لجريدة عمان:
2025-06-03@04:37:11 GMT

تفكير المؤلف المبدع بالسينوغرافيا

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

فـي سياق إقامة الدورة الخامسة عشرة لمهرجان الهيئة العربية للمسرح بالسلطنة، ووجود عروض مسرحية عربية (الملجأ، ذاكرة صفراء، المؤسسة، سيرك، هاجّة (بوابة 52) ماكبث المصنع، البخارة، عد عكسي، بين قلبين، هُم، نساء لوركا، كيف نسامحنا؟، ريش، وغصة عبور)، وعرض عماني واحد هو (أسطورة شجرة اللبان)، تسير العروض جميعها فـي مسارين؛ الأول تتنافس فـيه على جائزة صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي، والمسار الثاني خارج التنافس، تنافست العروض على تقديم رؤى إخراجية بصرية جاذبة، راهنت على بقاء المتفرج طيلة العرض، بينما أصاب بعض العروض الترّهل والفوضى الإخراجية والبصرية.

شغلني هذا السؤال: كيف يُفكر المؤلف الدرامي المسرحي فـي السينوغرافـيا؟ أين مكانه فـي جوهر هذا الاشتغال؟ جرت العادة فـي البداية أن التفكير فـي السينوغرافـيا هو شأن يخصّ مخرج العرض المسرحي. وهذا صحيح إلى حد كبير. أما سؤالي السابق فلا يناقش، وذلك انطلاقا من جدلية ثابتة أن علاقة المؤلف مع نصّه تنتهي بمجرد وصول النص إلى المخرج. وعلى ذلك الأساس يتمحوّر اشتغال المخرج مع مصمم السينوغرافـيا والدراماتورغ لتقديم رؤية فنية تشكيلية وبصرية فـي فضاء العرض المسرحي وغيرها من الفضاءات.

إن السينوغرافـيا علمٌ وفنٌ قوامه تبئير فنون عدة هي: الديكور والإضاءة والزّي والإكسسوار والأقنعة والمؤثرات الخاصة من إضاءة ومؤثرات سمعية وبصرية فـي رؤية زمكانية وفلسفـية وصوفـية للعالم. وأقصد بالرؤية الزمكانية هي (الآن-هنا)، أما الرؤية الفلسفـية فهي مجموع تصورات النصّ الدرامي المسرحي ومنطلقاته الفكرية وأسئلته حول العلاقات الإنسانية المعقدة، أما الرؤية الصوفـية فهي السير بالصورة المشهدية إلى جماليات يتجلى من خلالها الإخراج المسرحي كتلة واحدة لفضاء العرض الدرامي.

تنبع فعالية السينوغرافـيا وقيمتها الأساسية كما يعرّفها المعجم المسرحي من قيامها ببحث «علاقة الإنسان (الممثل والمخرج) بالفضاء المسرحي. وعلاقة العناصر المسرحية بعضها ببعض بما فـيها الخشبة والصالة». وانطلاقا من هذا فإن المؤلف المبدع يعتبر السينوغرافـيا عنصرًا مهما من عناصر العرض المسرحي، وأهميتها لا تقل عن أهمية القيم الدراماتيكية للنصّ الدرامي.

المؤلف المبدع يَبني نصه الدرامي بالكلمات، وكل كلمة لها دلالات متعددة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السينوغرافـيا لها دلالات كثيرة، إنها توسع من ملفوظ الحوارات لتمنح فضاء العرض أبعادا جمالية للكشف عن طبيعة الشخصيات والصراع والزمان والمكان. بهذا المعنى فالسينوغرافـيا «تعمل على استثمار الفضاء المسرحي كفراغ من أجل إعطاء المسرح بعدا شعريا».

المؤلف المبدع الذي يهتم بفكرة نصّه الدرامي عليه أن يواكب التطور الحاصل فـي السينوغرافـيا وتنوعها من حيث قدرة السينوغرافـي على تكوين الصورة البصرية بأرقى المعاني الجمالية، ويتحقق ذلك عن طريق جسد الممثل فـي الفراغ، واللعب بالألوان والإضاءة والمؤثرات جميعها وخطوط العرض والطول والظل.

يعود الفضل إلى التطور الحاصل فـي سينوغرافـيا العرض المسرحي إلى ثورة التكنولوجيا بدءا مع المخرج فـيسفولد ميرهولد الذي «قدم نظرية بنائية على تناغم الخطوط الأفقية والعمودية فـي فراغ الخشبة للتوصل إلى شكل عرض يقوم على رفض الإيهام». والعبقري جوردون كريغ الذي كان «يحلم بذرات مضيئة تملأ الفراغ المسرحي، وتصطدم ببعضها لتحقق أشكالا وآلافا من النقاط الملونة»، وأدولف آبيا، وصولا إلى السينوغراف التشيكي جوزيف زفوبودا «وتصوره للصورة المسقطة على الشاشات والمسطحات»، والسينوغراف جوزيف شاينا، والمخرج روبرت ولسون «وابتكاره للمسرح البصري المعتمد على التقنيات الحديثة لإسقاط الصورة على خشبة المسرح»، وساحر المسرح روبرت ليباج.

وجود المؤلف المبدع يفترض جدلا وجود المخرج المبدع «الذي قد يستخدم المِقصّ الحّاد لقص مفردات النصّ ليفرض رؤاه الإخراجية على كل صغيرة فـي العملِ أو كبيرة». ولا شك فـي أن وجود المخرج المبدع يَفترض بالضرورة وجود السينوغراف المتطوّر الذي يُجيد التعامل مع الخشبة، وإلا فإنّ جزءا من الفشلِ أو الخَلل سَوف يؤدي إلى إصابة العرض المسرحي بالترّهل واللا انسجام وفقد الإيقاع.

الممثل المسرحي فـي أثناء تأديته للشخصية الدرامية على الخشبة تكون وسيلته هي الفعل والحوار. أما المخرجون والسينوغرافـيون والدراماتورجيون المعاصرون فإنهم -يجيدون فـي عصر هيمنة الآلة والتكنولوجيا والرقميات وعلوم البرمجيات- التضحية بالكلمة وجعلها فـي مرتبة ثانية. إنهم مؤمنون بقدرتهم على خلق عالم جديد أو مغاير لعالم النص الدرامي، ولكلمات المؤلف المسرحي. فتجدهم يؤثثون الخشبة بلغات حركية وتشكيلات ديناميكية وأصوات بشرية وموسيقية غائرة فـي العمق، يطمحون من ورائها إلى تثبيت رؤية معاصرة تصل بين زمنيّ الماضي والحاضر، وبين بعثيِّ الميلاد والموت، وبين شهقتيّ القدوم إلى الحياة أو مغادرتها.

أين هو إذن موقع المؤلف المبدع؟

إن الجهد الذي يبذله العاملون على الخشبة لإخراج العرض المسرحي المبدع، ينطلق من بذرة النص الدرامي الخلاّق. من خلال تجربتي فـي تأليف النص المسرحي وممارسة البحث النقدي، أجد أن النقطة التي ينطلق منها الكاتب المسرحي، وهو يفكر بالسينوغرافـيا يبدأ من اللغة وحوار الشخصيات وتمتع السينوغراف بتأويل الكلمات إلى معاني بصرية.

فـي تجربتي لكتابة مسرحيتي (البئر-1997م) التي أخرجها الكاتب المخرج محمد خلفان، تكوّن النصّ من ثماني شخصيات ومجموعة أطفال متفاوتي الأعمار وأغان تراثية مستوحاة من البيئة والألعاب الشعبية الظفارية فـي جنوب عُمان ولافتات كُتب عليها إرشادات بخط طفولي. يغوص النص فـي أبعاد سحيقة للميثولوجيا والتراث الحكائي للمجتمع المحلي. شخصيات المسرحية تعيش فـي عالمين متناقضين، العالم الأول يتكون مما يراه الناس، ويصطلحون عليه كشكل اجتماعي تقليدي بسيط. فالرجال يعملون فـي البحر والنساء يعملن فـي صناعة الخبز وبيعه، وفـي لحظة استعادة الرجال والنساء لماضيهم يتذكرون أنهم كانوا أطفالا يلعبون ويكبرون ويتزوجون فنسوا الغِناء. ويتكون العالم الثاني الباطني من الإيمان العميق بالطقوس والغيبيات والسحر.

انبنى الطموح السينوغرافـي لعرض المسرحية من خلال فضاء خشبة عارية بتعبير بيتر بروك، وممثلين يرتدون قمصانا بيضاء وبناطيل سوداء. كان هناك قماش أبيض بلغ طوله (12- 12) مترا. وَظف المخرج من خلاله شفافـية الأصوات القادمة من البئر: طفولة الماضي، السحرة، الألعاب الشعبية وأغاني الأطفال، والبئر التي سقط فـيها القمر. رغم فداحة مصير الشخصيات وحالات انفصالها عن الواقع واتصالها مع الميثولوجيا، إلا أن الدرس الجمالي للمخرج والسينوغرافـيا جعل الشعور النفسي بالعرض المسرحي متوترا، ومنقادًا إلى نهاية مفجعة.

أما بالنسبة إلى (البئر) فـي المسرحية، فكانت تتمدد فـي الزمان، وفـي الأغاني والأصوات الدالة على بيئات متعددة كاليابسة والبحر، ومجموعة من الأوهام والطقوس التي ستودي بحياة الشخصيات إلى الفقد والبكاء، أو إلى التجمع العائلي والفرح.

إن نغمة ذلك الغناء بنبراته الحزينة يُماثل عمق البياض الذي ظلت تبحث عنه شخصيات مسرحية (البئر)، وهو صوت النغمة التي طغت على أحداث المسرحية، إنها نغمة الأسر أو السجن.

كنتُ أفكر كيف سيحوّل المخرج ومصمم السينوغرافـيا كلمات النص إلى مجاز من الأصوات والظلال والتشكيلات الجسدية والأداءات الدرامية والرموز التعبيرية الدالة على الميثولوجيا. بإيجاز، كيف يجعل السينوغرافـي أعماق (البئر) الإنساني ساحرًا؟ وكيف يتحول هذا السحر إلى مكان واقعي سهل التخيّل؟

فـي (البئر) استخدمتُ كلمات حقيقية، دون أن يحيط بها شيء من الالتباس أو الألغاز. إن للكلمات ذاكرة. إن كل معنى يطلع على خشبة المسرح تكشف عنه جماليات السينوغرافـيا ككل، سواء فـي الإضاءة المتطورة أو المنظور العام، إنما هو ذاكرة الكلمات التي صاغها المؤلف المسرحي؛ كلمات تحتفظ بقوتها التعبيرية المكثفة.

إن الكاتب المسرحي، عندما يكتب مشهده الأول بالكلمات، يعمل على فتح بوابة المسرح/ أو العالم على الأبدية، وعلى الفضاء الحُّر الواسع الممتد اللانهائي، كما يقوم بغلقه. وما على المخرج ومصمم السينوغرافـيا والدراماتورغ سوى البحث فـي علاقة الكلمة وأحوالها الحقيقية أو المجازية فـي معاني الإبداع المسرحي الممكنة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العرض المسرحی المبدع ی

إقرأ أيضاً:

أحمد أمين لـ «الأسبوع»: جمعت بين الممثل والكوميديان.. وأقوم بدور جاسوس في «النص 2»

فرض الفنان أحمد أمين وجوده بقوة على الساحة الفنية خلال السنوات القليلة الماضية، منذ ظهوره الأول في عام2028 بمسلسله «الوصية»، حيث توالت أعمال الـ «ستاند أب كوميدي» منذ ذلك الحين، وخلال حواره مع «الأسبوع»، كشف الفنان أحمد أمين عن كواليس مسلسله «النص» الذي عرض في شهر رمضان الماضي وحقق نجاحًا كبيرًا، وكذلك الأعمال التي يستعد للقيام بها المرحلة المقبلة.

ـ بداية.. ما حقيقة تقديم جزء ثان من «النص»؟ وكيف ستدور الأحداث؟

بالفعل يقوم مؤلفو المسلسل بكتابة الجزء الثاني منه، وتدور أحداثه حول اضطرار «النص» أن يجمع فريقه والعودة للعمل وقت الحرب العالمية الثانية ولكن ليس كنصاب هذه المرة بل كجاسوس.

ـ كيف يصنف أحمد أمين نفسه كممثل؟ تراجيدي أم كوميدي؟

الممثل هو الذي لديه القدرة على تجسيد الشخصيات والمشاعر، ويمكن أن يكون ذلك في عمل كوميدي أو تراجيدي أو أكشن، ولنا مثال مميز جدا وهو الراحل أحمد زكي قدم «البيه البواب»، كما قدم «زوجة رجل مهم»، أما «الكوميديان» فهو الفنان الذي يصنع محتوى غالبا بنفسه ويقدمه هو مثل «ستاند اب كوميدي» أو الكوميدي مونولوج الذي كنت أقدمه في برنامج «البلاتوه»، أنا جمعت بين المهنتين ولا يشترط أن يكون الممثل كوميديان أو العكس، وأحب كلاهما إلا أنني اعتبر نفسي ممثل ثم كاتب ثم كوميديان.

ـ هل يتدخل أحمد أمين لاختيار الممثلين الذين يشاركون في أعماله؟

أنا لا أتدخل في الاختيارات، ولكن كل من المخرج حسام علي و المنتج تامر مرتضى كانا يتواصلان معي لنتشارك الرأي في موضوع اختيار الممثلين وكنت أشعر بارتياح كبير لاختياراتهم، وأظن أن الفنان يحتاج أن يتعاون مع مخرج وجهة إنتاج يثق فيها ليتفرغ لعمله كممثل، والحمد لله الكواليس كانت ممتعة بشكل كبير جدا، الكل يحب عمله ويحب المشروع، وهذا هو الرابط الأساسي بيننا جميعا.

ـ دائما ما تظهر وجوه شابه في أعمالك.. ما السر وراء ذلك؟

عبد الرحمن محمد، وميشيل ميلاد، ليسو وجوه جديدة فلقد قدما أعمالا من قبل، ولكن أتوقع لهما انطلاقة كبيرة بعد هذا المسلسل، وأتمنى ذلك. وعموما هناك دائما وجوه شابة تظهر في كل الأعمال تقريبا، فكرة أن الفنان في بداياته يتميز وينطلق بسبب مشاركته العمل معي هذا أمر لا دخل لي فيه، هو هدية من ربنا لي، وانا أحب أن أكون «وشي حلو على كل الناس».

ـ المخرج الجيد هو نصف العمل.. ما رأيك في هذه المقولة؟

لا شك في ذلك، فالمخرج هو من يقوم بحكي الحكاية ويتحكم في إيقاع العمل ويوجه الممثلين بل ويدير معظم كواليس المشروع.

ـ ما هي معايير العمل الناجح من وجهة نظر أحمد أمين؟

بالنسبة لي كممثل العمل الناجح هو الذي يضيف شيئا جديدا للفنان في إمكانياته ومشواره وفي علاقته بالجمهور، أنا انتظر من كل الأعمال القادمة أن تتحداني وتدفعني للمذاكرة والاجتهاد.

ـ بعد «الصفارة» و«النص».. ما سر اختيار أحمد أمين لفكرة المسلسلات القصيرة ذات الـ15 حلقة؟

القصة هي التي تفرض نفسها حسب طبيعتها، فهناك أعمال تصميمها وقصتها تحتمل عدد حلقات كبير، وهناك من يحب ذلك ويتابعه وأيضاً هناك العكس، ولكن لا شك أن الحلقات الأقل تعطي للصناع فرصة أفضل إذا كان مطلوبا منهم إنجاز العمل في فترة اقصر غالبا.

ـ هل يفكر أحمد أمين في التواجد السينمائي خلال المرحلة المقبلة؟

نعم.. دعواتك

ـ حدثني عن الشخصية التى تحلم بتقديمها ولم تلعبها من قبل؟

أنا دخلت عالم التمثيل في عام 2018 مع مسلسل «الوصية»، وكنت حريص على تقديم أعمال قليلة ولكن بشرط أن أكون في حالة عشق لكل مشروع، لذلك أنا لم أقدم شيئا بعد، لا يوجد لدي شخصية أريد تقديمها، أنا أريد أن أبدأ في تقديم شخصيات، وأحلم بالعشرات منها، فالمساحة هنا لا تسمح أن أكتب لك قائمتي.

ـ هل يمكن أن نراك قريبا فى عمل مسرحي؟

أقوم الآن بجمع مجموعة من الشباب والوجوه الجديدة لتقديم تجربة مسرحية من فنون «الارتجال»، وبالفعل بدأنا تدريبات وأتمنى أن تخرج العروض للنور في العام الحالي.

ـ ما هى أعمال أحمد أمين القادمة؟

الجزء التاني من «النص».

اقرأ أيضاًقبل عرض الحلقة الأخيرة لمسلسل «النص».. أحمد أمين يوجه رسالة للجمهور | صورة

مسلسل النص الحلقة 13.. أحمد أمين يسلم نفسه للإنجليز ودرويش يفاجئه

مسلسل النص الحلقة 13.. أحمد أمين يسلم نفسه للإنجليز ودرويش يفاجئه

مقالات مشابهة

  • الرّوائي عبد العزيز غرمول يعود إلى القصّة من بوّابة محطة دوستويفسكي الصّغيرة
  • خطوب ودروب.. مقالات ترصد الواقع المعيش وتفاعلات العالم الافتراضي
  • أحمد أمين لـ «الأسبوع»: جمعت بين الممثل والكوميديان.. وأقوم بدور جاسوس في «النص 2»
  • الليلة.. إسدال الستار على العرض المسرحي "جلجامش" على مسرح 23 يوليو بالمحلة الكبرى
  • مؤلف فى عز الضهر: فكرة تناسب عقلية أى إنسان
  • عربي21 تنشر النص الكامل لمقترح ويتكوف ورد حماس عليه
  • إسدال الستار على فعاليات الدوحة المسرحي وتكريم الفائزين بجوائز المهرجان
  • بإقبال كبير.. فرقة موط تقدم "حجر القلب" ضمن عروض الموسم المسرحي بوسط الصعيد
  • النص الكامل لرد حركة حماس على مقترح «ويتكوف» لوقف إطلاق النار بغزة
  • فرقة طهطا تقدم "حيضان الدم" ضمن عروض الموسم المسرحي