القلق الغربي من حرية العربي ومقاوم المحتل
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
أعادت المواقف السياسية المرتبطة بالتغيير الحاصل في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، تأكيد ثوابت غربية وأمريكية عن النفاق المتبع مع قضايا عربية، منها التحرر من الاستبداد والاحتلال معا. الرسائل التي حملها زوار دمشق من باريس وبرلين والاتحاد الأوروبي، تحمل شروط ما يجب أن يكون ولا يكون لإقامة علاقة "سليمة" مع سوريا ما بعد الأسد، من منطلق خوف هذه الدول على العلاقة التي تحكم نظام الحكم الجديد مع الشعب السوري، وربط مسألة رفع العقوبات عن سوريا بهذه الشروط، بما يفضح تذكير الشعوب بسياسة الابتزاز الغربي للشعوب، لأن أسباب فرض العقوبات ارتبطت بجرائم النظام السابق وسلوكه، ونظريا من المفترض أن تزول مع زوال النظام، لكن ما اتُخذ من مواقف غربية يؤكد جملة مفضوحة من السياسة الغربية والأمريكية حيال مسألة حقوق الإنسان والأقليات والمرأة وفصل الدين عن الدولة، والأهم المواقف الرسمية من القضية الفلسطينية وجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
لقد منحت تجربة المواقف الأمريكية والغربية، من حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، الشرح الوافي لأبعاد النفاق من مسألة القلق على حقوق الإنسان والديمقراطية، والكيل بمكيالين عند التطرق للشرعية الدولية وقوانينها، بالانحياز المطلق للاحتلال، وتوفير كل مستلزمات الجريمة من قنابل وذخائر وتوفير مظلة سياسية له بالمحافل الدولية. وهنا ينبغي علينا عدم تضخيم مسألة القلق التي يبديها بعض السياسيين في الغرب ممن توافدوا على دمشق في الآونة الأخيرة، لاستكشاف المسار السوري الجديد.
منحت تجربة المواقف الأمريكية والغربية، من حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، الشرح الوافي لأبعاد النفاق من مسألة القلق على حقوق الإنسان والديمقراطية، والكيل بمكيالين عند التطرق للشرعية الدولية وقوانينها، بالانحياز المطلق للاحتلال، وتوفير كل مستلزمات الجريمة من قنابل وذخائر وتوفير مظلة سياسية له بالمحافل الدولية
فالمواقف التي عبر عنها وزيرا خارجية فرنسا جان نويل بارو ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، حول حماية الأقليات وتأكيد الوجود بجانب المسيحيين، وما إلى هنالك من مواقف تتعلق بمسألة رفع العقوبات وحقوق المرأة، فهذه نغمة مكشوفة الهدف لأن من كان يتشاطر هذا القلق في المنطقة هم السوريون أنفسهم، ضحايا هذا التصنيف والتهميش الذي رسخه النظام البائد، بعد نزع المواطنة عنهم وسلبهم حريتهم وكرامتهم والدوس على كل القوانين المحلية والدولية، ومن يمارس جرائم ضد الأطفال والنساء ويرتكب إبادة جماعية في غزة ضد الوجود الفلسطيني كله يحظى بدعم القلقين جدا على الأقليات والمكونات السورية.
إن منطق الاستمرار أو التعامل مع التجارب الماضية لمواقف غربية وأمريكية من قضايا المنطقة، وعلى رأسها قضية فلسطين وقضايا التحرر العربي من الاستبداد، عبر حقبة أو فكر سياسي استعلائي استعماري، لم يتغير حين وُضع تحت اختبار حقيقي مباشر، وفي مواجهة جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة، فكانت التطلعات والآراء الثقافية والسياسية والأخلاقية لخطاب غربي مهيمن بشكل فعال ضد مقاومة الاحتلال والثورات العربية، مع بروز تحالفات يمينية شعبوية في الغرب تدعم الثورات المضادة باستحضار الموجة المشحونة بفزاعة محاربة الإرهاب والإسلاموفوبيا والتحريض على اللاجئين، مما خلق حالة من الضيق والتندر عند البعض الغربي من مراقبة هزيمة "قيم" المحتل، وسقوط سرديته، فمذابح المستعمر الصهيوني استهدفت النسبة الأكبر من النساء والأطفال في غزة، لا بل الجرائم مستمرة على الهواء مباشرة، ضد كل بُنى المجتمع الفلسطيني، والتي بررتها وزيرة الخارجية الألمانية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بأن لإسرائيل الحق في قتل المدنيين بقصف المناطق التي يعيشون فيها، إذا كان هناك "إرهابيون يسيئون استخدامها".
الموقف الفرنسي لم يبتعد عن نظيره الألماني، عندما تعلق الموضوع بتنفيذ مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، لاعتقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه الأسبق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة، ومنحه استثناء وحصانة في حال زيارته فرنسا.
العوامل والملامح والظروف المشتركة لمنطق الاستعلاء الغربي والأمريكي بالتعاطي مع الملفات العربية، هو بالضبط ما يجب أن تتعاطى معه قوى التغيير في سوريا الجديدة، وهو ما يجب أن يكون تراكما للحاضر الفلسطيني والعربي بكل نتائجه، لأن ملمح التحول المضاد لتطلعات الشعب السوري، قد بدأ بشكل ناعم من خلال تسجيل العديد من المواقف الغربية تحت غطاء جس نبض القيادة الجديدة، واعتلاء منبر القلق على حقوق الإنسان والمرأة والأقليات، وبموازاة عزف وسائل اعلام الاستبداد العربي على الوتر الغربي في الحالة السورية من التعبير عن القلق على أمنها، وعلى مستقبل البلاد ووحدة أراضيها، وهي التي بقيت داعمة لنظام الإجرام الأسدي طيلة 14 عاما وحتى لحظة هروبه.
الهامش المتاح أمام خطاب غربي يهتم بقضايا المنطقة، هو تعاطف بجوانب إنسانية محددة، وبالحديث عن استعداد لتقديم مساعدات غذائية ودوائية كما في الحالة السورية، والإعراب عن القلق في الحالة الفلسطينية وصمت عن جرائم الإبادة والحرب في غزة وعجز عن ردعها، ونفاق في مسألة حل الدولتين، والمجال يضيق هنا بالحديث عن الهوامش الغربية ضمن إطار أيديولوجي مصطنع
مجمل المخاوف الغربية مما جرى في سوريا بعد الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مقتبسة من نمط تفكير استعلائي مصدرها نظرة دونية للعقل العربي، ولذلك سببت الحالة السورية ألما واضحا عند المتهافتين نحو دمشق، فهذا نموذج قدم نفسه متسامحا متنورا كما يمكن أن يساعد على إلهام إنجازاته العظيمة في التخلص من الطاغية السوري حسما لكثير من الشعوب المقهورة والمضطهدة بعد الثورات المضادة، ولمثل هذه النهاية التي انتهى إليها نظام الإجرام والسجون والتحطيم الشامل للمجتمع السوري، أن تناضل شعوب عربية، لأن المشكلة والقضية لا تنحصر فقط في تنميط صورة العربي في الدونية والتطرف والإرهاب، بقدر ارتباط هذه المعضلة مع خطاب عربي قاصر عن المواطنة وسيادة القانون. فالزائر الغربي لدمشق على سبيل المثال الفرنسي والألماني الذي اجتمع مع ما أطلق عليها أقليات؛ لم يسمع منها مفهوما عن المواطنة وسيادة القانون التي يتساوى الجميع تحتهما، وأخذ من زواره قشور القلق على مكون قد يتعرض للتهديد وفق رغبة الزائر.
أخيرا، الهامش المتاح أمام خطاب غربي يهتم بقضايا المنطقة، هو تعاطف بجوانب إنسانية محددة، وبالحديث عن استعداد لتقديم مساعدات غذائية ودوائية كما في الحالة السورية، والإعراب عن القلق في الحالة الفلسطينية وصمت عن جرائم الإبادة والحرب في غزة وعجز عن ردعها، ونفاق في مسألة حل الدولتين، والمجال يضيق هنا بالحديث عن الهوامش الغربية ضمن إطار أيديولوجي مصطنع، وبعيد عن متن القضايا العربية الموضوعة في إطار مليء بالانفعالات والتحيز الدفاعي عن المستبد والمحتل وجرائمه، هو مضمون الخطاب الغربي والأمريكي الذي يحكم علاقته مع القضايا العربية، بمضمون استعلائي قشرته القلق على مصير أقليات شكلت عمق هوية مجتمعاتها عبر التاريخ، اتخذ الاحتلال هذه السردية للسيطرة والاستبداد سخرها في التباكي على مصيرها ووجودها، وحقيقة الأمر يراد لها البقاء في مسلسل التدمير الذاتي لسرقة مستقبل وحاضر المنطقة، بإفشال أي عملية تغيير وتحرير يقدم عليها عربي الحرية ومقاوم الاحتلال.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الغربي الفلسطينية الحرية سوريا فلسطين حرية الغرب مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحالة السوریة حقوق الإنسان القلق على فی الحالة فی غزة
إقرأ أيضاً:
بين حرية جورج وغياب زياد
أسوأ أنواع الكتابة هي الكتابة الناجمة عن شعور متناقض؛ كالكتابة عن الفرح ومضاده، عن الموت ونقيضه؛ فلا تعرف التعبير عن البهجة ولا وصف الأسى الجاثم على النفس بعد وقوع حدث أليم. وهذا ما حدث خلال الأيام الماضية؛ إذ لم يدم فرح استقبال المناضل الأممي اللبناني جورج إبراهيم عبدالله (74 عاما) في بيروت أكثر من أربع وعشرين ساعة، فقد نهض اللبنانيون والعرب على خبر صاعق برحيل الفنان زياد الرحباني، كأن لبنان لا يحتمل شخصيتين مناضلتين في الوقت نفسه وفي البلد ذاته، ولا يعترف إلا بالحزن والفقد والخسارة مثلما كتب الشاعر اللبناني شوقي بزيع (74 عاما) قصيدته (جبل الباروك) في رثاء الزعيم كمال جنبلاط ( 1917-1977)
«أرضَ الخسارة يا لبنانُ هل رجلٌ
يعيدُ للنَّاسِ بعد اليومِ ما خسروا»
لا نريد أن نسهب في الحديث عن الشخصيات الوطنية اللبنانية التي فُقدت في لبنان، لكن سأعرّج قليلا على هذه الفرحة المنقوصة لدى الجماهير العربية التي تصطف إلى القضايا والمواقف التي يُعبّر عنها بالفعل والقول كل من جورج وزياد؛ فجورج البالغ من العمر (74 سنة) قضى أكثر من أربعة عقود في السجون الفرنسية، بتهمة «قتل الدبلوماسي الإسرائيلي ياكوف بار سيمان توف، والدبلوماسي الأمريكي تشارلز ر. راي في باريس عام 1982»، ولكن تهمته الحقيقية تكمن في تشكيله لتنظيم الفصائل الثورية اللبنانية المسلحة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، والانتماء إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهذا الموقف لم يتزحزح عنه ولم يتراجع، وكأن العقود الأربعة التي قضاها في المعتقل الفرنسي ما هي إلا نزهة في طريق الحرية. فحين نزل في بيروت، أشاد بالمقاومة قائلا: «المقاومة باقية وممتدة، ولا يمكن اقتلاعها، وأن إسرائيل تعيش آخر فصول نفوذها».
في رسالة واضحة بأن النضال ضد المشروع الصهيوني لا توقفه السجون ولا القوانين الظالمة التي زجت بجورج خلف القضبان، ورضوخ القضاء الفرنسي للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية بعدم الإفراج عن جورج، إذ عبّرت الولايات المتحدة عن غضبها بعد خروج جورج من السجن، وكذلك تل أبيب.
أما زياد الرحباني فقد شكّل ظاهرة ثقافية فريدة من نوعها، إذ وظّف الفن في خدمة القضايا الإنسانية العادلة، ولم يستسلم لوهج اسم والديه عاصي الرحباني والسيدة فيروز، ولم يشأ العيش تحت مظلة فيروز والرحابنة. بل شق لنفسه طريقا آخر منذ إقدامه على تلحين أغاني فيروز وهو في سن الطفولة، وحين واجهته صعوبة الحياة وتعرض لمنغصاتها قابلها بالسخرية والفن معا. كان يمكن لزياد أن يعيش حياة أخرى غير تلك التي عاشها، لكنه أخلص لضميره الإنساني وحمّل فنه وثقافته معاناة الإنسان وآلامه، مجسدا بذلك قيمة الثقافة الحقيقية المنحازة للإنسان والدفاع عن الكرامة والحق في حياة آمنة وحرة. لهذا حظي زياد بحب الجماهير التي تختلف معه سياسيا وتتفق معه فنيا، فالفتى الذي تجرأ على تغيير نمط الغناء لفيروز ترك بصمته التي لا تُمحى في سجل الموسيقى العربية، مؤكدا بذلك على أن الفن الملتزم يبقى ولا يفنى يدوم ولا يزول وتزداد شعبيته كلما كان الواقع قاسيا وموجعا.
رحل زياد وسيرحل جورج حتمًا، ولكن لا يبقى إلا الأثر الخالد المدون بالمواقف التي لا تقبل المهادنة ولا ترضى إلا بالانحياز إلى الحق مهما كانت التكلفة أو قلة سالكي درب الحق.