انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثالث للمكتبات والمعلومات
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
- د.عبدالله أمبوسعيدي: المؤتمر يواكب التطورات التقنية في توظيف الذكاء الاصطناعي لتعزيز خدمات المكتبات والمعلومات والأرشيف
انطلقت صباح اليوم أعمال المؤتمر الدولي الثالث للمكتبات والمعلومات، الذي يُعقد خلال الفترة من 11 إلى 13 فبراير الجاري تحت شعار "تعزيز خدمات المكتبات والمعلومات والأرشيف باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي"، بتنظيم الجمعية العمانية للمكتبات والمعلومات.
وأقيم حفل الافتتاح برعاية سعادة الدكتور عبدالله بن خميس أمبوسعيدي، وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم، وذلك بفندق معاني بمسقط.
وقدم عبدالله بن سالم الهنائي، رئيس الجمعية العمانية للمكتبات والمعلومات كلمة جء فيها: "يأتي هذا المؤتمر، الذي يشارك فيه أساتذة وباحثون ومتخصصون ومهتمون بالمجال من داخل سلطنة عمان وخارجها، بهدف تبادل المعرفة وتشاركها، ورفد الإنتاج الفكري في مجال المكتبات والمعلومات والأرشيف بمحتوى علمي يسهم في الارتقاء بهذا المجال وتطويره. الجمعية العمانية للمكتبات والمعلومات، باعتبارها إحدى الجمعيات المهنية، تأخذ على عاتقها مسؤولية الربط بين المتخصصين ومؤسسات المهنة، سعيًا إلى تحقيق الأهداف المشتركة بين الطرفين، والمتمثلة في تفعيل التواصل العلمي المشترك بين المتخصصين والمهتمين، وتطوير المهنة وجعلها مواكبة للتطورات العلمية. كما تضطلع الجمعية بأدوار عديدة، منها تقديم الاستشارات المهنية للمؤسسات المختلفة، دعمًا للكفاءات المهنية للعاملين بها، إضافةً إلى عقد الاجتماعات والمؤتمرات التي تُعَدُّ من أهم وسائل تبادل المعرفة، وهو ما يتجسَّد اليوم في انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثالث للجمعية."
وأضاف الهنائي: "يأتي هذا المؤتمر انطلاقًا من حرص الجمعية على تنظيم مؤتمر علمي يكون بمثابة ركيزة علمية، تتيح للباحثين والمهتمين بالتخصص فرصة الدراسة والبحث، بما يسهم في تطوير المجال وممارساته المهنية، وتهيئة بيئة مناسبة للتواصل العلمي الفاعل داخل سلطنة عمان وخارجها. وها نحن، بفضل الله، نفتتح مؤتمرنا الدولي الثالث، إلى جانب المعرض المصاحب، بمشاركة عدد من المؤسسات والشركات المتخصصة من داخل السلطنة وخارجها، لعرض خدماتها ومنتجاتها".
وبدوره ألقى نبهان بن حارث الحراصي، رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، كلمة قال فيها: "يواصل الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات جهوده الحثيثة في رفع كفاءة المتخصصين في قطاع المكتبات والمعلومات، والإشراف على مبادرات ومشاريع تعزز قيم العمل في هذا القطاع، وتفتح مجالات للشراكة العربية. وخلال العام المنصرم، نظمنا المؤتمر الخامس والثلاثين في مسقط، والذي حظي بحضور ومشاركة متميزة، وحقق - بحمد الله - نجاحًا كبيرًا. كما قمنا بتدشين خمسة كتب حديثة ركزت على المعايير والمؤشرات التي تسهم في رفع جودة العمل في مؤسسات المعلومات، وخلال الشهرين الماضيين، نفذ الاتحاد شراكات مع عدد من الجهات، من بينها مدرسة المعلومات في المغرب، حيث نظمنا مؤتمرًا دوليًا متخصصًا، إلى جانب ندوة مع منظمة اليونسكو حول العلم المفتوح، وبرنامج تأهيل القادة الناشئين في جمهورية مصر العربية، ومبادرة (اقرأ)، التي نفذها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي بالمملكة العربية السعودية. وفي هذا الشهر، نعلن عن خطتنا التنفيذية لعام 2025، والتي تتضمن تنظيم مؤتمرنا الدولي القادم في دولة قطر، برعاية كريمة من مكتبة قطر الوطنية، خلال الفترة من 23 إلى 25 نوفمبر 2025".
وأضاف الحراصي: "يحظى قطاع المكتبات والمعلومات في سلطنة عمان باهتمام ورعاية كبيرة، وساهم المستودع البحثي العماني في تشكيل قاعدة وطنية رقمية موحدة يستفيد منها كافة الدارسين والباحثين، مما يجعله مرآة تعكس النشاط البحثي والثقافي العماني، وتعزز دور سلطنة عمان في نشر المعرفة دون قيود".
كما تضمن حفل الافتتاح تكريم عدد من الرعاة والمشاركين في تنظيم المؤتمر، وقام بتكريمهم سعادة راعي الحفل، الذي قام بعد ذلك بجولة في المعرض المصاحب، الذي عرض أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المكتبات والمعلومات والأرشفة.
مواكبة التطورات التقنية
أكد سعادته في تصريح لوسائل الإعلام أهمية المؤتمر في مواكبة التطورات التقنية، مشيرًا إلى دوره في تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع المكتبات والمعلومات والأرشيف، بما يسهم في تحسين الخدمات المقدمة وتسهيل الوصول إلى المعلومات بطرق أكثر فاعلية ودقة.
وأضاف أن المؤتمر يمثل فرصة مهمة لتسليط الضوء على الإمكانيات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في تطوير العمل المكتبي والأرشيفي، من خلال تحليل البيانات، وإدارة المعرفة، وتحسين عمليات البحث والاسترجاع. كما أوضح أن المشاركة الواسعة، سواء من مقدمي أوراق العمل أو المهتمين بالمجال، تتيح تبادل الخبرات والتجارب، مما يسهم في الارتقاء بالممارسات المهنية والاستفادة من أحدث التقنيات في هذا القطاع الحيوي.
وأشار إلى أن المعرض المصاحب يشكل منصة مهمة لاستعراض أحدث الأدوات والتقنيات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في قطاع المكتبات والمعلومات، مؤكدًا أن مثل هذه المؤتمرات تعد فرصة لتعزيز الشراكات وتبادل الرؤى بين المتخصصين، متمنيًا للجمعية العمانية للمكتبات والمعلومات النجاح في تحقيق أهدافها، وموجهًا شكره لجميع المشاركين على جهودهم في إثراء النقاشات وطرح الأفكار الجديدة.
انطلاق الجلسات العلمية
افتُتِحت جلسات المؤتمر بجلسة نقاشية ترأستها الدكتورة فاتن حمد، وتضمنت الجلسة العلمية الأولى ورقتي عمل، حيث قدمت الدكتورة نعيمة جبر ورقة بعنوان "مؤسسات المعلومات وتحديات الذكاء الاصطناعي: نحو شراكة بين استثمار التقنية وترسيخ الثقة في إدارة المعرفة"، فيما قدم الدكتور لؤي النمر الورقة الثانية بعنوان "الاستثمار في البيانات باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي".
أما الجلسة الثانية، التي أدارها الدكتور عبدالعزيز الكندري، فقد تضمنت أربع أوراق عمل، تناولت الأولى "تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الوثائق من وجهة نظر موظفي دوائر الوثائق بسلطنة عمان"، قدمها سليمان بن صالح الراشدي، بينما ناقشت الورقة الثانية، التي قدمها محمد الحبسي وسليمان الراشدي، "قياس ملاءمة نظم المعلومات والوثائق لإدارة المعرفة بدوائر الوثائق في سلطنة عمان". كما قدمت ملاك الحجية ورقة بعنوان "واقع وعي موظفي دائرة الوثائق بجامعة السلطان قابوس بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتحديات التي تواجههم في تطبيقها"، بينما تناول محمود محمد عبدالعليم عبد الصمد في ورقته "تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها للتحول نحو الأرشيف الذكي: دراسة استكشافية".
وفي الجلسة الثالثة، التي أدارها الدكتور كريمان بكنام صدقي، قُدمت أربع أوراق عمل، شملت ورقة للدكتور عبدالرزاق مقدمي والدكتورة فاتن حمد بعنوان "توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة السجلات الطبية في سلطنة عمان: الواقع والمأمول"، كما قدمت آسية التوبة وسعادة الذهلية ورقة حول "استكشاف دور الذكاء الاصطناعي في تحسين خدمات البحث والاسترجاع في المكتبة الطبية بوزارة الصحة". كذلك، تناولت الدكتورة فردوس عمر عبدالرحمن والدكتور نور الدين الشيخ ورقة بعنوان "دور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دعم إدارة المعرفة في المكتبات الجامعية السودانية"، واختتمت الجلسة بورقة للدكتورة أمثال شهاب أحمد ومنى حازم بعنوان "تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأهميتها في تحليل المحتوى وتصنيف الكتب العربية: دراسة تحليلية مقارنة".
أما الجلسة الرابعة، التي أدارها الدكتور نور الدين الشيخ، فقد اشتملت على أربع أوراق عمل، استعرض أحمد عادل في الورقة الأولى موضوع "نسيج"، بينما قدم الدكتور ياسر العلوي ورقة حول "قياس مستوى الوعي بالذكاء الاصطناعي في مكتبات جامعة التقنية والعلوم". كما ناقشت عائشة الروشدي ومنال العميري في ورقتهما "التحديات التي تواجه تطبيق الذكاء الاصطناعي في مدارس شمال الباطنة من وجهة نظر أخصائي مصادر التعلم"، بينما تناولت الدكتورة نعيمة جبر في الورقة الرابعة "المحتوى الفكري في بيئة الذكاء الاصطناعي: الدور المستقبلي لأخصائي المعلومات في استثمار المعرفة".
واختتم اليوم بجلسة خامسة، أدارها الدكتور حمد العزري، وتضمنت أربع أوراق عمل، حيث قدّم الدكتور مساعد بن صالح الطيار من دار المنظومة ورقة حول "تجربة شركة دار المنظومة في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي"، بينما تناولت الدكتورة فاطمة الزهراء محمد عبده حمد في ورقتها "التكنولوجيا المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر المستخدمة في خدمات المعلومات وارتباطها بالذكاء الاصطناعي: دراسة وصفية تحليلية". كما ناقشت الدكتورة أصيلة الهنائية وريما البادية في ورقتهما "تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمات المكتبات العمانية الأكاديمية: مكتبات محافظة البريمي نموذجًا"، بينما قدمت الدكتورة منى الثنيان والدكتور ناهد الحيدري وليلى الدلال ورقة بعنوان "تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي من قبل العاملين في المكتبات ومؤسسات المعلومات: دراسة حالة في دولة الكويت – الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تطبیقات الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی إدارة المعرفة الدولی الثالث ورقة بعنوان سلطنة عمان یسهم فی
إقرأ أيضاً:
هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟
ترجمة: بدر بن خميـس الظفري
طالما حلم الإنسان بأن تتولّى الآلات عنه الأعمال الشاقّة، وأن تساعده في المهام الذهنية كذلك. وعلى مدى القرون، ازداد اعتماد البشر على الآلات بوتيرة متسارعة، حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة باتت فيها الروبوتات تؤدي شتى أنواع المهام اليدوية، وتُظهر مهارات لافتة.
وينطبق الأمر نفسه على الأنشطة الفكرية. فمنذ ظهور برنامج «تشات جي بي تي»، أصبح الجميع يدرك حجم الإمكانات التي يحملها الذكاء الاصطناعي. والمشهد مذهل بالفعل: كيف يمكن لبرامج أن تمتلك هذا القدر من المعرفة، وأن تنتج نصوصا واستنتاجات تبدو منطقية؟ وهل هناك حدّ لما قد تبلغه؟ ولماذا تحتاج هذه الأنظمة إلى موارد هائلة من البيانات والطاقة الحاسوبية؟
لكن لنبدأ من البداية، فمصطلح «الذكاء الاصطناعي» ظهر في خمسينيات القرن الماضي، وصاغه عالم الرياضيات الأمريكي جون مكارثي خلال ورشة عمل كانت مخصّصة للبحث في مستقبل قدرات الحواسيب. وقد قال لاحقا إن المصطلح لم يأت نتيجة تفكير علمي عميق، بل لأنهم أرادوا عنوانا مثيرا يجذب التمويل اللازم للورشة!
ومع ذلك، فإن فكرة الآلة الذكية سبقت ذلك بكثير؛ ففي عام 1939 عرضت شركة «وستنغهاوس» خلال معرض نيويورك العالمي نموذجا بشريّ الشكل يدعى «إلكترو»، قادرا على المشي والكلام والسمع.
وبمعايير اليوم، كان الروبوت بدائيا للغاية، لكنه جسّد مبكرا مفهوم الروبوت الإنساني، وكان يرافقه جهاز آخر على شكل كلب يُسمى «سباركو». وفي عام 1941، قدّم المهندس الألماني كونراد تسوزه أوّل حاسوب حديث، ثم طُوّرت أنظمة التحكم بالحركات الكهربائية عبر الحاسوب في أوائل الخمسينيات ودخلت مرحلة الإنتاج. تلك الخطوات كانت الأساس الذي قامت عليه الأنظمة الحالية، وإن كان أحد في ذلك الوقت لا يتخيّل مدى ما ستصل إليه الحواسيب اليوم.
هذه التطورات تطرح سؤالا أساسيا: هل يمكن للآلات أن تضاهي الذكاء البشري، أو حتى تتجاوزه؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ أرى أن المسألة تقوم على ثلاثة مستويات.
أولا، درج الذكاء الاصطناعي التقليدي على محاكاة قدرات معرفية بشرية معينة، ولكن ضمن نطاق ضيّق، ومع ذلك، يمكنه إنجاز المهام بسرعة وكفاءة أكبر. من ذلك التفكير الرياضي، ولعب الشطرنج، وقراءة الخرائط للملاحة. اليوم، يُعدّ من المسلّم به أن هذه مهارات بشرية يمكن نقلها إلى الآلات، لكن في عام 1956 كانت أقرب للخيال العلمي.
لقد أصبحت هذه الأحلام واقعا، لكنها لم تعد تُصنّف ضمن «الذكاء الاصطناعي» بالمعنى الشائع. وكما قال مكارثي: «عندما يعمل النظام جيدا، لا يعود أحد يسمّيه ذكاء اصطناعيا». أما الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، وهو الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد دخل الوعي العام بقوة، ويمتاز بقدرته على إنتاج نصوص وصور وأصوات جديدة استجابة لتعليمات تُكتب بلغة طبيعية.
غير أن تدريب هذا النوع من «الذكاء الاصطناعي غير المجسّد» يعتمد على كميات ضخمة من البيانات المأخوذة من الفضاء الرقمي، ويتطلب قدرة حسابية هائلة. وهذا يعني أنه يرتبط بعالمنا الواقعي بشكل غير مباشر للغاية. ثانيا، يمكن إيجاد بيئة رقمية تحاكي قوانين الفيزياء في العالم الحقيقي بهدف إنتاج بيانات أقرب إلى الواقع لتدريب الأنظمة الذكية. في هذه البيئة، تُحاكي الأشياء الافتراضية خصائص الأشياء المادية بدقة كبيرة. فمثلا، تسقط قطرة الماء وتتحرك كما تتحرك في الطبيعة.
وفي هذا «العالم الافتراضي»، أو ما يُعرف بـ«الميتافرس» (العالم الماورائي الرقمي)، يمكن تدريب أنظمة التعلم الآلي على الاستكشاف والتجربة، وتنمية حسّ الفضول والقدرة على التعامل مع تنوّع المواقف.
غير أن هذا العالم، مهما بلغ تشابهُه مع الواقع، يظل من صنع الإنسان ويُصوّر العالم من منظور الإنسان فقط. وبالتالي، لا يمكن أن نتوقع فيه المفاجآت الحقيقية التي شكّلت مسار حياتنا وأسهمت في تطوّر الذكاء البشري.
في المستوى الثالث، يمكن تجاوز تلك القيود من خلال تمكين الحواسيب من العمل باستقلالية داخل العالم الحقيقي عبر الروبوتات التي تستشعر بيئتها باستخدام المجسّات. وبفضل أدوات الحركة المدمجة فيها ـ مثل الأيدي والأذرع والأرجل ـ تستطيع هذه الروبوتات تغيير بيئتها، ثم ملاحظة النتائج المترتبة على ذلك.
وهكذا تنشأ «حلقة مغلقة» تجمع بين الإدراك، والفهم الذكي، وتنفيذ الأفعال. وبذلك يصبح بإمكان الآلة المزوّدة بنظام ذكاء اصطناعي مدمج أو متصل بها خارجيا أن تخرج إلى العالم «بمفردها»، وأن تتعلم وتطوّر ذكاءها الخاص. ويُطلق على هذا النوع من الذكاء اسم «الذكاء المجسّد»، لأنه مرتبط بجسد، ومصمّم بما يتناسب مع خصائص الروبوت نفسه، من طريقة إدراكه للعالم إلى قدرته على التفاعل معه.
ماذا يمكن أن نتوقع في المستقبل؟ من الواضح أن دمج الذكاء الاصطناعي بالروبوتات ـ وليس بالضرورة الروبوتات الشبيهة بالبشر التي تمتلك سيقانا، بل بمختلف أشكالها ـ هو الطريق الذي سيُسهم في جعل الآلات الذكية قادرة على أداء مهام مفيدة.
فإذا استطاعت هذه الكيانات «المجسّدة» أن تفهم عالمنا الحقيقي مباشرة، وأن تمزج هذا الفهم بما اكتسبته من الفضاء الرقمي، فقد يؤدي ذلك إلى تآزر أو علاقة تكاملية تجعل الإنسان أكثر ذكاء وتفتح أمامه آفاقا أوسع بكثير.
ويتحمل واضعو السياسات والباحثون مسؤولية رئيسية في الاستثمار في هذا النوع من الروبوتات باعتباره جزءا أساسيا من مهمتهم في دعم تطور الإنسان. كما أن الفوائد العملية لاستخدام هذه الآلات في عمليات الإنتاج ستظهر بوضوح في المدى القصير والمتوسط.
إن البلدان التي تمتلك أعلى كثافة من الروبوتات ـ مثل الصين، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وألمانيا، واليابان ـ تتمتع بأفضلية إنتاجية هائلة. ومن المتوقع أن يتّسع هذا الفارق بدرجة كبيرة مع دخول الوكلاء المجسّدين إلى خط الإنتاج.
أما الدول التي تمتلك قاعدة صناعية واسعة وموارد بيانات كبيرة، وتعرف كيف توفّق بين البرمجيات وأنظمة الحوسبة المدمجة والمجسّات والميكاترونكس والذكاء الاصطناعي، فهي الأكثر قدرة على طرح هذه الآلات في الأسواق.
وليس من قبيل المصادفة أن هذه الدول هي بالفعل في طليعة صناعة الروبوتات.
ومع الإنجازات اللافتة التي تحققها الشركات الناشئة الصينية في مجال الروبوتات الشبيهة بالبشر، ومع الهدف المعلن للصين بأن تصبح رائدة في الذكاء الاصطناعي المجسّد ـ كما ورد في توصيات الخطة الخمسية الصينية الخامسة عشرة (2026-2030) ومبادرة «الذكاء الاصطناعي بلس» ـ فإننا نتوقع إنجازات كبيرة إذا ما نُفّذت هذه الخطط بذكاء.
كما أن المنافسة الدولية تتصاعد، ما يجعل السنوات المقبلة حبلى بابتكارات لافتة في هذا المجال. وأنا شخصيا لا أطيق الانتظار لرؤية ما سيظهر.