مضر بدران يواجه تهديدات شارون . . !
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
#مضر_بدران يواجه #تهديدات_شارون . . !
#موسى_العدوان
في مذكراته ” القرار ” كتب رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران، القصة التالية وأقتبس :
” في العام 1983 توجه الراحل الحسين إلى الصين، وكنت رئيسا للحكومة، وفي العام نفسه صودف أن فجّر الروس ( الاتحاد السوفياتي ) طائرة ركاب كورية، قادمة من أمريكا بعد أن دخلت مجال ” جزيرة سخالين ” الروسية.
وأنا من موقعي في تلك اللحظة، أخرّت قرار الأردن في التصويت، كان الملك يتجه إلى بكين، وبعث لي برقية بضرورة التصويت لصالح الإدانة، وكان رحمه الله يريد أن يتوجه بعد الصين إلى كوريا الجنوبية صاحبة الطائرة المنكوبة. لم أتعامل مع برقية الحسين، اتصل بي من الطائرة، فأجبت على الاتصال، وبعدها أبلغت مقسم الاتصالات أن يبلغوا الحسين إن عاود الاتصال، أنني في جولة ميدانية ولا يمكنهم الاتصال بي.
مقالات ذات صلةتذرعت بحاجتي لقرار من المجلس الوطني الاستشاري، ثم جاءني الأمير الحسن وكان وليا للعهد ونائبا للملك أثناء سفره، وقال إن الحسين غاضب من عدم ردي على الهاتف، وأنه يطلب مني سرعة التصويت لصالح الإدانة، فأبلغتُ الأمير الحسن أن هذا عملي كرئيس حكومة، وعليه أن يترك الأمر لي، وإذا عاود الحسين الاتصال، فعليه أن يحمّلني أنا المسؤولية، وأن لا علاقة له بالأمر.
في تلك اللحظات، بدأ الراحل الحسين يُمطرني ببرقيات تحتوي كلاما قاسيا بحقي، وظل الأمير حسن يواسيني بأنه هو المقصود من كلام الملك الحسين الجارح في البرقية، وكنت أقول له أنه لا علاقة له بالأمر، وأن عليه أن لا يتصرف بشيء إلى أن أتخذ القرار المناسب.
في تلك الأثناء ظلت اجتماعات مجلس الأمن، تؤجل حتى يقرر الأردن موقفه من التصويت، وكنت على اتصال مع المندوب الدائم للمملكة في الأمم المتحدة عبد الله صلاح، وظل يناشدني بسرعة اتخاذ القرار، لأن الأمريكان يضغطون عليه بالطلب، وبقيت متمسكا بتأجيل الاجتماع حتى اللحظة المناسبة.
كان الملك غاضبا، وبحسب رواية من كانوا يرافقونه في رحلته إلى الصين، فقد كان غاضبا مني كثيرا بشكل شخصي، وحاولتْ ليلى شرف التي كانت بمعية الحسين على الرحلة، أن تقول بحقي كلاما طيبا، وأنه لابد أن يكون لديّ أسبابي، فأنا رجل حريص وملتزم بأداء واجباتي، لكن الحسين كان يقول لها : ” وهو شو إللّي بيعرفه وإحنا ما بنعرفه ؟ “.
وبقيت أرجئ قرار الأردن في التصويت، حتى حصلت على هدفي، وكنت أعتبره هدفا مهما، ولا يمكن أن أترك حقي من دون أن أحصل عليه. طبعا كان هدفي سياسيا بامتياز، فقد كان أرئيل شارون وزير الدفاع في الحكومة الإسرائيلية، قد هاجم الأردن بطريقة مستفزة، وقال : ” يا فلسطينيين وطنكم الأردن ” ، وأنه يستطيع إرجاع الحسين لوطنه السعودية، السعودية وليس الحجاز ! لقد أشعلت كلماته تلك النار في بدني، فكيف لواحد أرعن، مثل هذا المتطرف أن يتحدث عن الحسين بهذه الصورة.
اتصلت بالسفير الأمريكي في عمان حينها، وأبلغته بضرورة أن يردّ الأمريكيون على هذا الاعتداء، فنحن دولة معترف بها، وشارون يجب أن يُردّ عليه بسرعة، وعلى الأمريكيين أن يضعوا حدا له، فهم من يدعم إسرائيل. فقال لي السفير وبمنتهى البرود : ” دعه يقول ما يريد، ولا تلتفتوا لتصريحاته “.
كان كل ما طلبته منه هو إصدار بيان من الجانب الأمريكي، يؤكد الاعتراف بالأردن كمملكة ذات سيادة ومكانة. هنا انزعجت أكثر، واستدركت قائلا أن أمريكا تهتم فقط بمصالحها ولا تلتفت لشيء آخر. وبدأت أفكر بالطريقة المناسبة لردّ الإساءة بطريقة أقسى.
جاءت حادثة الطائرة الكورية، وتطورت الأحداث، حتى وصلت الأمور لتصويت مجلس الأمن، وجاء الحظ ليساعدني أكثر، بأن يكون صوت الأردن هو الصوت المرجّح، في التصويت على إدانة موسكو. لكن لسوء الحظ حدثت تلك التطورات والراحل الحسين في الطائرة متجها إلى بكين، ولا استطيع أن أطلعه على ما أفكر به. ولو أطلعته على فكرتي ببرقية أو اتصال هاتفي، كنت أخشى أن يتسرب الأمر وتنكشف خطتي.
فلما بلغت الأمور ذروتها، وبدأ الأمريكان لا يعرفون ماذا يفعلون معنا، واحتاروا بكل شيء ( فلم نطلب أي شيء، وبقينا محتفظين بالصمت طيلة تلك الأيام )، جاءني السفير الأمريكي ديك فييتس مسرعا وقال : ” أنت ماذا تريد ؟ فأنا متأكد أنك تريد شيئا معينا، وأنا أقول لك أني مستعد لتنفيذ كل مطالبك، حتى ينجح التصويت بإدانة موسكو “. فقلت له :
” طبعا أريد شيئا، وهو شيء لم تعره أي انتباه لما قلته لك، واليوم كل ما لديّ هو بيان يحتفظ به وزير الخارجية مروان القاسم، وأريد أن يخرج باسم البيت الأبيض، وليس من وزارة الخارجية كما طلبتُ سابقا، ولا أريد تعديل أي حرف على هذا البيان، وانتظر لحظة الإعلان عن البيان، إن تم تعديله فسأصوت لصالح الروس “. وكان البيان فيه رد قاس على الحكومة الإسرائيلية وتصريحات شارون، التي تعرّض فيها بسوء للراحل الحسين.
فورا نهض من على الكرسي وقال : ” امهلني ساعة ، وسيصدر البيان “. وبعد أن صدر البيان كما اتفقنا، قلت لعبد الله صلاح أن يصوت ( بإدانة الروس ). ولما عاد صلاح مرة أخرى وقابلته، أخبرني كم شعر بقيمة الأردن في تلك الأيام، وكيف أن العالم بأسره ينتظر منا موقفا من القضية، وكيف أن أعضاء مجلس الأمن يراقبون مل سنقول وسنفعل.
بعدها وعندما أبلغت الراحل الحسين سبب تأخري بالتصويت، وعدم رغبتي في إرسال المبررات ببرقية تتسرب للأمريكيين، وأني حاولت الاحتفاظ بسرية ما أقوم به لضمان نجاح المهمة، شكرني وبعث لي برقية من ثلاث صفحات، واعتذر فيها عما وصفني به في البرقيات السابقة.
وللأمانة والتاريخ أقول، أن الحسين تحملني كثيرا طيلة عملي بمعيته، بعد أن تكررت مظاهر الخلاف بيني وبينه، لكنه رحمه الله كان يعلم جيدا أن لا أجندات شخصية لي في العمل، وكان ما يهمني أن تجري الأمور وفق المنطق السليم، وأكره أن ننجز عملنا بنظام ( القطعة )، بل عندي جدول عمل شامل ولا أحب أن يكون عملي ناقصا. لذلك كان الحسين يغضب مني في مرات كثيرة، ولكنه سرعان ما يعرف أنني تصرفت وفق حساب دقيق للأمور، فأنا لست ارتجاليا في اتخاذ القرارات، وكل خطوة عندي تخضع لتفكير طويل ودقيق. وهذا هو الحسين رحمه الله يقدّر المصلحة الوطنية العليا جيدا، ولا يخالف متطلباتها حتى لو على حساب أكثر الأمور التي يرغبها “. انتهى الاقتباس.
* *التعليق : هكذا كان مضر بدران رئيس الحكومة صاحب الولاية العامة وصاحب القرار المستقل في ذلك الزمان. كان يُخلص القول والعمل للملك من أجل الوطن، فكانت تقع الخلافات في الرأي أحيانا بين الرجلين، وعندما يتضح للملك لاحقا، أن رئيس وزرائه يتصرف بحكمة، وبعد نظر وتفكير عميق بمصلحة الوطن، دون أن يكرسها لأجندات شخصية، فإنه يعتذر له ويتسامح معه.
مضر بدران خالف توجيهات الملك حسين وولي عهده، في إصار الأمر بالتصويت المرجّح، ولكن ذلك كان بهدف وطني، وهو إجبار الأمريكان بطريقة دبلوماسية على الانصياع لرأيه، قبل أن يفرضوا رأيهم علية ترجيح التصويت بإدانة الاتحاد السوفياتي.
جاء العديد من رؤساء الوزارات بعد مضر بدران، اعتبارا من أوائل عقد التسعينات، ومع احترتمي لهم جميعا، فهل اتّبع أي واحد منهم أسلوب مضر بدران، عندما أساء البعض للأردن من المسؤولين الأجانب أو غيرهم مرات عديدة. وها نحن اليوم نسمع ونقرأ تصريحات الرئيس الأمريكي والمتطرفين الصهاينة، ولكننا لا نسمع إلاّ ردودا خجولة عليهم من بعض المسؤولين لدينا، لا تعبّر عن صلابة موقفنا بشكل حازم.
أعتقد أنه لو كان مضر بدران حيا . . ورئيسا لوزراء الأردن هذه الأيام . . ومع مراعاة الظروف الدولية والمحلية حاليا . . لأقام الدنيا ولم يقعدها . . ثأرا للأردن وحفاظا على كرامة الأردنيين والفلسطينيين.
رحم الله الملك حسين، ورحم رئيس وزرائه الرجل الوطني مضر بدران، واسكنهما جنات الفردوس الأعلى، جزاءً لما قدموه من أجل الوطن . . !
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: موسى العدوان مجلس الأمن فی تلک
إقرأ أيضاً:
جائزة الحسين للعمل التطوعي… حين تتقاطع مع القرار الأممي 2250
صراحة نيوز ـ بقلم: جهاد مساعده
في عام 2015، لم يكن مجلس الأمن على موعد مع قرار تقليدي، بل كان على موعد مع رؤية شاب أردني صعد المنبر الأممي ليقدّم تصورًا جديدًا لدور الشباب في العالم.
إنه سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، الذي أطلق من منصة مجلس الأمن القرار التاريخي رقم 2250، داعيًا المجتمع الدولي إلى الاعتراف بالشباب، لا كضحايا أو أرقام، بل كشركاء فاعلين في صنع السلام وتعزيز الأمن.
وقد تبنّى القرار خمسة محاور رئيسية: المشاركة، الحماية، الوقاية، الشراكات، وإعادة الإدماج، ليشكّل بذلك أول إطار أممي شامل يعيد تموضع الشباب في قلب السياسات العامة والتنموية.
ولم يكن سموه يومها يطرح توصية فحسب، بل كان يُمهّد لتوجه عميق في الفكر الأردني الرسمي: أن التنمية تبدأ حين نثق بالشباب، لا حين نمنحهم دورًا رمزيًا.
وهذا ما تجلّى لاحقًا – لا كملاحق إدارية للقرار – بل في مبادرات وطنية مستقلة الرؤية، كان من أبرزها جائزة الحسين بن عبدالله الثاني للعمل التطوعي، التي حملت اسم صاحب الفكرة وروحه.
ورغم أن الجائزة لم تصدر كنتيجة مباشرة للقرار الأممي، فإنها – من حيث الجوهر – تمثّل الترجمة الأصدق للمبادئ التي نادى بها القرار، ليس بلغة التقارير، بل بلغة الأثر.
فالمشاركة لم تعد مجرد توصية، بل أصبحت واقعًا يُمنح فيه الشباب موقع القيادة في مبادراتهم التطوعية.
والحماية لم تبقَ بندًا نظريًا، بل تمثّلت في مبادرات ترعى الفئات المختلفة وتعيد بناء شبكات الأمان المجتمعي.
أما الوقاية، فقد وُلدت من مشاريع تزرع الانتماء في مواجهة الاغتراب، وتُحيل الفراغ إلى قيمة ومعنى.
وفي الشراكات، فرضت الجائزة مبدأ التعاون والتكامل كمقياس للتميّز لا كخيار.
أما إعادة الإدماج، فقد تجسدت في مبادرات تستعيد من هم خارج الدائرة وتعيد دمجهم كفاعلين إيجابيين.
وتتجلى قوة هذه الرؤية في الأرقام:
فقد بلغ عدد الذين سجّلوا للمشاركة في الجائزة أكثر من 33 ألفًا في مختلف مجالات العمل التطوعي، موزعين على كافة محافظات المملكة، ما يعكس عمق الحضور المجتمعي للجائزة، وشمولها الجغرافي، وصدق التفاعل مع روح القرار الأممي دون حاجة إلى وصاية.
من هذا المنطلق، لا يمكن فهم القرار 2250 بمعزل عن الرؤية التي أطلقته، كما لا يمكن فهم الجائزة إلا بوصفها منارة لهذه الرؤية وقد تجسّدت على الأرض.
فالعلاقة بين القرار والجائزة ليست تقنية أو تنفيذية، بل هي علاقة انسجام وظيفي ناتج عن وحدة في المنطلق: الإيمان بالشباب.
لقد أطلق سمو ولي العهد القرار من منبر عالمي، ثم فتح أمامه في الداخل طريق التطبيق العملي، فلم تبقَ الكلمة أممية في الأدراج، بل أصبحت مشروعًا وطنيًا، يتجسّد في كل مبادرة شبابية حقيقية، تحمل اسم الجائزة وتحمل معها ملامح المستقبل.
فالقرار وثيقة دولية…
لكن الجائزة شهادة وطنية على أن الأردن لا يكتفي بأن يقترح ما يجب أن يُفعل، بل يفعله.
ولا يكتفي بأن يقود الحوار العالمي حول الشباب، بل يعيش هذا الحوار في قراه، ومدنه، ومخيماته، وشبابه.
وحين تلتقي الوثيقة الدولية بمبادرة وطنية،
وحين يكون الحافز هو الإيمان لا التوجيه،
وحين يترجم ولي العهد الرؤية إلى فعل…
تحدث معادلة فريدة:
أن تكون القيادة مؤمنة بالشباب،
وأن يكون الشباب جديرين بالقيادة.