البوابة نيوز:
2025-06-10@12:06:01 GMT

مصر بين ثوابت الدولة ورهانات القيادة

تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

مصر ليست مجرد دولة عابرة في صفحات التاريخ، بل هي أمة ضاربة بجذورها في عمق الزمن، تحمل إرثًا حضاريًا يسبق كل العصور، وشعبًا تشكلت إرادته من مجد الفراعنة وصلابة الوطنيين الأحرار، لم تكن مواقف مصر يومًا رهينة لأشخاص أو أنظمة، بل كانت انعكاسًا لقناعات أمةٍ تعرف قدرها وتدرك مسؤولياتها تجاه قضاياها المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

فمنذ أن ارتفع الأذان الأول في القدس، كانت مصر حاضرةً، سيفًا ودرعًا، لا تأخذها في الحق لومة لائم، ولا تثنيها العواصف عن نصرة المظلوم، وقفت بجيوشها في ميادين القتال، ودبلوماسيتها في ساحات التفاوض، وإعلامها في كشف الحقائق، وشعبها في أبهى صور التضامن والتكاتف، لم يكن الأمر مرتبطًا بزعيم دون آخر، أو مرحلة دون غيرها، فمصر هي الثابتة في معادلة الحق، بينما يتغير الرجال وتبقى المبادئ.

وفي عالمٍ تتلاعب به المصالح، وتباع فيه القضايا بثمنٍ بخس، هناك رجالٌ لا يساومون، ولا يبيعون، ولا ينحنون، وهناك أوطانٌ لا تُشترى، ولا تُرهن، ولا تُختزل في صفقات مشبوهة تُبرم في دهاليز السياسة، وفي مقدمة هؤلاء الرجال، يقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائدًا بحجم مصر، سدًا منيعًا أمام كل من تجرّأ على التفكير في تطويع الإرادة المصرية، أو التفريط في ثوابتها التاريخية.

حين اجتمعت قوى الظلام خلف الأبواب المغلقة، يحيكون المؤامرات، ويرسمون الخطط، ويتوهمون أن بإمكانهم طمس هوية فلسطين بتهجير أهلها قسرًا إلى سيناء، كانوا يجهلون أن مصر ليست مائدةً تُدار عليها المقامرات السياسية، ولا ورقةً في دفتر صفقات الغرب، جاء الرد المصري صارخًا كهدير النيل، قاطعًا كحد السيف، حاسمًا كحقيقة التاريخ: "لا تهجير، لا تفريط، لا تنازل عن الحق".

وقف الرئيس السيسي كجدارٍ صلد في وجه مخططات الغرب، وعلى رأسهم ذلك الذي يُدعى دونالد ترامب، والذي ظن أن العالم يخضع لحسابات الربح والخسارة كما في صفقاته العقارية، لقد حاول أن يمارس ضغوطه على مصر، معتقدًا أنه قادرٌ على ابتزازها، متوهمًا أن هذه الدولة العريقة سترضخ لإملاءاته كما رضخ غيرها، لكنه لم يفهم أن مصر ليست عاصمةً تُدار من خلف المحيط، ولا دولةً تُخضعها الوعود والتهديدات.

إن ترامب، بعنجهيته الفارغة، لم يدرك أنه أمام رئيسٍ يحمل إرث الحضارة، ويؤمن أن السيادة المصرية ليست سلعةً في سوق السياسة، بل عقيدةٌ لا تقبل المساومة، أراد أن يفرض واقعًا جديدًا، فإذا بالواقع يسحق أوهامه، وإذا بمصر تُلقنه درسًا قاسيًا: "نحنُ من نكتب التاريخ، ولسنا من يُملى علينا".

لقد أراد البعض أن يجعل من سيناء وطنًا بديلًا، وكأنها صحراء مهجورة، لا روح فيها ولا هوية، وكأن مصر لا تملك تاريخًا عريقًا كتبته بالدماء، وصانته بالأرواح، لكنهم نسوا أن هذه الأرض كانت، ولا تزال، مقبرةً لكل من ظن أنه قادرٌ على العبث بأمنها.

منذ أن نطقت القاهرة برفضها القاطع، تبددت أحلام المتآمرين كما يتبخر السراب، وسقطت أقنعتهم الزائفة، فمصر لم ولن تكون شريكًا في وأد القضية الفلسطينية، ولن تكون ممرًا لمشاريع تصفية الحقوق، لقد عاشت مصر، عبر تاريخها، حصنًا منيعًا للحق، وقلعةً تتكسر عندها أطماع الطامعين، وهي اليوم تُجدد عهدها بأنها لن تخذل فلسطين، ولن تفرّط في شرف العروبة.

في وقتٍ اختلطت فيه المواقف، جاء موقف السيسي كالنور الذي يشق العتمة، وكالمطر الذي يغسل أدران الخنوع، رجلٌ من طينة القادة العظام، لا يبدّل مواقفه، ولا يساوم على مبادئه، ولا يقبل أن يكون شاهدًا على خيانة العصر.

هو الرئيس الذي عرف متى يقول "لا"، وكيف يجعلها ترنّ في آذان العالم كالرعد، لم يكن رفضه مجرد بيان دبلوماسي، بل كان صرخةً مدويةً باسم مصر والعروبة والتاريخ، لم يكتفِ بإعلان الموقف، بل أرسله كرسالةٍ واضحة إلى الجميع.

مرت العواصف، وسقط كثيرون، لكن مصر بقيت كما كانت، جبلًا لا تهزه ريح، وإرادةً لا يطوعها الأقوياء، وسيفًا مشرعًا في وجه من يظنون أن بوسعهم ليّ ذراعها، لقد حاول ترامب، فسقط، حاول المتخاذلون، فذهبت ريحهم، وبقيت مصر، وبقي السيسي، وسيبقى التاريخ يكتب بأحرفٍ من ذهب أن هذا الرجل وقف حيث انحنى الآخرون، وحمى كرامة وطنٍ حينما سقطت كرامات البعض تحت أقدام سادتهم.

تحيةً إلى مصر، تحيةً إلى قائدها، تحيةً إلى موقفٍ سيظل شاهدًا على أن هناك رجالًا لا يُباعون، وأوطانًا لا تُكسر.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: عبد الفتاح السيسي الإرادة المصرية سيناء القضية الفلسطينية

إقرأ أيضاً:

الأوطان ليست حفنة من تراب .. موضوع خطبة الجمعة القادمة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025، الموافق 17 ذو الحجة 1446 هـ بعنوان: “الأوطان ليست حفنة من تراب”. 

الرئيس السيسي يطمئن على أحد الأئمة الحضور بخطبة عيد الأضحىبث مباشر.. خطبة الجمعة من الحرمين الشريفين

وأكدت الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة التوعية بأهمية الحفاظ على العقل من كل ما يفسده، ومن أخطر ذلك الفكر المتطرف.

موضوع خطبة الجمعة السابقة 

كانت وزارة الأوقاف قد حددت موضوع خطبة الجمعة السابقة بتاريخ ٦ يونيو، بعنوان: “أيَّامُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ”. 

وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو: توعية الجمهور بفضائل ومنزلة يوم عيد الأضحى وأيام التشريق، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول تعزيز قيم التسامح والرفق بالإنسان والحيوان.

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بَدِيعِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَنُورِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَهَادِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، سُبْحَانَهُ، مِنْهُ العَطَاءُ وَالإِمْدَادُ، وَبيَدِهِ الإِشْقَاءُ وَالإِسْعَادُ، لَا تَطِيبُ الأَلْسِنَةُ إِلَّا بِذِكْرِهِ، وَلَا تَعْمُرُ القُلُوبُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، ونَشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، ونَشْهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَلَا تَزَالُ نَسَمَاتُ يَوْمِ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ تُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَى قُلُوبِنَا، وَأَيَّامٌ عَظِيمَةٌ تَنْتَظِرُنَا أَلَا وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ المُبَارَكَةِ، أَيَّامُ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ، وَرَحْمَةٍ وَمَغْفِرَةٍ، وَفِي فَضْلِها يَقُولُ صَاحِبُ الجَنَابِ الأَنْوَرِ صَلَوَاتُ رَبّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ الله تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يَوْمُ القَرِّ»، وَيَوْمُ القَرِّ هُوَ اليَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الحَجِيجَ يَسْتَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنًى.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّهَا أَيَّامُ اللهِ فَاغْتَنِمُوهَا؛ أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ فِي مَعْنَاهَا، عَمِيقَةٌ فِي مَغْزَاهَا، أَيَّامُ ذِكْرٍ للهِ تَعَالَى وَشُكْرٍ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ عَنْهَا: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}، وَوَصَفَها النَّبِيُّ الأَكْرَمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنَّهَا «أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ»، وَهَذَا الوَصْفُ الأَنْوَرُ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ دَلَالَاتٍ عَظِيمَةً؛ فَإِنَّ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَقْرُونٌ بِالذِّكْرِ، نِعْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِشُكْرٍ، حَيْثُ يَجْتَمِعُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ مُتْعَةُ الأَبْدَانِ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَنَعِيمُ القُلُوبِ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ، وَصَدَقَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
عِبَادَ اللهِ، اعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ الُمبَارَكَةَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَجْدِيدِ عَهْدِنَا مَعَ اللهِ، وَلِلْعَوْدَةِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِقُلُوبٍ خَاشِعَةٍ وَنُفُوسٍ تَائِبَةٍ، فَإِنَّ اللهَ يَتَجَلَّى عَلَيْنَا بِرَحْمَتِهِ الوَاسِعَةِ، وَيَفْتَحُ لَنَا أَبْوَابَ مَغْفِرَتِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى، إِنَّ رَحْمَةَ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ تَتَّسِعُ الجَمِيعَ، وَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، إِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ دَعْوَةٌ لِلرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ، وَالتَّرَاحُمِ وَالتَّسَامُحِ وَجَبْرِ الخَوَاطِرِ، وَمَدِّ يَدِ العَوْنِ لِلْفُقَرَاءِ وَالمُحْتَاجِينَ.
أَيُّهَا الْـمُكَرَّمُونَ، إِنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ هِيَ بِحَقٍّ أَيَّامُ الرَّحْمَةِ والمَغْفِرَةِ، فَبَعْدَ أَنْ ذَبَحْنَا الأَضَاحِي تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَبَعْدَ أَنْ وَقَفَ حُجَّاجُ بَيْتِ اللهِ الحَرامِ بِعَرَفَةَ، وَطَافُوا بِالبَيْتِ، وَرَمَوا الجَمَرَاتِ، وَأَجْزَلَ اللهُ لهُمُ المِنَحَ، وفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ؛ فَإِنَّ عَطَاءَهُ سُبْحَانَهُ لَا يَنْفَدُ، وَمَدَدَهُ مُتَتَابِعٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَهِيَ فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ لِغَسْلِ الذُّنُوبِ، وَتَطْهِيرِ النُّفُوسِ، وَإِصْلَاحِ القُلُوبِ.
أَيُّهَا الكِرَامُ، انْظُرُوا إِلَى اجْتِمَاعِ الحُجَّاجِ فِي مِنًى، كَيْفَ يَتَآلَفُونَ وَيَتَرَاحَمُونَ، عَلَى اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ، جَمَعَتْهُمْ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَأَظَلَّهُمْ هَدَفٌ وَاحِدٌ هُوَ رِضَى اللهِ تَعَالَى، فَلْنَقْتَدِ بِهِمْ فِي حَيَاتِنَا، وَلْنَجْعَلْ مِنْ مُجْتَمَعَاتِنَا لَوْحَةً جَمِيلَةً مِنَ التَّآخِي والتَّحَابُبِ، تُزْهِرُ فِيهَا المَوَدَّةُ، وَتُثْمِرُ فِيهَا الأَخْلَاقُ الفَاضِلَةُ، وَالقيَمُ السَّامِيَةُ.
أَيُّهَا النُّبَلَاءُ، اقْدُرُوا لِتِلْكَ الأَيَّامِ قَدْرَهَا، فَهِيَ فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ لِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَزِيَارَةِ الأَقَارِبِ، وَالسُّؤَالِ عَنِ الجِيرَانِ، وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِ الفُقَرَاَء ِوالمسَاكِينِ وَالأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ، فَالسَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ فِي البَذْلِ وَالعَطَاءِ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى القُلُوبِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «حقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ، وَحقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ»، وَقَوْلَ الجَنَابِ المُقَدَّسِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا».
*****
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصَّلَاةُ والسلامُ على خَاتَمِ الأنْبِياءِ والمُرْسَلينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّىَ الله عليهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ، وبَعْدُ:
فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نُحَوِّلَ هَذِهِ الأَيَّامَ إِلَى مَلْحَمَةٍ لِلتَّسَامُحِ وَالرِّفْقِ، بَيْنَ أَفْرَادِ العَائِلَةِ الوَاحِدةِ، فَهِيَ أَيَّامُ الوَحْدَةِ والتَّرَاحُمِ، وجَلَسَاتِ المُصَارَحَةِ بَيْنَ الآبَاءِ والأَبْنَاءَ، فِيِ إِطَارٍ مِنَ الحُبِّ، فَالتَّسَامُحُ وَالرِّفْقُ كَلِمَتَانِ خَفِيْفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، لَكِنَّهُمَا تَحْمِلَانِ فِي طَيَّاتِهِمَا مَعَانِيَ وَاسِعَةً، وَآثَارًا عَمِيْقَةً فِي الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، فَالتَّسَامُحُ صِفَةٌ نَبِيْلَةٌ تَسْمُو بِهَا النُّفُوسُ، وَيُتَجَاوَزُ بِهَا عَنْ الزَّلَّاتِ وَالْهَفَوَاتِ، وَتُزْرَعُ مِنْ خِلَالِهَا  بُذُورُ الْمَحَبَّةِ وَالْوِئَامِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَيُقْضَي بِهَا عَلَى جُذُورِ الْبَغْضَاءِ وَالشِّقَاقِ، فَهِيَ الْبَلْسَمُ الشَّافِي لِلْجُرُوحِ، وَالْمُطْفِئُ لِنِيْرَانِ الْفِتَنِ، وعُنْوَانُ التَّسَامُحِ: الْعَفْوُ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ، وَالصَّفْحُ الْجَمِيْلُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فالتَّسَامُحُ لَيْسَ ضَعْفًا بَلْ هُو قُوْةٌ كَامِنَةٌ، يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ مِنْ خِلَالِهَا أَنْ يَنَالَ حَقَّهُ بِشَرْطِ تَقْدِيمِ حِكْمَتِهِ، فِالكَمَالُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَكُلُّ ابنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، فَلَا بُدَّ مَعَ هَذَا القُصُورِ الْبَشَرِيِّ مِنْ قَبَولِ المُخَالِفِ مَهْمَا كَانَتْ دَرَجَةُ الاخْتِلَافِ مِنْ حَيْثُ الشَّكْلِ أَوْ الدِّينِ أو الفِكْرِ، فَهَذَا القَبُولُ هُوَ الذِي يَفْتَحُ البَابَ أَمَامَ عَلاقَاتٍ طَيِّبَةٍ، فَكَمْ مِنْ نِزَاعَاتٍ انْتَهَتْ بِالتَّسَامُحِ، وَكَمْ مِنْ خُصُوْمَاتٍ تَحَوْلَتْ إِلَى صَدَاقَاتٍ بِفَضْلِ الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ، وَتَأَمَّلُوا مَعِي قَوْلَ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ الرِّفْقَ أَخُو التَّسَامُحِ، وَالرِّفْقُ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَلِمَةٍ عَابِرَةٍ، أَوْ صِفَةٍ هَامِشِيْةٍ، بَلْ هُوَ جَوْهَرُ الدِّيْنِ، وَرُوحُ الْإِنْسَانِيْةِ، أَلَيْسَ هُوَ تِلْكَ الْيَدُ الدَّافِئْةُ الَّتِي تَمْتَدُّ لِانْتِشَالِ الْعَاثِرِ؟! أَلَيْسَ هُوَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ الطَّيْبَةُ الَّتِي تُبَلْسِمُ الْجِرَاحَ؟ فهَل اسْتَشْعَرْنَا يَوْمًا حَلَاوَةَ الرِّفْقِ فِي مُعَامَلَاتِنَا الْيَوْمِيْةِ؟! أَلَمْ يُوْصِنَا الْجَنَابُ الْمُعَظَّمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِالرِّفْقِ فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِ حَيَاتِنَا؟! فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ رَفِيْقٌ، يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ».
أَيُّهَا الْمُكَرَّمُونَ، تَأَسَّوْا بِخَيْرِ الخَلْقِ وَحَبِيبِ الحَقِّ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَرْفَقُ الْخَلْقِ بِالْخَلْقِ، لَيِّنًا فِي دَعْوَتِهِ، رَحِيمًا بِالضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، رَفِيقًا حَتَّى مَعَ الْحَيَوَانَاتِ، وتَذَكَّرُوا مَعِيَ قِصَّةَ الْمِرْأَةِ الَّتِي دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرْةٍ حَبَسَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَتَرُكْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَخَبَرَ الرَّجُلِ الَّذِي سَقَى كَلْبًا يَلْهَثُ مِنَ الْعَطَشِ، فَغَفَرَ اللهُ لَهُ بِذَلِكَ، وَتَذَوَّقُوا رَوْعَةَ الْبَيَانِ الْمُحَمَّدِيِّ: «مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الرِّفْقِ وَالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ
وَاهْدِنَا وَبِلَادَنَا مِصْرَ سُبُلَ السَّلامِ وَالأَمَانِ وَالإِكْرَامِ

طباعة شارك خطبة الجمعة خطبة الجمعة القادمة موضوع خطبة الجمعة وزارة الأوقاف موضوعات خطبة الجمعة

مقالات مشابهة

  • صوفان: بالنسبة لموضوع فادي صقر تم إعطاؤه الأمان من قبل القيادة بدلاً من توقيفه بناء على تقدير المشهد، على أن يكون ذلك سبباً في حقن الدماء سواء لدى جنود الدولة أو للمناطق الساخنة والحواضن المجتمعية
  • رونالدو يحطم كل الأرقام القياسية ويواصل كتابة التاريخ في عمر الـ40
  • ليست حكراً لحزب.. السوداني يوجه رسائل سياسية من الأنبار
  • إبراهيم فرغلي: حارسة الحكايات تقول إن التاريخ له ألف صورة
  • الأردن والهاشميون، ثبات الحكم ونُبل القيادة
  • في ذكرى تنصيب الرئيس السيسي.. مجدي البري: إنجازات ملموسة وجمهورية جديدة تنهض بكل القطاعات
  • تامر الحبال: الرئيس السيسي أعاد لمصر هيبتها ووضعها على طريق المستقبل
  • زيزو: الأهلي عنوان النجاح وفرصة لكتابة التاريخ
  • وادي فاطمة.. سحر الطبيعة وعبق التاريخ غرب المملكة
  • الأوطان ليست حفنة من تراب .. موضوع خطبة الجمعة القادمة