يمثل يوم 14 كانون الثاني/ يناير من كل سنة منذ 2011 محطة لإحصاء الإنجازات ولتقييم "مسار ثورة" لم يدعها خصومها تستوي على ساقها ولم ينجح أنصارها في تثبيت هيبتها، محطة لمحاولة فهم ما حدث بعد سنة 2011، وللإجابة عن أسئلة تتناسل مع القدامى ومع الجيل الجديد حول من قام بالثورة ومن أفشلها وحول كيف يمكن استئنافها.



هذه السنة دعت جبهة الخلاص الوطني، باعتبارها أوسع مكون سياسي معارض لسلطة قيس سعيد، إلى وقفة احتجاجية في الذكرى 14 لهروب بن علي، وقد جاء في بيانها:

"وقفة احتجاجية بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة للثورة التونسية تخليدا لدماء الشهداء ونضالات التونسيات والتونسيين، من أجل تونس حرة وديمقراطية وتمسكا بأهداف الثورة ومكاسبها، بما في ذلك حكم المؤسسات والفصل بين السلط وعلوية القانون وضمان الحريات والحقوق والعدالة الاجتماعية".

وهي دعوة تأتي بعد مدة توقفت فيها الجبهة عن التحرك ضد قيس سعيد، ربما بسبب ما حدث في انتخابات 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 حين أعلنت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات عن فوز قيس سعيد بدورة ثانية لرئاسة تونس وبنسبة مئوية عالية، وقد وجدت المعارضة بمختلف مكوناتها نفسها محرجة فلا هي تعلن صراحة معارضتها لشرعية الانتخابات ولا هي تعبر عن قبولها بالنتائج وتعترف لقيس سعيد بكونه رئيسا شرعيا للبلاد.

ارتباك الموقف هو الذي سينتج عنه ارتباك في الأداء، فالاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية يقتضي أن يكون فعل المعارضة من داخل منظومة 25 تموز/ يوليو، أي ضمن مشروع قيس سعيد، وأما عدم الاعتراف فيترتب عنه رفضٌ للسلطة القائمة ودعوة لإسقاطها وفق مبادئ الثورة وليس وفق ما تسمح به السلطة القائمة
ارتباك الموقف هو الذي سينتج عنه ارتباك في الأداء، فالاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية يقتضي أن يكون فعل المعارضة من داخل منظومة 25 تموز/ يوليو، أي ضمن مشروع قيس سعيد، وأما عدم الاعتراف فيترتب عنه رفضٌ للسلطة القائمة ودعوة لإسقاطها وفق مبادئ الثورة وليس وفق ما تسمح به السلطة القائمة. منذ 25 تموز/ يوليو 2021 كانت تحركات المعارضة بترخيص من السلطة القائمة حتى وهي ترفع شعارات إسقاط قيس سعيد واستعادة الشرعية، وهنا يتساءل مراقبون: كيف يمكن مواجهة سلطة قائمة بالتزام قوانينها؟ وهل تكون المعارضة باحتجاجاتها المرخص لها تقدم خدمة للسلطة القائمة، إذ تشهد لها بكونها سلطة ديمقراطية تراعي حق الاختلاف وحق الاحتجاج رغم ما تمارسه من ملاحقة لعدد من القادة السياسيين ومن الإعلاميين والمدونين بتهمة التآمر أو الفساد؟

بعد مفاجأة دخول الجماعات المقاتلة دمشق وسرعة تهاوي السلطة السورية وفرار الرئيس، استعاد طيف من المعارضة الأمل في إمكانية إسقاط حكم قيس سعيد، رغم اختلاف السياقات واختلاف الوضعية الإقليمية لكل من تونس وسوريا، واختلاف الأطراف المتداخلة في الحالتين، ثم في اختلاف طبيعة "الخصومة" في الدولتين. ففي تونس "الخصومة" سياسية تستعمل فيها المعارضة طرائق سلمية، مراعية قانون البلاد وملتزمة باتباع الإجراءات التي تفرضها السلطة؛ وأولها طلب تراخيص التظاهر والنشاط، وأما في سوريا فالنزاع كان مسلحا بين السلطة ومعارضيها والحسم كان للسلاح وليس بضغط الشارع سواء بدوافع اجتماعية أو بدوافع سياسية وحقوقية.

وهنا يبدو استدعاء الحالة السورية للراهن التونسي هو استدعاء عاطفي غير عقلاني، بل إن السلطة قد تجد فيه دليل اتهام لمعارضيها بكونهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالسلمية؛ وإنما هم في حقيقتهم دعاة عمل مسلح لحسم الصراع على الحكم.

بعد مفاجأة دخول الجماعات المقاتلة دمشق وسرعة تهاوي السلطة السورية وفرار الرئيس، استعاد طيف من المعارضة الأمل في إمكانية إسقاط حكم قيس سعيد، رغم اختلاف السياقات واختلاف الوضعية الإقليمية لكل من تونس وسوريا، واختلاف الأطراف المتداخلة في الحالتين، ثم في اختلاف طبيعة "الخصومة" في الدولتين
وفي الوقت الذي تحاول فيه جبهة الخلاص استئناف "مقاومتها" لسلطة قيس سعيد على وقع سقوط نظام دمشق، يراهن البعض، وهذا البعض قليل، على إمكانية حصول انفراج سياسي يبدأ بإطلاق سراح المساجين السياسيين تليه دعوة الى حوار سياسي واجتماعي مع كل مكونات المعارضة. هذه المراهنة تستند إلى إشارات غير واضحة يتم تأويلها تأويلا لا يجد ما يؤكده، وإنما هو أقرب إلى الأمنيات.

الاشارة الأولى كانت على لسان شقيق الرئيس قيس سعيد حين تكلم في إحدى الاذاعات عن تهدئة قادمة، داعيا المعارضة الى الاعتراف بنتائج الانتخابات، أما الإشارة الثانية فكانت على لسان قيس سعيد نفسه بعد سقوط النظام السوري حين أكد أن الوضع يحتاج "وحدة وطنية صماء".

لم يصدر عن السلطة ما يؤكد تفاؤل بعض السياسيين والمتابعين، حتى ذهب بعض المحللين الى القول بأن المقصود بـ"الوحدة الصماء" إنما هي وحدة النظام وأنصاره وليست وحدة التونسيين حكما ومعارضة.

وفي الوقت الذي تحاول فيه المعارضة الاستثمار في أخطاء السلطة وفي الأزمة الاجتماعية وتأمل أن يثور الناس بسبب صعوبة الأوضاع المعيشية ونقص العديد من المواد، خاصة وأن شهر كانون الثاني/ يناير في تونس هو شهر الاحتجاجات، فإن السلطة من جانبها تضاعف جهدها في محاولة معالجة بعض المشاكل التي قد تكون صاعق انفجار اجتماعي، من ذلك إعلان قيس سعيد إدماج المدرسين النواب بعد إعلانهم الإضراب بيوم واحد، وأيضا دعوته رئيس حكومته ووزير الشؤون الاجتماعية إلى الإسراع بمعالجة قضايا الناس. وقد تابع التونسيون تحركات قيس سعيد الميدانية، فيراها أنصاره التصاقا عمليا بهموم الناس ويراها معارضوه محاولة امتصاص لحالة احتقان قد تنفجر قريبا على وقع أزمة الحريات وأخبار المحاكمات.

والسؤال القائم دائما هو المتعلق بمدى قدرة المعارضة على تجاوز حساباتها الخاصة والحال أنها لم تتعاف بعد من خصوماتها الأيديولوجية، والسؤال متعلق أيضا بمدى قيام الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية بمراجعات حقيقية يجيبون فيها عن سبب ما انتهينا إليه كتونسيين من إيقاف لمسار التدرّب الديمقراطي، ومن عودة الى مشاهد المحاكمات وخطابات التخوين والتحريض، ومن تفاقم لأزماتنا في كل المجالات، في طقس عالمي ملتهب بالصراعات والعداوات.

x.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ثورة جبهة الخلاص قيس سعيد التونسية سوريا سوريا تونس ثورة قيس سعيد جبهة الخلاص مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قیس سعید

إقرأ أيضاً:

المعارضة الإسرائيلية تهاجم حكومة نتنياهو: قادتنا إلى كارثة سياسية ويجب وقف الحرب

أكد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، أن الحكومة الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، قادت البلاد إلى "كارثة سياسية"، في إشارة إلى رغبة رئيس الوزراء بإطالة أمد حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ نحو عامين.

وقال لابيد في منشور عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا): "هذه الحكومة قادتنا إلى كارثة سياسية. فشل يتبع فشلا"، وذلك تعليقا على استمرار الحرب في غزة وعدم التوصل إلى اتفاق لإنهائها.

وأضاف أن "رئيس وزراء غائب عن الساحة السياسية، ووزير الخارجية (جدعون ساعر) عديم الفائدة، ووزراء يعرّضون جنود الجيش الإسرائيلي للخطر في كل مرة يفتحون فيها أفواههم".


وتتهم المعارضة الإسرائيلية وعائلات الأسرى نتنياهو بالانصياع للتيار الأكثر تطرفا في حكومته ممثلا في وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، وعدم الرغبة في إنهاء الحرب في غزة حفاظا على ائتلافه الحكومي، بحسب ما ذكرت وكالة "الاناضول".

والاثنين، منعت الحكومة الهولندية، سموتريتش وبن غفير من دخول أراضيها، واعتبارهما شخصيين غير مرغوب فيهما، وذلك على خلفية دعوتهما لتطهير عرقي في غزة.

ومرارا، أعلنت حماس تعاطيها بإيجابية مع المفاوضات الدائرة منذ أكثر من 20 شهرا لإنهاء الحرب، لكن نتنياهو يتهرب بطرح شروط جديدة، بينها نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، ويصر حاليا على إعادة احتلال غزة.

من جانبه، قال زعيم حزب "الديمقراطيين" يائير غولان في كلمة بثها على منصة "إكس" مساء الثلاثاء: "لم تعد هذه حكومة نتنياهو، بل حكومة سموتريتش وبن غفير".

وأضاف غولان: "نتنياهو ضعيف وجبان، ومن يحكم فعليا هم مستوطنان (سموتريتش وبن غفير) من شبيبة التلال، كاهانيان (نسبة إلى الحاخام مائير كاهانا مؤسس حركة كاخ اليهودية المصنفة إرهابية في إسرائيل) حولا نتنياهو إلى أداة طيعة في أيديهما".


وشبيبة التلال جماعات يهودية هي الأكثر تطرفا من بين المستوطنين تسكن في البؤر الاستيطانية بالضفة الغربية المحتلة وتنفذ جرائم بحق فلسطينيين بما في ذلك اعتداءات وحرق ممتلكات.

ومضى غولان: "سموتريتش وبن غفير هما الهامش الأكثر تطرفا في المجتمع الإسرائيلي، وهما من يحددان اليوم سياسات الحكومة الإسرائيلية، اللذان يرسلان أولادنا للموت في المعركة، وينسفان صفقات إطلاق سراح المختطفين ويطيلان أمد هذه الحرب إلى الأبد".

وتابع: "علينا أن نوقف هذه الحرب، وإعادة جميع المختطفين إلى الوطن. مواطنو إسرائيل يريدون الأمن والديمقراطية، لا التضحية بأبنائنا".

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تشن "إسرائيل" حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، نحو 206 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.

مقالات مشابهة

  • الفزعة البدوية والحق في المشاركة السياسية
  • المشيشي يتحدث عن احتجازه في قرطاج عند انقلاب قيس سعيد
  • سيناتور أميركي: احتجاجات تونس تظهر أن سعيد فقد شرعيته
  • الذكرى الأولى لاستشهاد إسماعيل الغول ورامي الريفي
  • جنوب السودان يتهم كينيا
  • لفتيت يعتبر التشكيك في حياد السلطة خلال انتخابات 2021 "تحقيرا" لإرادة الناخبين
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو تقودنا إلى كارثة سياسية
  • متى سيستأنف الطيران الجزائري رحلاته إلى بيروت؟
  • المعارضة الإسرائيلية تهاجم حكومة نتنياهو: قادتنا إلى كارثة سياسية ويجب وقف الحرب
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية مهاجمًا نتنياهو: انت وحكومتك عديمو الفائدة