هيلين توماس.. وشهادة من أهلها
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
المرأة التى كشفت الوجه الحقيقى لأمريكا، وعلاقتها بالإرهاب فى الشرق الأوسط. فى يوليو الماضى احتفل نادى الصحافة الأمريكى القومى بالذكرى الثانية لرحيل عميدة مراسلى البيت الأبيض، وأول امرأة تتولى منصب رئيس نادى الصحافة الأمريكى، التى عاصرت أهم رؤساء أمريكا، ورافقتهم وغطت أنشطتهم، وكانت مع نيكسون فى أول رحلة تاريخية للصين عام ١٩٧١، والتى رفضت أن ترافق جورج بوش الابن، وأعلنت رفضها عبارته الشهيرة: «إنه يحارب فى العراق من أجل الله والصليب»، وقالت: «بل إنها حرب الشيطان وليست حرب الله»، هى «هيلين توماس»، التى ماتت فى الخامسة والتسعين، وكانت كما قال تلاميذها فى حفل تأبينها: «أجرأ صحفية فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية».
هيلين توماس قبل رحيلها بعدة أيام، كتبت مقالة خطيرة للنشر فى كبريات الصحف الأمريكية، وتم رفضها فى حادثة لها للمرة الأولى، ما جعلها تصرخ فى محاضرة بنادى الصحافة، قائلة: «اليهود يسيطرون على إعلامنا وصحافتنا ويسيطرون على البيت الأبيض». وأضافت، أنا لن أغير ما حييت، ما أنا مؤمنة به؛ الإسرائيليون يحتلون فلسطين، هذه ليست بلادهم، قولوا لهم ارجعوا لبلادكم واتركوا فلسطين لأهلها. إننى أرى بوادر حرب عالمية ثالثة، طبخت فى مطبخ تل أبيب ووكالة الاستخبارات الأمريكية، والشواهد عديدة، أول خطوة ظهور تنظيمات إرهابية، بدعم أمريكى لا تصدقوا أن واشنطن تحارب الإرهابيين، لأنهم دمية فى أيدى السى آى إيه. وأضافت، إننى أرى أن بريطانيا سوف تستحضر روح البريطانى «مارك سايكس»، وفرنسا سوف تستحضر روح الفرنسى «فرانسوا بيكو»، وواشنطن تمهد بأفكارهما الأرض لتقسيم الدول العربية بين الثلاثة، وتأتى روسيا لتحصل على ما تبقى من الثلاثة. صدقونى إنهم يكذبون عليكم ويقولون: «إنهم يحاربون الإرهاب نيابة عن العالم، وهم صناع هذا الإرهاب، والإعلام يسوق أكاذيبهم، لأن من يمتلكه هم يهود إسرائيل». هذه كلمات هيلين توماس منذ عامين، وأعيد نشرها فى ذكراها يوليو الماضى، وبالطبع قوبلت بعاصفة هجوم عاتية من اللوبى الصهيونى، وطالب نتنياهو بمحاكمتها بتهمة معاداة السامية، لكنها رحلت بعد أن قالت الصدق. وتلقف كلماتها المخرج العالمى «مايكل مور» فى فيلم تسجيلى، ومور هو من فضح بوش الابن وعصابته من أصحاب شركات السلاح من اليمين الأمريكى، مثل «ديك تشينى» و«كوندليزا رايس»، وحصل فيلمه الشهير فهرنهايت ١١/٩ على أكثر من جائزة. ما يهم وسط الأحداث الأخيرة، بداية من حادث سقوط الطائرة الروسية التى راح ضحيتها أكثر من مائتى مدنى، ثم حادث بيروت الذى خلف عشرات القتلى والجرحى، ثم حادث باريس، مروراً بحوادث فى العراق، وليبيا، وسوريا. أن التنظيمات الإرهابية لا يمكن لها أن تقوم بكل هذا العنف البشع بمفردها، وأن هناك أجهزة استخبارات تدعمها، لتشعل المنطقة العربية، وتدفعها لآتون جحيم لا ينطفئ، فتراهم على حافة الفناء. والفناء هنا يعنى تسليم المنطقة العربية للقوى التى خططت ودعمت وأشعلت، لإزالة القائم وزحزحة المستقر وإزالة المعترف به. وما يؤكد هذا، كلام «جيمس وولسى» رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق، الذى قال بوضوح: «المنطقة العربية لن تعود كما كانت، وسوف تزول دول وتتغير حدود دول موجودة». نفس المعنى تقريباً قاله «مارك رجيف»، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية: «المنطقة على صفيح ساخن، ونحن لن نسكت، وننسق مع أجهزة الاستخبارات فى الدول الكبرى للقضاء على الإرهاب، وسوف نتدخل معهم لمحاربة الإرهاب، حتى لو اندلعت الحروب، لنضمن حماية دولتنا». إذن تحققت نبوءة «هيلين توماس»، تل أبيب وواشنطن خلقت أسطورة التنظيمات الإرهابية فى المنطقة، التى خرجت من معامل تل أبيب وواشنطن لتشعل المنطقة العربية والعالم، وتحرك الأنظمة نحو هدف واحد، وإعادة الترسيم وتوزيع النفوذ والغنائم.
ويجب أن نقتبس من مقالات «هيلين توماس»، مقولة «الغرب يعيش على غباء العالم الثالث». المنطقة العربية يجب أن تتوحد وتكون على قلب رجل واحد، إنه حلم، لكنه ليس مستحيلاً. وأخيراً، يجب أن نحى ذكرى هذه السيدة التى هاجمها الصهاينة، وحاربوها، لكنهم لم يكسروا قلمها، إنها «هيلين توماس».
محافظ المنوفية الأسبق
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المنطقة العربیة
إقرأ أيضاً:
تحوّل دراماتيكي في مسار حوادث العنف بفرنسا: اليمين المتطرف في قفص الإتهام
تشهد فرنسا تحولًا نوعيًا في مقاربتها لقضايا الإرهاب، بعد أن تولّت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب لأول مرة التحقيق في جريمة قتل ارتكبها عنصر من اليمين المتطرف ضد مواطن تونسي، وُصفت بأنها "عنصرية وإرهابية". اعلان
في مشهد غير مسبوق علىالساحة القضائية الفرنسية، أعلنت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب تولّيها التحقيق في جريمة قتل ذات خلفية عنصرية، نفّذها مشتبه به من اليمين المتطرف في مدينة بوجيه سور أرجانس جنوب البلاد، ما يشكّل نقطة تحوّل بارزة في مقاربة الدولة لملف الإرهاب الذي طالما ارتبط في المخيلة الرسمية والجماهيرية بالتطرّف الجهادي.
الضحية، تونسي يبلغ من العمر 45 عامًا، سقط برصاص جاره الفرنسي (من مواليد 1971) الذي لم يكتفِ بتنفيذ الجريمة، بل عمد إلى توثيقها بخطاب عنصري مسجّل قبل وبعد إطلاق النار، ونشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يحرض فيها على الكراهية، ويعلن فيها ولاءه للعلم الفرنسي، داعيًا صراحة إلى استهداف الأجانب.
النيابة العامة وصفت الجريمة بـ"العمل الإرهابي المرتكب على أساس العرق والدين"، مشيرة إلى أن التحقيقات تشمل أيضًا تهمة "مؤامرة إرهابية إجرامية". وقد عُثر في سيارة الجاني على ترسانة من الأسلحة، بينها بنادق ومسدسات أوتوماتيكية، ما يدل على نية التخطيط لأفعال قد تتجاوز حدود الجريمة الفردية.
Relatedفرنسا تتهم الاستخبارات الروسية بشن هجمات سيبرانية متكررة منذ 2015فرنسا تراجع قوانينها الجنائية بعد فوضى ليلة دوري أبطال أوروبافرنسا: مشروع قانون حظر الحجاب في الملاعب: تمسك بالعلمانية أو تمييز ضد المسلمين؟الجريمة التي هزّت فرنسا والجالية التونسية جاءت في مناخ سياسي واجتماعي مشحون، يتغذّى من خطابات كراهية واستقطاب سياسي غير مسبوق. فحسب ما نشرته صحيفة لوموند، فإن التهديد الإرهابي اليميني المتطرف عاد ليطفو على السطح منذ عام 2017، وقد فُتح أكثر من 20 تحقيقًا في هذا الإطار، دون أن يصل أي منها، حتى اللحظة، إلى مستوى التحقيق في جريمة قتل.
الموقف اللافت جاء من وزير الداخلية برونو روتايو، المعروف بمواقفه اليمينية المحافظة، والذي أقرّ صراحة بأن الجريمة "عنصرية"، مستخدمًا لهجة حادة في توصيف الفعل، في خطوة نادرة من مسؤول بموقعه، ما يعكس ربما تصاعد القلق داخل الأروقة السياسية من تآكل الخط الفاصل بين الخطاب السياسي المتشدد والفعل الإجرامي العنصري. تصريح روتايو، الذي لم يتوان عن المجاهرة بتبنيه نهجا محافظا قد يقترب من أقصى اليمين، يفتح الباب أمام جدل واسع حول مسؤولية الطبقة السياسية في تغذية مناخ الكراهية.
من جهتها، سلّطت صحيفة ليبيراسيون الضوء على تطور ظاهرة الإرهاب اليميني، مشيرة إلى أن السلطات الفرنسية نجحت منذ 2017 في إحباط عدة هجمات مستلهمة من هذه الأيديولوجيا، إلا أن النيابة لم تكن قد تعاملت حتى الآن مع أي جريمة قتل ضمن هذا الإطار. ما يجعل حادثة مقتل التونسي هشام الميراوي علامة فارقة، ليس فقط على المستوى القضائي، بل في رسم معالم المرحلة المقبلة من سياسات مكافحة الإرهاب.
وفي مقابلة مع "فرانس 24"، أوضح الدكتور مجيد بودن، أستاذ القانون الدولي، أن "الدافع العنصري بحد ذاته لا يكفي لتصنيف الجريمة كإرهابية"، لكن توفّر نية ترويع المجتمع، ووجود خطابات تحريضية معلنة، و"سعي المجرم إلى جعل فعله نموذجًا يُحتذى" كلها عوامل جعلت النيابة تختار تصنيف الجريمة ضمن الإرهاب.
تزامنًا مع هذه الجريمة، لا تزال قضية مقتل الشاب المالي أبو بكر سيسيه في مسجد جنوب شرق فرنسا تُثير الجدل، إذ لم تُدرج ضمن خانة الإرهاب لعدم توفّر "البعد الجماعي أو التحريضي" وفق نتائج التحقيقات الأولية، ما يعكس تباينًا في المعايير القضائية يثير قلق الجاليات المستهدفة.
العنصرية.. أرقام مقلقةوتفيد بيانات رسمية بأن عام 2024 شهد ارتفاعًا بنسبة 11% في الجرائم العنصرية والمعادية للأجانب والدين، ما يعزز المطالب بضرورة التطبيق الصارم للتشريعات الموجودة، والضرب بيد من حديد على كل محاولة لتسييس الكراهية أو شرعنتها بخطابات تغذيها بعض الأصوات الإعلامية والسياسية.
التحقيقات لا تزال في بدايتها، لكن المؤشرات تؤكد أن فرنسا تقف عند مفترق حادّ. فبين القتل والنية في زرع الرعب، خيطٌ رفيع ترسمه السلطة القضائية اليوم من جديد. خيطٌ تحوم حوله تساؤلات عديدة: هل يُعيد هذا التحوّل تعريف مفهوم "الإرهاب" في فرنسا؟.
ويرى المراقبون لحالة الاستقطاب السياسي السائدة في فرنسا، أن محاربة هذه الظواهر هي مسؤولية مشتركة. فالدولة بحسب رأيهم، مسؤولة عن تطبيق العدالة، لكن النخب السياسية والثقافية مدعوّة إلى مواجهة الخطاب العنصري بجرأة، بعيدا عن الشعارات والمواقف المعلنة في الحملات الانتخابية التي قد تتحوّل، في أسوأ الظروف، إلى دم على أرصفة المدن الفرنسية.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة