7 يناير، 2025

بغداد/المسلة: في خضم التحولات السريعة التي تشهدها الساحة السورية، يبرز الحديث عن “ممر داود” كمفهوم يشغل وسائل الإعلام التركية ويثير جدلاً حول الأبعاد الإقليمية لمشروع محتمل قد تغيّر معالم الشرق الأوسط.

هذا الممر، الذي لم يُعلن عنه رسميًا حتى الآن، يبدو أشبه بمخطط جيوسياسي يجمع بين المصالح الإسرائيلية والكردية لتحقيق أهداف استراتيجية واسعة النطاق.

ما هو ممر داود؟

تشير التقارير إلى أن “ممر داود” يُفترض أن يكون ممرًا بريًا يمتد من جنوب سوريا مرورًا بمحافظات درعا، السويداء، والتنف، وصولاً إلى مناطق شرق وشمال سوريا، ثم يتصل بكردستان العراق. الهدف من هذا الممر هو إنشاء طريق استراتيجي يربط إسرائيل مباشرة بالمناطق الكردية في سوريا والعراق، ما يعزز التعاون بين الطرفين ويفتح مجالات جديدة لنقل النفط والأسلحة وتعزيز النفوذ.

الأبعاد الجيوسياسية للمشروع

تعتبر تركيا هذا المشروع تهديدًا مزدوجًا: أولاً، لأنه يعزز النفوذ الإسرائيلي على حساب النفوذ التركي والإيراني في المنطقة. وثانيًا، لأنه يدعم فكرة إنشاء منطقة كردية ذات حكم ذاتي قد تؤدي إلى تقوية الحركات الانفصالية الكردية داخل تركيا نفسها.

من وجهة نظر أنقرة، فإن هذا الممر لن يكون مجرد طريق بري، بل سيتحول إلى قناة استراتيجية تخدم الأجندات الإسرائيلية عبر خلق شراكة مباشرة مع الأكراد، سواء في سوريا أو العراق. هذا التوجه يعكس تنافسًا إقليميًا محتدمًا، خصوصًا في ظل تراجع الدور الإيراني والروسي نتيجة الصراعات الداخلية في سوريا وتغير موازين القوى بعد سقوط نظام الأسد.

الدوافع الإسرائيلية وراء الممر

تبدو دوافع إسرائيل متعددة الأبعاد، بدءًا من تحقيق أهداف اقتصادية وصولًا إلى تعزيز نفوذها العسكري والإستراتيجي. فمن خلال هذا الممر، تسعى إسرائيل إلى:

الوصول إلى مصادر الطاقة: يفتح الممر آفاقًا جديدة لنقل النفط والغاز من كردستان العراق وشمال سوريا إلى إسرائيل عبر البحر الأبيض المتوسط، ما يعزز استقلالها الطاقوي ويقوي علاقتها مع الأسواق الأوروبية.

إضعاف المنافسين الإقليميين: يسهم الممر في تقليل النفوذ الإيراني والسوري في المناطق الحدودية، ويضعف الحكومات المركزية في دمشق وبغداد، ما يتيح لإسرائيل العمل بحرية أكبر.

تعزيز العلاقات مع الأكراد: هذا المشروع يمكن أن يشكل حجر الزاوية في علاقة إسرائيل بالقوات الكردية، سواء كانت في سوريا أو العراق، مما يزيد من تأثيرها في المنطقة.

توسيع القدرة العسكرية: بإنشاء مسار مباشر لتأمين الأسلحة للقوات الكردية، ستكون إسرائيل قادرة على زيادة قوة حلفائها المحليين في مواجهة أي تهديدات محتملة.

الانعكاسات الإقليمية للممر

في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين تركيا وإسرائيل بسبب هذا المشروع، يبدو أن المنافسة الإقليمية ستظل محركًا رئيسيًا للصراعات المستقبلية. من جهة، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في سوريا لمواجهة المخاطر الكردية، ومن جهة أخرى، تتحرك إسرائيل لتحقيق مصالحها على حساب خصومها التقليديين.

مع ذلك، يبقى “ممر داود” في الوقت الراهن مشروعًا غير رسمي، لكنه يعكس تطلعات استراتيجية طويلة الأمد قد تعيد رسم خرائط الشرق الأوسط إذا تحققت الظروف الملائمة.

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: هذا الممر فی سوریا

إقرأ أيضاً:

تحولات استراتيجية في أوروبا تجاه اسرائيل

التحولات التي تشهدها أوروبا في الموقف تجاه الاحتلال الاسرائيلي تاريخية واستراتيجية وغير مسبوقة، وسوف تنعكس على العلاقات بين دول أوروبا وبين اسرائيل الى الأبد. 

المواقف الأوروبية متسارعة ومتلاحقة وجميعها ليست في مصلحة الاحتلال الاسرائيلي، كما إن ما نشرته الصحافة العبرية مؤخراً يؤكد أن ثمة حالة من الرعب في تل أبيب بسبب التحول الأوروبي، إذ لم تعد أوروبا قادرة على الاستمرار في تقديم الدعم والغطاء لعدوان يستهدف المستشفيات والأطفال والمرضى، ويقوم بحرق خيام اللاجئين ومراكز الإيواء، كما يمنع الطعام والشراب عن المدنيين، وهي سلسلة من جرائم الحرب التي لم تعرف البشرية مثيلاً لها طيلة المئة عامٍ الأخيرة.

خلال الأيام الماضية شهدت أوروبا سلسلة من التحركات الرسمية على أعلى المستويات والتي تعارض الجرائم الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وهي تحركات غير مسبوقة تجلت في مواقف واضحة لعدد من الدول الأوروبية على رأسها اسبانيا وفرنسا، كما إن بريطانيا وكندا تحركتا أيضاً لإعلان موقف مناهض للعدوان الاسرائيلي. 

في بريطانيا كانت الحكومة قبل شهور قليلة فقط من الآن ترفض إصدار بيان يُطالب بوقف إطلاق النار، بينما تحول الموقف السياسي حالياً نحو التوجه الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والدعوة لفرض عقوبات على اسرائيل، والتوقف عن تزويد تل أبيب بقطع الغيار اللازمة للطائرات وكذلك وقف تصدير الأسلحة ووقف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، فضلاً عن إجراءات أخرى محتملة قد يتم اتخاذها في الأيام المقبلة.

وفي إيرلندا ليس بعيداً عن بريطانيا بدأت الدولة إجراءاتها من أجل منع دخول أية منتجات قادمة من المستوطنات، وذلك على الرغم من أن هذا القرار يُمكن التحايل عليه بسهولة من قبل التجار الاسرائيليين، لكنه يظل ذو بعد تجاري واقتصادي ويتضمن ما يُشبه العقوبات للمستوطنين الذين يُشكل وجودهم في الضفة الغربية انتهاكاً للقانون الدولي.

الصحافة العبرية ازدحمت خلال اليومين الماضيين بالتقارير التي تعبر عن حالة القلق من التحركات البريطانية، خاصة وأن الحكومة في لندن تلقت رسالة وقعها أكثر من 800 محامٍ وأكاديمي وقاضٍ بارز، من بينهم قضاة سابقون في المحكمة العليا البريطانية، وتدعو الرسالة إلى فرض عقوبات على حكومة الاحتلال الإسرائيلي ووزرائها، وتدعو حكومة كير ستارمر للمطالبة بتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وذلك بسبب "انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني تُرتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، كما جاء في الرسالة.

موجة الغضب الأوروبية ضد اسرائيل غير مسبوقة مطلقاً، والمواقف الأوروبية تجاه عدوان الاحتلال تُشكل تحولاً استراتيجياً، فالقارة الأوروبية لطالما كانت توفر الغطاء لاسرائيل منذ تأسيسها بقرار بريطاني في العام 1948، بل إن الموقف الأوروبي خلال الشهور الأولى لهذه الحرب كان داعماً بشكل كامل ومطلق لاسرائيل وكان يُبرر الحرب بأنها "دفاع عن النفس" وهو ما تحول تماماً في الأيام الأخيرة. 

وأغلب الظنَّ أن الأوروبيين بدؤوا يؤمنون بأن هذه الحرب العمياء لا جدوى منها بعد عامين من البدء بها، وبعد أن فشلت طوال هذين العامين في استعادة ولو أسير اسرائيلي واحد بالقوة، فمن تم استعادته حدث له ذلك بالاتفاق وليس بالقوة.. أصبح العالم بأكمله مقتنعاً اليوم بأن هذه الحرب فاشلة وأنها مجرد ثأر اسرائيلي أعمى من الأطفال والمدنيين ليس أكثر. 

مقالات مشابهة

  • الاحتلال الإسرائيلي يعترف بفشل سياسته في سوريا ويبدي قلقا من النفوذ التركي
  • د. علي عبدالحكيم الطحاوي يكتب: القوى العظمى في العالم إلي أين ..!!
  • السفير الأمريكي لدى تركيا يفتتح مقر السفير في سوريا
  • العراق ثاني أكبر مستورد للزيتون من تركيا
  • تركيا تدين قتل إسرائيل 5 عاملين بهيئة إغاثية تابعة لها بغزة
  • تحالف الفتح:تركيا محتلة العراق والسوداني “مهتم بولايته الثانية”
  • مشروع بحثي مبتكر يربط الرياضة بقوانين الفيزياء
  • مصادر تكشف عن محادثات سرية مباشرة بين إسرائيل وسوريا لاحتواء التوتر على الحدود
  • تحولات استراتيجية في أوروبا تجاه اسرائيل
  • رئيس الجمهورية: سوريا بلد مهم لنا ولا توجد قوات إيرانية داخل العراق