هيمنة الدولار أداة أخرى في يد ترامب
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
مرَّ أسبوع آخر وما زال الرئيس المنتخب دونالد ترامب يطلق تهديداته المتطرِّفة. ففي يوم الثلاثاء الماضي تعهد بفرض رسوم جمركية على الدنمارك عند معدل «مرتفع جدا» إذا لم توافق على بيع «جرينلاند» للولايات المتحدة. والأربعاء الماضي وردت أخبار بأنه يدرس إعلان حالة طوارئ اقتصادية وطنية لفرض عقوبات تجارية على بلدان عديدة.
لا شك أننا سنشهد المزيد من قعقعة السيوف قريبا. وسندخل إلى عالمِ ميركنتالية (نزعة تجارية) غاضبة تهيمن فيه سياسةُ القوة بشكل مطلق.
لكن ثمة مفارقة معيَّنة هنا. ففي أحاديثه عادة ما يركز ترامب معظم تهديداته على الرسوم الجمركية المرتبطة بالسلع المتداولة. لكنها ليست بالضرورة المصدر الرئيسي لنفوذه.
الصين في الواقع هي القوة المهيمنة على الصناعة العالمية من خلال سيطرتها على العديد من سلاسل التوريد، كما يشير تقرير جديد من «مشروع التخصيص العالمي لرأس المال» وهو مبادرة بحثية مشتركة بين جامعات ستانفورد وشيكاغو وكولومبيا.
لكن أمريكا تبسط نفوذها على التمويل عبر النظام المرتكز على الدولار. جاء في التقرير المذكور «التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يسيطر على حصة مهيمنة في الخدمات المالية العالمية تتجاوز في الغالب 80% أو 90% في بلدان عديدة. هذه السيطرة التي تكاد تكون كاملة على النظام المالي العالمي تمكِّن التحالف الأمريكي من استخدام التمويل بكثرة كأداة إكراه.»
ومن هنا فإن السؤال الذي يجب أن يسأله المستثمرون العالميون الآن هو: هل سيستخدم فريق ترامب هذه الأدوات الإكراهية لمعاقبة المنافسين أم سيعقد صفقات؟ فالرسوم الجمركية، بكلمات أخرى، ليست الأداة الوحيدة المتاحة له.
هذه المسألة ليست جديدة تماما بالطبع. فالحكومة الأمريكية تستخدم عملتها كسلاح باطِّراد في السنوات الأخيرة بهدف إقصاء من تتصوّر أنهم أعداؤها كإيران وروسيا من النظام المالي المرتكز على الدولار. كما فرضت أيضا عقوبات على المؤسسات المالية التي تتحدى هذا المسعى. وضغط ماركو روبيو المرشح لتولي وزارة الخزانة الأمريكية على شركة مورجان ستانلي كابيتال انترناشونال (إم إس سي آي) الأمريكية لاستبعاد الشركات الصينية من مؤشراتها وخدماتها المالية الأخرى.
من المؤكد أن فريق ترامب سيتمسك بهذا. بالإضافة إلى ذلك، هدد بالاقتصاص من بلدان قد تحاول تقليل اعتمادها على الدولار بتدشين عملتها المشتركة الخاصة بها كالبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
هنالك أفكار أخرى أكثر جذبا للانتباه يتم تداولها في منتجع مارا لاجو. ففي العام الماضي أشار سكوت بيسينت مرشح ترامب لوزارة الخزانة إلى أن العالم يتجه نحو ترتيبات «بريتون وودز» جديدة.
هذا يعني ضمنا أنه قد يرغب في إعادة تقييم العملات وإضعاف الدولار لمساعدة المصدِّرين الأمريكيين. قد يشمل ذلك محاولةً لاستنساخ اتفاقية بلازا في عام 1985 عندما ضغطت الولايات المتحدة على آخرين لإعادة تقييم عملاتهم. (وُقِّعت هذه الاتفاقية في عام 1985 بين الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا لخفض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى من خلال التدخل في أسواق الصرف الأجنبي - المترجم.) وهذه مقارنة لافتة نظرا إلى أن الدولار الآن قريب من مستوياته المرجَّحة بالتجارة في عام 1985 بعد ارتفاعه مقابل الين والرينمينبي (بمعنى أن قيمة الدولار أو قدرته الشرائية قريبة من مستوياتها في عام 1985 عند مقارنتها بعملات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة- المترجم.)
كما اقترح بيسينت أيضا إجبار البلدان التي تحظى بحماية عسكرية من الولايات المتحدة على شراء مزيد من الدين الأمريكي كمقابل لذلك. ويتساءل عما إذا كانت هنالك طريقة دبلوماسية لمطالبة هذه البلدان بشراء سندات عسكرية لمدة 40 سنة إلى 50 سنة (لتمويل هذه الحماية.)
قد تكون هذه تهديداتٍ فارغة. ففي فترته الرئاسية الأولى كثيرا ما كان نباح ترامب أسوأ من عضِّه. وإذا استخدم فريقه حقا أدوات الإكراه والقسر هذه قد تترتب عنها نتيجة عكسية.
ليس واضحا مثلا كيف يمكن أن توافق واشنطن على اتفاقية بلازا جديدة إذا كانت الصين عازمة على إطلاق تخفيضات عملة تنافسية. وربما، كلما حاول ترامب استخدام الدولار كسلاح كلما دفع ذلك البلدان الأخرى إلى البحث عن بدائل.
في الواقع وكما أشارت مؤخرا مدونة لصندوق النقد الدولي إلى أن هنالك مؤشرات على أن بنوكا مركزية عديدة شرعت في تنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية بعيدا عن الدولار رغم أن هذا الانتقال يحدث بوتيرة بطيئة ومتواضعة جدا من قاعدة مرتفعة ويتجه في معظمه إلى عملات قليلة الأهمية.
ما هو أكثر إثارة أن حصة واردات الخدمات المالية الروسية (كالخدمات المصرفية والاستثمار والتأمين والمعاملات المالية- المترجم) التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وحليفاتها تراجعت في الفترة بين 2015 و2022 من 94% إلى 84%، وفقا لتقديرات مشروع التخصيص العالمي لرأس المال. وهو ما يعني أن النفوذ المالي للتحالف الأمريكي على روسيا تقلص بقدر مؤثر ما ساهم في إضعاف أثر العقوبات المالية المفروضة عليها.
هذا يكشف عن مسألة مفتاحية أخرى. فعندما يكون هنالك نفوذ مهيمن يمكن أن تكون للتراجعات البسيطة آثار أكبر من المتصوَّر. أو كما جاء في تقرير المشروع المذكور: «يمكن أن يضعف تراجع الحصة من 95% إلى 85% القوةَ الاقتصادية بقدر كبير وبما يماثل تراجعها من 85% إلى 50%.»
نظريا، يجب أن يجعل هذا التراجع في هيمنة الدولار إدارة ترامب حذرة من القيام بتحركات جذرية خصوصا أن الولايات المتحدة أمكنها بفضل مكانة الدولار كعملة احتياطية تحقيق مثل هذه العجوزات الكبيرة في التجارة والموازنة حتى الآن. لكن عمليا سيجعلها هذا النمط (من الآثار الكبيرة للتغيرات الصغيرة في الهيمنة الأمريكية) أكثر عدوانية في الدفاع عن نفوذها المالي.
في كلا الحالين على المستثمرين الاستعداد «في أفضل الأحوال» لتقلب العملة قبل عقد الصفقات «وفي أصعبها» لصدمة مالية أكبر. فمخاطر وقوع أحداث نادرة ولكن قوية التأثير في الأسواق تتزايد، ليس فقط بسبب الرسوم الجمركية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
رئيسة المكسيك تطالب الولايات المتحدة بعدم معاملة المهاجرين مثل "المجرمين"
دعت رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم الولايات المتحدة إلى الكفّ عن معاملة المهاجرين كمجرمين. جاء ذلك في ظل نشر قوات من الحرس الوطني بأمر من ترامب دون موافقة حاكم كاليفورنيا. اعلان
وجّهت رئيسة المكسيك، كلاوديا شينباوم، انتقادات حادّة للولايات المتحدة على خلفية ممارساتها تجاه المهاجرين، داعية إلى الكفّ عن معاملتهم كـ"مجرمين"، وذلك في أعقاب توقيف 35 مواطناً مكسيكياً خلال مداهمات شنّتها سلطات الهجرة في مدينة لوس أنجلِس الأميركية، أثارت موجة احتجاجات عارمة.
وفي تصريح الأحد، شددت شينباوم على أن "المكسيكيين المقيمين في الولايات المتحدة رجال ونساء شرفاء سعوا لتحسين أوضاعهم المعيشية وتلبية احتياجات عائلاتهم... إنهم ليسوا مجرمين". وجاء كلامها في ظلّ تصاعد التوترات بعد إرسال الرئيس الأميركي دونالد ترامب قوات من الحرس الوطني إلى لوس أنجلِس دون موافقة حاكم كاليفورنيا، في سابقة لم تشهدها الولاية منذ عقود.
ونشرت القيادة العسكرية الأميركية 300 عنصر من الفرقة القتالية التابعة للواء المشاة 79 في ثلاثة مواقع من منطقة لوس أنجلِس الكبرى لحماية المنشآت والطواقم الفدرالية، بعد مواجهات شهدت استخدام قنابل الغاز والصوت ضد متظاهرين احتجّوا على عمليات الدهم التي استهدفت مهاجرين، غالبيتهم من الجالية اللاتينية.
Relatedجنوب كاليفورنيا: الفيضانات تغمر المناطق التي التهمتها الحرائق قبل فترة طائرة تسقط فوق أحد المنازل في كاليفورنيا ومقتل شخصين وكلبوزير الدفاع الأميركي يهاجم حاكم كاليفورنيا ويُهدّد بتعبئة مشاة البحريةالرئيس ترامب أعلن "السيطرة الفدرالية" على جيش كاليفورنيا، متجاوزاً حاكمها الديمقراطي غافين نيوسوم الذي وصف الخطوة بـ"التحريضية". واعتبر الجمهوريون أن نشر الحرس جاء رداً على "تقصير" حاكم الولاية في ضبط الوضع، إذ صرّح رئيس مجلس النواب مايك جونسون بأن "نيوسوم أظهر عجزاً أو رفضاً لتحمّل مسؤولياته، ولذلك كان لا بد من تدخل الرئيس".
وأثار تصريح وزير الدفاع بيت هيغسيث حول احتمال الاستعانة بمشاة البحرية دعماً للحرس الوطني جدلاً، إذ رآه البعض تصعيداً مفرطاً، فيما دافع جونسون قائلاً: "يجب أن نكون مستعدين لكل الاحتمالات".
في المقابل، شددت النائبة عن كاليفورنيا، نانيت باراغان، على أن الاحتجاجات "سلمية في معظمها"، متهمة إدارة ترامب بـ"استهداف متعمّد للمحتجين"، بينما قالت رئيسة بلدية لوس أنجلِس، كارن باس، إن سكان المدينة "يشعرون بالخوف"، مؤكدة في الوقت ذاته أن العنف والتخريب "غير مقبولين وسيُحاسب مرتكبوها".
من جهتها، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، إن ترامب وقّع على مذكرة لنشر ألفي عنصر من الحرس الوطني بهدف "إعادة النظام"، متهمة الديمقراطيين في الولاية بـ"الفشل" في التعامل مع الموقف، ومشددة على سياسة "صفر تسامح" تجاه أي سلوك يهدد ضباط إنفاذ القانون.
ومنذ بداية ولايته في يناير، شرع ترامب في تطبيق تعهّداته المتشددة بخصوص المهاجرين غير النظاميين، واصفاً إياهم مراراً بـ"الوحوش" و"الحيوانات". وقد شهدت لوس أنجلِس يوم الجمعة مداهمات نفذها عناصر ملثمون ومسلحون من سلطات الهجرة، ما أسفر عن مواجهات استمرت لساعات وأججت مشاعر الغضب في المدينة التي تضم إحدى أكبر الجاليات اللاتينية في البلاد.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة