المال وجائزة نوبل… والباقي تفاصيل
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
في سابقة غريبة ومن على سطح البيت الأبيض أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام، مؤتمراً صحافياً افتتحه برقصته الشهيرة على وقع إحدى الأغنيات التي يفضلها، ليتحدث عن أحلامه وطموحاته وأمانيه الممتدة من تأهيل السطح الذي وقف عليه إلى تأهيل العالم برمته، وفق النظرة «الترامبية» العجيبة، وليعرج على دوره المزعوم في بسط السلام في العالم.
جاء هذا الحدث في مساحة زمنية متزامنة مع التوقيع في البيت الأبيض على إعلان المبادئ بين العدوين اللدودين أرمينيا وأذربيجان، اللذين عاشا معارك الكر والفر على مدار أربعين عاماً، في نزاعمها حول إقليم ناغورنو كارباخ، المنطقة الأذربيجانية التي تقطنها غالبية من الأرمن، في حربين كبيرتين، الأولى عقب سقوط الاتحاد السوفييتي وانتصرت فيها أرمينيا، والثانية في 2020 وانتصرت فيها أذربيجان، قبل أن تسيطر أذربيجان على الجيب بكامله في هجوم استمر 24 ساعة في سبتمبر/ أيلول 2023 وأدّى لتهجير أكثر من 100 ألف أرميني منه.
نزوات ترامب متواصلة لا يهمه من يختلف مع من، ومن يقتل من، بل همه الوحيد هو انتزاع المال من أهله، والظهور بمظهر رجل السلام كما يدعي، مستشهداً بمواقف سابقة ادعى فيها أنه قد أنجز فيها سلاماً مؤزراً حسب زعمه. وتستند نزوات ترامب هذه إلى تعزيز الأهداف المصلحية والمادية وإحكام قبضة أمريكا على العالم ومصادر المال، إضافة إلى تبرير وتعزيز طلبه الشخصي في الحصول على جائزة نوبل للسلام بأي شكل من الأشكال.
فحّل معضلة أذربيجان وأرمينيا مثلاً، جاء مقابل السيطرة الأمريكية الكاملة على ما يعرف بممر زنغزورو التجاري، وهو عبارة عن منطقة جبلية تاريخية تفصل بين أرمينيا وأذربيجان، حيث كان ذلك الممر وعلى مدار عقود مسرحا للتوترات والنزاعات. بعد حرب ناغورني كاراباخ الثانية عام 2020، عندما برز الممر من جديد كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار. ويمتد الممر المذكور لمسافة تقارب 43 كيلومترا جنوب أرمينيا، ليصل بين أذربيجان وتركيا، وهو ما يدفع كلا البلدين للإصرار على استغلاله، وإحكام السيطرة عليه باعتباره ممراً استراتيجياً، يعزز التواصل البري، ويدعم التجارة البينية والدولية، ويربط شبكات السكك الحديدية والطرق بأنقرة ومنها إلى أوروبا والعالم.
هنا جاء حل ترامب المزعوم والقائم على السيطرة الأمريكية على الممر، وتسميته بـ «ممر ترامب الدولي للسلام والازدهار» (TRIPP) عبر تأجير أراضي الممر لشركة أمريكية خاصة لمدة 99 عاما، بهدف تطوير بنية تحتية شاملة تضم طرقا وسككا حديدية وأنابيب طاقة وأليافاً بصرية.
في المقابل وبالأمس القريب، طرح ترامب مشروع الريفيرا في غزة، متقاطعاً مع رغبة نتنياهو في الربط بين المتوسط والهند مروراً بغزة وغازها، لكنه عاد وأمام الرفض الأممي الساحق لفكرته، ليبدو وكأنه قد تخلى عن هذه الفكرة، بينما عاد نتنياهو للحديث عن سيطرة إسرائيلية، وإدارة مدنية، ثم إدارة عربية. تبادل الأدوار هذا يبدو وكأنه بمثابة محاولة ممنهجة للتوهان، قبل أن يعود الرجلان في مرحلة لاحقة للحديث عن الريفيرا من جديد فيما يعتقد بأن الأمر مرهون بتنفيذ نتنياهو لخطة إجهازه الأخيرة على غزة وترحيل سكانها، وفق ما سماها، خطة السيطرة على مدينة غزة ووسط القطاع الجريح.
ومع كل محطة يسأل الصحافيون ترامب عن غزة يعود وفي محضر إجاباته، ليختتم الكلام بقوله: إن الأمر متروك لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يحدد ما يريد مجدداً دعمه اللامحدود لإسرائيل. ومع ثورة العالم ضد إقرار حكومة نتنياهو الأخير باحتلال مدينة غزة ومنطقة وسط القطاع، خرجت سفيرة ترامب لدى الأمم المتحدة في مجلس الأمن لتسبح عكس تيار المتحدثين الحانقين، ولتعيد التذكير بمواقف أمريكا المخجلة، وكأنها تقول للعالم: أنتم في كفة وترامب في كفة أخرى.
أمام مشهدي الريفييرا وممر زنغزورو، يجدد ترامب ارتباط حكمه بأمرين أساسيين: المال وجائزة نوبل، أما باقي الأمور فما هي إلا تفاصيل تغذي نزوات الشخص و»شطحاته» الممهورة بجنون العظمة ونرجسيته المتصاعدة، التي ربما تتطيح بترامب وأمريكا مجتمعين. المال وجائزة نوبل همّا ترامب الأساسيين، أما أولئك الذين يقتلون كل يوم وتسلب أرضهم وينحر وطنهم وتدمر حياتهم.. ما هم إلا وقود لنزواته المتلاحقة. فهل تشمل اعترفات الدول بفلسطين في جزء منها انعكاساً واضحاً لتنامي الضيق الدولي بمسلكية كهذه؟ ننتظر ونرى.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ترامب نوبل غزة غزة الاحتلال نوبل ترامب مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ما سبب التناقض الإيراني حيال ممر ترامب؟ خبراء يجيبون
طهران- عقب تأكيد مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي أن بلاده ستمنع إنشاء الممر الأميركي في القوقاز "سواء بالتعاون مع روسيا أو بدونها"، أثارت تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حول "مراعاة جميع مطالب إيران بشأن الممر" علامة استفهام عن سبب التناقض في المواقف الإيرانية.
وبعد مرور نحو شهرين على اعتراف ولايتي بأن طهران "أفشلت مشروع إقامة ممر زنغزور لربط أذربيجان بنخجوان عبر الأراضي الأرمينية"، جدد موقف بلاده من الممر الذي اعتبره "تهديدا لأمن المنطقة ويغير خريطتها الجيوسياسية".
مؤكدا -في مقابلة مع وكالة "تسنيم" الإيرانية- أن هذا الممر لن يتحول إلى طريق يملكه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل سيكون "مقبرة لمرتزقته" علی حد تعبيره.
وبعد يوم من تصريحات ولايتي، قال الرئيس الإيراني بزشكيان إنه تمت مراعاة جميع مطالب إيران بشأن ممر زنغزور بما في ذلك وحدة الأراضي وعدم إغلاق الطريق نحو أوروبا، مضيفا في حديث للصحفيين أن موضوع ممر زنغزور "ليس كما تم تضخيمه في الأخبار، فجميع الأطراف راعت مطالب إيران بشأنه، وقلقنا الوحيد هو أن شركة أميركية تريد إنشاء هذا الممر".
وفور الإعلان عن توقيع أذربيجان وأرمينيا اتفاق سلام برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، توقفت الأوساط الإيرانية أمام تزامن انعقاد القمة الأذربيجانية والأرمينية والأميركية وإقرار الحكومة الإسرائيلية احتلال كامل قطاع غزة وكذلك مصادقة الحكومة اللبنانية على نزع سلاح حزب الله، وتداعيات تلك الإجراءات على أمن الشرق الأوسط القوقاز والمصالح الإيرانية فيهما.
في غضون ذلك، كتبت صحيفة "جمهوري إسلامي" المعتدلة أنه "ليس من الصدفة أن تتزامن 3 إجراءات في منطقتي الشرق الأوسط والقوقاز -في يوم واحد- تصب كلها في صالح الولايات المتحدة وكيان الاحتلال، وأن هذه الأحداث الثلاثة من تدبير المخططين الأميركيين والصهاينة، وجميعها تمثل ضررا لشعوب المنطقة وخيانة للمسلمين".
إعلانمن ناحيته، يعتقد الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه أنه تم تهميش مطالب إيران وملاحظاتها بشأن ممر زنغزور في اتفاق السلام بين باكو ويريفان.
أرمينيا وأذربيجان توقعان في واشنطن اتفاقية سلام بوساطة أمريكية، تنهي ٣٥ عاما من القتال بين البلدين | تقرير: ناصر الحسيني#الأخبار pic.twitter.com/Jyyf2mDHOj
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 9, 2025
تحد استعماريوفي حديث للجزيرة نت، يضيف فلاحت بيشه أن ممر زنغزور الذي تحول اسمه إلى طريق ترامب من شأنه أن يكون تحديا استعماريا مستمرا في حال عدم معالجة اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا مخاوف وقضايا مهمة منها موضوع الحدود البرية بين إيران وأرمينيا، والجغرافيا السياسية للمنطقة، وكذلك الحضور الأميركي في القوقاز الجنوبي.
وفي ظل التوتر المتواصل بين واشنطن وطهران، فإن الحضور الأميركي بالقرب من الحدود الإيرانية من شأنه أن يتحول إلى تحد حقيقي واستعماري، وفق النائب السابق بالبرلمان الإيراني الذي يعتبر دور روسيا في هذه القضية موضع تساؤل، مما يرجح أن تضحي موسكو بالمصالح الإيرانية لصالح أولوياتها الإستراتيجية مثل حرب أوكرانيا.
وخلص فلاحت بيشه إلى أن الحدود المشتركة بين إيران وأرمينيا تمثل طريقا فريدا للجمهورية الإسلامية نحو أوروبا، مما يجعل من قطع هذه الحدود جراء مد طريق ترامب انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وقد يثير ذلك ردود فعل قوية من جانب إيران كونه سيفسر بطهران انتهاكا لوحدة الأراضي الوطنية.
تفادي التصعيدمن ناحيته، يلمس الباحث السياسي حميد آصفي -في حديثه للجزيرة نت- تناقضا في تصريحات المسؤولين الإيرانيين حيال ما يمسى طريق ترامب. إذ تهدد شريحة بإفشاله بينما ترى الأوساط الحكومية أن الاتفاق بين باكو ويريفان يراعي جميع مطالب طهران، واصفا الحديث الرسمي عن استمرار المحادثات في منطقة القوقاز "مؤشرا على عدم حسم القضايا العالقة بالنسبة لطهران".
ورأى آصفي أن الرعاية الأميركية لممر زنغزور تأتي في سياق المخطط الرامي إلى تهميش إيران من شبكة الممرات الدولية، مضيفا أن طهران فشلت في استثمار هذا الممر الإستراتيجي والذي كان يمكن أن يربطها بأسواق أوروبا والقوقاز وشرق آسيا.
وختم بالقول إن تصريحات الحكومة حول مراعاة اتفاق القوقاز جميع المطالب الإيرانية "دبلوماسية ترمي لتفادي المزيد من التوتر لا سيما مع الجانب الأميركي"، مؤكدا أن التقديرات الإيرانية الرسمية ترجح اندلاع حرب خلال المرحلة المقبلة مع إسرائيل وأنها لا تريد تشتيت طاقاتها على حدودها الشمالية الغربية.
من جانبه، يرجع الباحث السياسي صلاح الدين خديو التناقض في المواقف الإيرانية حيال طريق ترامب جنوبي القوقاز إلى التحوّل الطارئ في سياستها الخارجية، موضحا أن تصريحات ولايتي نابعة من موقف طهران الثابت إزاء أي حضور غربي على تخوم حدودها بما يهدد مصالحها وأمنها القومي، في حين أن موقف الحكومة ينم عن تنسيق دبلوماسي بين طهران ويريفان.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، يرى الباحث الإيراني أن اتفاق السلام في القوقاز يعارض الطموحات التركية المطالبة بالأساس بسيطرة كاملة للجانب الأذربيجاني على ممر زنغزور، معتبرا السياسة الأرمينية بإشراك الجانب الأميركي -اقتصاديا- في الممر الجديد تأتي لاحتواء تلك الطموح، وأنه يرجح أن يكون التنسيق الأمني بين يريفان وطهران يمضي على قدم وساق.
ورأى خديو أن أوراق الحكومة الإيرانية لمنع إنشاء طريق ترامب "محدودة" في التوقيت الراهن، مما يحثها على التركيز على النصف الممتلئ من الكأس وغض البصر عن الجوانب الغامضة في الملف، مع تفعيل دبلوماسيتها للمساهمة الاقتصادية في المشروع من خلال المشاركة في الشركة متعددة الأطراف التي ستقوم بعمليات إنشاء طريق ترامب، مستبعدا أن تقوم طهران بعملية عسكرية لمنع إنشاء الممر.