ما أهمية استعادة الجيش السوداني لود مدني عاصمة ولاية الجزيرة؟
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
الخرطوم- أثار إعلان الجيش السوداني، اليوم السبت، استعادته مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة من قوات الدعم السريع سؤالاً مهماً بشأن ما يعنيه هذا التقدّم العسكري.
وأصدر مكتب الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني بياناً صحفياً هنأ فيه الشعب السوداني بتحرير المدينة، وقال إن "القوات المسلحة والقوات المساندة لها تتقدم بعزيمة وإصرار في كل المحاور لتنظيف كل شبر دنّسته مليشيا آل دقلو الإرهابية في البلاد"، وأنهم يعملون الآن على نظافة جيوب المتمردين داخل المدينة وفق ما جاء في البيان.
واعتبر محللون عسكريون ومحتفلون بتقدّم الجيش في مدن السودان المختلفة دخول الجيش لمدينة ود مدني بمثابة "تحرير شهادة وفاة" لقوات الدعم السريع وبداية لهزيمتها وكسر شوكتها بشكل كامل، بينما قللت الدعم السريع في أول تعليق لها للجزيرة نت من أثر استعادة الجيش للمدينة.
وقال مستشار قائد قوات الدعم السريع عمران عبد الله حسن للجزيرة نت إن "حقيقة الحرب هي كر وفر، وقد خسرت قوات الدعم السريع معركة، ولم تخسر الحرب"، وأضاف إن "سقوط ود مدني لا يغيّر في الواقع شيئاً، وهناك الكثير من المفاجآت القادمة"، نافيا أن تكون خسارتهم قاصمة لظهر قواتهم، وقال إنهم "مستمرون في المعارك، وسيكون النصر حليفهم".
إعلان بداية النهايةقال رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب للجزيرة نت إن "استعادة مدينة ود مدني يمثل بداية النهاية للعدو الغاشم الظالم المغتصب" وفق تعبيره، وأضاف أنها تعني الكثير ماديا ومعنويا للقوات المسلحة، ومن قبلها للشعب السوداني "الذي ضرب الأمثلة بوقفاته خلف، بل أمام القوات المسلحة".
وأفاد بأن مجريات المعركة وسيرها بهذه الوتيرة المنتظمة يؤكد أن "الخطة التي وضعت قد تم تنفيذها بجدارة، وأصبح التحرير الكامل لولاية الجزيرة وغيرها قادما وقريبا، بعد أن انكسرت إرادة العدو وبدأ بالهروب وهو يجرجر أذيال الخيبة والهزيمة".
وأكد هاشم أن "الشعب السوداني قدّم درسا لكل من وقف مع العدو في الداخل والخارج" ، وأضاف قائلا إن "هذا الانتصار الكبير في حرب الكرامة، وقبلها العديد من المعارك في هذه الحرب المفروضة على الشعب السوداني، ستكون دروسا تدرّس في مناهج المدارس والمعاهد العسكرية في الداخل والخارج".
كما أوضح أن القوات المسلحة قامت بوضع خطة محكمة، اشتركت في تنفيذها وحدات القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية، والقوات الخاصة وقوات جهاز الأمن والمخابرات وقوات الشرطة، والمجاهدون والمستنفرون من أبناء الشعب السوداني.
ومن داخل مدينة ود مدني، قال رئيس حركة تحرير الجزيرة الصادق آدم عمر للجزيرة نت إنهم يؤكدون انهيار قوات الدعم السريع، وأوضح أن "الانهيار بدأ منذ أول طلقة، حيث تعامل الجيش السوداني باحترافية عالية وتوحّد كل الشعب خلفه تحت شعار: جيش واحد شعب واحد".
وأشار إلى أن استعادة الجزيرة تعني "عودة الأمل والحياة إلى كل الشعب السوداني، فالجزيرة الخضراء هي قلب السودان النابض" على حد تعبيره، وأضاف في حديثه للجزيرة نت "ما رأيناه اليوم في الميدان من فرار كل المليشيا وترك عتادھا، مخلفة قتلاھا من ورائھا غارقين في دمائھم، يؤكد أن شهادة وفاتها قد حُرِرت من أرض الجزيرة الخضراء".
إعلان تأثيرات مباشرةاعتبر الخبير العسكري العميد جمال الشهيد استعادة الجيش لمدينة ود مدني يعد أمرا ذا أهمية إستراتيجية، سواء من حيث الموقع الجغرافي للمدينة أو من حيث أهميتها الاقتصادية والاجتماعية، وأن "استعادة السيطرة عليها تعني تحسّن الوضع الأمني في المنطقة، وتعزيز السيطرة على المناطق المحيطة بها".
وتوقع في حديثه للجزيرة نت أن يكون لاستعادة الجيش لود مدني تأثير إستراتيجي وعسكري بتأمين خطوط الإمداد للقوات المسلحة، "مما يسهل من تحركاتها ويعزز من قدرتها على تنفيذ عمليات أخرى، ويضع المزيد من الضغط على الخصم، بشكل قد يدفعهم إلى إعادة النظر في إستراتيجياتهم أو البحث عن حلول سياسية".
وقال إن "نجاح الجيش في تحرير ود مدني يساعد في تعزيز الأمن القومي، ومنع تمدد الصراعات في مناطق أخرى، وسيعجل بعودة النازحين إلى ديارهم"، وأضاف أنه أيضا "يعزز من موقف الحكومة في أي مفاوضات سياسية مستقبلية، ويزيد من مصداقيتها أمام المجتمع الدولي، ويشجع على الحوار السياسي، بدفع الأطراف المختلفة للعودة إلى طاولة المفاوضات، بحثًا عن تسوية سياسية للنزاع".
ولم يستبعد الشهيد كذلك أن يكون لاستعادة ود مدني تأثير اقتصادي، بعودة الأنشطة والأسواق والمشاريع الاقتصادية في المدينة التي تُعتبر مركزًا اقتصاديا مهما، خاصة القطاعات الزراعية والتجارية، وإعادة ترميم البنية التحتية المتضررة مثل الطرق والمرافق الصحية والمؤسسات التعليمية.
وقال الخبير العسكري إن "انتصار الجيش الكبير يعزز من استقرار الدولة بشكل عام، ويرفع الروح المعنوية للجيش وللقوات الداعمة له وللسكان المحليين، الذين يرون في هذا التحرير خطوة نحو الاستقرار واستعادة الحياة الطبيعية تدريجيا، ويشجع على مواصلة العمليات العسكرية في مناطق أخرى، مما قد يؤدي إلى مزيد من النجاحات والانتصارات".
إعلانوأكد أن فقدان الدعم السريع سيطرته على مدينة بحجم وأهمية ود مدني قد يؤدي إلى إضعاف قدراتهم العسكرية والمعنوية، "وسيكون لهذا الانتصار تأثير على التوازن السياسي في البلاد، سواء من حيث تعزيز موقف الحكومة أو الجيش في أي مفاوضات مستقبلية".
يذكر أن قوات الدعم السريع كانت قد استولت على مدينة ود مدني في 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قبل أن يستعيدها الجيش مجددا اليوم، كخطوة جديدة من خطوات تقدم القوات المسلحة السودانية وملاحقتها للدعم السريع، حيث استعادت من قبل كلا من مدن سنار، وسنجة، والدندر، والسوكي، وأم القرى، والشبارقة، وأحياء كثيرة بالعاصمة الخرطوم وغيرها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع الشعب السودانی الجیش السودانی القوات المسلحة استعادة الجیش مدینة ود مدنی للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
أسئلة النزاعات المسلحة بأفريقيا في منتدى مركز الجزيرة للدراسات
في الجلسة الأولى لمؤتمر "أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة" -الذي ينظمه مركز الجزيرة للدراسات بالدوحة- ناقش باحثون وخبراء وصحفيون قضايا معقدة تتعلق بالنزاعات المسلحة في القارة الأفريقية، وأثرها على الأمن والسيادة والتنمية، وقد توزعت الجلسة الأولى على 3 محاور رئيسية تناولت كل منها زاوية مختلفة.
أزمة الشرعية وانعدام الأمن في الساحل الأفريقيفي المحور الأول من الجلسة تناول الدكتور نبيل زكاوي الباحث في الدراسات السياسية والدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في المغرب واحدة من أكثر القضايا إلحاحا في القارة الأفريقية، وهي التحديات الأمنية التي تواجه منطقة الساحل.
وأوضح زكاوي أن هذه المنطقة -التي تضم دولا مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو- تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى بؤرة ساخنة للاضطرابات، حيث تتقاطع فيها أزمات الشرعية السياسية مع هشاشة البنى القانونية والمؤسساتية، مما جعلها مسرحا مفتوحا للعنف وعدم الاستقرار.
وأشار إلى أن غياب أنظمة قانونية فعالة قادرة على معالجة المظالم الاجتماعية والسياسية ساهم في تعميق حالة الاحتقان، إذ يجد المواطنون أنفسهم أمام مؤسسات ضعيفة غير قادرة على تلبية مطالبهم أو توفير الحماية لهم.
هذا العجز الحكومي انعكس مباشرة على الأمن المجتمعي، ودفع أعدادا متزايدة من الشباب إلى الانضمام للجماعات المسلحة التي تقدم نفسها بديلا عن الدولة، سواء عبر خطاب ديني أو عبر وعود بالعدالة والانتقام من المظالم القائمة.
كما لفت زكاوي إلى أن ضعف سيطرة الحكومات المركزية على الأطراف وهشاشة الحدود بين هذه الدول جعلا المنطقة عرضة لاختراقات أمنية متكررة، حيث تتحرك الجماعات المسلحة بحرية نسبية عبر الحدود، مستفيدة من الطبيعة الجغرافية الوعرة ومن غياب التنسيق الأمني الفعال بين الدول.
إعلانوأضاف أن منطقة الساحل أصبحت محورا للتدخلات الخارجية، حيث ركزت القوى الدولية والإقليمية على المقاربة العسكرية باعتبارها الحل الوحيد، متجاهلة البعد التنموي والاجتماعي.
وأوضح أن هذا التركيز على الأمن العسكري دون معالجة جذور الأزمة الاقتصادية والسياسية ساهم في إعادة إنتاج العنف بدلا من احتوائه.
وانتقد زكاوي أيضا إهمال القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا البعد التنموي، مشيرا إلى أن تدخلاتهما العسكرية كثيرا ما جاءت في إطار حماية مصالحهما الإستراتيجية أكثر من كونها استجابة فعلية لاحتياجات شعوب المنطقة.
كما أن المنظمات الإقليمية -بحسبه- لم تختلف كثيرا عن القوى الدولية، إذ ركزت هي الأخرى على الحلول الأمنية والعسكرية، مما جعل التنمية والعدالة الاجتماعية خارج دائرة الاهتمام.
وختم زكاوي مداخلته بالتأكيد على أن معالجة التحديات الأمنية في الساحل لا يمكن أن تتم عبر المقاربة العسكرية وحدها، بل تحتاج إلى رؤية شاملة تعالج جذور الأزمة من خلال بناء مؤسسات شرعية قوية وتطوير أنظمة قانونية قادرة على تحقيق العدالة، إلى جانب الاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيد الثقة بين المواطن والدولة.
شرق الكونغو.. صراع الموارد والقوى الدولية والإقليميةأما المحور الثاني فقد خُصص لمناقشة الوضع في شرق الكونغو الديمقراطية، حيث قدّم الصحفي عبد الرحمن مبيريك المتخصص في الشأن الأفريقي بقناة الجزيرة قراءة تاريخية ومعاصرة للصراع في منطقة البحيرات الكبرى.
وأوضح مبيريك أن جذور الأزمة تعود إلى الحقبة الاستعمارية حين رسخت القوى الاستعمارية تمايزا بين القبائل، ضاربا مثلا بما حدث مع الهوتو والتوتسي، حيث فضّل المستعمر الأخيرة لأنها كانت أكثر انسجاما مع مصالحه.
هذا الإرث الاستعماري ترك ندوبا عميقة في البنية الاجتماعية والسياسية للمنطقة، وأدى إلى استمرار الصراعات حتى اليوم.
وأضاف أن شرق الكونغو ظل منذ البداية مسرحا لصراعات على الموارد، إذ تحتكر المنطقة نحو 80% من المعادن الثمينة، مما جعلها هدفا للتنافس الدولي بين الدول الكبرى، خاصة الصين والولايات المتحدة.
وأشار مبيريك إلى أن هذا التنافس على الثروات الطبيعية غذّى النزاعات الداخلية، وحوّل الموارد إلى لعنة بدلا من أن تكون نعمة.
كما تناول مبيريك جهود الوساطة الدولية، موضحا أن الولايات المتحدة وقطر حاولتا التوسط لإيجاد حلول للصراع، لكن تعقيد المشهد وتعدد الأطراف المتدخلة جعلا الوصول إلى تسوية شاملة أمرا بالغ الصعوبة ويحتاج إلى وقت، خاصة مع رؤية بضرورة تمرحل حل المشكلات.
التدخلات العسكرية الأجنبية.. المصالح الإستراتيجية ومزاعم حفظ الأمنوفي المحور الثالث تحدّث الباحث المالي محمد بن مصطفى سنكري من جامعة أفريقيا الفرنسية العربية في باماكو، حيث ركز على التناقض بين الشعارات الأمنية والمصالح الاقتصادية للقوى الدولية في القارة.
وأوضح سنكري أن الموارد الأفريقية كانت ولا تزال محل تنافس شرس بين القوى الكبرى، وأن التدخلات الأمنية غالبا ما تخفي وراءها أهدافا اقتصادية وإستراتيجية.
إعلانواعتبر أن هذا التناقض الصارخ يعكس استمرار الإرث الاستعماري الذي زرع مشكلات مصطنعة بين الشعوب الأفريقية، وأبقى القارة في حالة من الانقسام والضعف.
وأكد الباحث أن الحل يكمن في بناء اقتصادات وطنية قوية، وتنمية الموارد المحلية، وتعزيز العلاقات الإقليمية بين الدول الأفريقية بعيدا عن التبعية للخارج.
كما شدد على الحاجة الملحة لفهم الخلافات الأفريقية من منظور داخلي، وعدم الاكتفاء بالحلول المفروضة من الخارج.
وأشار سنكري إلى المفارقة الكبرى التي تعيشها القارة، فهي غنية بالموارد الطبيعية لكنها تعاني من مستويات عالية من الفقر، وهو ما يعكس سوء إدارة الثروات وتغليب المصالح الخارجية على مصالح الشعوب.
وقد أجمع المشاركون على أن النزاعات المسلحة في أفريقيا ليست مجرد صراعات محلية، بل هي انعكاس لتداخل عوامل داخلية وخارجية، من ضعف الشرعية وهشاشة المؤسسات إلى التنافس الدولي على الموارد.
وأكدوا أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي، وأن الحلول المستدامة تتطلب معالجة سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة.
كما شددوا على أن القارة الأفريقية بحاجة إلى رؤية جديدة تعيد الاعتبار للسيادة الوطنية، وتضع التنمية في صدارة الأولويات، بما يضمن استقرارا طويل الأمد ويحول دون استمرار دوامة العنف.
وطرح المؤتمر أسئلة كبرى عن مستقبل الأمن والسيادة في أفريقيا، وأسهم في تسليط الضوء على التحديات المعقدة التي تواجهها القارة في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، ليبقى السؤال مفتوحا: هل تستطيع أفريقيا أن تتحرر من إرثها الاستعماري وتبني مسارا مستقرا نحو التنمية والاستقرار؟