القس سهيل سعود يكتب : لغز معضلة الألم
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
طرح الإنسان منذ وجوده على هذه البصيرة، السؤال الوجودي الأصعب، الذي لم يجد له جوابا شافيا حتى الآن. هذا السؤال هو: لماذا الألم؟ ما هي أسبابه؟ لماذا البعض يتألم بآلام موجعة، بينما البعض الآخر لا يتألمها؟ هل هناك من إجابات مقنعة، للغز معضلة الألم والمرض والموت، الذي لا يميّز بين صغير وكبير؟ إن تفسير معضلة الألم، تبقى التحدّي الأكبر والأصعب لمهمة الإيمان المسيحي.
إذا ما درسنا العهد القديم من الكتاب المقدس، فإننا نلاحظ أن الفكر الذي كان سائدًا في ذهن العبرانيين، هو إرجاع سبب الألم إلى الخطية، إما خطية الإنسان نفسه، أو خطية آبائه وحتى أجداده. وهذا الفكر أيضا اشتركت فيه شعوب المنطقة المحيطة بالشعب العبري، منطقة شعوب الشرق الأدنى. فمفهوم الألم، كقصاص من الله على خطايا الإنسان أو أهله أو أجداده نراه واضحاً في قصة إرسال الله للطوفان، وقصة إحراق الله لمدينتي سدوم وعمورة، وغيرها من القصص الأخرى. أما السبب الآخر للألم، الذي يذكره العهد القديم، هو ليس القصاص وإنما تجربة الإنسان المؤمن واختبار مدى ثبات إيمانه ونضجه في علاقته الروحية مع الله. وفي هذا الإطار نفهم الآلام الكبرى التي تعرض لها النبي أيوب.
يطلعنا إنجيل يوحنا في الاصحاح التاسع من إنجيله، على إجابة المسيح لتلاميذه حول تساؤلاتهم عن ألم إنسان ولد أعمى فاقد لنظره، محاولين معرفة سبب ذلك، فسألوه مستندين إلى الفكر السائد بين الشعب، «يا معلّم من أخطأ هذا أم أبواه حتى حتى ولد أعمى؟» (يوحنا 9: ) 2). فأجاب المسيح قائلا: «لم يخطئ هذا ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه». وبالتالي، فالمسيح لم يحمّل مسئولية الألم لا لخطيئة الأب ولا لخطيئة الابن. ولكنه في نفس الوقت
لم يخبرنا عن سبب الألم، ولم يفسّر هذا السر اللغز لتلاميذه، إلا أن المسيح لم يقف مكتوف اليدين أمام ألم الأعمى، بل مدّ يده وساعده، فتفل على الأرض وصنع من التفل طيناً، وطلى بالطين عيني الأعمى، وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام. فمضى واغتسل، وأتى بصيرًا".
إن مشكلة الألم تطرق إليها عدد من آباء الكنيسة واللاهوتيين عبر التاريخ، أبرزهم القديس أوغسطينوس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي. في كتاباته حول «أصل وطبيعة وحلول مشكلة الألم والشر في العالم»، ذكر أوغسطينوس بأن خليقة الله جيدة في الجوهر لأن الله عندما خلق الكون «كما تقول قصة الخليقة في سفر التكوين»، فقد رأى ذلك أنه حسن، إنما بسبب الخطية المتمثلة في سقوط آدم وحواء، حدث تشوّه في الإرادة والحرية البشرية، مما أدى إلى إساءة الإنسان علاقته مع الله ومع نفسه، ومع الآخر، في المجتمع، وأيضا مع الطبيعة.
ونتيجة لهذا التشوه الإرادي وتدهور العلاقة على كل الأصعدة، ظهر ويظهر الشر بشكل متعاظم في العالم، يتجسد جزء منه في الحروب والقلاقل والمجاعات والآلام الأخرى التي يسببها الإنسان بسبب تشوه وفساد إرادته. وفي هذا الإطار نستطيع أن نفهم تحميل الرسول يعقوب للناس مسئولية الحروب «يعقوب 4: 1-3» والتفجيرات وقتل الناس الأبرياء.
وأيضاً من نفس مبدأ تشوه وفساد الإرادة والحرية الإنسانية، نستطيع أن نفهم سوء علاقة الإنسان مع الطبيعة، بل سوء استخدام الإنسان للطبيعة والموارد الطبيعية، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الكثير من الأمراض والأوبئة. لهذا تتعالى الأصوات اللاهوتية المسيحية اليوم التي تدعو إلى ضرورة حسن معاملة الطبيعة خليقة الله، والحفاظ عليها لأنه بالحفاظ عليها نحافظ على حياتنا وعلى عالمنا الذي نعيش فيه. فسر القديس أوغسطينوس الأمراض على أنها تشوه وظيفي، بل ظهور أعطال في النظام الوظيفي في الجسم الإنساني. ومن المبدأ نفسه نستطيع أن نفهم أسباب الزلازل والبراكين على أنها يضاً تشوه وظيفي وضعف جيولوجي يصيب بعض المناطق الجغرافية في العالم.
بالرغم من محاولة القديس أوغسطينوس وغيره، تقديم تفسيرٍ جزئيّ لمعضلة الألم في العالم، إلا أنهم لم يستطيعوا سبر غور هذا اللغز الذي يبقى معرفته في سلطان الله. تمنى الشاعر والفيلسوف عمر الخيام، الذي بعد تفكيره وبحثه في أسرار الحياة،في القرن الحادي عشر، أمنية كبيرة مستحيلة التحقّق، فقال، «إن رغبة قلوبنا لو نستطيع أن نعيد صنع الكون بدون ألم».
لكن الحقيقة الصارخة التي نواجهها كل يوم هي وجود الألم، لهذا فالسؤال الأساس الذي يجب أن نجيب عنه هو، كيف نتجاوب مع الألم عندما يعترضنا؟ لقد دعى اتباع الفلسفة الرواقية اليونانية القديمة إلى قبول الألم وتحمله بشجاعة لأن الإنسان يولد في عالم يحتوي الألم، وهو جزء من هذا العالم، فليخضع لهذا الواقع ويتحمله بهدوء. أما الجواب المسيحي واللاهوتي للآلام الإنسانية، هو أنه ليس هناك انتصاراً ظاهرياً وخارجياً لمعضلة الألم المستمرة في هذا العالم الحاضر.
فالانتصار على معضلة الألم، هو أمر روحيّ داخليّ. يتحقــــق ليس بقــــدرات وانجازات الإنســــان، ولكـــن بحضــــور الله فـــي الحياة، إن الرؤية المسيحية للعالم المتألم هي، تقديم حقيقية النعمة والقوة وسط الألم، لتسنده وتمنحه الصبر لتحمل آلامه.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الانسان الألم الكتاب المقدس الشعب العبري الله فی العالم نستطیع أن
إقرأ أيضاً:
بعد زلزال روسيا والتسونامي الذي ضرب عدداً من البلدان... هذا ما كشفه خبير جيولوجي عن لبنان
كتب الخبير الجيولوجي طوني نمر، اليوم الأربعاء، في منشورٍ على حسابه عبر منصة "إكس": "الزلزال الذي حصل صباح اليوم بالتوقيت المحلي قبالة كامشاتكا الروسية بقوة 8.7 درجات وعمق 21 كلم جاء نتيجة انزلاق صفيحة المحيط الهادئ تحت الصفيحة الأميركية الشمالية".
تابع في منشور آخر: "الخريطة المرفقة تظهر الحدود الشمالية الغربية لصفيحة المحيط الهادئ مع نقاط ارتكاز الزلازل المسجلة عليها منذ العام 1918 وفق هيئة المسح الجيولوجي الأميركية".
2/4
الخريطة المرفقة تظهر الحدود الشمالية الغربية لصفيحة المحيط الهادئ مع نقاط ارتكاز الزلازل المسجلة عليها منذ العام 1918 وفق هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية pic.twitter.com/VWOZUuYFKZ
وأوضح: "قوة الزلزال وضحالة عمقه أدّيا الى انكسار قعر المحيط وتحريك مياهه مما ولّد موجات تسونامي ما زالت تتمدد عبر المحيط الهادئ باتجاه الشواطئ القريبة والبعيدة كما يظهر النموذج المرفق وفق وكالة الأرصاد الجوية وعلم المناخ والجيوفيزياء الأندونيسية".
3/4
قوة الزلزال وضحالة عمقه أدّيا الى انكسار قعر المحيط وتحريك مياهه مما ولّد موجات تسونامي ما زالت تتمدد عبر المحيط الهادئ باتجاه الشواطئ القريبة والبعيدة كما يظهر النموذج المرفق وفق وكالة الأرصاد الجوية وعلم المناخ والجيوفيزياء الأندونيسية pic.twitter.com/XZAYXzkczi
ختم: "تجدر الإشارة أنه بالرغم من المسافات الفاصلة بين المحيط الهادئ والبحر المتوسط وانعدام إمكانية وصول التسونامي الحالي الينا، يجب التحوّط دائماً عند الشعور بأية هزة أرضية والابتعاد فوراً عن الشاطئ واللجوء الى أماكن مرتفعة نسبياً عن سطح البحر، بانتظار مزيد من المعلومات حول الحدث".
4/4
تجدر الإشارة أنه بالرغم من المسافات الفاصلة بين المحيط الهادئ والبحر المتوسط وانعدام إمكانية وصول التسونامي الحالي الينا، يجب التحوّط دائماً عند الشعور بأية هزة أرضية والابتعاد فوراً عن الشاطئ واللجوء الى أماكن مرتفعة نسبياً عن سطح البحر، بانتظار مزيد من المعلومات حول الحدث. pic.twitter.com/lrQ2Jy3493
مواضيع ذات صلة عن أسباب العاصفة غير المسبوقة في الإسكندرية.. هذا ما كشفه خبير جيولوجي Lebanon 24 عن أسباب العاصفة غير المسبوقة في الإسكندرية.. هذا ما كشفه خبير جيولوجي