سُوريا.. العُقوبات الذّكيّة وتجْربَة الجَار
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
في الحالة السوريَّة حققت العقوبات الشاملة أهدافها الأساسية
في الاجتماع الدولي المُوسَّع حول سوريا، الذي عُقد في الرياض (12 يناير الجاري)، اقترحت وزير الخارجية أنالينا بيربوك نهجاً ذكيّاً للعقوبات، حتى يحصل الشعب السوري على الإغاثة وجنْي ثمار سريعة من انتقال السلطة.
من غير الواضح إن كانت بيربوك تقصد تعديلاً سياسيّاً في فكرة وقانون العقوبات الاقتصادية المتعارف عليها بما يتناسب مع وصول جماعات ذات منابت ورؤى دينية إلى الحكم في دمشق، أم تقصد العودة إلى أحداث انفراج في علاقة سوريا بالدول الغربية من خلال إعادة طرح العقوبات الذكية على النحو الذي طبٌق في العراق بعد غزوه للكويت وإلى غاية احتلاله من طرف الولايات المتحدة، والدول المتحالفة معها العام 2003.
مهما يكن التفسير لما ذكرته بيربوك، ومدى قبوله من الدول المعنيَّة برفع العقوبات عن سوريا، فإن الأقرب إلى الفهم أن ما تقصده هو "العقوبات الذكية"، ذات النزعة الإنسانية، كون أن الهدف منها هو تقليل التكلفة الإنسانية الباهظة المسجلة خلال العقوبات الاقتصادية الشاملة، التي ـ في الغالب ـ تؤثر على الدول والشعوب بشكل مباشر وأشد، مقارنة بالقادة والحكام، وقد فشلت خلال التجارب السابقة في إحداث التغيير المنشود، وانتهت في حالات كثيرة إلى استعمال القوة والتدخل عسكريا لتغيير الأنظمة الحاكمة، ثم اتْبِعَت بعد مدَّة برفع العقوبات.
المعروف أن العقوبات الذكية تركز على القادة وصانعي القرار وشبكات تحالفهم، وهذا يجعلنا أمام جملة من التساؤلات بخصوص الحالة السورية منها: هل القائد الحالي أحمد الشرع ومن معه من المسؤولين سينطبق عليهم ما ينطبق على الرئيس السابق بشار الأسد ومن معه، وبالتي سيظلون تحت سوط العقوبات الشاملة؟، وإلى أيّ مدى سيتم الفصل بينهم وبين قواعدهم الخلفية المصنّفة إرهابيَّة؟، وهل المقصود بتطبيق العقوبات الذكية في سوريا، فصل القيادة الجديدة ـ ذات التوجُّه الدِّيني ـ عن الجماهير؟.
من ناحية أخرى، فإن العقوبات الذكية، إن طُبِّقت في سوريا، تستهدف قطاعاً واحداً فقط، هو الشعب السوري، وذلك بهدف التخفيف عنه، بغد التكاليف الإنسانية الضَّخمة للعقوبات الشاملة على بلاده، لكن التجارب السابقة، خاصة في العراق ــ حين طبق البرنامج الأممي "النفط مقابل الغذاء والدواء" ــ لم تقلل من التكاليف الإنسانية الضخمة على الشعب العراقي، علماً بأن دول العالم كانت تحاصر العراق، وهو دولة قائمة رغم رفضها وعدائها لنظام الحكم فيه، لكن سوريا إلى اليوم لا تزال تعاني من العقوبات الشاملة، مع أن النظام المتسبب في ذلك لم يعد موجوداً، لكن ينظر للراهن السوري من زاوية غياب الدولة، رغم وجود نظام جديد يتم دعمه بشكل علني.
وفي الحالة السوريَّة حققت العقوبات الشاملة أهدافها الأساسية، وهي لصالح دول بعينها، والتي منها: تغيير نظام الحكم، ومواجهة الإرهاب ومكافحة المخدرات، ومنع انتشار السلاح النووي، وحماية دول الجوار، خاصة إسرائيل، وهناك أهداف أخرى تود تحقيقها من خلال الحكّام الجُدد، من مثل: نشر الديمقراطية، وتعزيز حقوق الإنسان ومنها: الاعتراف بحقوق الأقليات، حتى لو أدى ذلك إلى قيام كيانات مستقلة، وإشراك المرأة، وعولمة القيم الغربية.. إلخ.
وعلى أمل أن تتحول العقوبات الشاملة إلى عقوبات ذكية في سوريا، فإن التدخل الخارجي مستمر.. صحيح أنه جعل مسار الدولة السورية الجديدة سلميّا، وبعيداً عن الحرب الأهلية إلى الآن ـ بالرغم من احتلال أراضي سوريا من طرف العدو الإسرائيلي ــ ناهيك على أنه حوَّلها إلى سوق للمزايدات السياسية الدولية المفتوحة، وبذلك شكَّلت تجربة جديدة في شكل الدولة الحديثة، التي تقرَّر لها الدول الأخرى ما عليها فِعْله، خاصَّة وأنها تشترك جغرافيّاً وتاريخيّاً مع جار عاش تجربة قريبة منها في زمنَيْن، زمن العقوبات الشاملة، وزمن العقوبات الذكية، ويعيش اليوم زمناً ثالثاً، ربما لن تصل إليه سوريا المستقبل، مهما طوَّعت نفسها لأوامر خارجيَّة، وقَبِلَت باقتلاعها من الجذور.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحرب في سوريا سقوط الأسد العقوبات الشاملة
إقرأ أيضاً:
ماكرون يعلن عن مؤتمر للمساعدات الإنسانية لغزة خلال أسابيع
شرم الشيخ - صفا أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستشارك مع مصر في تنظيم مؤتمر للمساعدات الإنسانية لغزة خلال الأسابيع المقبلة، من أجل المساهمة في إعادة إعمار القطاع. وقال ماكرون في حديث للصحفيين يوم الاثنين، بعد وصوله إلى مصر: إن الأولوية هي استئناف عمليات الإغاثة الإنسانية في غزة. وأوضح أن "مؤتمر للمساعدات الإنسانية من أجل غزة" سيعقد مع مصر خلال الأسابيع المقبلة لضمان استدامة عمليات الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة. وأضاف أن "فرنسا مستعدة، وبدأت أعمال التخطيط للمؤتمر". وأشار ماكرون إلى أن فرنسا ستلعب "دورًا مميزًا جدًا" مع السلطة الفلسطينية بشأن غزة. والخميس، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب توصل "حماس" و"إسرائيل" لاتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، إثر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين في شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أمريكي.