصفها حالة الديموغرافيا والتكوين والحالة الاجتماعية للسكان فهي تتأثر بصورة مباشرة بمجمل السياسات العامة القائمة، بالإضافة إلى حركة المجتمع نفسه. وتثار هواجس التركيبة السكانية في سياقات عالمية متعددة في إشارة إلى المخاطر الناشئة عنها؛ بما في ذلك أزمة شيخوخة السكان العالمية، حيث تشير التقديرات إلى ارتفاع من هم أعلى من 65 عامًا إلى نحو 1.6 مليار نسمة خلال العقدين القادمين، مقارنة بـ761 مليون نسمة في 2021. وهذا في ذاته يولد ضغوطًا على خدمات الرعاية الصحية وعلى نظم التقاعد والحماية الاجتماعية وعلى الأسواق في ضرورة إيجاد منتجات جديدة تتناسب مع هذا النمو لهذه الفئة. وتثار عالميًا أيضًا فيما يرتبط بالتركيبة السكانية مشكلة تدني الإنتاجية العالمية، وهو ما يستدعي سياسات لتعزيز التعليم التقني والتدريب المهني وبرامج إعادة هيكلة المهارات، وحوافز الإنتاجية، وإعادة تشكيل سياسات العمل العامة، جنبًا إلى جنب مع تحسين جودة العنصر البشري في حالته العامة، حيث إن كل زيادة بنسبة 10% في جودة رأس المال البشري يمكن أن تؤدي إلى نمو الناتج المحلي بنسبة 1.4% (حسب بيانات البنك الدولي).

في هذه المقالة التي سنكتبها على 3 أجزاء سنحاول تقديم رؤية لطبيعة العمل والسياسات الاجتماعية التي يتطلبها الواقع الاجتماعي في سلطنة عُمان، وماهية السياسات الاجتماعية (المحددة) التي نرى بضرورتها لتحييد الآثار العكسية للسياسات الاقتصادية على المجتمع من ناحية، وتجويد مسائل التركيبة السكانية من ناحية أخرى. وفي الواقع فإن الأمر في منطلقه يتطلب توافقًا على الهواجس (المحددة) التي يجب أن تكون في بؤرة الضوء للعمل عليها ونعتقد من زاوية الاختصاص أنها 5 هواجس أساسية:

1- المحددات والعوامل المؤثرة في طبيعة القدرة على تكوين الأسرة والخيارات الزواجية.

2- المشكلات الاجتماعية الناتجة عن طبيعة حركة الاقتصاد والسياسات الاقتصادية، بما في ذلك مشكلات سوق العمل.

3- التحديات التي تفرضها الأيدي العاملة الوافدة على أنساق الاقتصاد والثقافة وتركيب السكان والمجتمع.

4- حالة التحولات القيمية والفكرية وما ينشأ عنها من سلوكيات وظواهر ومشكلات في السياق الاجتماعية.

5- تحديات المعرفة بالمجتمع: أزمة البيانات والدراسات والتحليلات الاجتماعية ومدى كفاءتها لصنع السياسات الاجتماعية.

في تقديرنا هذه الهواجس الخمسة، يستوجب أن تكون مدخلًا للنقاش حول الحالة الاجتماعية، وما سنسرده في الأجزاء التالية لهذه المقالة من رؤى وسياسات ستتمحور حولها. ونعتقد بأهمية إطلاق برنامج متكامل للتوازن والاستقرار المجتمعي يركز على نوعية من السياسات التي تسمى (السياسات الصديقة للأسرة/ السياسات المتمحورة حول الأسرة)، بالإضافة إلى تجويد منظومة سياسات الرعاية والحماية الاجتماعية والأسرية الراهنة، بحيث تكون مظلة شاملة وموحدة للعمل في حقل البرامج والسياسات الاجتماعية المطلوبة.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات الاجتماعیة المجتمع فی من ناحیة

إقرأ أيضاً:

أخنوش: الذكاء الإصطناعي في صلب السياسات العمومية والحكومة تولي أهمية للتحول الرقمي

زنقة 20 ا الرباط

شدد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، على أن التأخر في تبنّي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يُهدد استدامة العديد من الوظائف، كما يُفقد المقاولات قدرتها التنافسية، معتبراً أن إهمال هذا المجال يُعد “إهداراً لفرص اقتصادية هائلة”.

جاء ذلك في كلمة مسجلة بُثت خلال الجلسة الافتتاحية للمناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي، المنعقدة اليوم بجامعة محمد السادس بمدينة تكنوبوليس بسلا، بحضور عدد من الوزراء والخبراء والمسؤولين الحكوميين.

وأكد أخنوش أن ما يشهده العالم اليوم من تحولات عميقة بفعل الذكاء الاصطناعي يرقى إلى “ثورة حقيقية تغيّر نمط الحياة”، ما يستدعي تفاعلاً وطنياً شاملاً عبر تبني سياسة واعية ومندمجة ترتكز على “إرادة جماعية لترسيخ السيادة التكنولوجية للمملكة”.

وفي السياق ذاته، أشار رئيس الحكومة إلى أن الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، التي أطلقتها الحكومة، رُصد لها غلاف مالي يناهز 11 مليار درهم، وتهدف، من بين أهدافها، إلى تكوين 100 ألف شاب مغربي في المهن الرقمية في أفق 2030، في أفق تعزيز ريادة المغرب في هذا المجال الحيوي.

وسلط أخنوش الضوء على مساهمة الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاعات حيوية، أبرزها الصحة، من خلال تحسين جودة الخدمات ونجاعتها، إلى جانب قطاعات الفلاحة والتعليم، داعياً إلى اليقظة في مواجهة مخاطره، خصوصاً في ما يتعلق بتزييف الرأي العام والتلاعب بالمعطيات الحساسة.

وأكد رئيس الحكومة على ضرورة بناء منظومة قوية للحكامة الرقمية، تضمن الأمن الرقمي وتعزز الثقة في التعامل مع هذه التكنولوجيا، مشدداً على أن ربح رهان الذكاء الاصطناعي يمر عبر استثمار فعلي في الرأسمال البشري الوطني.

مقالات مشابهة

  • دائرة الخدمات الاجتماعية تعقد ورشة بعنوان «المتطوع الصغير»
  • الإيجار القديم على طاولة البرلمان.. والحكومة تطرح خريطة بالأراضي المتاحة لمشروعات سكنية بديلة
  • نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس وفد مصر في الاجتماع العربي التحضيري لقمة التنمية الاجتماعية بتونس
  • التضامن الاجتماعي تتلقى تبرعًا بـ 38 مليون جنيه لصالح أسر ضحايا حادث طريق المنوفية
  • أخنوش: الذكاء الإصطناعي في صلب السياسات العمومية والحكومة تولي أهمية للتحول الرقمي
  • بدء اختبارات لشغل فرص عمل بشركة مقاولات بالإمارات براتب 1800 درهم
  • التضامن الاجتماعي والعمل تنهيان إجراءات صرف وتسليم التعويضات لضحايا ومصابي حادث طريق أشمون
  • التضامن الاجتماعي تعلن قرب إعلان الفائزين بمسابقة "الأب القدوة" في نسختها الثالثة
  • برلماني: تطوير المطارات يعيد رسم خريطة الموازنة ويخلق فرصا اقتصادية واعدة
  • دور الأعراف القبلية في اليمن في حفظ التوازن الاجتماعي وتعزيز النسيج المجتمعي .. قراءة قرآنية وتطبيقية