السيد عبدالله بن حمد.. الصفيّ الرضيّ
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
أحمد الفلاحي
السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي جاءنا في مسقط مع عمر الخامسة عشرة برفقة أبيه القاضي السيد حمد بن سيف، وكان منزلهم في منطقة الحمرية قريبا من بيت الشيخ أحمد بن عبدالله الحارثي وكنا حين نذهب لزيارة الشيخ أحمد بن عبدالله نمر أحيانا لزيارتهم ونجد هناك العديد من القضاة والأعيان.
وكان وقتها بين الصبا والشباب ولدا وسيما فائق الجمال يوسفي الحسن بهي الطلعة رائع المنظر ذا قامة معتدلة أبيض الوجه حلو الملامح يلفت الأنظار، وعمل مع صغر سنه مُنسقًا لمكتب الشيخ أحمد رئيس هيئة المخطوطات وقتها ثم حين تأسست وزارة الإسكان وصار السيد محمد بن أحمد وزيرا لها وتعين الشيخ أحمد بن عبدالله بمعيته وكيلا للوزارة وذهب هو معه وكان السيد محمد صديقا لوالده فأخذه منسقا خاصا لمكتبه وأسهم بقدر واسع في تأسيس الوزارة الوليدة ومضت به مسيرة العمل وفي غضون سنوات أصبح مديرًا عامًا.
وبعد وقت يسير تم تعيينه سفيرًا لعُمان في تونس وكان دوره كبيرًا ملحوظًا، وخلق علاقات واسعة مع الوزراء والمسؤولين هناك ومع زملائه السفراء. وحين أُعيدت الجامعة إلى مقرها في القاهرة عاد هو معها؛ فطاب له المقام في مصر، وتوطدت علاقاته مع الرئيس ومع كبار المسؤولين، وشهدت العلاقات العُمانية المصرية تطورًا كبيرًا، وكان أمين عام الجمعة العربية بعد عودتها إلى مصر الدكتور عصمت عبد المجيد وأصبحت العلاقة بينهما وُثقى ومتينة، وكم مرة رأينا د. عصمت زائرًا له في بيته بالقاهرة، إضافة إلى صلاته الحسنة مع الكُتَّاب والمُثقفين الذين ارتبط معهم بصداقات حميمة، يُقيم لهم الضيافات في بيته ويجتمعون حوله في ندوات علمية وثقافية. ومن أبرز من صاروا أصدقاؤه المقربين: الدكتور جابر عصفور، والدكتور حسن حنفي والأستاذ جمال الغيطاني، والدكتور صابر عرب، والدكتور أحمد درويش، والمؤرخ الدكتور جمال زکريا قاسم، وعشرات غيرهم، ومنزله كان منتدى فكريًا وملتقى دائمًا لصفوة أهل الثقافة. ثم أسس هناك "منتدى الفراهيدي" الذي تحدَّد وقته كل 4 شهور حول شؤون ثقافية مصرية وعُمانية وعربية يحاضر فيه نخب العلماء وقادة الفكر والمثقفين من المغرب والعراق والجزائر وسوريا وتونس واليمن وعُمان ومصر والخليج؛ وذلك المنتدى كان منارة عُمانية مُضيئة في القاهرة، وكان لا تكاد تفوته ندوة أو محاضرة ثقافية في القاهرة على كثرتها وكثرة مشاغله، وكنت رفيقه غالبًا في تلك المحاضرات والندوات.
وله- رحمه الله- قدرة فائقة على التوفيق والإصلاح بين المختلفين، ومما اشتهر به من ذلك استطاعته جمع السفيرين الكويتي والعراقي في بيته أثناء شدة الخصومة بين الكويت والعراق، خلال الاحتلال العراقي للكويت؛ مما دعا الصحافة المصرية إلى نشر صورة السفيرين وهو بينهما، في استغراب شديد. وفي فترات معرض القاهرة الدولي للكتاب يكون حريصا أن أكون معه باستمرار. وما أذكره عنه أيام وجوده في تونس رسالة مطولة أرسلها لي بشأن موضوع معين كان يبتغيه والرسالة ما زالت معي حتى الآن وبعد عودته إلى الوطن، كُنَّا على تواصل غير منقطع يدعوني لزيارته ببيته وأحيانًا يفاجئني في بيتي فأسعد بوجوده.
ومن مآثره التي لا يمكن إغفالها إنشاء مكتبة باسم والده تضمنت بعض المخطوطات والكتب القديمة، وكذلك دوره في تأسيس جامعة الشرقية التي أحاطها بالرعاية والاهتمام والتي أصبحت اليوم من بين أرقى الجامعات العُمانية الخاصة ولا نستطيع حصر وتعداد ما قام به من إنجازات مهمة، وهو قبل ذلك وبعده من مُحبي الثقافة والقراءة وحين يلقاه المرء يبادره بابتسامته العذبة المشرقة.
رحمه الله وكتب له الثواب والمغفرة وجزيل الإحسان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
باحثة عُمانية تطوّر فلاتر كربونية من مخلفات القهوة لمعالجة المياه
مسقط- الرؤية
أنجزت الباحثة العُمانية منار بنت سعيد العطار خريجة تخصص الهندسة التحويلية من الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا، دراسة بحثية نوعية تهدف إلى معالجة المياه الملوثة ومياه الصرف الصحي باستخدام الكربون النشط المستخلص من مخلفات القهوة، بتمويل من برنامج التمويل المؤسسي المبني على الكفاءة التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
وتسعى الدراسة إلى الإسهام في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، من خلال تقليل انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن تراكم نفايات القهوة، وتحويل هذه المخلفات إلى فلاتر كربونية فعّالة لمعالجة المياه، وذلك في إطار دعم جهود سلطنة عُمان نحو تعزيز الاستدامة البيئية وتفعيل الاقتصاد الدائري.
ويخلّف استهلاك القهوة المرتفع على الصعيدين المحلي والعالمي، والذي تؤكده بيانات المنظمة الدولية للقهوة (ICO)، كميات ضخمة من النفايات العضوية يوميًا، ويُعد التخلص العشوائي من هذه المخلفات مصدرًا لانبعاثات الميثان الضارة، في حين أن تحويلها إلى كربون نشط يوفّر حلاً بيئيًا مبتكرًا وفعالًا.
كما تهدف الدراسة إلى استثمار هذه المخلفات في إنتاج مادة ذات قيمة مضافة، تُستخدم كمرشح فعال في تنقية المياه، تماشيًا مع رؤية "عمان 2040" في تحقيق الأمن البيئي، وتقليل الاعتماد على المواد المستوردة عبر تطوير منتجات محلية منخفضة التكلفة وصديقة للبيئة.
واعتمدت الباحثة في دراستها على منهجية تجمع بين الجانبين النظري والعملي، حيث بدأت أولًا بالتصميم النظري والنمذجة باستخدام برنامج(Aspen HYSYS Plus) وهو برنامج محاكاة هندسي متقدم يُستخدم بشكل أساسي في مجال الهندسة الكيميائية وهندسة العمليات، وتصميم وتحليل العمليات الصناعية، خاصة في صناعات النفط، والغاز، والبتروكيماويات، والطاقة، حيث قامت ببناء نموذج لعملية إنتاج الكربون النشط من مخلفات القهوة، مما ساعد على فهم تدفق المواد والطاقة في النظام، وتحديد كمية الإنتاج الممكنة، بالإضافة إلى إجراء تحليل مبدئي للجدوى الاقتصادية، الأمر الذي وفّر وقتًا وجُهدًا في اختيار أفضل الظروف التشغيلية قبل البدء بالتجارب الفعلية.
بعد ذلك، انتقلت الباحثة إلى الجزء العملي، حيث جمعت مخلفات القهوة من المقاهي المحلية، ثم جففتها في فرن بدرجة حرارة (100) مئوية لمدة (24) ساعة، وبعد التجفيف، تم تحويل هذه المخلفات إلى كربون نشط باستخدام مفاعل حراري يعمل بتقنية الانحلال الحراري، وجرى تنشيط الكربون الناتج بطرق فيزيائية وكيميائية لزيادة كفاءته، ولاحقًا خضع الكربون النشط المنتج لسلسلة من التحاليل المخبرية المتقدمة، والتي شملت قياس المساحة السطحية، والمسامية، وتحليل البنية المجهرية والبلورية، بالإضافة إلى التركيب الكيميائي، وذلك بهدف فهم خصائص المادة الناتجة بدقة.
وفي المرحلة الأخيرة، أجرت الباحثة اختبارات أداء لفلاتر الكربون النشط المصنوعة من مخلفات القهوة لتقييم مدى قدرتها على إزالة المعادن الثقيلة من المياه الملوثة، وتم ذلك من خلال دراسة نسب الامتصاص وكفاءة الإزالة تحت ظروف تشغيل مختلفة.
وأظهرت نتائج الدراسة أن مخلفات القهوة تمثل مادة أولية واعدة لإنتاج كربون نشط عالي الجودة، حيث تمكنت الباحثة من تطوير منتج يتمتع بفعالية تنافسية مقارنةً بالكربون النشط التجاري، خاصة في إزالة الملوثات مثل المعادن الثقيلة من المياه.
وبيّنت التحاليل المخبرية أن الكربون المنتج يتميز بمسامية مرتفعة ومساحة سطحية واسعة، مما يعزز من قدرته الامتصاصية وفعاليته في تطبيقات تنقية المياه، كما يمتاز بانخفاض تكلفته وسهولة تصنيعه من مصادر محلية متاحة، مما يجعله خيارًا اقتصاديًا وصديقًا للبيئة. وبيّنت التجارب كذلك أن هذا الكربون النشط قابل لإعادة الاستخدام بعد انتهاء عمره الافتراضي، الأمر الذي يسهم في تعزيز استدامته والحد من الأثر البيئي الناتج عن المواد أحادية الاستخدام.
وأوصت الدراسة بتوسيع تطبيق تقنية إنتاج الكربون النشط من مخلفات القهوة على نطاق صناعي لمعالجة المياه الملوثة ومياه الصرف بكفاءة عالية وبتكلفة منخفضة، مع إمكانية دمج هذه التقنية ضمن أنظمة إعادة استخدام المياه في العمليات الصناعية، واقتراح اعتماد استراتيجية الحياد الكربوني الصفري في مراحل التشغيل، وذلك من خلال الاستفادة من الغاز الحيوي الناتج عن عملية الانحلال الحراري كمصدر طاقة لتنشيط الكربون، بما يسهم في خفض البصمة الكربونية ودعم التوجهات الوطنية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ودعت الدراسة أيضًا إلى استخدام الكربون النشط المنتج في التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون من الانبعاثات الصناعية لدوره الفعّال في تقليل الغازات الدفيئة، إضافة إلى ذلك، يُمكن توظيفه في تحسين عمليات استخلاص النفط والغاز، والتحكم في الانبعاثات الغازية، ومعالجة الملوثات العضوية في الصناعات الكيميائية والبترولية، مما يمنحه فرصًا واسعة للتطبيق في عدد من القطاعات الحيوية داخل سلطنة عُمان.