11 فبراير 2015.. الهروب المذل للأمريكيين من اليمن
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
ويقول بعض المجاورين للسفارة الأمريكية بصنعاء إنهم شاهدوا في العاشر من فبراير 2015، أي قبل يوم من رحيلهم ألسنة الدخان تتصاعد من داخل السفارة، معتقدين أن السفارة قد تعرضت للحريق، في حين أن الدخان المتصاعد كانت نتيجة لقيام الأمريكيين بعملية إتلاف الوثائق والملفات الأرشيفية الخَاصَّة بمخطّطاتها الإجرامية والتي تتضمن أسماء عملاء وخونة كبار كانت تستخدمهم السفارة لتنفيذ تلك المخطّطات.
وفي تلك الأحداث التاريخية نقلت وسائل إعلامية عن مصادر سياسية وأمنية أمريكية وثيقة الاطلاع، أن وكالة الاستخبارات المركزية الـ (سي آي أيه) نقلت محطتها الإقليمية في جنوب الجزيرة العربية من اليمن إلى سلطنة عمان؛ بسَببِ ما وصفته بالظروف الأمنية غير الملائمة في صنعاء، وكانت الوكالة قد أنشأت محطتها في صنعاء في أواخر عهد الخائن علي عبدالله صالح، وفقاً لاعتراف صالح نفسه في مقابلة قالها قبيل اندلاع ثورة 2011م.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية نقلاً عن مسؤولين أمنيين أمريكيين حاليين وسابقين: إن الـ “سي آي أيه” أجلت العشرات من عناصرها في اليمن، من ضمن حوالي 200 عنصر مدني وعسكري، كانوا يعملون في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء قبيل إغلاق السفارة، مؤكّـدة أن الأمريكيين غادروا السفارة الأمريكية على متن 30 سيارة مصفحة تحمل عدداً من الرجال والنساء، حَيثُ انطلقت من السفارة الأمريكية باتّجاه مطار صنعاء الدولي، وغادرت في طائرة قيل وقتها إنها عُمانية باتّجاه غير معلوم، وكان المحمولون على المصفحات جنوداً وعناصر استخبارات وموظفين أمنيين.
وتوضح المصادر الأمنية أن السلطات الثورية التي كانت موجودة في مطار صنعاء طلبت من الأمريكيين الخضوع للتفتيش قبل المغادرة في حادثة غير مألوفة لهم، ما جعلتهم يسخطون ويقيمون بتكسير أسلحتهم التي منعت منهم أثناء الرحيل.
وبعد يوم واحد من مغادرة الأمريكيين صنعاء، قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي أيه” وصفوا خروجهم من صنعاء “بالانتكاسة الكبيرة”، مشيرين إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية سحبت عشرات من العملاء والمحللين والعاملين الآخرين من اليمن كجزء من عملية إخراج أكبر لحوالي 200 أمريكي كانوا متواجدين في صنعاء، ومن بين من تم إخراجهم ضباط رفيعو المستوى عملوا عن كثب مع المخابرات والأجهزة الأمنية اليمنية لاستهداف أعداء أمريكا في المنطقة.
وأقر المسؤولون الأمريكيون بأن الترتيبات الاستخباراتية الأَسَاسية والعلاقات التي تمت إقامتها تضررت بإغلاق السفارة ومغادرة عناصر رئيسية من الـ “سي آي أيه”.
أمريكا المسؤول الرسمي لإدارة البلد
وصفُ الصحف الأمريكية إغلاق السفارة الأمريكية ومغادرة المارينز “بالانتكاسة”، بالإضافة إلى تصريح السفير الأمريكي بأنه لم تعد أية مهمة للأمريكيين في اليمن يؤكّـد مصداقية ما تطرق إليه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه بمناسبة العيد السادس لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، والذي أكّـد تدخل السفير الأمريكي قبل ثورة 21 سبتمبر في كافة شؤون اليمن بما يخدم السياسات الأمريكية الاستعمارية.
وذكر أن الأمريكيين دفعوا اليمنَ نحو الانهيار التام، وأوشك اليمن على الوصول إلى الهاوية لولا ثورة 21 سبتمبر، لافتاً إلى أن النظام السابق لم يدرك أن الشعب اليمني مؤهل للصمود أمام الاستهداف الأمريكي والحفاظ على حريته واستقلاله.
وقال قائد الثورة الشعبيّة السيد عبدالملك الحوثي إن “السفير الأمريكي في صنعاء بشكل رسمي وبقرار من مجلس الأمن، المسؤول الأول في الوصاية على شعبنا وسلمت له السلطة في ذلك الحين، وكان يوجِّه الوزراء والمسؤولين بشكل مباشر”، مُشيراً إلى أن حرص الأمريكيين على نزع كُـلّ عناصر القوة من البلد، حَيثُ تدخلوا في السياسة التعليمية تدخلاً خطيراً يقوض المبادئ التي تجعل الشعب متماسكاً أمام التدخل الخارجي، وكذا سعيهم وعملاءهم لتغذية كُـلّ عوامل الانقسام الداخلي، فبرزت إثارة النعرات العنصرية والطائفية والمناطقية.
وبين قائد الثورة أن المسار الأمريكي كان يهدف إلى بعثرة الشعب اليمني، وتفكيك كيانه؛ كي لا يبقى رابطٌ يجمع أبناء البلد ويحميهم من الانقسام.
نهاية الوصاية
وبالتوازي مع مرور ثماني سنوات من خروج الأمريكيين من صنعاء يقول الناشط السياسي ماجد المطري: “إن قيام الأمريكيين بإتلاف كافة المراسلات والمحتويات داخل سفارتهم في صنعاء قبيل وصول اللجان الشعبيّة ما هو إلا محاولة أمريكية يائسة لإخفاء ما بات مكشوفاً من مؤامراتها التي كانت تحيكها في اليمن عبر مندوبها السامي “السفير الأمريكي” انطلاقاً من وكر المؤامرات في شيراتون”.
ويضيف: “وحتى لا تنفضح مسؤوليتها عن إدارة عملية الاغتيالات وإشعال النعرات بين اليمنيين وكذلك لكي لا تتضح خبايا طبيعة العلاقة المشبوهة بين أمريكا وأنظمة العمالة التي كانت تحكم اليمن تحت المظلة الأمريكية خُصُوصاً من الفترة التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وما تلاها من انقلابات”، مؤكّـداً أن أمريكا مارست لسنوات مديدة سياسة المد والجزر في اللعب بمقدرات الشعب اليمني والتفريط بسيادته.
ويشير إلى أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 أنهت مخطّطات الأمريكان، ووضعت حداً للوصاية الأمريكية على اليمن، وأنهت دور سفيرها كمندوب سامي كان الحاكم الفعلي لليمن.
ويضيف المطري بالقول: ومن يراجع تحَرّكات السفارة الأمريكية وسفرائها في تلك الفترات سيدرك بما لا يدع مجالاً للشك بأن كُـلّ مشاكل اليمن والفساد الذي كان متأصلاً في هيكل الدولة من قمة الهرم إلى أسفله كان برعاية أمريكية مباشرة.
بدوره يوضح الأمين المساعد لحزب شباب التنمية الشيخ صالح السهمي أن إحراق الملفات من السفارة الأمريكية يكشف مخطّطات الأمريكيين التي كانت على درجة عالية من الخبث والخطورة لدرجة أنهم كان يخشون أن تقع هذه الأجندة في أيادٍ وطنية تفضح مؤامراتهم، وتستعرضها على الرأي العام ليكون على اطلاع بحقيقة ما يعمله الأمريكي وأدواته المجندة من المرتزِقة والعملاء والخونة الذين كانوا على رأس السلطة وحكموا هذا الشعب الكريم.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة علمت بأن هناك وعيا شعبيا يتصاعد تجاه مخطّطات الأمريكيين وأنه ليس من السهل احتواؤه كما هو حال الأدوات المجندة التي كانت تحضرها لمرحلة قادمة.
ويلفت إلى أن توسع المشروع القرآني شكّل قلقاً بالغاً على أمريكا ودفعها إلى الرحيل من الميدان المحلي والبحث عن طرق أُخرى لتركيع الشعب اليمني والعودة من بوابة الخونة مرة ثانية، مردفاً القول: كان العدوان على اليمن الذي أعلن من واشنطن أحد الرهانات الفاشلة التي منيت بها أمريكا وأدواتها بفضل تنامي الوعي الشعبي وحنكة القيادة العظيمة.
ويرى السهمي أن الولايات المتحدة عندما تشعر بفقدان أدواتها أَو عدم وجود البيئة المناسبة لتنفيذ مخطّطاتها الإجرامية، فَـإنَّها تشعر بقلق كبير وتبدأ بالبحث عن وسائل للهروب والبحث عن مشاريع أُخرى قد تسهم في تحقيق أهدافها، بحسب وجهة نظرها.
المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: السفارة الأمریکیة السفیر الأمریکی الشعب الیمنی التی کانت سی آی أیه فی صنعاء مخط طات إلى أن
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي زار اليمن يروي عجائبها.. وهآرتس تتساءل: من يحمي كنوز البلد في ظل نظام الحوثيين وهجمات إسرائيل؟ (ترجمة خاصة)
في أوائل مايو، قصفت إسرائيل شمال اليمن بعد سقوط صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون قرب مطار بن غوريون الدولي، خارج تل أبيب.
بعد الهجوم بوقت قصير، نُشر فيديو على موقع X يُظهر ثلاثة شبان يمنيين في لحظة غضب: كانوا يمضغون القات، ويحملون البنادق، ويرتدون الجلابيب التقليدية مع الجنبية، وهي خنجر قصير معقوف، تُزيّن أحزمتهم.
انتشر الفيديو على نطاق واسع في إسرائيل، مستقطبًا مئات التعليقات، وكثير منها ساخر. كتب مستخدم يُدعى أفيخاي بيليخ: "يبدو الأمر كما لو أن الطائرات حلقت بسرعة هائلة لدرجة أنها عادت بالزمن إلى الوراء وقصفت في القرن السابع".
وأضاف معلق آخر، يُدعى مائير كادمون: "إنهم ينافسون طالبان من حيث الملابس"، بينما أشار لافي آيزنمان: "كان عليّ أن أقنع نفسي بأن هذا ليس فيلمًا مُلوّنًا من عشرينيات القرن الماضي".
خلف هذا المظهر "المبالغ في أصالة المشهد" (في نظر الإسرائيليين)، يكمن دليل حي على ثقافة عريقة، تقليد عريق نجا من ويلات الزمن والحرب. يُلقي الفيديو، دون قصد، الضوء على العمق الثقافي لليمن، بلد مزقته الحروب، لكنه متجذر في تراثه.
يقول الكاتب والصحفي تسور شيزاف: "اليمن على بُعد أقل من ثلاث ساعات طيران من هنا، ولا نعرف عنه إلا القليل. إنه من أكثر البلدان سحرًا، بلد عالق في الزمن، متأخر بعقود عن بقية العالم". في عام 2007، سافر شيزاف إلى اليمن للقاء آخر يهود البلاد.
"هبطتُ في الثالثة فجرًا في مدينة أجنبية. أضاءت أضواء صفراء الطريق. ظهر باب اليمن، البوابة الحجرية الشهيرة لمدينة صنعاء القديمة، على يميني. ثم انزلقت سيارة الأجرة في طريق غائر، أشبه بقناة مائية بجدران على جانبيها. كان قاع الخندق مبللًا، فأشار السائق إلى علامة ارتفاع المياه على الجدران على ارتفاع متر ونصف (5 أقدام).
إنه نوع من طريق أيالون اليمني السريع في وسط المدينة"، كما كتب في مقال نُشر في مجلة "ماسا آخر" (اللغة العبرية) للسفر بعد الرحلة. جلس شيزاف قرب حي السائلة، الذي بناه يهود صنعاء داخل أسوار المدينة القديمة، يرتشف كوبًا من الشاي الساخن.
أمام عينيه، كان الأطفال يسخرون من بعضهم البعض، ويتسابقون في مياه الفيضان، ويقفزون على السيارات البطيئة، ويرمون قصاصات الورق التي جرفتها المياه. كتب: "ما أروع الماء وهو يتدفق عبر المباني المكونة من خمسة وستة طوابق، مبانٍ من الطوب الأحمر بثمانية أو ربما عشرة أنواع من الأقواس، محاطة بالأبيض... نوافذ من الزجاج الملون، وأبواب خشبية منخفضة ذات قوائم ثقيلة وأقفال متينة".
لماذا لا تستطيع إسرائيل والولايات المتحدة هزيمة الحوثيين في اليمن؟ هجوم الحوثيين على مطار إسرائيل الرئيسي يُثير صدىً في العالم العربي.
أدرجت اليونسكو مدينة صنعاء القديمة كموقع للتراث العالمي عام 1986. نفتالي هيلجر، المصور والمحاضر والباحث الثقافي، زار اليمن سبع مرات؛ ويصف مناظرها الطبيعية الخلابة. يقول: "كانت زيارتي الأولى لليمن عام 1987، وكانت الأخيرة قبيل وصول الحوثيين إلى السلطة عام 2014".
ويضيف: "مدينة صنعاء القديمة من أجمل المدن التي رأيتها. مبانيها عمرها حوالي 500 عام، ولا مثيل لها. هندستها المعمارية آسرة: أقواس فوق النوافذ، وزجاج ملون، وزخارف على الجدران، وأسلوب بناء فريد". عندما دخلتُ المدينة القديمة، شعرتُ وكأنني أدخل في نفق زمني. ترى مدينةً تبدو تمامًا كما كانت قبل ألفي عام، لكنها اليوم تنبض بالحياة. الأزقة ضيقة، ولا مكان للسيارات.
إنها ليست موقعًا أثريًا، بل مدينةٌ حية. إنها فرصةٌ نادرةٌ جدًا لرؤية مدينةٍ كهذه. يهتم اليمنيون كثيرًا بمظهر المباني، ولم أرَ مثل هذا الجمال المعماري في أي مكانٍ آخر.
لم يمنع تصنيف اليونسكو للمنطقة السعودية من قصفها عام 2015، خلال حربها مع الحوثيين. يقول هيلجر: "أعلم أن المدينة القديمة لحقت بها أضرار نتيجة الهجمات. كانت هناك أماكن يُفترض أن الحوثيين أخفوا فيها ذخائر وأسلحة، وقام السعوديون بقصفها. هناك مبانٍ دُمرت بسبب الهجمات. لا أرى أي قصف للمدينة القديمة حاليًا، لأنها ليست هدفًا استراتيجيًا".
يقول هيلجر إن من أبرز سمات الثقافة اليمنية الحفاظ على العمارة التقليدية. "في صنعاء، رأيت ورشًا لصنع الأقواس باستخدام أساليب البناء الحديثة. رأيت الناس يرسمون واجهات منازلهم، ويحافظون على هذه المباني ويدركون جمال هذا البناء".
لكن الحفاظ على التقاليد مسألة أوسع نطاقًا. نحن نتحدث عن بلد منغلق ومحافظ، لذا فإن ثقافته أيضًا خالية من التأثيرات الخارجية. على سبيل المثال، تُقام حفلات الزفاف مساء كل خميس. وقد حُفظت الموسيقى والإيقاع والرقص اليمني لمئات السنين دون تغيير. أي شخص يحضر حفل حناء يمنيًا في إسرائيل يرى نفس الرقصات ويسمع نفس الأصوات كما في اليمن اليوم.
رقصات بالخناجر
يقول هيلجر: "في عصر كل جمعة، يجتمعون في وسط المدينة لرقص الجنبية، وهو خنجر يمني يُستخدم أيضًا كقطعة من الحلي للرجال ورمز للمكانة الاجتماعية - وهذا هو أساسًا ترفيههم.
أما زيارات المتاحف والمسارح ودور السينما، فهي نادرة". ويضيف أنه بمجرد مغادرة صنعاء، تشعر فورًا أن اليمن من أفقر دول العالم. "لا توجد بنية تحتية، ولا مواصلات عامة، كل شيء هزيل".
كما يلعب نبات القات، وهو منشط يُشعر بنوع من النشوة عند مضغه، دورًا محوريًا في الثقافة المحلية. يقول هيلجر: "إنه مناسبة اجتماعية بارزة توحد حتى القبائل المتنافسة. يمضغون أوراق القات، ويأخذون كمية كبيرة منها ويمتصون عصارتها المرّة لساعات".
ونتيجةً لذلك، يغرق اليمن في غيبوبة القات بعد الظهر. "يتوقف كل شيء. يمضغ جميع الرجال تقريبًا القات، والنساء أيضًا. تبلغ قيمة سوق القات في اليمن حوالي 1.5 مليار دولار سنويًا، أي ثمانية أضعاف قيمة سوق القمح".
في الأيام التي سبقت الحرب الأهلية في اليمن، التي اندلعت عام 2004 وأدت إلى صعود الحوثيين، بدأت السياحة بالظهور تدريجيًا في البلاد. في صنعاء، افتُتحت العديد من الفنادق والمطاعم، وسُمح للسياح بالإقامة داخل المدينة القديمة. ووفقًا لهيلجر، شهدت السياحة أيضًا نموًا في الثمانينيات والتسعينيات، لكنها توقفت فجأة.
ويقول: "بدأت بعض القبائل في الشمال وفي المنطقة الجبلية باختطاف السياح كمصدر دخل. أقاموا حواجز على الطرق، ودعوا السياح إلى منازلهم، ثم منعوهم من المغادرة حتى دفعت الحكومة فدية. في النهاية، بدأت عمليات اختطاف السياح تحدث حتى في صنعاء. وقد قضى هذا بشكل شبه كامل على أمل تطوير السياحة في البلاد".
لولا الحوثيين وعمليات الاختطاف والحروب التي تعصف باليمن، لكانت البلاد وجهة سياحية للزائرين من جميع أنحاء العالم. أرخبيل سقطرى، وهو محافظة يمنية تتألف من مجموعة جزر في المحيط الهندي بالقرب من القرن الأفريقي، تصدّر عناوين الصحف مؤخرًا عندما احتلت بحيرة ديتواه التابعة له المرتبة الخامسة عشرة على قائمة أجمل شواطئ العالم.
أُدرج الأرخبيل كموقع للتراث العالمي الطبيعي لليونسكو عام 2008. كانت الجزر في وقت ما تحت سيطرة الحوثيين، لكنها في عام 2020 خضعت لسيطرة الحكومة في جنوب اليمن، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة.
ومن الأمثلة الأخرى على الثراء الثقافي لليمن مدينة شبام، في محافظة حضرموت، التي تمتد من الحدود السعودية شمالًا إلى بحر العرب جنوبًا. وتُعتبر مدينة شبام القديمة المسورة، التي تعود إلى القرن السادس عشر، والمدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، نموذجًا للتخطيط الحضري القائم على مبدأ البناء العمودي.
يقول هيلجر: "يُطلق عليها اليمنيون اسم 'مانهاتن اليمن' نظرًا للأبراج السكنية المصنوعة من الطين - وهو مزيج من الطين والقش - والتي يتراوح ارتفاعها بين 13 و14 طابقًا". ويضيف أن مواد البناء في اليمن تختلف باختلاف المنطقة. فصنعاء، على سبيل المثال، بُنيت بالحجر المحمر الموجود في المنطقة، بينما في حضرموت، الأكثر جفافًا، تُبنى المباني بالطين والقش. وفي القرى القريبة من البراكين، يُستخدم البازلت الداكن. ويشير هيلجر إلى أن شبام نفسها قائمة منذ حوالي 2000 عام، وكانت محطة مهمة على طريق التوابل والبخور.
أما المباني الشاهقة التي نراها هناك اليوم، فقد بُنيت قبل 400 إلى 600 عام. وقبل حلول موسم الأمطار في شهري يوليو وأغسطس، يُغلق السكان أي شقوق في الجدران.
بخلاف المواقع الأخرى، لم تكتفِ اليونسكو بإعلان مدينة شبام القديمة موقعًا للتراث العالمي، بل خصصت أيضًا أموالًا للحفاظ عليها. ووفقًا لهيلجر، فهي من المواقع القليلة في العالم التي تدفع فيها اليونسكو لسكانها أموالًا ليس فقط لصيانة منازلهم، بل أيضًا لصيانة منازل جيرانهم الذين هاجروا إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.
ويضيف هيلجر أن هذا إجراء بالغ الأهمية، "لأن المنازل غير المحمية قد تنهار، وعندما ينهار منزل واحد، قد يجرف معه الحي بأكمله، كتأثير الدومينو".
كيف يسمح الحوثيون بذلك؟ يقول هيلجر: "ليس لديهم سيطرة حقيقية على شبام وحضرموت وعدن. كانت هذه المنطقة في السابق معقلًا لتنظيم القاعدة، لذلك لم يكن من السهل عليهم حكمها. لقد نجحت اليونسكو في الحفاظ على العمارة في شبام ببراعة".
المسرح وفنون الأداء
بالنسبة للشباب اليمني، الثقافة ليست مجرد تعبير عن الهوية، بل هي أيضًا وسيلة للعصيان المدني. تقول إنبال نسيم-لوفتون، الخبيرة في شؤون اليمن في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب وفي الجامعة المفتوحة في إسرائيل، إنه في ظل واقعٍ تُقمع فيه حرية التعبير، يُصبح الفن أداةً سياسيةً واجتماعيةً - وخاصةً للنساء والشباب.
وتضيف: "يعيش الناس في ظل الحرب منذ أكثر من عقد. وفي خضم هذه الحياة اليومية، تُقام مبادرات ثقافية: مشاريع غرافيتي، وفنون أداء، ومسرح، تشارك فيها النساء بنشاط. إنهن عوامل تغيير في الفضاء الذي يعشن فيه، ويتمكنّ من التعبير عن أنفسهن رغم القيود".
وعلى سبيل المثال، تذكر أنشطة منظمة "نسيج"، التي تعمل مع الأطفال، وقد قدّمت عروضًا مسرحيةً للتوعية بقضية زواج الأطفال. وتقول نسيم-لوفتون إن هذه الأنشطة أصبحت ذات أهمية خاصة منذ وصول الحوثيين إلى السلطة، وهو تطورٌ أدى إلى مزيد من القيود على النساء، وخاصةً فيما يتعلق بحرية التنقل.
في بعض الأماكن، يُدير الحوثيون وحدات تُسمى "الزينبيات": نساء يرتدين ملابس سوداء، ويرتدين النقاب (غطاء كامل للجسم لا يُظهر سوى عيني المرأة) ويحملن أسلحة، ومهمتهن فرض قواعد سلوكية صارمة تجاه النساء.
تُوثّق المصورة بشرى المتوكل، المولودة في صنعاء، والتي انتقلت إلى الولايات المتحدة ثم إلى فرنسا، وضع المرأة اليمنية. يتتبع مشروعها "نساءٌ في زوال" التغيرات في ملابس المرأة اليمنية عبر التاريخ، من الملابس الملونة ذات الوجوه المكشوفة والابتسامات إلى النساء والفتيات المُغطات بالسواد، ووجوههن مُغطاة بالنقاب. تُعبّر صورها عن عملية محو المرأة.
ترسم الفنانة هيفاء سبيع، التي تعيش في عدن، خارج سيطرة الحوثيين، رسومات غرافيتي في شوارع المدينة. تُعبّر في عملها عن عواقب الحرب الدائرة في اليمن التي يخوضها الحوثيون منذ وصولهم إلى السلطة. جداريتها، المعنونة "سننجو معًا"، تُصوّر حملها كفضاء للأمل، وقوة المرأة، ورغبة في السلام.
في مقابلة مع مجلة "ذا أوربان أكتيفيست" المستقلة، قالت سبيع: "للألم والأمل معنيان مختلفان، لكنهما مرتبطان بكل تجربة أمومة تمر بها المرأة. في مواجهة الصراع الدائر وتأثيره على النساء والأطفال، تُحدث النساء انخراطًا غير مرئي من أجل السلام". في عام 2019، عرضت أعمالها في بينالي سنغافورة ضمن معرض "الحرب والبشر" بالتعاون مع متحف سنغافورة للفنون.
واجهت محاولات سبيع للرسم في صنعاء معارضة. استولى الحوثيون على لوحاتها، وأُجبرت على العودة إلى عدن. قالت آنذاك: "واجهتهم، وحاولت أن أشرح لهم أنني أيضًا ضحية للحرب". لكن هذه هي النقطة تحديدًا: كانوا يخشون أن يبدأ الناس بطرح أسئلة حول ما كُتب على الجدران. الناس هناك لا يتقاضون رواتبهم، ولا كهرباء ولا ماء. كانت الحياة في اليمن صعبة من قبل، ولكن على الأقل كانت هناك خدمات أساسية.
لكن سبيع لم تستسلم للفن. قالت: "أحاول توجيه رسالة للنساء الأخريات: أنهين الحرب وابني بديلًا بلا عنف. يجب ألا نستسلم".
*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست