الجزيرة:
2025-08-01@07:33:48 GMT

موضوع عائلي 3.. عندما يتحول النجاح إلى فوضى درامية

تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT

موضوع عائلي 3.. عندما يتحول النجاح إلى فوضى درامية

هل يمكن أن يتحول النجاح الكبير إلى ظلم وضغط على العمل الفني؟ بالنظر إلى عدد كبير من الأفلام والمسلسلات التي تحولت إلى سلاسل سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية متعددة الأجزاء متواضعة المستوى، فإن الإجابة هي نعم.

مسلسل "موضوع عائلي" من أحدث الأعمال متعددة الأجزاء المعروضة مؤخرًا، فبعد نجاح الموسم الأول، وتحوله إلى ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح من الطبيعي انتظار موسم ثان، الآن جاري عرض الموسم الثالث.

المسلسل من إخراج أحمد الجندي وتأليفه مع كريم يوسف ومحمد عز الدين، وبطولة ماجد الكدواني ورنا رئيس وطه دسوقي وسماء إبراهيم ومحمد رضوان، وانضم إليهم في الموسم الثاني نور، وفي الموسم الثالث رانيا يوسف.

فوضى بهدف الكوميديا

"موضوع عائلي" بمواسمه الثلاثة مسلسل كوميدي، يدور حول عائلة كبيرة ومترابطة، تتعرض الأسرة في كل جزء إلى حدث كبير وعليها التفاعل معه، تتكون هذه العائلة من إبراهيم (ماجد الكدواني) وابنته سارة (رنا رئيس)، التي عرف بوجودها وهي بالغة للمرة الأولى في الجزء الأول، وأخته زينب (سماء إبراهيم) وعائلتها.

يستخدم المسلسل بعض سمات العائلات الممتدة، أي العائلات التي تتكون من أكثر من جيل وفرع، وتعيش بشكل متقارب، لصنع المفارقات الكوميدية، ويعالج هذا الموسم أزمة جديدة تمر بها العائلة، عندما تقوم عبلة (رانيا يوسف) بالانتقام من إبراهيم الذي تركها بعد علاقة عاطفية قصيرة منذ 26 عاما ليتزوج من غيرها، ويأتي انتقامها بأن تدمر حياته وحياة كل أفراد عائلته.

إعلان

يتورط إبراهيم في العديد من المشاكل كالمعتاد خلال دفاعه عن عائلته وأمنها الشخصي، مثل موافقته على إحراق فندق ابنته للحصول على أموال التأمين، دون الأخذ في الاعتبار تحقيقات الشرطة وشركة التأمين نفسها، الأمر الذي يغرقه في الورطة تلو الأخرى، منها موت أحد معاوني عبلة في حادثة الحريق، فيتولى إبراهيم مسؤولية ابنة وإبن هذا الرجل.

حسن حزين بسبب تعليقات #السوشال_ميديا المتنمرة ضمن أحداث مسلسل #موضوع_عائلي 3 على #شاهد pic.twitter.com/RaF90thE6K

— Top Motion – توب موشن (@TopMotionShow) January 16, 2025

يغلب على سيناريو "موضوع عائلي" التخبط، والعشوائية في معالجة المعضلات التي يتعرض أفراد العائلة لها، فكل حلقة يقوم فيها الأبطال بأفعال غير منطقية أو متناسبة حتى مع طبيعة شخصياتهم، مثل موافقة إبراهيم على حرق فندق ابنته على سبيل المثال، أو خداعه لزوجته مريم (نور)، والهدف هو المزيد من الكوميديا والضحك.

وتكثر لهذا الهدف الشخصيات الفرعية، والخطوط الدرامية الجانبية، مثل شخصية مسؤول شركة التأمين الذي يتشكك في الحادثة، ويرفض تسليم إبراهيم وعائلته الأموال، أو مثل الطفلين اليتيمين اللذين احتلا وقتا طويلا على الشاشة بلا إضافة حقيقية لسير الأحداث.

موضوع عائلي سيزون 3 هو أسوء حاجه ممكن حد يشوفها فحياته عموما أه

— sehsah's (@sehsman_) January 16, 2025

موضوع عائلي …
اجمد مسلسل عائلي مصري شفتها ..
يجمع بين الكوميديا و الدراما..
له ٣ اجزاء للان ..لا يفوتكم.. pic.twitter.com/icMjwcaWdK

— أبو عبدالملك (????) (@AaaMalik1970) January 17, 2025

أفصحت هذه التفاصيل المتراكمة وغير المتناسقة عن ضعف في جانب الكتابة على وجه الخصوص، نتج عنه عدم قدرة صناع المسلسل على تقديم قصة متماسكة بلا فوضى درامية لا داعي لها.

شخصيات سجينة منصات التواصل الاجتماعي

تحصل المسلسلات والأفلام المتعددة الأجزاء على فرصة كبيرة في تطوير الشخصيات الرئيسية، والسماح لها بالنمو والنضوج، غير أن العكس هو ما حدث في مسلسل "موضوع عائلي" وفي ذلك يتشابه مع مسلسل "الكبير أوي" وكلاهما لنفس المخرج، أحمد الجندي، فالشخصيات التي وُلدت بسمات معينة، أسهمت في نجاحها بالمقام الأول يتم حصرها وحبسها في تفاصيل بسيطة هي التي أحدثت رد فعل قويا مع المشاهدين على التواصل الاجتماعي.

إعلان

لتصبح توقعات المتفرجين ومستخدمي الإنترنت سجنا لهذه الشخصيات، فقد عانت شخصية زينب على وجه الخصوص من هذا التنميط الشديد الذي أهدر قدرات الممثلة الأدائية، وقد انتشرت مقاطع من بكائيات أخت إبراهيم لحساسيتها الشديدة، فتحولت كل مشاهدها في الجزأين الثاني والثالث إلى هذا النمط، دون أي خطوة حقيقية للأمام حتى بعدما تحولت إلى جدة.

على عكس أداء سماء إبراهيم في أعمال أخرى أظهرت فيها قدرة على تقديم جوانب مختلفة ومعقدة من شخصيات تبدو بسيطة، كما حدث في فيلم "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" الذي قدمت فيه دور أُم قوية الشخصية تحملت مسؤولية ابنها لغياب الأب، وفي الوقت ذاته شديدة الحنان عليه وعلى كلبه.

عانت باقي الشخصيات من نفس الأزمة، فحتى مرور عدد معقول من السنوات، أو خوض تجارب شخصية، مثل الزواج والإنجاب، والعمل في مجالات مختلفة لم يسهم في نضج أي شخصية تقريبا على مدار الأجزاء الثلاثة، وتحولت الشخصيات إلى كاريكاتير أو ملخص لأهم سماتها، فمريم على سبيل المثال زوجة إبراهيم امرأة صريحة لحد قلة الذوق، وسارة الفتاة التي تربت خارج مصر، وبالتالي تعاني من أزمة ثقافية في تفهم بعض الكلمات العامية.

الأمر الذي لم يتغير رغم زواجها من مصري وحياتها في منزل عائلتها متعددة الأفراد، تتشابه في ذلك مع شخصية جوني (أحمد مكي) في مسلسل الكبير أوي، الذي سلبه صناع المسلسل أي فرصة للتطور عندما أصروا على حصره في منطقة نصف المصري نصف الأميركي رغم مرور أكثر من عقد على بقائه في قرية مصرية.

أين الكوميديا؟

انعكس هذا التنميط للشخصيات على الكوميديا بطبيعة الحال، فبينما تتصرف الشخصيات في نفس المواقف بذات الطريقة كل مرة، أصبحت ردود أفعالهم متوقعة للغاية، خصوصا أن تصاعد الموقف لم يقدم أي جديد، بل يمكن افتراض ما سيحدث بسهولة.

ولأن المواقف والحبكة نفسها لا تحمل أي جديد للشخصيات التي لم تتطور من الأساس، فكان السبيل لزيادة الكوميديا يتمثل في المبالغة الشديدة، سواء في قدرات عبلة التي تستطيع شراء كل الذمم والتلاعب بالقانون، وتدمير المسيرة المهنية لكل أفراد العائلة، والمبالغة المضادة في سذاجة العائلة في تفاعلها مع هذه الأزمات.

إعلان

فكرة مسلسل "موضوع عائلي" ليست مستجدة، وهو أمر لا يعيبه، فكثير من المسلسلات ومنها على سبيل المثال "عائلة عصرية" (Modern Family) و"كامل العدد" استغلت ثيمة العائلات الكبيرة والتي تحدث لها مواقف كوميدية وترصد ردود أفعالها.

غير أن استمرار هذا النوع من المسلسلات يحتاج إلى تجديد وتطوير مستمر، سواء في الحبكات والمواقف أو الشخصيات نفسها، فيصعب أن نجد الشخصية تتصرف بذات الأسلوب في الموسم الأول كما هو في الموسم الأحدث، وهو الأمر الذي يجب أن يضعه صناع "موضوع عائلي" في الاعتبار إن رغبوا في الاستمرار لمواسم جديدة مقبلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات موضوع عائلی فی الموسم

إقرأ أيضاً:

زياد الرحباني.. حين يتحول جرح الرفض إلى هدية للعالم

في أعماق كل إنسان جرح، جرح لا يُرى ولا يُمس، لكنه يشكل النفس ويوجه المسار، وقلة هم من يجعلون منه مصدرا للمعنى والإلهام. زياد الرحباني هو من هؤلاء القلة. عنده لم يكن الجرح ندبة صامتة، بل نداء. نداء دفعه إلى البحث والإصلاح والسعي الذي طالما أسيء فهمه. هذا المقال ينطلق في قراءة حياة زياد الرحباني، ويسعى إلى توليف مساره مع رؤاه وهدف حياته، انطلاقا من البحث في ملفه الجيني. من خلال قراءة ملفه الجيني تتضح لنا خيوط مساره الوجودي، تتبدى جروحه وتتكشف ملامح رحلته على هذه الأرض: من ألم خفي إلى رسالة عميقة، من رغبة في التقدير إلى قيادة عبر الخدمة، من رفض قديم إلى إبداع ملهم.

لقد كان طريق زياد الرحباني مرسوما بدقة متناهية، وقد تشكلت صورته الأخيرة حين وضع آخر قطعة من قطع المكعبات، طريق مليء بالحيوية لكنه مشروط بضبط النفس، مفعم بالحس الإصلاحي لكنه لا يكتمل إلا بالإصغاء إلى مشاعر الجسد، طريق يقوده جرح إنساني عميق لكنه يعبر منه إلى الغاية الكبرى: أن يكون مصدر إلهام حي للآخرين كيف؟ بالقول والفعل كما بالصمت.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2اكتئاب خلف الكاميرا.. مشاهير هوليود يروون معاركهم النفسيةlist 2 of 2لم يخلع عباءته على مدى ربع قرن.. ما سر ولع يحيى الفخراني بالملك لير؟end of listالإنقاذ كمعنى للحياة

زياد جاء إلى هذا العالم حاملا رسالة واضحة: أن يُحيي ما مات، أن يخدم قضية خاسرة، أن يصلح ما يبدو ميؤوسا منه. مفتاح الجين 85 لا يترك مجالا للشك؛ طاقة الحياة التي تسكنه هائلة، لكنها لا تتحقق إلا حين تتجاوز حدود الذات. ولهذا، كان مشدودا دوما إلى الأماكن المظلمة، لا لينجو منها فقط، بل ليحمل إليها النور.

أي فكرة على وشك الانهيار، أي مشروع في طريقه للسقوط، أو شخص يوشك أن ينهار، كانت توقظ فيه رغبة عميقة في الإنقاذ، في الترميم، في الإحياء. ذلك النداء الداخلي الذي لا يتوقف.

زياد لم يكن من أولئك الذين يعلنون وجعهم. لكنه، ومنذ بداياته، ربط وجوده بفعل جماعي أكبر، كأنه لا يستطيع أن يكون دون محاولة إنقاذ شيء يراه الآخرون قد انتهى. فالجين 85 جعله يهب نفسه لقضية لا تُخاض إلا إن بدت خاسرة، لأن معنى وجوده لم يكن يوما بعيدا عن بعث الحياة في ما يبدو ميتا.

إعلان

هذا المسار لم يكن سهلا. كان القلق يسكنه، ذلك التوتر العميق الذي لا يهدأ إلا عندما يشعر بأنه جزء من شيء أوسع منه. ولأن هذه الطاقة كانت أقوى من أن تُحبس، دفعته أحيانا إلى التشتت، أو إلى إسقاط رغبة الإنقاذ تلك على من أحبهم، وهو ما تسبب له بصراعات داخل العلاقات. علاقته المعقدة بوالدته فيروز كانت مثالا واضحا على هذا التوتر.

أما عن ذاته هو، فقد ظل في مساحة ضبابية: يُرى كمنقذ، ويُشعر كإنسان. وهناك بالضبط كان يكمن جرح الرفض.

الصبر كاختيار داخلي

من خلال الجين 25، نلامس التحدي الأكبر في حياة زياد: الصبر، أو بتعبير أكثر دقة، ضبط النفس. فهو ليس من أولئك الذين يحققون قفزات مفاجئة، بل ممن تنضج ثمارهم ببطء، في صمت وتأمل. كان بداخله شعور عميق بالخذلان، وإبداع لم يُفجَّر بعد، يثير فيه رغبة في الإسراع، في أن يرى ويُعترف به. ربما كانت بداياته المبكرة خير دليل، وإن جاءت، كما يعلم الجميع، نتيجة نسبه الفني كابن للرحابنة، ونبوغه الطبيعي. لكن الرحلة، على عكس ما توقع، تطلبت منه شيئا آخر تماما: أن يتراجع خطوة، أن يثق، وأن يسمح للحياة بأن تقوده لا أن يقودها.

وهنا يظهر جرحه الإنساني الحقيقي: الشعور بأنه دائما أكبر مما يحققه واقعه، وأن ما يستحقه من اعتراف وتقدير لا يأتي في وقته، أو لا يأتي كاملا. ذلك الشعور كان يلح عليه، فدفعه إلى التفرد، إلى التجديد، إلى اختراع موسيقى مختلفة، حاول مرارا أن يقنع بها فيروز، الأم والصوت والتاريخ.

وفي رحلة زياد الطويلة، يمكن بوضوح أن نتتبع أثر الجين 25؛ فقد بدأ، شيئا فشيئا، يتعلم أن الكمال لا يكون في سرعة الإنجاز، بل في التمهل، في الاتزان، في أن تمنح الحياة وقتها دون استعجال. ومع هذا، يبقى السؤال معلقا: ما العلاقة بين الصبر كدرس كان يجب عليه أن يتعلمه لتنضج تجربته، وبين جرح الهجر؟

الحقيقة أن جرح الرفض الذي جعله يتقمص دور المنقذ، لم يأت معزولا عن جرح آخر، أكثر عمقا، هو الهجر. لم يكن زياد مهجورا بالضرورة بشكل جسدي، لا من والديه ولا من أحبته، لكن المشاعر التي عبر عنها في موسيقاه، وفي بعض حواراته القليلة، تشبه مشاعر من تُرك في منتصف الطريق. وكأن شيئا ما ظل ناقصا، غير مكتمل؛ تماما كاعتراف العالم بموهبته دائما متأخر، أو منقوص.

ربما شعر زياد في علاقاته أنه يعطي أكثر مما يأخذ -"بدك إترجاك بترجاك…"- وأن رغبته العميقة في إنقاذ الآخر لم تكن دائما بدافع القوة، بل وسيلة للهروب من مواجهة حاجته الشخصية؛ الحاجة إلى ألا يُترك، إلى أن يُحتضن دون شرط أو مقابل. فهل نال ما كان يبحث عنه؟

استقل زياد مبكرا عن عائلته، لا فقط في المكان، بل في الفكر وفي النغمة أيضا. اكتشف موسيقاه الخاصة، ومضى في درب لا يشبه أحدا. بدا هذا الاستقلال قوة، وكان كذلك في بعض جوانبه، لكنه كان أيضا طريقا لتعلم الصبر. غير أن هذا الاعتماد الكامل على الذات كان يخفي هشاشة خفيّة، وحنينا دفينا إلى من يفهمه دون شرح، إلى من يراه خلف القوة الظاهرة، لا فقط كمصدر يُعتمد عليه، بل كإنسان يحتاج بدوره إلى السند.

يتجلى الألم العميق حين نربط هذا المسار بحقيقة أن زياد، وفق الجين 25، كان مدعوا لضبط النفس، للانتظار، لعدم استعجال التقدير. لكن، كيف له أن ينتظر، وهو يحمل في داخله عطشا قديما لأن يُرى، وقد تكوّن وعيه على أرضية من الرفض؟

إعلان

ذلك الصبر على غياب الاعتراف شكل التحدي الأصعب، لأنه أضرم نار الرفض في داخله، لكنه في الوقت ذاته، مهّد له دربا آخر: أن يسلّم بأن التقدير الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من شعور داخلي راسخ بقيمة الذات. فالقيمة لا تُمنح، بل تُكتشف.

وفي هذا التوتر، بين رغبة دفينة في الصعود إلى هضبة الاعتراف، ونداء داخلي للصبر والانضباط، وُلدت الحكمة. تلك الحكمة التي لم تُكتسب بسهولة، بل جُبلت من جراح، وحولت الألم إلى وعي، والصراع إلى بوصلة.

حين يتكلم الألم عبر العروق

كان الإبداع بالنسبة إلى زياد ضرورة نفسية، لا ترفا ولا خيارا. وفي لحظات صمت الوعي، كان الجسد يتكلم، كما يكشف الجين 84 عن نفسه: قلق عميق تجاه الأمان، يتسلل من تحت سطح الصلابة الظاهرة والنجاح الخارجي، ليقيم في الجسد دون استئذان. فرغم ما بدا عليه من قوة، ظل الشعور بعدم الراحة يرافقه، وربما لم يكن يدركه تماما.

ذلك القلق دفعه أحيانا للبحث عن أمان خارجي، مادي أو اجتماعي، لكنه لم يجد فيه السكينة. وكان من الممكن رصد توتره في كل شيء: في نبرة صوته، في كلماته المتقطعة، في نكاته التي تحمل ظل الحذر، في مقابلاته وأدائه على المسرح. وحتى في آخر ظهور له، كان توتره واضحا في تفاصيل جسده: في حجم حضوره، في انحناءة ظهره، في تعبيرات وجهه. وكأن الجسد كان يحمل الجرح حين عجز العقل عن التعبير، وكان الجسد صادقا دائما، لا يختبئ خلف الكلمات.

لكن مع مرور الوقت، بدا أن زياد بدأ يثق بمشاعره، ويحتضن قلقه بدلا من مقاومته. لم يعد جسده ساحة معركة، بل صار صديقا يقوده بلطف نحو السلام الداخلي. حين أصغى لصوت جسده، عرف الطريق إلى الطمأنينة، وظهر ذلك في هدوئه، في تبسيطه للأشياء، وفي نبرة أكثر صفاء.

تعلّم زياد أن المشاعر لا تخطئ، وأن احتضان الخوف هو الخطوة الأولى نحو تحوله إلى طمأنينة. وهذا الانفتاح الجسدي لم يغير فقط طريقته في الحياة، بل زاد من عمق إبداعه. فكلما اتسع وعيه بمشاعره الحسية، ازداد فنه صدقا واتصالا، وصار أقرب إلى الروح، وأبعد عن القناع.

غايته الأسمى، كما يعبر عنها جين 12، كانت أن يكون قائدا في قلب الميدان. لم يكن زياد يسعى للمنصات ولا للواجهة، بل كان يحمل رؤية تغذيه من الداخل، يقود بها الآخرين بلطف وثبات. لم يسبق الصفوف، بل مشى بينها؛ قيادته لم تصدر من العلو، بل من القرب، من صدقه العميق، ومن التزامه بما يطلبه أولا من نفسه قبل الآخرين.

هذه الطريقة المتفردة في القيادة لم تكن سوى ترجمة لتحول الجرح. فعندما تحول رفض الآخرين له إلى قبول عميق لذاته، أصبح قادرا على حملهم بدوره. لم يعد ينتظر الاعتراف من أحد، بل صار هو من يقدمه. غدا مظلة يحتكم إليها الآخرون، خاصة في لحظات الانهيار، حيث كان صوته، حضوره، وفعله ينقل رسائل غير منطوقة: "نحن نستطيع" لا شيء يضيع إن عملنا عليه. تلك الروح المتواضعة، لكنها صلبة الجذر، هي ما جعلت من زياد مرجعية غير معلنة، في مجاله وفي محيطه. لم يحتج إلى إعلان دوره، لأن أثره كان واضحا، يسكن المساحة بين الناس لا فوقها، ويقود من القلب لا من القمة.

زياد رحباني لم يكن من أولئك الذين يعلنون وجعهم. لكنه، ومنذ بداياته، ربط وجوده بفعل جماعي أكبر (رويترز)التحولات الجوهرية

من الجينوم الشخصي لزياد الرحباني، يمكن تتبّع 3 مناطق ظل تحوّلت تدريجيا إلى هبات إبداعية صنعت ملامح شخصيته ومسيرته الفنية. الأولى، كانت تحوّله من الرغبة في السيطرة إلى السلطة الواعية؛ حيث تعلم كيف يؤثّر دون أن يفرض، وكيف يقود دون أن يملي. لم يعد يسعى إلى التحكم، بل إلى الإلهام، فغدت قيادته طبيعية، نابعة من حضوره وصدقه.

الهبة الثانية تمثلت في الانتقال من الخلاف إلى الدبلوماسية. مع الوقت، أتقن زياد فن الإصغاء، وتحوّل من التوتر والمواجهة إلى جسور تواصل ناعمة. لم يعد بحاجة إلى الانتصار في كل نقاش، بل صار يبحث عن الفهم، عن المعنى، عن المساحات المشتركة التي تسمح بالنمو مع الآخر لا ضده.

إعلان

أما التحول الثالث، فكان من الطيش إلى الحميميّة. تخلّى عن التفاعل السريع والعشوائي، وبات أكثر وعيًا في علاقاته. صار يبحث عن صدق أعمق، عن علاقات تقوم على الانكشاف الحقيقي لا على تبادل الأقنعة، عن روابط تحتمل الضعف بقدر ما تحتفي بالقوة.

لكن ما يضيء هذه التحوّلات كلها هو الجرح الذي حمله في قلبه؛ جرح زياد لم يكن عائقا أمام الإلهام، بل كان مصدره العميق. لم يُلهم الآخرين برغم جراحه، بل بفضلها. إحساسه بعدم التقدير، حساسيته المفرطة، وشعوره المتأصل بأنه مطالب بإنقاذ كل شيء، لم تكن علامات ضعف، بل بوابات عبور انفتحت على طريقين: أحدهما إلى داخله، إلى قلبه، والآخر إلى فنه، إلى مسرحه.

ربما لم يتجاوز زياد هذا الجرح بالمعنى التقليدي، لكنه لم يهرب منه. بل أصغى إليه، تعايش معه، وسمح له أن يُعلمه. لم يبقه صخرة يحملها فوق كتفيه، بل صليبًا وجد عليه خلاصه. فقام، لا كمن ينهض من كبوة، بل كمن يولد من جديد حاملاً جرحه كهدية للإنسانية، لا كعبء.

وهكذا، تحوّلت قصة زياد إلى رسالة ملهمة: أن الجراح حين تُحتضن تصبح هدايا، وأن الإنسان لا يُعرَف بجروحه، بل بما يفعل بها. ومن هذا الجرح خرج إبداعه صادقا، ناضجا، ورسالته خفيفة وعميقة.. تماما كما الحب.

مقالات مشابهة

  • الأدوار التاريخية مجهدة.. عمرو مهدي: بحب أجسد الشخصيات المفعمة بالتحدي
  • “الغرب المتحضر.. حين يتحول الذئب إلى واعظ عن حقوق الإنسان!”
  • «عايز 85 مليون جنيه».. إبراهيم عبد الجواد يكشف آخر تطورات ملف تجديد عقد إمام عاشور مع الأهلي
  • زياد الرحباني.. حين يتحول جرح الرفض إلى هدية للعالم
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • لامين يامال يستغل جولة برشلونة الآسيوية لقضاء وقت عائلي في اليابان
  • محمد العمروسي يروج لمسلسل وتر حساس الجزء الثاني.. صور
  • بالصور.. بدء تصوير وتر حساس الجزء الثاني
  • «وتر حساس 2» ينطلق بتغيرات درامية مفاجئة… ما سر غياب صبا مبارك؟
  • جوارديولا يكشف تفاصيل «الاستراحة 15»!