في مثل هذا الوقت قبل 20 عاما، بدأت رحلة العالم السوري الدكتور علاء الدين السبيعي في الاغتراب، حيث انطلق في مسيرة أكاديمية وعملية شملت السعودية وكندا، قبل أن يستقر في الولايات المتحدة الأميركية.

ورغم مرور مدة طويلة تعادل نصف عمره تقريبا، فإن قلبه بقي متعلقا بسوريا التي لم تذق طعم الفرح إلا مع الخلاص من نظام عائلة الأسد، الذي جثم على صدرها لأكثر من 60 عاما.

وبعد أن شارك السبيعي جموع السوريين فرحتهم العارمة، أبى أن تجرفه المشاعر بعيدا عن التفكير في مستقبل سوريا، الدولة التي تركها النظام السابق بلا دعائم حقيقية، فأطلق مبادرة ملهمة تهدف إلى لمّ شمل النخب العلمية السورية في الخارج.

وتسعى المبادرة لتكوين تجمع سوري يكون نواة لهيئة استشارية تقدم توصيات وإسهامات إسعافية وأفكارا إستراتيجية لدعم التعليم العالي والبحث العلمي والتقدم الصناعي في سوريا، من أجل بناء مستقبل أفضل للبلاد التي تمر بمرحلة انتقالية معقدة. ثم دمج السبيعي مبادرته بمبادرة تشكلت حديثا أيضا باسم "سوريا المستقبل" من أجل توحيد الجهود.

ويتسلح السبيعي في هذه المبادرة بخبرات تشكلت في مختلف المناصب الأكاديمية والصناعية التي تقلدها، وصولا لعمله الحالي مديرَ بحوثٍ وتطوير في شركة "باسف" في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تعد من كبرى الشركات الكيميائية عالميا، إلى جانب سجل حافل بالإنجازات والجوائز العديدة، إذ لديه ما يزيد عن 50 براءة اختراع في مختلف دول العالم، وأكثر من 20 بحثا منشورا في كبرى المجلات العلمية، ومنها مجلة نيتشر الشهيرة.

إعلان

وتميز السبيعي أيضا خلال مسيرته المهنية بفوزه بجائزة "المتميزين الـ12" لعام 2021، التي تمنحها الجمعية الكيميائية الأميركية لأهم 12 من العلماء الشباب (تحت سن 40 عاما) على مستوى العالم كل عام، ليصبح بذلك أول عالم عربي يحصل على هذا التقدير الرفيع.

وفي حوارنا معه عبر تطبيق "غوغل ميت"، تحدثنا عن رؤيته لمستقبل سوريا في ظل التحديات الحالية، وكيف يمكن لهذه المبادرة أن تسهم في إعادة إعمار البلاد وتطوير قطاعاتها الحيوية. فإلى نص الحوار:

الدكتور علاء الدين السبيعي أثناء مشاركته في أحد المؤتمرات العلمية (السبيعي)

 

هل الوضع في سوريا الآن يدعو للقلق أم للفرح؟

مقارنة بما كان عليه الحال سابقا يدعو الوضع للفرح. بالنسبة لنا نحن السوريين، لن يكون هناك شيء أسوأ مما عشناه مع النظام السابق. بالطبع، الأوضاع لن تستقر بين عشية وضحاها، وستكون هناك عقبات ناتجة عن ضعف الاستقرار السياسي والأمني، بالإضافة إلى بعض الاختلافات في وجهات النظر. قد يكون هناك انقسامات شعبية بسيطة ناتجة عن وجود قطاع من الشعب غير راضٍ عن الإدارة الجديدة بسبب مخاوف من تاريخها الأيديولوجي، لكن عموما غالبية الشعب ملتفة حاليا حول القيادة الجديدة وداعمة لها ومتفائلة بأن القادم سيكون أفضل.

ما الذي تستند إليه في هذه الرؤية المتفائلة؟

هي ليست رؤية متفائلة بقدر ما هي واقعية، فالتاريخ يخبرنا أن الأمر سيستغرق بضع سنوات حتى نحصل على دستور جديد، فتوحيد مختلف الأطياف والأعراق داخل سوريا ليس سهلا، فنحن بلد متنوع للغاية، ولن يكون من السهل كتابة دستور يُرضي الجميع، وستكون هناك خلافات، ولا شك في أننا سنشهد مشكلات سياسية وأمنية، كما نرى بالفعل بعض المشكلات الأمنية في مناطق تحت سيطرة فلول النظام السابق، وأخرى لا تزال خارج سيطرة الإدارة الحالية.

إعلان

لكن المطمئن لي والذي يبدو واضحا من أداء الإدارة حتى الآن هو محاولتها استيعاب الجميع والتعامل بحكمة ومن دون عنف، وهذا يساعد جدا على توحيد الرؤى والجهود من أجل مستقبل أفضل لسوريا، وأكرر مجددا، مهما ساءت الأمور، فلن تكون أسوأ مما عشناه في ظل النظام السابق.

ما أولويات مبادرتكم خلال هذه المرحلة؟

نعمل حاليا على الجوانب التنظيمية ووضع القوانين الداخلية المتعلقة بالمبادرة، وجنبا إلى جنب ننظم غرفا تخصصية في مختلف المجالات لمناقشة المشكلات الموجودة في الداخل السوري وما يمكننا المساهمة به من حلول، ونسعى أيضا إلى تسجيل المبادرة رسميا في بعض الدول كجمعية أهلية غير هادفة للربح، وسنحدد أهدافنا بشكل واضح كمبادرة إنسانية فقط لدعم جهود الدولة السورية والقطاع الخاص في إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، والمساعدة في حل مشكلات الطاقة والصحة والتعليم والبحث العلمي.

وماذا يمكن لمبادرتكم تقديمه في المرحلة الراهنة؟

كما قلت لك سابقا، رغم أن لدينا أفكارا وخططا لمشاريع فعلية على الأرض، فإن دورنا استشاري بشكل كبير، ونصيحتنا للإدارة الحاكمة هي العمل حاليا على مرحلة "الحلول الإسعافية"، وفي هذه المرحلة، يتم تقييم الوضع الراهن وتحديد الأولويات المتعلقة بأهم الجوانب الإسعافية التي تحتاجها الدولة، وهي السكن والصحة والغذاء.

وتعتمد هذه المرحلة على تقييم شامل لأعداد وأوضاع المهجرين في الخيام، ومقدار البنية التحتية المدمرة، وحجم وتوزيع البنى السكنية المتضررة، ووضع القطاع الصحي والخدمي الحالي. وبناء على هذا التقييم، نضع خطة إسعافية لإيجاد حلول سريعة خلال سنة أو سنتين لرفع كفاءة القطاع الصحي، وإعادة الإعمار الجزئي، وتطوير البنى التحتية بما يكفي لإعادة المهجرين في الداخل والخارج، خصوصا الذين يعيشون في الخيام ومراكز اللجوء المؤقتة.

إعلان وماذا بعد تجاوز هذه المرحلة؟

(متنهدا بعمق) بعد المرحلة الإسعافية تأتي مرحلة التطوير، وهي مرتبطة بتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، وتبدأ هذه المرحلة بإنشاء وزارة للتخطيط تعمل على ربط جميع الوزارات وتنسيق العمل بينها وفق الخطط الموضوعة.

وتضع وزارة التخطيط رؤية بعيدة المدى تمتد لعشرات السنين، مثل رؤية 2040 أو 2050، وفقا لتطلعات القيادة السياسية والشعبية، وتشمل هذه الخطط جميع القطاعات مثل الخطة الاقتصادية المعتمدة على تشجيع الاستثمارات والسياحة، وإنشاء عملة محلية ودعمها لكسب ثقة الداخل بها، وغيرها من الجوانب الاقتصادية.

كما تشمل الخطة الصناعية التي تعتمد على دعم الصناعة التحويلية المحلية (بالقوانين والعلاقات الدولية اللازمة) وجذب الشركات الخارجية في الصناعات الثقيلة لفتح فروع صناعات ثقيلة وتكنولوجيا متطورة من أجل تطوير كوادر وطنية وجذب الخبرات السورية من الخارج على المدى الطويل.

أما خطة تطوير التعليم والبحث العلمي، فهي تعتمد على تطوير المناهج التعليمية والكادر التدريسي وتطوير البنية التحتية للمختبرات العلمية ودعم البحث العلمي والنشر العلمي والانفتاح على العالم، مما يساهم في رفع تصنيف الجامعات وترتيبها وبناء الثقة بالمؤسسات التعليمية في الداخل والخارج، وهذا بدوره يساهم في تطوير كوادر وطنية قادرة على قيادة تطور صناعي في الدولة عن طريق الشركات الناشئة والعمل في الشركات المحلية وفروع الشركات العالمية.

ويساهم بناء الثقة بالمؤسسات التعليمية أيضا في ربط القطاع الخاص بالجامعات وتوفير مصادر إضافية لدعم البحث العلمي من القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، مما يساهم في ربط البحث العلمي أيضا بسوق العمل وبحاجة الدولة في المجال الصناعي.

وهناك جوانب أخرى تتعلق بالتخطيط من بينها تطوير القطاع الزراعي، وهذا بدوره يساهم بشكل رئيسي في إنشاء سلة غذائية وطنية تقلل من الحاجة للتصدير وتساهم في تشغيل يد عاملة وتقليل البطالة، وكذلك يساهم في تطوير الجانب الاقتصادي بشكل كبير، خصوصا أن سوريا من الدول التي لديها إمكانيات كبيرة في القطاع الزراعي.

إعلان

بعد مرحلة التطوير، تكون وزارة التخطيط مسؤولة على العمل مع كل الوزارات الأخرى لتنسيق العمل بين الوزارات وتوجيهها بما يتناسب مع الخطط الإستراتيجية ومراقبة أداء الوزارات وعملها وفقا لهذه الخطط.

علاء الدين السبيعي يستعد للدخول إلى المختبر للإشراف على إحدى التجارب العلمية (السبيعي) بصفتك خبيرا كيميائيا، ما أبرز الخدمات التي يمكنك تقديمها للدولة السورية؟

لدي خبرات واسعة في المجال الأكاديمي، بالإضافة إلى العمل في الصناعات الكيميائية، والبحث والتطوير، ويمكنني تقديم الاستشارات المتعلقة بتوجيه المختبرات نحو البحوث ذات الأهمية، والمساهمة في تطوير البنية التحتية للمختبرات.

وكذلك يمكن أن أساهم بخطط تطوير المناهج وطرق التدريس وتأهيل الكادر التدريسي، وكذلك إعادة هيكلة الجامعات وأنظمتها الداخلية واختيار الكوادر بها. يمكن أن أساهم أيضا في قوانين حماية الملكية الفكرية وتفعيلها بشكل كبير لأنها ستكون أساسية لطمأنة المستثمرين والمخترعين وتساهم في تشجيع الشركات الناشئة التي تشكل عماد الاقتصاد بالمستقبل.

هناك علماء سوريون منتشرون بالجامعات الأوروبية والأميركية، ألا ترى ذلك شهادة للنظام التعليمي والبحثي السوري؟ أم إن الأمر يتعلق بالقدرات الفردية لهؤلاء العلماء؟

الأمر يتعلق بالقدرات الفردية، فبحكم خبرتي في المجالات العلمية عموما، وفي الكيمياء خصوصا، وضع الطالب السوري سيئ للغاية، يكفي أن تعرف أن العلوم تدرس كلها باللغة العربية حتى المصطلحات العلمية الإنجليزية يتم تعريبها بالكامل، والمناهج قديمة ولم تتغير منذ 40 عاما، والنتيجة أن الطالب السوري يتخرج من الجامعة دون أي قدرة على الكتابة أو التواصل باللغة الإنجليزية ودون العلم بمعظم التجهيزات الكيميائية الحديثة، ولا حتى بالمجلات العلمية بمجاله، مما يعيقه عن التواصل مع العالم الخارجي ويجعله معزولاً عن العالم تلقائيا.

إعلان

المؤسسة التعليمية بسوريا بحاجة لإعادة هيلكة بالكامل على جميع المستويات وفق أسس وأطر حديثة ومتطورة، وهذا يشمل كل شيء تقريبا: مناهج وطرق التدريس والبنية التحتية للتعليم بما يشمل المختبرات وتقنيات التعليم ومستوى الكادر التدريسي الذي لم يتغير منذ عشرات السنين والغياب الكامل لأي اشتراكات بالمجلات العلمية ومحركات البحث العلمي، بالإضافة إلى الضعف الشديد بالمكتبات التي تحتوي على المراجع العلمية وغيرها من المجالات، فنحن نحتاج إلى جهود كبيرة وعمل كبير في كل هذه الجوانب وغيرها.

بوصفه عالما قادما من خلفية كيميائية، ألا تساورك مخاوف من أن الإدارة الحاكمة قد تمنع استيعاب العلم ودوره في نهضة المجتمع؟

لا أشعر بالقلق، والسبب هو أن تجربتهم في إدلب مشجعة للغاية، فإدلب، لمن لا يعرف، هي واحدة من أكثر المناطق السورية التي يغلب عليها الطابع المحافظ، ومع ذلك شهدت المنطقة خلال 8 سنوات من سيطرة فصائل المعارضة عليها تطورا كبيرا في البنية التحتية واهتماما بالجوانب الاقتصادية، حتى إن اقتصاد إدلب كان أقوى من المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، كما شهدت نهضة علمية يشهد لها الداخل السوري تمثلت في بناء جامعات تدرس مختلف التخصصات. هناك اهتمام واضح للإدارة الجديدة بالنهضة العلمية والدعوة للكوادر السورية بالخارج للمساهمة في سوريا المستقبل.

كل ذلك خلال 8 سنوات؟!

(بنبرة متحمسة) نعم، وستتفاجأ أيضًا عندما تعلم أن هناك اهتماما كبيرا بالتكنولوجيا حتى إن خدمة "واي فاي" كانت متاحة في الشوارع، ونتيجة لهذا التطور، أصبحت إدلب، بعد انهيار نظام الأسد، مقصدا للسوريين الباحثين عن منتجات بجودة أفضل وأسعار أقل.

كانت هناك كذلك رسائل مطمئنة تمثلت في التواصل مع الخبرات في الخارج للاستفادة من رؤيتهم في التخطيط لمستقبل سوريا، وسمعنا منهم أفكارا متطورة لتحسين البنية التحتية مثل تدشين خط قطار سريع يصل بين جميع المحافظات، ومشروعات في الطاقة، وأفكار لتنسيق العمل بين الوزارات لتحقيق أهداف بعيدة المدى.

إعلان إلى أي مدى تشعر أن مبادرتكم لإنشاء هيئة استشارية من النخب العلمية السورية في الخارج، لتقديم توصيات وأفكار تخدم سوريا في المستقبل، ستجد صدى وقبولا؟

هناك تقبل للمبادرة في الداخل السوري. لكن إجمالا، أستطيع القول إنه بسبب العقوبات وغيرها من الاعتبارات، هناك بعض القيود حاليا تقيّد جوانب التعاون مع الإدارة السورية الحاكمة، ولكن ما نسعى له قريبا هو أن نعمل على مشاريع إسعافية في سوريا للمساهمة بحل بعض المشكلات التي تشكل أولوية للداخل السوري في المستقبل القريب، وأن نكون ليس فقط هيئة استشارية وتخطيطية للإدارة السورية، بل أيضا هيئة استشارية للشركات الخاصة داخل سوريا، لتقديم خدمات مجانية في مجالات الخبرات العلمية لدعم ودراسة المشاريع التي سيتم العمل عليها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات البنیة التحتیة النظام السابق البحث العلمی هذه المرحلة فی الداخل یساهم فی فی سوریا من أجل

إقرأ أيضاً:

أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي

لم يعرف التاريخ الإنساني، وأعتقد لن يعرف حتى قيام الساعة، دولة تكذب وتتحرى الكذب في كل أقوالها وأفعالها مثل دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تكذب كما تتنفس، وتعيش على الكذب الذي قامت على أساسه وتحيا عليه.

الدولة التي قامت على كذبة في العام 1948، لا يمكن أن تستمر وتبقى سوى بمزيد من الأكاذيب التي تنتجها آلة الدعاية الصهيونية المدعومة بوسائل الإعلام العالمية، بشكل يومي لكي تستدر عطف العالم الغربي وتبرر احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية وعدوانها الدائم والهمجي على أصحاب الأرض، وعلى كل من يحاول الوقوف في وجهها وكل من يكشف أكاذيبها ويقاوم غطرستها، وجرائمها التي لا تتوقف ضد الإنسانية.

بدأت الأكاذيب الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر مع نشأة الحركة الصهيونية، بالترويج لأكذوبة أن «فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بالعودة لها بعد قرون من الشتات في الأرض». وكانت هذه الأكذوبة، التي تحولت إلى أسطورة لا دليل على صحتها تاريخيا، المبرر الأول الذي دفع القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا تحديدا، الى إصدار الوعد المشؤوم «وعد بلفور» قبل عام من نهاية الحرب العالمية الأولى بانشاء وطن لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد، كما يقول المؤرخون، الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور حجر الأساس لأكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة وطن كامل من أصحابه، ومنحه لمجموعة من العصابات اليهودية دون وجه حق. الوعد الذي لم يعره العالم انتباها وقت صدوره تحول إلى حق مطلق للصهاينة في السنوات التالية، ومن أكذوبة «أرض الميعاد» ووعد الوطن القومي أنتجت الصهيونية العالمية سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، والمسؤولة، في تقديري، عما يعيشه الفلسطينيون الآن من جحيم تحت الاحتلال الصهيوني.

الكذبة الأولى الخاصة بأرض الميعاد، والتي صدقها العالم نتيجة تكرارها وبفعل التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الاعلام التي سيطر عليها اليهود طوال القرن العشرين، لم تكن سوى أكذوبة سياسية ذات غطاء ديني غير صحيح. إذ تم تفسير النص التوراتي بطريقة ملتوية لتخدم المشروع الصهيوني. ولم تُثبت الحفريات التي يقوم بها الصهاينة أسفل المسجد الأقصى وجود هيكل سليمان أو وجود مملكة داود وسليمان في فلسطين كما تزعم الرواية التوراتية المحرفة، بل أن بعض المؤرخين الإسرائيليين شككوا في وجود اليهود في فلسطين كأمة قبل إنشاء إسرائيل.

دعونا في هذا المقال نتتبع أبرز الأكاذيب الصهيونية التي روجت لها إسرائيل لاستمرار سياساتها العنصرية والتي لم تكن مجرد دعاية عابرة، بل جزءًا من استراتيجية تم وضعها وتهدف في النهاية الى تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد «من النيل إلى الفرات»، والترويج للسردية الصهيونية في الاعلام العالمي وحصار السردية الفلسطينية والعربية.

الأكذوبة الثانية التي تمثل امتدادا للأكذوبة الأولى والمرتبطة بها ارتباطا وثيقا، هي أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وبالتالي يمكن الاستيلاء عليها واحتلالها وتهجير أهلها منها، وجعلها وطنا للشعب اليهودي الذي كان بلا أرض»، وبذلك يتم نفي الوجود العربي الفلسطيني فيها. وتم الترويج لهذه الأكذوبة في الغرب المسيحي المحافظ من خلال خطاب إعلامي يربط إقامة إسرائيل بقرب ظهور المسيح (عليه السلام). وقد نجح الإعلام الصهيوني والمتصهين في تصوير اليهود باعتبارهم عائدين إلى أرضهم، فيما تمت شيطنة الفلسطينيين والتعامل معهم باعتبارهم إرهابيين يعارضون الوعد الإلهي. وكانت هذه الأكذوبة من أخطر الأكاذيب الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين بدعوى أنها خالية من السكان، في حين كان يعيش فيها قبل إعلان قيام إسرائيل نحو مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين.

وتزعم الأكذوبة الصهيونية الثالثة أن الفلسطينيين غادروا أرضهم طواعية بعد هزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتم استخدام هذه المزاعم للتغطية على مجازر التطهير العرقي الذي قامت به عصابات الصهاينة، وأبرزها مجازر دير ياسين، واللد، والرملة، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم.

لقد ثبت للعالم كله كذب إسرائيل في كل ما روجت له من مزاعم تخالف الحقيقة في الإعلام العالمي المتواطئ معها والمساند لها على الدوام. ومن هذه المزاعم القول بإنها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» الذي لا يعرف الديمقراطية. ولم ينتبه العالم إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ترى بعين واحدة، ومخصصة لليهود فقط، ولا تشمل سكانها من الفلسطينيين الذين يعانون من تمييز وفصل عنصري في كل مجالات الحياة. وتستخدم هذه الديمقراطية الأسلحة المحرمة والإبادة الجماعية وسياسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم السياسية.

وشبيه بهذا الزعم القول إن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ومع الأسف ما زالت هذه المقولة تتردد على ألسنة العسكريين والسياسيين الصهاينة وفي بعض وسائل الاعلام الغربية، رغم الجرائم الموثقة من جانب منظمات حقوقية عالمية، والتي ارتكبها ويرتكبها هذا الجيش «عديم الأخلاق» في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران، واستهدافه المدنيين من النساء والأطفال، والصحفيين والأطباء وغيرهم، واستخدامه لسلاح التجويع في غزة ومنع الإمدادات الإنسانية من الدخول الى القطاع وإتلافها عمدا، وقتل الجوعى.

ولا تتوقف آلة الكذب الصهيونية عند هذا الحد وتضيف لها الجديد من الأكاذيب كل يوم، مثل الأكذوبة المضحكة التي أصبحت مثار سخرية العالم، وهي إن «إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها العرب» المحيطين بها، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن الكيان الغاصب هو الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية قادرة على محو جميع الدول العربية، وتتمتع بتفوق عسكري يضمنه ويحافظ عليه ويعززه الشريك الأمريكي ودول غرب أوروبا، وتمنع بالقوة أي دولة في المنطقة من امتلاك الطاقة النووية حتى وإن كان للأغراض السلمية، كما فعلت مع العراق وايران. وينسي من يردد هذه الأكذوبة إن إسرائيل فرضت من خلال الولايات المتحدة التطبيع معها على العديد من الدول العربية، ليس فقط دول الجوار التي كان يمكن ان تهددها، وإنما على دول أخرى بعيدة جغرافيا عنها، وفي طريقها لفرضه على المزيد من الدول.

ويكفي أن نعلم أن غالبية الحروب التي دخلتها إسرائيل كانت حروبا استباقية، وكانت فيها المبادرة بالعدوان، وآخرها الحرب على إيران. والحقيقة أن حربها المستمرة منذ نحو عامين على غزة والتي تزعم أنها، أي الحرب، «دفاع عن النفس» ما هي إلا أكذوبة أخرى تأتي في إطار سعيها لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم خارجه بعد تدميره وحصاره المستمر منذ العام 2007 وحتى اليوم، وهو ما ينفي الأكذوبة الأكثر وقاحة التي ترددها الآن بأن «حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة أهل غزة، وهي من تجوعهم»، مع أن العالم كله يشاهد كيف حولت القطاع إلى أطلال وإلى أكبر سجن مفتوح في العالم بشهادة الأمم المتحدة.

مقالات مشابهة

  • رؤية قرآنية تصنع أمة مجاهدة لا تخاف الموت .. الشهادة والشهداء في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)
  • الواقع القضائي في سوريا والتحديات التي تواجه عمل العدليات خلال اجتماع في وزارة العدل
  • دراسات علمية جديدة تتوصل لعلاج جديد لمرضى السكري يظهر نتائج واعدة
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • التربية السورية ونقابة المعلمين تناقشان سبل تطوير قدرات المعلمين وتحسين أوضاعهم
  • رؤية التحديث الاقتصادي تدخل مرحلة جديدة بعد تقييم 3 سنوات من الإنجاز
  • حمزة: سيكون هناك العديد من الفعاليات الوطنية والدولية وسيكون هناك عروض ثقافية واجتماعية للمشاركين جميعاً من أهلنا في سوريا وخارجها
  • ترامب: لولا وجودي لكانت هناك ست حروب كبرى في العالم الآن
  • قطارات المستقبل.. رؤية جديدة لتجربة السفر بحلول عام 2075
  • موعد صرف مرتبات أغسطس 2025 للعاملين بالدولة.. هل هناك زيادة جديدة؟