جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-09@14:03:00 GMT

العلوم والتقانة والقناعات الراسخة

تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT

العلوم والتقانة والقناعات الراسخة

 

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

من الفوائد المُهمة التي يُمكن للإنسان أن يجنيها من خلال دراسته لتاريخ العلوم والتقانة، الثقة في النفس والأمل في مواجهة التحديات، التي يظن أنه لن يستطيع مواجهتها، كما إن مطالعة تاريخ هذه العلوم، يجعله يراجع قناعاته الراسخة ليتحقق من صحة رسوخها، وهل هي قائمة على أسس متينة؟ أم إنها أمور اعتاد عليها فحسب؟!

تاريخ هذه العلوم يشير وبوضوح أن هذه العلوم كسرت عمليًا كثيرًا من المُسلَّمات التي كان يؤمن بها الإنسان أشد الإيمان ويعتقد بها أيما اعتقاد، فمنذ القدم كنَّا نعتقد مثلًا أن تسلُّق السماء والوصول إلى القمر حلمٌ مستحيلٌ، ونجد ذلك واضحًا وجليًا في عبارة وردت في ملحمة جلجامش وهي من أقدم المخطوطات التي وصلت إلينا (الألفية الثالثة قبل الميلاد).

(من يا صديقي يمكنه تسلق السماء؟!)

لكن العلم حول هذا المستحيل إلى أمر ممكن؛ فاليوم نشاهد الطائرات تتسلق السماء وتقطع المسافات في غضون ساعات لتصل إلى أقاصي الأرض بكل سهولة ويسر، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي العشرين من يوليو عام 1969 استطاع الإنسان أن يتسلق السماء وينفذ من سطوة الجاذبية الأرضية، وحطت أول سفينة فضاء تحمل بشرًا على سطح القمر، وأرسلت أول رسالة من القمر إلى كوكبنا؛ وذلك عندما تواصل أرمسترونج قائد الرحلة الفضائية مع المحطة الأرضية قائلا "لقد هبط النسر على القمر" (النسر هو اسم سفينة الفضاء).

استطاع العلم بعد 5 آلاف سنة من الإنجازات العظيمة التي سطرها علماء الطبيعة والمهندسون ليغيروا العالم بأسره وليتسلقوا السماء ويضعوا أقدامهم لا على الأرض؛ بل على القمر!

واليوم تشير آخر التقارير العلمية إلى أنَّ العلماء استطاعوا أن يقتربوا من الشمس، اقترابًا لم يسبق أن قاموا به، وذلك من خلال المسبار المقاوم للحرارة والذي يستطيع أن يتحمل 1400 درجة مئوية دون أن يتأثر، وسوف يقوم العلماء برصد المعلومات التي سيتم التقاطها بواسطة هذا المسبار للتعرف والاطلاع على تفاصيل أكثر عن الشمس.

كما إن الكثيرين من مفسري القرآن الكريم كان يعتقدون باستحالة معرفة جنس الجنين، وذلك لما فهموه من قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ"، يقول الطبري (ت 310 هـ، 923م) في تفسيره "(وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ) فلا يعلم أحد ما فِي الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟".

ونجد ابن كثير المتوفى في القرن الثامن الهجري يذهب إلى نفس الرأي، فيقول "هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها... وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه [الله] تعالى سواه...".

ويورد الطباطبائي (ت 1402هـ، 1981م) في تفسير الميزان "وقد عد سبحانه أموراً ثلاثة مما تعلق به علمه وهي العلم بالساعة وهو مما استأثر الله علمه لنفسه لا يعلمه إلا هو ويدل على القصر قوله: (إن الله عنده علم الساعة) وتنزيل الغيث وعلم ما في الأرحام ويختصان به تعالى إلاّ أن يعلمه غيره".

لكن العلم أثبت لنا اليوم أن قناعتنا لم تكن في محلها، وأن علينا أن نعيد النظر في فهمنا لهذه الآية المباركة، فنحن اليوم نستطيع أن نعلم لا جنس الجنين فحسب؛ بل نستطيع أن نعلم بعض صفاته وبعض الأمراض الوراثية التي قد يُصاب بها، وهكذا تغيرت قناعتنا، وتغيرت كتب التفسير عندنا، لتوافق ما توصل اليه العلم، فلقد غدا المستحيل ممكنًا.

وكنا نعتقد أن التكاثر في عالم الحيوان وعند البشر لا بُد وأن يتم من خلال لقاء الذكر مع الأنثى، فلا يمكن أن يتم التكاثر بطريقة أخرى، ومرة أخرى أسقط العلم هذه القناعة، وأوضح أن هناك تكاثر لا جنسي لا يحتاج إلى ذكر وأنثى؛ بل ولم يكتف العلم بذلك، فلقد استطاع أن يصل إلى كشف أسرار عملية التكاثر، وقام بإجراء عمليات التكاثر في المختبرات دون الحاجة إلى أنثى، فلقد تم وبنجاح انتاج فئران من ذكرين من الفئران ودون الحاجة إلى بويضة أنثى، وذلك بتحويل الخلايا الجذعية من أحد الفئران الذكور إلى بويضة وتلقيح تلك البويضة بالحيوان المنوي، وقد أشار الباحث بأن تطبيق التقنية على البشر لازال يواجه الكثير من التحديات والصعوبات، ولكن بعد هذا النجاح، هل مازلنا نعتقد باستحالة ذلك؟!

ولا شك أن نجاح التجربة على الفئران حفرت عميقًا في قناعتنا وهزتها هزًا عنيفًا.

إنَّ المعرفة العلمية معرفة قلقة تسعى إلى كسر المُستحيلات المتعارف عليها، وتحويلها إلى ممكنات، فهذا ديدن هذه العلوم وتلك طبيعتها ولا تكتفي بذلك؛ بل تقوم بنقل حالة القلق هذه عند بعضنا، فيتوجس منها ويعدها شرًا لا بُد منه!

وتاريخ العلوم والتقانة يوضح لنا أن قناعات الإنسان التي لا تقوم على أدلة راسخة، هي أحد أهم الأسباب التي تقف في وجه تطور الإنسان؛ بل والمجتمعات البشرية، فقناعتك تؤثر في توقعاتك، وتلك تؤثر بدورها في أفعالك، وقد تجعلك تفترض واهماً بأنّ الأبواب موصده بوجهك؛ فعندما تعتقد باستحالة الوصول إلى القمر، كيف ستسعى للقيام بذلك؟ وعندما تعتقد باستحالة معرفة جنس الجنين، هل ستبذل جهدا علميا للتعرف على جنس الجنين؟ بالطبع لن تسعى، فمن لا يؤمن بقدراته يغدوا كالمشلول لا يمكنه التحرك من مكانه.

لهذا ليست المشكلة في امكاناتنا؛ بل علينا أن نُراجع قناعاتنا فقد تكون هي سبب تراجعنا وعجزنا!

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صور| "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام

توافد عدد من هواة رياضة “التطعيس” على الكثبان الرملية لشاطئ نصف القمر في الدمام اليوم الجمعة أول أيام عيد الأضحى المبارك حيث امتلأت المنطقة بسيارات الدفع الرباعي والمركبات المجهزة خصيصًا لهذه الهواية.رياضة شعبية لاستعراض المهاراتويُعتبر “التطعيس” من الرياضات الشعبية في المنطقة الشرقية، خاصة خلال عطلات نهاية الأسبوع، حيث يجد عشاق هذه الرياضة في الرمال الذهبية لشاطئ نصف القمر مسرحًا مفتوحًا لاستعراض مهاراتهم وتحدي التضاريس الصحراوية، حيث تحولت الكثبان الرملية إلى ساحة حماسية تجمع المتعة والإثارة، وسط أجواء من التنافس بين الشباب في الشرقية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام - اليوم var owl = $(".owl-articleMedia"); owl.owlCarousel({ nav: true, dots: false, dotClass: 'owl-page', dotsClass: 'owl-pagination', loop: true, rtl: true, autoplay: false, autoplayHoverPause: true, autoplayTimeout: 5000, navText: ["", ""], thumbs: true, thumbsPrerendered: true, responsive: { 990: { items: 1 }, 768: { items: 1 }, 0: { items: 1 } } });
أخبار متعلقة تكثيف الرقابة على المسالخ والأسواق بحائل استعداداً لعيد الأضحىالشرقية.. تهيئة 979 حديقة و14 واجهة بحرية لاستقبال الزوار بعيد الأضحىالإعلان عن مواعيد إجازة عيد الأضحى 1446.. تعرف عليهاوقد حرص كثير من الزوار على توثيق اللحظات من خلال التصوير ومشاركة التجربة على منصات التواصل الاجتماعي، مما يعكس الشعبية المتزايدة لهذه الرياضة في المنطقة.أجواء مليئة بالتحدي والإثارةوتُعد هذه الرياضة من الأنشطة التي تلقى رواجًا كبيرًا في الأعياد والإجازات، لما توفره من أجواء مليئة بالتحدي والإثارة لعشاق الرمال والمغامرة ويعد شاطئ نصف القمر من أبرز الأماكن السياحية في المنطقة الشرقية، ويتميز بمساحاته الواسعة من الكثبان الرملية، مما يجعله وجهة مفضلة لهواة “التطعيس” وممارسي رياضات الصحراء الأخرى.

مقالات مشابهة

  • العلماء يستبعدون وجود “الكوكب إكس” في 75% من مواقعه المحتملة
  • علماء يستبعدون وجود الكوكب إكس في مواقعه المحتملة
  • سوريا: تعيين طفل متحدثاً رسمياً باسم وزارة الاتصالات والتقانة
  • فشل ثان محاولة آسيوية للهبوط على سطح القمر.. تفاصيل
  • أول تعليق من محمد رمضان على براءته من إهانة علم مصر
  • رصدت بالعين المجردة.. اقتران القمر الأحدب ونجم السماك الأعزل
  • اقتران القمر الأحدب المتزايد ونجم “السماك الأعزل”
  • صور| "التطعيس".. عادة الهواة على كثبان شاطئ نصف القمر في الدمام
  • وزير الأوقاف: كما نتقدم بخالص الشكر والتقدير لحكومة بلادنا الرشيدة التي قدمت كامل التسهيلات اللازمة لخدمة حجاج بيت الله الحرام وساهمت في تيسير أداء مناسكهم.
  • سماء الوطن العربي تشهد اقتران القمر الأحدب بنجم السماك الأعزل مساء اليوم